surah_name
stringclasses 113
values | revelation_type
stringclasses 2
values | ayah
stringlengths 2
1.15k
| tafsir_book
stringclasses 84
values | tafsir_content
stringlengths 0
644k
|
---|---|---|---|---|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وذلك أن قريشاً قالوا له صِفْ لنا ربَّك الذي تعبده وتدعونا إليه ما هو؟ فأنزل الله تعالى (قل هو الله أحد) يعني قل يا محمد للكفار إن ربي الذي أعبده (هو الله أحد) يعني فرد لا نظير له ولا شبيه له ولا شريك له ولا معين له ثم قال عز وجل { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } يعني الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، وقال السدي وعكرمة ومجاهد (الصمد) الذي لا جوف له، وعن قتادة قال كان إبليس لعنه الله ينظر إلى آدم - عليه السلام - ودخل في فيه وخرج من دبره يعني حين كان صلصالاً فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال الصمد الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ويتضرعون إليه عند مسألتهم وقال أبو وايل (الصمد) السيد الذي انتهى سؤدده وكذلك قال سعيد بن جبير وقال الحسن البصري رضي الله عنه (الصمد) الدائم، وقال قتادة (الصمد) الباقي ويقال الكافي وقال محمد بن كعب القرظي (الصمد) الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ويقال (الصمد) التام في سؤدده وروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال (الصمد) الذي لا يخاف من فوقه ولا يرجو من تحته ويُصْمَد إليه في الحوائج ثم قال عز وجل { لَمْ يَلِدْ } يعني لم يكن له ولد يرث ملكه. { وَلَمْ يُولَدْ } يعني لم يكن له والد يرث عنه ملكه { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يعني لم يكن له نظير ولا شريك فينازعه في عظمته وملكه وقال مقاتل إن مشركي العرب قالوا إن الملائكة كذا وكذا وقالت اليهود والنصارى في عزير والمسيح ما قالت فكذبهم الله تعالى وأبرأ نفسه مما قالوا فقال (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)، قرأ عاصم في رواية حفص كفواً بغير همزة وقرأ حمزة بسكوت الفاء مهموزاً والباقون بضم الفاء مهموزاً بهمزة وكل ذلك يرجع إلى معنى واحد وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال من قرأ (قل هو الله أحد) بعد صلاة الفجر إحدى عشرة مرة لم يلحقه ذنب يومئذ ولو اجتهد الشيطان
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال **" أيعجز أحدكم أن يقرأ القرآن في ليلة؟ "** فقيل يا رسول الله من يطيق ذلك؟ قال: **" أن يقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات "** ، وروي عن ابن شهاب عن الزهري رضي الله عنه قال بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال **" من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن "** والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُو اللهُ أَحَدٌ } اختلف في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هذا الله خَلَق الخلْق، فمن خلَقَ الله؟ فنزلت هذه السورة جواباً لهم، قاله قتادة.
الثاني: أن مشركي قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة، وقال: يا محمد انسبني إلى هذا، وهذا قول أُبي بن كعب.
الثالث: ما رواه أبو روق عن الضحاك أن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قل له شققت عصانا وسببت آلهتنا وخالفت دين آبائك، فإن كنت فقيراً أغنيناك وإن كنت مجنوناً داويناك، وإن هويت امرأة زوجناكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لست بفقير ولا مجنون ولا هويت امرأة، أنا رسول الله إليكم، أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته "** ، أرسلوه ثانية وقالوا له: قل له بيّن لنا جنس معبودك، فأنزل الله هذه السورة، فأرسلوه ثالثة وقالوا: قل له لنا ثلاثمائة وستون صنماً لا تقوم بحوائجنا، فكيف يقوم إله واحِد بحوائج الخلق كلهم؟ فأنزل الله سورة الصافات إلى قوله { إن إلهاكم لواحد } يعني في جميع حوائجكم، فأرسلوه رابعة وقالوا: قل له بيّن لنا أفعال ربك، فأنزل الله تعالى: { إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض } الآية، وقوله { الذي خلقكم ثم رزقكم }.
{ قل هو الله أحد } خرج مخرج جواب السائل عن الله تعالى، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم { قل هو اللهُ أحَدٌ } والأحد: هو المتفرد بصفاته الذي لا مِثل له ولا شبه.
فإن قيل: فلم قال " أحَدٌ " على وجه النكرة، ولم يقل الأحَدُ؟ قيل عنه جوابان:
أحدهما: أنه حذف لام التعريف على نية إضمارها فصارت محذوفة في الظاهر، مثبتة في الباطن، ومعناه قل هو الله الأحد.
الثاني: أنه ليس بنكرة، وإنما هو بيان وترجمة، قاله المبرد.
فأما الأحد والواحد ففيهما وجهان:
أحدهما: أن الأحد لا يدخل العدد، والواحد يدخل في العدد، لأنك تجعل للواحد ثانياً، ولا تجعل للأحد ثانياً.
الثاني: أن الأحد يستوعب جنسه، والواحد لا يستوعب، لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد، لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر، فصار الأحد أبلغ من الواحد.
وفي تسميتها بسورة الإخلاص ثلاثة أوجه:
أحدها: لأن في قراءتها خلاصاً من عذاب الله.
الثاني: لأن فيها إخلاص لله من كل عيب ومن كل شريك وولد، قاله عبد الله ابن المبارك.
الثالث: لأنها خالصة لله ليس فيها أمر ولا نهي.
{ اللَّهُ الصّمَدُ } فيه عشرة تأويلات:
أحدها: أن الصمد المصمت الذي لا جوف له، قاله الحسن وعكرمه والضحاك وابن جبير، قال الشاعر:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **شِهابُ حُروب لا تَزالُ جيادُه** | | **عوابسَ يعْلُكْنَ الشكيمَ المُصَمّدا** |
| --- | --- | --- |
الثاني: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، قاله الشعبي.
الثالث: أنه الباقي الذي لا يفنى، قاله قتادة، وقال الحسن: إنه الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
الرابع: هو الذي لم يلد ولم يولد، قاله محمد بن كعب.
الخامس: أنه الذي يصمد الناس إليه في حوائجهم، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
| **ألا بكّر الناعي بخَيريْ بني أسدْ** | | **بعمرِو بن مَسعودٍ وبالسيّد الصَّمَد.** |
| --- | --- | --- |
السادس: أنه السيد الذي قد انتهى سؤدده، قاله أبو وائل وسفيان وقال الشاعر:
| **عَلوْتُه بحُسامٍ ثم قلت له** | | **خُذْها حُذَيْفَ فأنت السيّد الصَّمَدُ.** |
| --- | --- | --- |
السابع: أنه الكامل الذي لا عيب فيه، قاله مقاتل، ومنه قول الزبرقان:
| **ساروا جَميعاً بنصْفِ الليلِ واعْتَمدوا** | | **ألاّ رهينةَ إلا السيّدُ الصَمَدُ.** |
| --- | --- | --- |
الثامن: أنه المقصود إليه في الرغائب، والمستغاث به في المصائب، قاله السدي.
التاسع: أنه المستغني عن كل أحد قاله أبو هريرة.
العاشر:أنه الذي يفعل مايشاء ويحكم بما يريد، قاله الحسين بن فضيل.
{ لم يَلِدْ ولم يُولَدْ } فيه وجهان:
أحدهما: لم يلد فيكون والداً، ولم يولد فيكون ولداً، قاله ابن عباس.
الثاني: لم يلد فيكون في العز مشاركاً، ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً، قاله الحسين بن فضيل.
وإنما كان كذلك لأمرين:
أحدهما: أن هاتين صفتا نقص فانتفتا عنه.
الثاني: أنه لا مثل له، فلو وَلَدَ أو وُلدِ لصار ذا مثل، والله تعالى منزه عن أن يكون له مثل.
{ ولم يَكُن له كُفُواً أَحَدٌ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لم يكن له مثل ولا عديل، قاله أبي بن كعب وعطاء.
الثاني: يعني لم تكن له صاحبة، فنفى عنه الولد والوالدة والصاحبة، قاله مجاهد.
الثالث: أنه لا يكافئه في خلقه أحد، قاله قتادة وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحدٌ كُفواً، فقدم خبر كان على اسمها لتنساق أواخر الآي على نظم واحد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌٌ } قرأ حمزة وإسماعيل: " كفْؤاً " ساكنة الفاء مهموزاً، وقرأ حفص عن عاصم بضم الفاء من غير همز، وقرأ الآخرون بضم الفاء مهموزاً، وكلها لغات صحيحة، ومعناه: المثل أي: هو أحد. وقيل: هو على التقديم والتأخير مجازه: ولم يكن له أحد كفواً أي مثلاً. قال مقاتل: قال مشركو العرب: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله ونفى عن ذاته الولادة والمثل. أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" قال الله تعالى: كذَّبني ابنُ آدم ولم يكن له ذلك، وشتَمَني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبهُ إيّايَ فقولهُ: لن يعيدني كما بدأني وليس أولُ الخلق بأهونَ عليّ من إعادته، وأما شتمُهُ إيّاي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد ".** أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ويردّدها، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالُّها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" والذي نفسي بيده إنها لَتَعْدِل ثُلُثَ القرآن ".** أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن الأصفهاني أخبرنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن قتادة: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدِّث عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثُلثَ القرآن في ليلةٍ "؟ قلت: يا رسول الله ومن يطيقُ ذلك؟ قال: " اقرؤوا قُلْ هو الله أحد ".** وأخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن جبير مولى زيد بن الخطاب أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" أقبلتُ مع رسولِ الله فسمع رجلاً يقرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ \* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، فقال رسول الله: " وجبتْ " فسألته: ماذا يا رسول الله؟ فقال: " الجنة ". فقال أبو هريرة: فأردت أن أذهب إلى الرجل فأبشره، ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثرت الغداء، ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب ".** أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي حدثنا عبد الرحيم بن منيب حدثنا يزيد بن هارون حدثنا المبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس قال: **" قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحبُّ هذه السورة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال: حبُّكَ إيَّاها أدخلَك الجنَّةَ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والربيع بن خيثم: " قل هو الله أحد الواحد الصمد " ، وروى أبي بن كعب أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه تعالى عما يقول الجاهلون فنزلت هذه السورة، وروى ابن عباس أن اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خر مغشياً عليه ونزل عليه جبريل بهذه السورة، وقال أبو العالية قال قتادة: الأحزاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأتاه الوحي بهذه السورة، و { أحد } معناه: فرد من جميع جهات الوحدانية، ليست كمثله شيء، وهو ابتداء و { الله } ابتداء ثان و { أحد } خبره، والجملة خبر الأول، وقيل: { هو } ابتداء و { الله } خبره و { أحد } بدل منه، وحذف أبو عمرو التنوين من { أحد } لالتقاء الساكنين " أحدُ الله " وأثبتها الباقون مكسورة للالتقاء، وأما وفقهم كلهم فبسكون الدال، وقد روي عن أبي عمرو: الوصل بسكون الدال، وروي عنه أيضاً تنوينها، و { الصمد } في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويستقل بها، وأنشدوا: [الطويل]
| **ألا بكر الناعي بخير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
وبهذا تفسر هذه الآية لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات، وإليه تصمد به قوامها، ولا غني بنفسه إلا هو تبارك وتعالى، وقال كثير من المفسرين: { الصمد } الذي لا جوف له، كأنه بمعنى المصمت، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وفي هذا التفسير كله نظر، لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى. فما الذي تعطينا هذه العبارات، و { الله الصمد } ابتداء وخبر، وقيل: { الصمد } نعت، والخبر فيما بعد، وقوله تعالى: { لم يلد ولم يولد } رد على إشارة الكفار في النسب الذي سألوه، وقال ابن عباس: تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: لأن الأفهام تقف دون ذلك حسيرة، والمؤمنون يعرفون الله تعالى بواجب وجوده وافتقار كل شيء إليه واستغنائه عن كل شيء وينفي العقل عنه كل ما لا يليق به تبارك وتعالى، وأن ليس كمثله شيء، وكل ما ذكرته فهو في ضمن هذه السورة الوجيزة البليغة، قوله تعالى: { ولم يكن له كفؤاً أحد } معناه: ليس له ضد ولا ند ولا شبيه، والكفأ والكفؤ والكفاء النظير، وقرأ " كُفؤاً " بضم الكاف وهمز مسهل نافع والأعرج وأبو جعفر وشيبة، وقرأ بالهمز عاصم وأبو عمرو بخلاف عنه، وقرأ حمزة: " كفْواً " بالهمز وإسكان الفاء وروي عن نافع " كفاً " بفتح الفاء وبغير همز.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: " ولم يكن له كِفاء أحد " بكسر الكاف وفتح الفاء، والمد، و { كفؤاً }: خبر كان واسمها { أحد } ، والظرف ملغى، وسيبويه رحمه الله يستحسن أن يكون الظرف إذا تقدم خبراً، ولكن قد يجيء ملغى في أماكن يقتضيها المعنى كهذه الآية، وكما قال الشاعر:
| **ما دام فيهن فصيل حيا** | | |
| --- | --- | --- |
ويحتمل أن يكون: { كفؤاً } ، حالاً لما قدم من كونه وصفاً للنكرة، كما قال: لعزة موحشاً طلل، قال سيبويه: وهذا يقل في الكلام، وبابه الشعر، وقال صلى الله عليه وسلم: **" إن { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ".** قال القاضي أبو محمد: بما فيها من التوحيد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | وفيها قولان.
أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر.
والثاني: مدنية، روي عن ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" والذي نفسي بيده إنها لَتَعْدِل ثُلُثَ القرآن "** وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" إنها تعدل ثلث القرآن ".** وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فنزلت هذه السورة، قاله أُبَيّ بن كعب.
والثاني: أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إلام تدعونا يا محمد؟ قال: إلى الله عز وجل. قال: صفه لي، أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، فنزلت هذه السورة، قاله ابن عباس.
والثالث: أن الذين قالوا هذا، قوم من أحبار اليهود قالوا: من أي جنس هو، وممن ورث الدنيا، ولمن يورِّثها؟ فنزلت هذه السورة، قاله قتادة، والضحاك. قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، «أحدٌ اللهُ» وقرأ أبو عمرو «أحدُ اللهُ» بضم الدال، ووصلها باسم الله. قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله عز وجل. والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته هو الله و «أحد» مرفوع على معنى: هو أحد، فالمعنى: هو الله، وهو أحد. وقرئت «أحدٌ اللهُ الصمد» بتنوين أحد. وقرئت «أحدُ الله» بترك التنوين، وقرئت بإسكان الدال «أحدْ اللهُ»، وأجودها الرفع بإثبات التنوين، وكُسِرَ التنوين لسكونه وسكون اللام في «الله»، ومن حذف التنوين، فلالتقاء الساكنين أيضاً، ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ «الله الصمد» وهو أردؤها.
فأما «الأحد» فقال ابن عباس، وأبو عبيدة: هو الواحد. وفرَّق قوم بينهما. وقال أبو سليمان الخطابي: [الواحد]: هو المنفرد بالذات، فلا يضاهيه أحد.
والأحد: هو المنفرد بالمعنى، فلا يشاركه فيه أحد. وأصل «الأحد» عند النحويين: الوحد، ثم أبدلوا من الواو الهمزة.
وفي «الصمد» أربعة أقوال.
أحدها: أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الصمد: السيد الذي قد كمل في سؤْدُدِه. قال أبو عبيدة: هو السيد الذي ليس فوقه. أحد والعرب تسمي أشرافها: الصَّمد. قال الأسدي:
| **لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْريْ بَني أَسَدْ** | | **بعمرو بن مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج: هو الذي ينتهي إليه السُّؤدُد، فقد صمد له كل شيء قصد قصده. وتأويل صمود كل شيء له: أن في كل شيء أثر صُنْعه. وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد: السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والثاني: أنه الذي لا جوف له، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، والسدي. وقال ابن قتيبة: فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء، والمصمت من هذا.
والثالث: أنه الدائم.
والرابع: الباقي بعد فناء الخلق، حكاهما الخطابي وقال: أصح الوجوه الأول، لأن الاشتقاق يشهد له، فإن أصل الصمد: القصد. يقال: اصمد صمد فلان، أي اقصد قصده. فالصمد: السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويقصد في الحوائج.
قوله تعالى: { لم يلد } قال مقاتل: لم يلد فيورَّث { ولم يولد } فيشارَك، وذلك أن مشركي العرب قالوا: الملائكة بناتُ الرحمن. وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فبرَّأ نفسه من ذلك.
قوله تعالى: { ولم يكن له كُفُواً أحد } قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز. ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واواً. وقرأ حمزة بسكون الفاء. والكفء: المثل المكافئ. وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن له أحد كُفُوَاً، فقدَّم وأخرَّ لتتفق رؤوس الآيات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { كُفُواً } لا مثل له ولا عديل أو لا يكافئه من خلقه أحد أو نفى عنه الصاحبة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | أربع آيات مكية عند الجمهور وقيل: مدنية عند أهل البصرة
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو ضمير الشأن و { ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو الشأن كقولك: هو زيد منطلق كأنه قيل: الشأن هذا وهو أن الله واحد لا ثاني له، ومحل { هُوَ } الرفع على الابتداء والخبر هو الجملة، ولا يحتاج إلى الراجح لأنه في حكم المفرد في قولك: زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى، وذلك أن قوله { ٱللَّهُ أَحَدٌ } هو الشأن الذي عبارة عنه وليس: كذلك زيد أبوه منطلق، فإن زيداً أو الجملة يدلان على معنيين مختلفين فلا بد مما يصل بينهما. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قالت قريش: يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فنزلت. يعني الذي سألتموني وصفه هو الله تعالى. وعلى هذا { أَحَدٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وهو بمعنى واحد، وأصله وحد فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفاً.
والدليل على أنه واحد من جهة العقل أن الواحد إما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافياً أولاً، فإن كان كافياً كان الآخر ضائعاً غير محتاج إليه وذلك نقص والناقص لا يكون إلهاً، وإن لم يكن كافياً فهو ناقص. ولأن العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل والفاعل الواحد كافٍ وما وراء الواحد فليس عدد أولي من عدد فيفضي ذلك إلى وجود أعداد لا نهاية لها وذا محال. فالقول بوجود إلهين محال، ولأن أحدهما إما أن يقدر على أن يستر شيئاً من أفعاله عن الآخر أو لا يقدر، فإن قدر لزم كون المستور عنه جاهلاً، وإن لم يقدر لزم كونه عاجزاً. ولأنا لو فرضنا معدوماً ممكن الوجود فإن لم يقدر واحد منهما على إيجاده كان كل واحد منهما عاجزاً والعاجز لا يكون إلهاً، وإن قدر أحدهما دون الآخر فالآخر لا يكون إلهاً، وإن قدراً جميعاً فإما أن يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجاً إلى إعانة الآخر فيكون كل واحد منهما عاجزاً، وإن قدر كل واحد منهما على إيجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فإما أن يبقى الثاني قادراً عليه وهو محال، لأن إيجاد الموجود محال، وإن لم يبق فحينئذ يكون الأول مزيلاً قدرة الثاني فيكون عاجزاً ومقهوراً تحت تصرفه فلا يكون إلهاً. فإن قلت: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزاً. قلنا: الواحد إذا أوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته، ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزاً، وأما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخر فكان ذلك تعجيزاً.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } هو فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
والمعنى هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد لا شريك له، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق ولا يستغنون عنه وهو الغني عنهم { لَمْ يَلِدْ } لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، وقد دل على هذا المعنى بقوله:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] { وَلَمْ يُولَدْ } لأن كل مولود محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده إذ لو لم يكن قديماً لكان حادثاً لعدم الواسطة بينهما، ولو كان حادثاً لافتقر إلى محدث، وكذا الثاني والثالث فيؤدي إلى التسلسل وهو باطل. وليس بجسم لأنه اسم للمتركب ولا يخلو حينئذ من أن يتصف كل جزء منه بصفات الكمال فيكون كل جزء إلهاً فيفسد القول به كما فسد بإلهين، أو غير متصف بها بل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ولم يكافئه أحد أي لم يماثله.
سألوه أن يصفه لهم فأوحى إليه ما يحتوي على صفاته تعالى، فقوله: { هُوَ ٱللَّهُ } إشارة إلى أنه خالق الأشياء وفاطرها، وفي طي ذلك وصفه بأنه قادر عالم لأن الخلق يستدعي القدرة والعلم لكونه واقعاً على غاية إحكام واتساق وانتظام، وفي ذلك وصفه بأنه حي لأن المتصف بالقدرة والعلم لا بد وأن يكون حياً، وفي ذلك وصفه بأنه سميع بصير مريد متكلم إلى غير ذلك من صفات الكمال، إذ لو لم يكن موصوفاً بها لكان موصوفاً بأضدادها وهي نقائص وذا من أمارات الحدوث فيستحيل اتصاف القديم بها، وقوله: { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشريك، وبأنه المتفرد بإيجاد المعدومات والمتوحد بعلم الخفيات، وقوله: { ٱلصَّمَدُ } وصف بأنه ليس إلا محتاجاً إليه وإذا لم يكن إلا محتاجاً إليه فهو غني لا يحتاج إلى أحد ويحتاج إليه كل أحد، وقوله { لَمْ يَلِدْ } نفي للشبه والمجانسة، وقوله { وَلَمْ يُولَدْ } نفي للحدوث ووصف بالقدم والأولية.
وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } نفي أن يماثله شيء. ومن زعم أن نفي الكفء وهو المثل في الماضي لا يدل على نفيه للحال والكفار يدعونه في الحال فقد تاه في غيه، لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة إذ الحادث لا يكون كفؤاً للقديم، وحاصل كلام الكفرة يئول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل، والسورة تدفع الكل كما قررنا، واستحسن سيبويه تقديم الظرف إذا كان مستقراً أي خبراً لأنه لما كان محتاجاً إليه قدم ليعلم من أول الأمر أنه خبر لا فضلة، وتأخيره إذا كان لغواً أي فضلة لأن التأخير مستحق للفضلات. وإنما قدم في الكلام الأفصح لأن الكلام سيق لنفي المكافأة عن ذات الباريء سبحانه، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان الأهم تقديمه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وكان أبو عمرو يستحب الوقف على { أَحَدٌ } ولا يستحب الوصل، قال عبد الوارث: على هذا أدركنا القراء، وإذا وصل نوّن وكسر أو حذف التنوين كقراءة**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30]، { كفؤا } بسكون الفاء والهمزة: حمزة وخلف. { كُفُواً } مثقلة غير مهموزة: حفص. الباقون مثقلة مهموزة.
وفي الحديث: **" من قرأ سورة الإخلاص فقد قرأ ثلث القرآن "** لأن القرآن يشتمل على توحيد الله وذكر صفاته وعلى الأوامر والنواهي وعلى القصص والمواعظ، وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن، وفيه دليل شرف علم التوحيد وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم ويتضع بضعته، ومعلوم هذا العلم هو الله وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله! اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك العاملين لك، الراجين لثوابك، الخائفين من عقابك، المكرمين بلقائك، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فقال: وجبت. فقيل: يا رسول الله ما وجبت؟ قال **" وجبت له الجنة "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { قل هو الله أحد } عن أبي بن كعب **" أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد } والصّمد الذي لم يلد، ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفواً أحد. قال لم يكن له شبيه، ولا عديل، وليس كمثله شيء "** أخرجه التّرمذي وقال: وقد روي عن أبي العالية أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم، فقالوا انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السّورة { قل هو الله أحد } وذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب، وهذا أصح وقال ابن عباس **" أن عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قال صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب، فنزلت هذه السّورة، وأهلك الله أربد بالصاعقة وعامر بالطاعون "** ، وقد تقدم ذكرهما في سورة الرّعد، وقيل جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإن الله تعالى أنزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أي شيء هو، وهل يأكل ويشرب، وممن ورث الربوبية، ولمن يورثها، فأنزل الله هذه السّورة { قل هو الله أحد } يعني الذي سألتموني عنه هو الله الواحد في الألوهية، والرّبوبية الموصوف بصفات الكمال والعظمة المنفرد عن الشبه، والمثل والنظير، وقيل لا يوصف أحد بالأحدية غير الله تعالى فلا يقال رجل أحد، ودرهم أحد بل أحد صفة من صفات الله تعالى. استأثر بها فلا يشركه فيها أحد، والفرق بين الواحد، والأحد أن الواحد يدخل في الأحد، ولا ينعكس، وقيل إن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي تقول في الإثبات رأيت رجلاً واحداً، وفي النفي ما رأيت أحداً، فتفيد العموم، وقيل الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهيه أحد، والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد { الله الصمد } قال ابن عباس: الصمد الذي لا جوف له وبه قال جماعة من المفسرين، ووجه ذلك من حيث اللّغة أن الصّمد الشيء المصمد الصّلب الذي ليس فيه رطوبة، ولا رخاوة، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد. فإن فسر الصمد بهذا كان من صفات الأجسام، ويتعالى الله جلّ وعزّ عن صفات الجسمية، وقيل وجه هذا القول إن الصمد الذي ليس بأجوف، معناه هو الذي لا يأكل، ولا يشرب، وهو الغني عن كل شيء، فعلى هذا الاعتبار هو صفة كمال، والقصد بقوله الله الصّمد التّنبيه على أنه تعالى بخلاف من أثبتوا له الإلهية، وإليه الإشارة بقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام }** [المائدة: 75] وقيل الصّمد الذي ليس بأجوف شيئان أحدهما دون الإنسان، وهو سائر الجمادات الصّلبة والثاني أشرف من الإنسان وأعلى منه وهو البارىء جل وعز وقال أبي بن كعب الصمد الذي لم يلد، ولم يولد لأن من يولد سيموت، ومن يموت يورث منه. وروى البخاري في أفراده عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: الصّمد هو السّيد الذي انتهى سؤدده، وهي رواية عن ابن عباس، أيضاً قال هو السيد الذي كمل فيه جميع أوصاف السؤدد، وقيل هو السيد المقصود في جميع الحوائج المرغوب إليه في الرغائب المستعان به عند المصائب، وتفريج الكرب وقيل هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله وتلك دالة على أنه المتناهي في السودد والشرف، والعلو والعظمة، والكمال والكرم والإحسان، وقيل الصمد الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي، وقيل هو الذي لا تعتريه الآفات ولا تغيره الأوقات وقيل هو الذي لا عيب فيه وقيل الصمد هو الأول الذي ليس له زوال والآخر الذي ليس لملكه انتقال. والأولى أن يحمل لفظ الصمد على كل ما قيل فيه لأنه محتمل له، فعلى هذا يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله تعالى العظيم القادر على كل شيء وأنه اسم خاص بالله تعالى انفرد به له الأسماء الحسنى والصّفات العليا**{ ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير }** [الشورىٰ: 11]. قوله عز وجل: { لم يلد ولم يولد } وذلك أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الله، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النّصارى المسيح ابن الله فكذبهم الله عز وجل، ونفى عن نفسه ما قالوا بقوله { لم يلد } يعني كما ولد عيسى، وعزير، { ولم يولد } معناه أن من ولد كان له والد فنفى عنه إحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لم يتقدمه، والد كان عنه وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه، ومن كان كذلك فهو الذي لم يكن له كفواً أحد، أي ليس له من خلقه مثل، ولا نظير ولا شبيه فنفى عنه. بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } العديل والنّظير، والصّاحبة والولد خ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إيّاي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد، ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد "** والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | عن ابن عباس، أن اليهود قالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه، فنزلت. وعن أبي العالية، قال قادة الأحزاب: انسب لنا ربك، فنزلت. فإن صح هذاالسبب، كان هو ضميراً عائداً على الرب، أي { قل هو الله } أي ربي الله، ويكون مبتدأ وخبراً، وأحد خبر ثان. وقال الزمخشري: وأحد بدل من قوله: { الله } ، أو على هو أحد، انتهى. وإن لم يصح السبب، فهو ضمير الأمر، والشان مبتدأ، والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر هو، وأحد بمعنى واحد، أي فرد من جميع جهات الوحدانية، أي في ذاته وصفاته لا يتجزأ. وهمزة أحد هذا بدل من واو، وإبدال الهمزة مفتوحة من الواو قليل، من ذلك امرأة إناة، يريدون وناة، لأنه من الوني وهو الفتور، كما أن أحداً من الوحدة. وقال ثعلب: بين واحد وأحد فرق، الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان، والأحد لا يدخله. يقال: الله أحد، ولا يقال: زيد أحد، لأن الله خصوصية له الأحد، وزيد تكون منه حالات، انتهى. وما ذكر من أن أحداً لا يدخله ما ذكر منقوض بالعدد. وقرأ أبان بن عثمان، وزيد بن علي، ونصر بن عاصم، وابن سيرين، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو السمال، وأبو عمرو في رواية يونس، ومحبوب، والأصمعي، واللؤلؤي، وعبيد، وهارون عنه: { أحد... الله } بحذف التنوين لالتقائه مع لام التعريف وهو موجود في كلام العرب وأكثر ما يوجد في الشعر نحو قوله:
| **ولا ذاكـراً الله إلا قليـلاً** | | |
| --- | --- | --- |
ونحو قوله:
| **عمـرو الـذي هشـم الثريـد لقومـه** | | |
| --- | --- | --- |
{ الله الصمد }: مبتدأ وخبر، والأفصح أن تكون هذه جملاً مستقلة بالأخبار على سبيل الاستئناف، كما تقول: زيد العالم زيد الشجاع. وقيل: الصمد صفة، والخبر في الجملة بعده، وتقدم شرح الصمد في المفردات. وقال الشعبي، ويمان بن رياب: هو الذي لا يأكل ولا يشرب. وقال أبيّ بن كعب: يفسره ما بعده، وهو قوله: { لم يلد ولم يولد }. وقال الحسن: الصمد: المصمت الذي لا جوف له، ومنه قوله:
| **شهاب حروب لا تزال جياده** | | **عوابس يعلكن الشكيم المصمدا** |
| --- | --- | --- |
وفي كتاب التحرير أقوال غير هذه لا تساعد عليها اللغة. وقال ابن الأنباري: لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم. قال الزمخشري: { لم يلد } ، لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، ودل على هذا المعنى بقوله:**{ أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة }** [الأنعام: 101] { ولم يولد }: لأن كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أول لوجوده، وليس بجسم ولم يكافئه أحد. يقال له كفو، بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء، وبضم الكاف مع ضم الفاء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقرأ حمزة وحفص: بضم الكاف وإسكان الفاء، وهمز حمزة، وأبدلها حفص واواً. وباقي السبعة: بضمهما والهمز، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع، وفي رواية عن نافع أيضاً كفا من غير همز، نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد، كما قال النابغة:
| **لا تعذقني بركن لا كفاء له** | | |
| --- | --- | --- |
الأعلم لا كفاء له: لا مثيل له. وقال مكي سيبويه: يختار أن يكون الظرف خبراً إذا قدمه، وقد خطأه المبرد بهذه الآية، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبراً، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم، إنما أجاز أن يكون خبراً وأن لا يكون خبراً. ويجوز أن يكون حالاً من النكرة وهي أحد. لما تقدم نعتها عليها نصب على الحال، فيكون له الخبر على مذهب سيبويه واختياره، ولا يكون للمبرد حجة على هذا القول، انتهى. وخرجه ابن عطية أيضاً على الحال.
وقال الزمخشري: فإن قلت: الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه، فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه؟ قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى، وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه، انتهى.
وهذه الجملة ليست من هذا الباب، وذلك أن قوله: { ولم يكن له كفواً أحد } ليس الجار والمجرور فيه تاماً، إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً لكان، بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه. فالتقدير: ولم يكن أحد كفواً له، أي مكافئه، فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً. وتقدم على كفواً للاهتمام به، إذ فيه ضمير الباري تعالى. وتوسط الخبر، وإن كان الأصل التأخر، لأن تأخر الاسم هو فاصلة فحسن ذلك. وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره أن له الخبر وكفواً حال من أحد، لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه.
وسيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر. قال سيبويه إنما تكلم في هذا الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر. قال سيبويه: وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان أحد مثلك فيها، وليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم. أجريت الصفة على الاسم، فإن جعلته على: فيها زيد قائم، نصبت فتقول: ما كان فيها أحد خيراً منك، وما كان أحد خيراً منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء، فكلما أخرت الملغى كان أحسن.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وإذا أردت أن يكون مستقراً، فكلما قدمته كان أحسن، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير. قال تعالى: { ولم يكن له كفواً أحد }. وقال الشاعر:
| **مـا دام فيهـن فصيـل حيـاً** | | |
| --- | --- | --- |
انتهى. وما نقلناه ملخصاً. وهو بألفاظ سيبويه، فأنت ترى كلامه وتمثيله بالظرف الذي يصلح أن يكون خبراً. ومعنى قوله: مستقراً، أي خبراً للمبتدأ ولكان. فإن قلت: فقد مثل بالآية الكريمة. قلت: هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام هو في قوله:
| **مـا دام فيهـن فصيـل حيـاً** | | |
| --- | --- | --- |
أجرى فضلة لا خبراً. كما أن له في الآية أجرى فضلة، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله: ولم يكن له أحد، بل لو تأخر كفواً وارتفع على الصفة وجعل له خبراً، لم ينعقد منه كلام، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو كفو، وله متعلق به، والمعنى: ولم يكن له أحد مكافئه. وقد جاء في فضل هذه السورة أحاديث كثيرة، ومنها أنها تعدل ثلث القرآن، وقد تكلم العلماء على ذلك، وليس هذا موضعه، والله الموفق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | القراءات: كانوا أبو عمرو يستحب الوقف على قوله { قل هو الله أحد } وإذا وصل كان له وجهان من القراءة: أحدهما التنوين وكسره، والثاني حذف التنوين كقراءة عزير بن الله لاجتماع الساكنين، وكل صواب { وكفؤاً } بالسكون والهمزة: حمزة وخلف وعباس والمفضل وإسماعيل ورويس عن يعقوب. وكان حمزة يقف ساكنة الفاء ملينة الهمزة ويجعلها شبه الواو إتباعاً للمصحف. وقرأ حفص غير الخراز مثقلاً غير مهموز. الباقون: مثقلاً مهموزاً.
الوقوف: { أحد } ه ج لاحتمال أن ما بعدها جملة أخرى أو خبران آخران { الصمد } ه ج لمثل ذلك { ولم يولد } لا { أحد } ه.
التفسير: قد وردت الأخبار الكثيرة بفضل سورة الإخلاص وأنها تعدل ثلث القرآن فاستنبط العلماء لذلك وجهاً مناسباً وهو أن القرآن مع عزارة فوائده اشتمل على ثلاثة معانٍ فقط: معرفة ذات الله تعالى وتقدّس، ومعرفة صفاته وأسمائه، ومعرفة أفعاله وسننه مع عباده. ولما تضمنت سورة الإخلاص أحد هذه الأقسام الثلاثة وهو التقديس، وازنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث القرآن. **" وعن أنس أن رجلاً كان يقرأ في جميع صلاته " قل هو الله أحد " فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: يا رسول الله إني أحبها فقال: حبك إياها يدخلك الجنة "** أما سبب نزولها فعن أبيّ بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى هذه السورة. وعن عطاء عن ابن عباس قال: قدم وفد نجران فقالوا: صف لنا ربك أزبرجد أم ياقوت أم ذهب أم فضة. فقال: إن ربي ليس من شيء لأنه خلق الأشياء فنزلت { قل هو الله أحد } فقالوا: هو واحد وأنت واحد فقال**{ ليس كمثله شيء }** [الشورى: 11] قالوا: زدنا من الصفة. قال { الله الصمد } فقالوا: وما الصمد؟ قال: الذي يصمد الخلق إليه في الحوائج فقالوا: زدنا فقال { لم يَلد } كما ولدت مريم { ولم يولد } كما ولد عيسى { ولم يكن له كفواً أحد } يريد نظيراً من خلقه. ولشرف هذه السورة سميت بأسماء كثيرة أشهرها الإخلاص لأنها تخلص العبد من الشرك أو من النار. وقد يقال لها سورة التفريد أو التجريد أو التوحيد أو النجاة أو الولاية لأن من قرأها صار من أولياء الله أو المعرفة لما روى جابر أن رجلاً صلى فقرأ السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا عبد عرف ربه. أو الجمال لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن الله جميل يحب الجمال "** ومن كمالات الجميل كونه عديم النظير. أو الأساس لقوله صلى الله عليه وسلم **" أسست السموات السبع والأرضون اسبع على { قل هو الله أحد } "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وهذا قول معقول لأن القول بالتثليث يوجب خراب السموات والأرض كما قال**{ تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّا أن ادعو للرحمن ولداً }** [مريم: 90] فوجب أن يكون التوحيد سبباً لعمارة العالم. وقد تسمى سورة النسبة لما مر أنها نزلت عند قول المشركين " انسب لنا ربك " فكأنه قيل: نسبه الله هذا. والمانعة لرواية ابن عباس أنه تعالى قال لنبيه حين عرج به: أعطيتك سورة الإخلاص وهي من ذخائر كنوز العرش، وهي المانعة تمنع فتان القبر ونفحات النيران، والمحضرة لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قرئت، والمنفرة أي للشيطان، والراءة أي من الشرك، وسورة النور لقوله صلى الله عليه وسلم **" إن لكل شيء نوراً ونور القرآن قل هو الله أحد "** قلت: وذلك لأن الله تعالى نور الله نور السموات والأرض، وكما أن نور الإنسان في أصغر أعضائه وهو الحدقة كذلك نور القرآن في أقصر السور سوى " الكوثر ". ثم إن العلماء أجمعوا على أن الوحدانية مما يمكن معرفتها بطريق السمع والعقل جميعاً وليست كمعرفة ذات الصانع حيث لا يمكن معرفته إلا بطريق العقل فقال أهل العرفان في بيانه: إن العقل يريد عالماً كاملاً أميناً تودع عنده الحسنات، والشهوة تريد غنياً تطلب منه المستلذات بل العقل كالإنسان الذي له همة عليه لا تنقاد إلا لمولاه، والهوى كالمنتجع الذي يطلب غنياً يتكدى منه بل العقل يطلب معرفة المولى ليشكر له على النعم السابقة، والهوى يطلبها ليستفيد منه النعم اللاحقة. فلما عرفاه كما أرادا تعلقاً بذيل عنايته فقال العقل: لا أشكر أحداً سواك. وقالت الشهوة: لا أسأل أحداً إلا إياك. فجاءت الشبهة وقالت: يا عقل كيف أفردته بالشكر ولعل له مثلاً؟ ويا شهوة كيف اقتصرت عليه ولعل ههنا باباً آخر؟ فبقي العقل متحيزاً وتبغصت عليه راحة المعرفة حين أراد أن يسافر في عالم الاستدلال لتحصيل ربح التوحيد ويغوص في بحر الفكر ليعود بجوهرة النحر، فأدركته عناية المولى فقال: كيف أنغص على عبدي لذة الاشتغال بخدمتي وشكري؟ فبعث إلأيه رسولاً صادقاً وقال: لا تقله من عند نفسك فيوقعك الوهم في الشك ولكن اقبله من الصادق الأمين { قل هو الله أحد } والضمير للشأن أي الشأن والحديث الله أحد. هذا قول جمهور النجاة وقريب منه قول الزجاج: إن المراد هذا الذي سألتم عنه الله أحد. وقيل: هو كناية عن الله فيكون كقولك " زيد أخوك قائم " قال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى لا يقال: رجل أحد ولا درهم أحد. وقال غيره: الفرق بين الواحد والأحد من ثلاثة أوجه أحدها: أن الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه. وثانيها أنك إذا قلت " فلان لا يقاومه واحد " جاز أن يقال لكنه يقاومه اثنان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وثالثها أن الواحد يستعمل في الإثبات كقولك " رأيت رجلاً واحداً " والأحد يستعمل في النفي نحو " ما رأيت أحداً " فيفيد العموم. قلت: ولعلّ وجه تخصيص الله بالأحد هو هذا المعنى وذلك أنه أبسط الأشياء وكأنك قلت: إنه لا جزء له أصلاً بوجه من الوجوه ومن هنا قال بعضهم: إن الأحد يدل على جميع المعاني السلبية ككونه ليس بجوهر ولا عرض ولا متحيز وغير ذلك كما أن اسم الله يدل على مجامع الصفات الإضافية لأن الله اسم للمعبود بالحق واستحقاق العبادة لا يتجه إلا إذا كان مبدأ لجميع ما سواه عالماً قادراً إلى غير ذلك. وأما لفظة { هو } فإنها تدل على نفس الذات فتبين أن قوله { قل هو الله أحد } يدل على الذات والصفات جميعاً.
وههنا لطيفة وهي أن قوله { هو } إشارة إلى مرتبة السابقين الذين لا يرون معه شيئاً آخر فيكفي الكناية بالنسبة إليهم، وأما اسم { الله } فإشارة إلى مرتبة أصحاب اليمين وهم الذين عرفوه بالبرهان مستدلين على الوجوب بالإمكان فهم ينظرون إلى الحق وإلى الخلق جميعاً فيحتاجون في التمييز إلى اسمه العلم. وأما " الأحد " فرمز إلى أدون المراتب الإنسانية وهم أصحاب الشمال الذي يثبتون مع الله إلهاً آخر فوجب التنبيه على إبطال معتقدهم بأن الله أحد لا شريك له أو لا جزء بوجه من الوجوه، وبعبارة أخرى هو للأخص والله للخواص وأحد للعموم. وأما " الصمد " فقيل: إنّه فعل بمعنى " مفعول " من صمده إذا قصده أي هو السيد المقصود إليه في الحوائج كما مرّ في الحديث الوارد في سبب النزول. وقيل: هو الذي لا جوف له ومنه قولهم لسداد القارورة " صماد " وشيء مصمد أي صلب ليس فيه رخاوة. قال ابن قتيبة: يجوز على هذا التفسير أن تكون الدال بدل التاء في " مصمت ". وقال بعض المتأخرين من أهل اللغة: الصمد هو الأملس من الحجر لا يقبل الغبار ولا يدخله شيء ولا يخرج منه شيء. ولا يخفى أن هذين المعنيين من صفات الأجسام حقيقة إلا أن مقدّمة الآية وهي { الله أحد } تمنع من حملهما على حقيقتهما لأن كل جسم مركب فوجب الحمل على المجاز وهو أنه لوجوب ذاته ممتنع التغير في وجوده وبقائه وسائر صفاته، ومن هنا اختلفت عبارات المفسرين فعن بعضهم: الصمد هو العالم بجميع المعلومات لأن كونه مبدأ مرجوعاً إليه في قضاء الحاجات لا يتم إلا بذلك. وعن ابن مسعود والضحاك: هو السيد الذي انتهى سودده. وقال الأصم: هو الخلق للأشياء لأن السيد الحقيقي هو هو. وقال السدي: هو المقصود في الرغائب المستغاث عند المصائب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال الحسن بن الفضل: هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقال قتادة: لا يأكل ولا يشرب وهو يطعم ولا يطعم. وعن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه يغلب ولا يغلب. وسائر عباراتهم كلها متقاربة تدور حول ما ذكرنا.
سؤال: لما جاء الخبر ههنا معرفاً وفي قوله { الله أحد } منكراً؟ الجواب لأنه كان معلوماً عندهم أنه غني على الإطلاق ومرجوع إليه في الحوائج**{ فإذا مس الإنسان ضرُّ دعا ربه }** [الزمر: 8] أما التوحيد فلم يكن ثابتاً في أوهامهم بل ركز في أوهام العامة أن كل موجود فإنه محسوس وكل محسوس فهو منقسم فلا جرم جاء لفظ { أحد } منكراً ولفظ { الصمد } معرفاً.
آخر: لم مكرر ثانياً اسم الله ولم يقتصر على ضميره؟ الجواب لما قيل:
| **هو المسك ما كررته يتضوّع** | | |
| --- | --- | --- |
ولأنه قد سبق ضمير الشأن ولأنه يلزم الاشتراك، ولما مر أن الإشارة بلفظة " هو " مرتبة الصديقين والخطاب بقوله { الله الصمد } لعموم الخلائق والسابقون منهم قليل فاعتبار الأغلب أولى.
آخر: كون الشخص مولوداً أقدم من كونه والداً فلم قدم قوله { لم يلد } على قوله { ولم يولد } أجيب بأن النزاع إنما وقع في كونه والداً حين قالت النصارى المسيح ابن الله، واليهود عزير ابن الله، ومشركو العرب الملائكة بنات الله، بل المتفلسفة الذين قالوا إنه يتولد عن واجب الوجود عقل، وعن العقل الأول عقل آخر ونفس إلى آخر العقول العشرة والنفوس وهو العقل الفعال المدبر بزعمهم لما دون فلك القمر، فكان نفي كونه والداً أهم. ثم أشار إلى طريق الاستدلال بقوله { ولم يولد } كأنه قال: الدليل على امتناع الوالد اتفاقنا على أنه ما كان ولداً لغيره. وأنا أقول: كون الشخص مولوداً اعتبار لمعلوليته، وكونه والداً اعتبار لعليته، ولا ريب أن اعتبار العلية مقدم على اعتبار المعلولية كما أن العلة بالذات متقدمة على المعلول، فالسؤال مدفوع. قالوا: وإنما اقتصر على لفظ الماضي لأن النزاع كان واقعاً في المسيح وعزير ونحوهما فوقع قوله { لم يلد } جواباً عما ادعوه عليه. وأما قوله { ولم يولد } فلم يكن مفتقراً إلى هذا التوجيه لأن كل موجود إذا لم يكن مولوداً في مبدإ تكوّنه فلن يكون مولوداً بعد ذلك. وأقول: لعل المراد بقوله { لم يلد } نفي أن يكون هو ممن شأنه الولادة وهذا المعنى يشمل كل زمان، وبهذا التفسير لا يصح على العاقر أنه لا يلد ويصح أنه يلد. واعلم أنه سبحانه بين كونه في ذاته وحقيقته منزهاً عن جميع أنحاء التراكيب بقوله { هو الله أحد } ثم بين كونه ممتنع التغير عما هو عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال بقوله { الله الصمد } ثم أراد أن يشير إلى نفي من يماثله وهو إما لا حق وأبطله بقوله { لم يلد } وإما سابق وأحاله بقوله { ولم يولد } وإما مقارن في الوجود وزيفه بقوله { ولم يكن له كفواً أحد } ويجوز أن يكون الأوّلان إشارة إلى نفي من يماثله بطريق التولد أو التوالد، والثالث تعميماً بعد التخصيص.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ويحتمل أن يراد بالأخير نفي المصاحبة لأن المصاهرة تستدعي الكفاءة شرعاً وعقلاً فيكون رداً على من حكى الله عنهم في قوله**{ وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً }** [الصافات: 158] قاله مجاهد.
سؤال: قد نص سيبويه في كتابه على أن الخبر قد يقدم على الاسم في باب " كان " ولكن تعلق الخبر حينئذ لا يتقدم على الخبر كيلا يلزم العدول عن الأصل بمرتبتين فكيف قدم الصرف على الاسم والخبر جميعاً؟ أجاب النحويون عنه بأن هذا الظرف وقع بياناً للمحذوف كأنه قال: ولم يكن أحد فقيل: لمن؟ فأجيب بقوله " له " نظيره قوله**{ وكانوا فيه من الزاهدين }** [يوسف: 20] وقوله**{ فلما بلغ معه السعي }** [الصافات: 102].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | رُوِيَ أنَّ اليهودَ دَخَلُوا عَلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا مُحَمَّدُ؛ صِفْ لَنَا رَبَّك وانْسِبْه، فإنَّه وَصَفَ نَفْسَه في التوراةِ وَنَسَبها، فارْتَعَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قولِهِم حَتَّى خَرَّ مغشياً عليه، ونَزَلَ جبريلُ بهذهِ السورةِ.
و { أَحَدٌ } مَعناه: وَاحدٌ فَرْدٌ مِنْ جميعِ جِهَاتِ الوَحْدَانِيَّة، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ و { هُوَ } ابتداءٌ، و { ٱللَّهُ } ابتداءٌ ثانٍ، و { أَحَدٌ } خَبَرُه والجملةُ خَبَرُ الأوَّلِ، وقيلَ هو ابتداءُ و { ٱللَّهُ } خبرُه و { أَحَدٌ } بَدَلٌ منه، وَقَرَأَ عمر بن الخطابِ وغَيْرُهُ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ الواحِدُ الصَّمَدُ» و { ٱلصَّمَدُ } في كلامِ العربِ السيدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الأُمُورِ وَيَسْتَقِلُّ بها وأنْشَدُوا: [الطويل]
| **لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعِي بِخَيْرِ بَنِي أَسَدِ** | | **بِعَمْرِو بْنِ مَسْعَودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وبهذا تَتَفَسَّرُ هذه الآيةُ لأَنَّ اللَّهَ تعالى ـــ جلت قدرته ـــ هُوَ مُوجِدُ المَوْجُودَاتِ وإليهِ تَصْمُدُ وبه قِوَامُها ـــ سبحانه وتعالى ـــ.
وقوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } رَدٌّ عَلى إشارَةِ الكفارِ في النَّسَبِ الذي سأَلُوه، وقال ابن عباس: تَفَكَّروا في كلّ شَيْءٍ ولا تتفكروا في ذاتِ اللَّه، قال \* ع \*: لأَنَّ الأفْهَامَ تَقِفُ دونَ ذلكَ حَسِيرَةً.
وقوله سبحانه: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } معناه ليسَ له ضِدٌّ، وَلاَ نِدٌّ ولا شبيهٌ،**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** [الشورى:11]، والكُفُؤُ النَّظِيرُ و«كفواً» خبر كان وٱسْمُهَا { أَحَدٌ }. قال \* ص \*: وحَسُنَ تأخيرُ اسمها لِوُقُوعِه فاصلةً، وله مُتَعَلِّقٌ بـ { كفؤًا } أي: لَمْ يَكُنْ أحَدٌ كُفُؤاً لَهُ، وقُدَّمَ اهتماماً بِه لاِشْتِمالِهِ على ضميرِ البَارِي سبحَانه، انتهى، وفي الحديثِ الصحيحِ عنه صلى الله عليه وسلم **" إنَّ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تَعْدِلُ ثُلُثَ القرآن "** ، قال \* ع \*: لِمَا فِيهَا مِنَ التوحيدِ، ورَوَى أبو محمدٍ الدارميّ في «مسندهِ» قال: حدثنا عبد اللَّه بن مزيد حدثنا حيوة قال: أخبرنا أبو عقيل، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" مَنْ قَرَأَ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إحْدَى عَشَرَةَ مَرَّةً بُنِيَ لهُ قصرٌ في الجنةِ، ومَنْ قَرَأَها عِشْرينَ مرةً، بُنِيَ له قَصْرَانِ في الجنةِ، ومَنْ قرأَها ثَلاثِينَ مرةً؛ بُنِيَ له ثلاثةُ قصورٍ في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: إذَنْ تَكْثُرُ قصورُنَا يا رسولَ اللَّهِ؛ فقَال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهُ أوْسَعُ من ذلك "** [أي: فَضْلُ اللَّهِ أوْسَعُ مِنْ ذَلك]. قال الدارمي: أبو عقيل هو زهرة بن معبد، وزعموا أنه من الأبْدَالِ، انتهى من «التذكرة».
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }. في " هُوَ " وجهان:
أحدهما: أنه ضمير عائد على ما يفهم من السياق، فإنه يروى في سبب النزول أنهم قالوا: صف لنا ربَّك وانسبه.
وقيل: قالوا له: أنُحَاسٌ هو أم حَديدٌ؟ فنزلت.
وحينئذ يجوز أن يكون " اللهُ " مبتدأ، و " أحد " خبره، والجملة خبر الأولِ، ويجوز أن يكون " الله " بدلاً، و " أحد " الخبر، ويجوز أن يكون " الله " خبراً أولاً، و " أحد " خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون " أحد " خبراً لمبتدأ محذوف، أي " هو أحد " ، والثاني: ضمير الشأن؛ لأنه موضع تعظيم، والجملة بعد خبره مفسرة.
وهمزة " أحد " بدل من واو؛ لأنه من الوحدة، وإبدال الهمزة من الواو المفتوحة قليل، منه: امرأة أناة من الونى، وهو الفُتُور، وتقدم الفرق بين " أحد " هذا، و " أحد " المراد به العموم، فإن همزة ذاك أصل بنفسها.
ونقل أبو البقاء: أن همزة " أحد " هذا غير مقلوبة، بل أصلها بنفسها، فالمراد به العموم. والأول هو المعروف.
وفرق ثعلب بين " أحد " و " واحد " بأنَّ الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان و " أحد " لا يدخله ذلك، ويقال: اللهُ أحد، ولا يقال: زيد أحد؛ لأن الله تعالى هذه الخصوصية، وزيد له حالات شتى. ورد عليه أبو حيَّان بأنه يقال: أحد وعشرون، ونحوه، فقد دخله العدد انتهى.
وقال مكيٌّ: إن أصله: " واحد " فأبدلت الواو همزة، فاجتمع ألفان؛ لأن الهمزة تشبه الألف، فحذفت إحداهما تخفيفاً.
وقرأ عبد الله وأبيّ: { ٱللَّهُ أَحَدٌ } دون " قُلْ ".
وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: { ٱللَّهُ أَحَدٌ } بغير { قُلْ هُوَ }.
وقرأ الأعمش: " قل هو الله الواحد ".
وقرأ العامة: بتنوين " أحَدٌ " وهو الأصل.
وزيد بن علي وأبان بن عثمان، وابن أبي إسحاق والحسن، وأبو السمال، وأبو عمرو في رواية، في عدد كثير: بحذف التنوين للخفة، ولالتقاء الساكنين، كقوله: [الكامل]
| **5352- عَمروُ الذي هَشمَ الثَّريدَ لقومهِ** | | **ورِجالُ مكَّة مُسنتُـونَ عِجَـافُ** |
| --- | --- | --- |
وقوله: [المتقارب]
| **5353- ……..........................** | | **ولا ذَاكِـرَ الـلَّـهَ إلاَّ قَـلِـيـلاً** |
| --- | --- | --- |
فصل
والصمد: الذي يصمدُ إليه في الحاجات، ولا يقدر على قضائها إلا هو.
قال: [الطويل]
| **5354- ألاَ بكَّرَ النَّاعِي بخَيْرِ بَنِي أسَـدْ** | | **بِعمْرِو بنِ مسعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر: [البسيط]
| **5355- عَلـوتـهُ بحُسَـامٍ ثُمَّ قلـتُ لـهُ** | | **خُـذهَا حُذيْـفُ فأنـتَ السيِّـدُ الصَّمـدُ** |
| --- | --- | --- |
وقيل: الصمد: المصمت الذي لا جوف له.
ومنه قوله: [الطويل]
| **5356- شِهَابُ حُروبٍ لا تَزَالُ جِيَادهُ** | | **عَوابِسَ يَعلُكْنَ الشَّكيمَ المُصَمَّدَا** |
| --- | --- | --- |
وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه: تفسيره، من قوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وهذا يشبه ما قالوه من تفسير الهلوع، والأحسن في هذه الجملة أن تكون مستقلة بفائدة هذا الخبر، ويجوز أن يكون " الصَّمدُ " صفة، والخبر في الجملة بعده، كذا قيل، وهو ضعيف من حيث السِّياق، فإن السياق يقتضي الاستقلال بأخبار عن كل جملة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال القرطبي: [ " لأنه ليس شيء إلا سيموت]، وليس شيء يموت إلا يورث ".
قيل: الصمد: الدائمُ الباقي الذي لم يزل، ولا يزال.
وقال أبو هريرة: إنه المستغني عن كل أحد, والمحتاج إليه كل أحد.
وقال السديُّ: إنه المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب.
[وقال الحسن بن الفضل: إنه الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وقال مقاتل: إنه الكامل الذي لا عيب فيه].
قال القرطبيُّ: والصحيح من هذه الأقوال ما شهد له الاشتقاق وهو القول الأول، ذكره الخطابي.
فصل في لفظ أحد
قال ابن الخطيب: ونكر لفظ أحد، لأن الذي يعرفه الخلق من الموجودات محسوس، وكل محسوس منقسم، فأما ما لا ينقسم فلا يعرف، وعرَّف الصمد؛ لأنه الذي يقصد إليه في الحوائج، وذلك معلوم عند الخلق، وقدم { لَمْ يَلِدْ } وإن كان العرف سبق؛ لأنه الأهم، وقوله تعالى: { وَلَمْ يُولَدْ } كالحجة على أنه لم يلدْ، وجاء هنا { لَمْ يَلِدْ } ، وفي سورة " الإسراء ":**{ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً }** [الإسراء: 111]، لأن من النصارى من يقول: عيسى ولدُ الله حقيقة، ومنهم من يقول: إن الله اتخذه ولداً تشريفاً، فنفى الأمرين.
فصل في الرد على من أسقط " قل هو "
قال القرطبي: وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ " الله الواحد الصمد " والناس يستمعون، فأسقط " قل هو " وزعم أنه ليس من القرآن، وغير لفظ " أحد " ، وادَّعى أن هذا الصواب، والذي عليه الناس هو الباطلُ، فأبطل معنى الآية، لأن أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جواباً لأهل الشركِ، لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صِفْ لَنَا ربَّك أمِنْ ذهبٍ هُو أم من نُحاس أم من [صفر]؟.
فقال الله تعالى رداً عليهم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، ففي " هُوَ " دلالة على موضع الرد، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله - عز وجل - والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وروى الترمذي عن أبيِّ بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " انسب لنا ربك " فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، والصمد: الذي لم يلد، ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت، ولا يورث.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى أبو العالية: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم، فقالوا: انسب لنا ربك، قال: فأتاه جبريل بهذه السورة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
قال الترمذي: وهذا أصحّ.
قال القرطبيُّ: " ففي هذا الحديث إثبات لفظ، " قل هو الله أحد " ، وعن عكرمة نحوه ".
وقال ابن عباس: " لَم يلدْ " كما ولدت مريم، و " لَمْ يُولدْ " كما ولد عيسى، وعزير، وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عزير ابن الله، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحدٍ.
فصل في الكلام على الآية
قال ابن الخطيب: دل العقل على استحالة كونه تعالى ولداً ووالداً، والأحديَّةُ والصَّمديَّةُ يوجبان نفي كونه تعالى والداً، أو مولوداً، وذكر بعدهما كما ذكر النتيجة بعد الدليل.
قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }. في نصب " كُفُواً " وجهان:
أحدهما: أنه خبر " يَكُونُ " و " أحَدٌ " اسمها و " لهُ " متعلق بالخبر, أي: ولم يكن كفواً له كما تقدم وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية من حيث إنه يزعم أنه إذا تقدم الظَّرف كان هو الخبر, وهنا لم يجعله خبراً مع تقدمه.
وقد رد على المبرِّد بوجهين:
أحدهما: أن سيبويه لم يحتم ذلك بل جوزه.
والثاني: أنا لا نسلم أنَّ الظرف هنا ليس بخبر، بل هو خبر، ونصب " كُفواً " على الحال، على ما سيأتي بيانه.
وقال الزمخشري: الكلام العربي الفصيح، أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه في كتابه على ذلك، فما باله مقدماً في أفصح كلام وأعربه؟
قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبُّه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقديم وأحراه.
والثاني: أن ينصب على الحال من " أحدٌ "؛ لأنه كان صفة، فلما تقدم عليه نصب حالاً و " له " هو الخبر. قاله مكي، وأبو البقاء، وغيرهما.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبراً.
قال أبو حيان بعد أن حكى كلام الزمخشري ومكي: وهذه الجملة ليست من هذا الباب، وذلك أن قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ليس الجار والمجرور فيه تامَّا، إنما هو ناقص، لا يصلح أن يكون خبراً لـ " كان " بل متعلق بـ " كُفُواً " ، وتقدم على " كُفُواً " للاهتمام به, إذ فيه ضمير الباري تعالى, وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير؛ لآن تأخير الاسم هو فاصلة، فحسن ذلك، وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره، أن " لهُ " والخبر، و " كُفُواً " حال من " أحَدٌ " لأنه ظرف ناقص، ولا يصلح أن يكون خبراً، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه، وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال سيبويه: وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان أحد مثلك فيها، وليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت " فيها " مستقراً, ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم، ثم أجريت الصفة على الاسم, فإن جعلته على قولك: فيها زيد قائم, نصبت، تقول: ما كان فيها أحد خيراً منك، وما كان أحد خيراً منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء، فكلما أخرت الذي تلغيه كان أحسن، وإذا أردت أن يكون مستقراً، تكتفي به، فكلما قدمته كان أحسن، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير، قال تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
وقال الشاعر: [الرجز]
| **5357- مَـا دَامَ فيهِـنَّ فَصِيـلٌ حَيَّـا** | | |
| --- | --- | --- |
انتهى كلام سيبويه.
قال أبو حيَّان: فأنت ترى كلامه، وتمثيله بالظرف الذي لا يصلح أن يكون خبراً، ومعنى قوله: " مستقرَّا " أي: خبراً للمبتدأ، ولـ " كان ".
فإن قلت: قد مثل بالآية الكريمة.
قلت: هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام، وهو في قوله: [الرجز]
| **5358- مَـا دَامَ فيهِـنَّ فَصِيـلٌ حَيَّـا** | | |
| --- | --- | --- |
أجري فضلة، لا خبراً، كما أن " لهُ " في الآية أجري فضلة، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله: " ولم يكن له أحد " بل لو تأخر " كُفُواًُ " وارتفع على الصفة وجعل " لهُ " خبراً لم ينعقد منه كلام، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو " كُفُواً " و " لَهُ " متعلق به، والمعنى: لم يكن أحد مكافئه انتهى ما قاله ابن حيَّان.
قال شهاب الدين: قوله: " ولا يشك " إلى آخره، تهويل على الناظر، وإلا فقوله: " هذا الظرف ناقص " ممنوع، لأن الظرف الناقص عبارة عما لم يكن في الإخبار به فائدة كالمقطوع عن الإضافة ونحوه، وقد نقل سيبويه الأمثلة المتقدمة، نحو: " ما كان فيها أحد خيراً منك " وما الفرق بين هذا، وبين الآية الكريمة، وكيف يقول هذا، وقد قال سيبويه في آخر كلامه: " والتقديم والتأخير، والإلغاء، والاستقرار عربي جيد كثير ".
فصل
قرأ العامة: " كُفُواً " بضم الكاف والفاء، وقد سهل الهمزة الأعرج ونافع في رواية، وسكن الفاء حمزة وأبدل الهمزة واواً وقفاً خاصة، وأبدلها حفص واواً مطلقاً، والباقون بالهمزة مطلقاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال القرطبي: وتقدم في البقرة أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى " أتتّخذنا هزواً ".
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم " كفاء " بالكسر والمد أي لا مثل له، وأنشد للنابغة: [البسيط]
| **5359- لاَ تَقْذفنِّـي برُكـنٍ لا كِفـاءَ لَـهُ** | | **…….................................** |
| --- | --- | --- |
وقرأ نافع في رواية: كِفَا بالكسر وفتح الفاء من غير مد كأنه نقل حركة الهمزة وحذفها.
والكفو النظير كقوله: هذا كفؤ لك: أي نظيرك، والاسم الكفاءة بالفتح.
قال ابن الخطيب: والتحقيق أنه تعالى لما أثبت الأحديَّة، والصمديّة، ونفى الوالدية، والمولودية ختم السورة بأن شيئاً من الموجودات يمتنع أن يساويه في شيء من صفات الجلال، والعظمة لانفراده سبحانه، وتعالى بوجوب الوجود لذاته.
فصل
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يَقُول الله تعالى: كذَّبنِي ابنُ آدمَ ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، وشَتمنِي ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، فأما تَكْذيبهُ فقوله: لن يُعِيدنِي كَمَا بَدأنِي، وليْسَ بأوَّل الخَلقِ وليس بأهْونَ عليَّ مِنْ إعَادَتِهِ، وأمَّا شتمهُ إيَّاي، فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحدُ الصَّمَدُ، لم ألدْ ولم أولَدْ ولم يكن لي كفواً أحد ".** فصل في فضائل هذه السورة
روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - **" أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يرددها، فلما أصبح جاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والَّذي نَفْسِي بيدهِ، إنَّها لتعْدِلُ ثُلثَ القُرآنِ " "** لأن القرآن أنزل ثلاثاً؛ ثلثاً: أحكام. وثلثاً: وعد ووعيد. وثلثاً: أسماء وصفات، وجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات.
وروى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - **" أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " سلُوه لأيِّ شيءٍ يصْنَعُ ذلِكَ "؟ فسألوه: فقال: لأنَّها صفةُ الرَّحمنِ، فأنا أحبُّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخبرُوهُ أنَّ الله تعالى يُحِبُّهُ " ".** وروى الترمذي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَجَبَتْ " ، قلتُ: ومَا وَجبَتْ؟ قال: " الجَنَّةُ " ".** وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" مَنْ قَرَأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خمسِينَ مرَّة غُفِرَتْ ذُنوبهُ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى سعيد بن المسيب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" " مَنْ قَرَأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أحَدَ عشرة مرَّة بَنَى اللهُ لهُ قصْراً في الجنَّةِ، ومن قَرَأهَا عِشْرينَ مَرَّةً بَنى اللهُ لهُ قَصرينِ في الجنَّة، ومن قَرأهَا ثلاثين مرَّةً، بَنَى له بِهَا ثلاثة قُصُورٍ في الجنَّة " فقال عمرُ بن الخطاب: والله يا رسول الله إذاً لنُكثِّرنَّ قُصُورنَا، فقال - عليه الصلاة والسلام -: " اللهُ أوسعُ مِنْ ذلِكَ " ".** وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قَرَأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } في مَرَضِه الَّذي يَمُوتُ فِيهِ لمْ يُفْتَنْ في قَبْرِهِ، وأمِنَ من ضغطهِ القبْرِ، وحمَلتهُ الملائِكةُ يومَ القِيامةِ بأكُفِّها، حتَّى يُجيزَ الصِّراطَ إلى الجنَّةِ ".** فصل في أسماء هذه السورة
في أسمائها: قال ابن الخطيب: سورة التفريد، وسورة التجريد، وسورة التوحيد، وسورة الإخلاص، وسورة النجاة، وسورة الولاية، وسورة النسبة، لقولهم: انسبْ لنا ربَّك، وسورة المعرفة، وسورة الجمال، وسورة البراءة؛ لأنها تبرئ من النفاق، وسورة الأساس، وسورة المحضر؛ لأن الملائكة تحضر لسماعها، وسورة المانعة، والمنفرة، لأنها تنفر الشيطان، وسورة النور، لأنها تنور القلب، والله نور السموات والأرض. والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | ولما كان المقصود من القرآن دعوة العباد إلى المعبود، وكان المدعو إلى شيء أحوج ما يكون إلى معرفته، وكان التعريف تارة للذات وتارة للصفات وتارة للأفعال، وكانت هذه الأمة - أشرف الأمم لأن نبيها أعلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان هي الختام، أشبع الكلام في تعريفه سبحانه في القرآن، وأنهى البيان في ذلك إلى حد لا مزيد عليه ولم يقاربه في ذلك كتاب من الكتب السالفة، ولكنه لما كان الكبير إذا تناهى كبره عزت معرفة ذاته، وكان الله تعالى هو الأكبر مطلقاً، وكانت معرفة ذاته - كما أشار إليه الغزالي في الجواهر، والفخر الرازي في كتبه - أضيق ما يكون مجالاً وأعسره مقالاً، وأعصاه على الفكر منالاً، وأبعده عن قبول الذكر استرسالاً لأن القرآن لا يشتمل من ذلك إلا على تلويحات وإشارات أكثرها رجع إلى ذكر التقديس المطلق كقوله تعالى**{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }** [الشورى: 112] وإلى التعظيم المطلق كقوله { سبحانه وتعالى عما يصفون } فكام القياس أن يقتصر على ذلك مع التعريف بالصفات والأفعال، لكن لما كانت هذه الأمة في الذروة من حسن الأفهام مع ما نالته من الشرف، حباها سبحانه وتعالى بسورة الإخلاص كاملة ببيان لا يمكن أن تحتمل عقول البشر زيادة عليه، وذلك ببيان أنه ثابت ثباتاً لا يشبهه ثبات على وجه لا يكون لغيره أصلاً، وأنه سبحانه وتعالى منزه عن الشبيه والنظير والمكافىء والمثيل، فلا زوجة له ولا ولد، ولا حاجة بوجه إلى أحد، بل له الخلق والأمر، فهو يهلك من أراد ويسعد من شاء، فقال آمراً لنبيه صلى الله عليه وسلم ليكون أول كلمة فيها دالة على رسالته رداً على من كذبه في خاصة نفسه وعلى البراهمة القائلين: إن في العقل غنى عن الرسل. ويكون البيان جارياً على لسانه صلى الله عليه وسلم ليكون إلى فهم الخلق عنه لتلك الصفات العلى أقرب لما لهم به من المجانسة: { قل } أي يا أكرم الخلائق ومن لا يفهم عن مرسله حق الفهم سواه، وإطلاق الأمر بعدم التقييد بمقول له يفهم عموم الرسالة، وأن المراد كل من يمكن القول له سواء كان سائلاً عن ذلك بالفعل أو بالقوة حثاً على استحضار - ما لرب هذا الدين - الذي حاطه هذه الحياطة ورباه هذه التربية - من العظمة والجلال، والكبرياء والكمال، ففي الإطلاق المشير إلى التعميم رد على من أقر بإرساله صلى الله عليه وسلم إلى العرب خاصة، ويدل على أن مقول القول لا ضرر فيه على أحد فإن ظواهره مفهومة لكل أحد لا فتنة فيها بوجه، وإنما تأتي الفتنة عند تعمق الضال إلى ما لا - يحتمله عقله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان أهم المقاصد الرد على المعطلة الذين هم ضرب ممن يقول**{ نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر }** [الجاثية: 24] أثبت وجوده سبحانه على أتم الوجوه وأعلاها وأوفاها وأجلاها بما معناه أن حقيقته ثابتة ثباتاً لا يتوجه نحوه شك بوجه من الوجوه، فقال مكاشفاً للأسرار - فإنه لا يمكن غيبته عنها أصلاً - وللوالهين: { هو } فابتدأ بهذا الاسم الشريف الذي هو أبطن الأسماء إشارة إلى أنه غيب الغيب بالنظر إلى ذاته كالألف، وإلى أنه واجب الوجود لذاته - وأن هويته ليست مستفادة من شيء سواها ولا موقوفة على شيء سواها، فإن كل ما كانت هويته مستفادة من غيره أو موقوفة عليه فمتى لم يتعبر غيره فلم يكن هو هو، وما كانت هويته لذاته فهو هو سواء اعتبر غير أو لم يعتبر، فإذاً لا يستحق هذا الاسم غيره أصلاً على أن الهاء بمفردها مشيرة - بكونها من أبطن - الحلق إلى أنه هو الأول والباطن المبدع لما سواه، والواو - بكونها من أظهر حروف الشفة - إلى أنه الآخر والظاهر، وأن إليه المنتهى، وليس وراءه مرمى، وأنه المبدىء المعيد - كما يشير إلى ذلك تكرير الواو في اسمها، وإلى أنه محيط بكل شيء لما فيها من الإحاطة.
ولما كان وجوده سبحانه لذاته، ولم يكن مستفاداً من غيره، فإن ما استفيد وجوده من غيره كان ممكناً، كان لا يمكن شرح اسمه الذي هو هو، لا اسم لحقيقة غيره يقوم من جنس ولا نوع ولا فصل لأنه لا جنس له ولا نوع له ولا سبب يعرف به، والذي لا سبب له لا يمكن معرفته إلا بلوازمه، واللوازم منها سلبية ومنها إضافية ومنها قريبة ومنها بعيدة، والتعريف بالإضافية وبالقريبة أتم من التعريف بالسلبية وبالبعيدة، لأن البعيد كالضاحك الذي هو بعد المتعجب بالنسبة إلى الإنسان لا يكون معلولاً لشيء بل معلولاً لمعلوله، وبالجمع بين السلبية والإضافية أتم من الاقتصار على أحدهما، فلذلك اختير اسم جامع للنوعين ليكون التعريف أتم، وذلك هو كون تلك الهوية إلهاً، فاختير لذلك اسم دال عليها وهو مختص غير مشترك، وهو أول مظاهر الضمير كما أن الهمزة أول مظاهر الألف، ولهذا قال بعضهم: الاسم الأعظم آخر الظواهر من الأسماء، ولهذا كانت كلها صفات له وهو أول البواطن، فقال مكاشفاً للأرواح وللموحدين: { الله } أي الموجود الذي لا موجود في الحقيقة سواه! هو المسمى بهذا الاسم، واختير هذا الاسم للإخبار عنه لدلالته على جميع صفات الكمال: الجلال والجمال ولأنه اسم جامع لجميع معاني الأسماء الحسنى، وهو أقرب اللوازم إلى الهوية الهوية لأنه لا لازم لها أقرب من وجوب الوجود الذي هو مقتضى الذات على ما هي عليه من الصفات، لا بواسطة شيء آخر، وبواسطة وجوب وجوده كان مفيضاً باختياره الإيجاد على كل شيء أراده، ومجموع الوجوب الذي هو سلب وحده الإيجاد الذي هو اختيار للجود بإضافة الوجود وإضافة للإلهية التي جمعتها الجلالة، وهي أقرب اللوازم إلى الذات الأقدس، ودل التعبير به على أنه لا مقوم للهوية من جنس ولا غيره ولا سبب، وإلا لكان العدول عنه إلى التعريف باللازم قاصراً، وعلى أن إلهيته على الإطلاق لجميع الموجدات، فكان شرح تلك الهوية باللازم أبلغ البلاغة وأحكم الحكمة، لأنه - مع كونه هو الحق - مشيراً إلى ما ذكر من الدقائق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما ذكرت الذات التي لا سبب لها ولا مقوم من جنس ونوع وغيره أصلاً بل هي مجرد وحدة وتنزه عن تركب لا كثرة لها ولا اثنينية بوجه، وعرفها باسم جامع الأنواع السلوب والإضافات اللازمة له هو أقرب اللوازم إليها، فانشرح وجودها المخصوص على ما هو عليه، فكان ذلك تعريفاً كاملاً لأن تعريف ما لا تركب فيه باللوازم القريبة في الكمال كتعريف المركبات بمقوماتها، فإن التعريف البالغ هو أن يحصل في النفس صورة مطابقة للمعقول، وكانت الزيادة في الشرح مطلوبة لأنها أكمل لا سيما في الأمور الباطنة الخفية، أتبع ذلك باسم سلبي إشارة إلى أن النظر في هذه الدار إلى جانب الجلال ينبغي كونه أعظم، وذلك الاسم قربه من الجلالة كقربتها من الهوية، فإنه دال على الوحدة الكاملة المجردة وهو متنزل الجلالة كما أنها متنزل الهوية، وهو كما أن الجلالة لم يقع فيها شركة أصلاً قد ضاهاها في أنه لا شركة لغيره تعالى فيه عند استعماله مفرداً بمعناه الحقيقي إلا أن في النفي إشارة إلى أن كل ما عداه سبحانه عدم، فقال مكاشفاً للقلوب وللعارفين مكذباً للنصارى القائلين بالأب والابن وروح القدس، ولليهود القائلين بأنه جسم، وللمجوس الذين يقولون بأنه اثنان: نور يخلق الخير، وظلام يخلق الشر، وللصابئة الذين يعبدون النجوم، وللمشركين القائلين بإلهية الأصنام، مخبراً خبراً آخر، أو مبدلاً من الجلالة، أو مخبراً عن مبتدأ محذوف: { أحد } وهو لأجل كونه خاصة في الإثبات حال الانفراد به تعالى معرفة غني عن " آل " المعرفة، وهو أعرق في الدلالة على صفات الجلال كما أن الجلالة أعرق في الدلالة على صفات الكمال لأن الواحد الحقيقي ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الكاملة والحكمة التامة المقتضية للألوهية من غير لزوم دور ولا تسلسل من جهة تركب أو غيره، وقرىء بإسقاط " قل " هنا وفي المعوذتين مع الاتفاق على إثباتها في الكافرون ونفيها في تبت، ولعل الحكمة أن الكافرون مخاطبة للكفار بما بين مشاققة ومتاركة، فناسب الحال أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم، وتبت معاتبة عم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوبيخه فلا يناسب أن يكون ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، والباقيات ما بين توحيد وتعوذ، فناسب أن يؤمر بتبليغه وأن يدعو به، ورتب الأحدية على الإلهية دون العكس، لأن الإلهية عبارة عن استغنائه عن الكل، واحتياج الكل إليه، وكل ما كان كذلك كان واحداً مطلقاً، وإلا لكان محتاجاً إلى أجزائه، فالإلهية من حيث هي تقتضي الوحدة، والوحدة لا تقتضي الإلهية، وعبر به دون " واحد " لأن المراد الإبلاغ في الوصف بالوحدة إلى حد لا يكون شيء أشد منه، والواحد - قال ابن سينا - مقول على ما تحته بالتشكيك، والذي لا ينقسم بوجه أصلاً أولى بالواحدية مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي ينقسم انقساماً عقلياً أولى مما ينقسم بالحس والذي ينقسم بالحس وهو بالقوة أولى من المنقسم بالحس بالفعل، وإذا ثبت أن الوحدة قابلة للأشد والأضعف.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك كان الأكمل في الوحدة الذي لا يمكن أن يكون شيء آخر أقوى منه فيها، وإلا لم يكن بالغاً أقصى المرام، والأحد جامع لذلك دال على الواحدية من جميع الوجوه، وأنه لا كثرة هناك أصلاً، لا معنوية من المقومات من الأجناس والفصول ولا بالأجزاء العقلية كالمادة والصورة، ولا حسية بقوة ولا فعل كما في الأجسام، وذلك لكونه سبحانه منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر وجوه التثنية التي تثلم الوحدة الكاملة الحقة اللائقة بكرم وجهه وعز جلاله أن يشبهه شيء أو يساويه لأن كل ما كانت هويته إنما تحصل من اجتماع أجزاء كانت هويته موقوفة على حصول تلك الأجزاء، فلا يكون هو هو لذاته بل لغيره، فلذا كان منزهاً عن الكثرة بكل اعتبار، ومتصفاً بالوحدة من كل الوجوه، فقد بلغ هذا النظم من البيان أعظم شأن، فسبحان من أنزل هذا الكلام ما أعظم شأنه وأقهر سلطانه، فهو منتهى الحاجات، ومن عنده نيل الطلبات، ولا يبلغ أدنى ما استأثره من الجلال والعظم والبهج أقصى نعوت الناعتين وأعظم وصف الواصفين، بل القدر الممكن منه الممتنع أزيد منه هو الذي ذكره في كتابه العزيز، وأودعه وحيه المقدس الحكيم، وبالكلام على معناه ومعنى الواحد تحقق ما تقدم، قال الإمام أبو العبا الإقليشي في شرح الأسماء: فمن أهل اللسان من ساوى بينهما جعلهما مترادفين، فمنهم من قال: أصل أحد واحد سقطت منه الألف ثم أبدلت الهمزة من الواو المفتوحة، ومنهم من قال: ليس أصله واحد وإن كانا بمعنى واحد، بل أصله وحد - من الوحدة - يحد فهو وحد - مثل حسن يحسن فهو حسن - من الحسن، أبدلت الواو همزة، وأما من فرق بينهما فمنهم من قال: أحد اسم على حياله لا إبدال فيه ولا تغيير، ومنهم من قال: أصله وحد، أبدلت الواو همزة - انتهى، وقد استخلصت الكلام على الاسمين الشريفين من عدة شروح للأسماء الحسنى وغيرها منها شرح الفخر الرازي والفخر الحرالي وغيرهما، قالوا: الواحد الذي لا كثرة فيه بوجه لا بقسمة ولا بغيرها مع اتصافه بالعظمة ليخرج الجوهر الفرد وهو أيضاً الذي لا يتثنى، أي لا ضد له ولا شبيه، فهو سبحانه واحد بالمعنيين على الإطلاق لا بالنظر على حال ولا شيء، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء: هذه حقيقة الوحدة عند المحققين، فلا يصح أن يوصف شيء مركب بها إلا مجازاً، كما تقول: رجل واحد، ودرهم واحد، وإنما يوصف بها حقيقة ما لا جزء له كالجوهر الفرد عند الأشعرية غير أنك إذا نظرت فوجدت وجوده من غيره علمت أن استحقاقه لهذا الوصف ليس كاستحقاق موجده له، وهو أيضاً إنما يوصف به لحقارته، وموجده سبحانه موصوف به مع الاتصاف بالعظمة، فاتصافه بالوحدة على الإطلاق، واتصاف الجوهر بالنظر إلى عدم التركب من الجسم مع أن صحة اتصافه بأنه جزء يزيل عنه حقيقة ذلك، والوحدة أيضاً بالنظر إلى المعنى الثاني وهو ما لا نظير له لا تصح بالحقيقة إلا له سبحانه، وكل ما نوعيته في شخصيته كالعرش والكرسي والشمس والقمر يصح أن يقدر لها نظائر، وله معنى ثالث وهو التوحد بالفعل والإيجاد، فيفعل كل ما يريد من غير توقف على شيء، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الأول ناظر إلى نفي إله ثان، وهذا ناف لمعين ووزير، وكلاهما وصف ذاتي سلبي، والحاصل أن النظر الصحيح دل على أن لنا موجداً واحداً بمعنى أنه لا يصح أن يلحقه نقص القسمة بوجه من الوجوه وبمعنى أنه معدوم النظير بكل اعتبار، وبمعنى أنه مستبد بالفعل مستقل بالإيجاد ومتوحد بالنصع متفرد بالتدبير، قضى بهذا شاهد العقل المعصوم من ظلمة الهوى وكثافة الطبع، وورد به قواطع النقل ونواطق السمع، ولهذا كان من أعظم الحق دعاؤه سبحانه لجميع الخلق، وكانت دعوة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم للخلق كافة، وقال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في آخر شرحه للأسماء في بيان رد الأسماء الكثيرة إلى ذات واحدة وسبع صفات: الأحد المسلوب عنه النظير، وقال في الشرح المذكور: الواحد هو الذي لا يتجرى ولا يتثنى، أما الذي لا يتجزى فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم فقال: إنه واحد - بمعنى أنه لا جزء له، ولذلك النقطة لا جزء لها، والله تعالى واحد - بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته، وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلاً فإنها وإن كانت قابلة للانقسام بالوهم متحيزة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن أن يكون لها نظير، وليس في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفرداً لا يتصور أن يشاركه فيه غيره أصلاً إلا الواحد المطلق أزلاً وأبداً، والعبد إنما يكون واحداً إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير، وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه وبالإضافة إلى الوقت إذ يمكن أن يكون في وقت آخر مثله، وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله تعالى، وقال الإمام محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة كتابه الملل والنحل: واختلفوا في الواحد أهو من العدد أم هو مبدأ العدد وليس داخلاً في العدد، وهذا الاختلاف إنما ينشأ من اشتراك لفظ الواحد، فالواحد يطلق ويراد به ما يتركب منه العدد، فإن الاثنين لا معنى له إلا واحد، تكرر أول تكرير، وكذا الثلاثة والأربعة، ويطلق ويراد به ما يحصل منه العدد، أي هو علته ولا يدخل في العد أي لا يتركب منه العدد، وقد تلازم الواحدية جميع الأعداد لا على أن العدد تركب منها بل وكل موجود فهو جنسه أو نوعه أو شخصه واحد يقال: إنسان واحد، وشخص واحد، وفي العدد كذلك فإن الثلاثة في أنها ثلاثة واحدة، فالواحدة بالمعنى الأول داخلة في العدد، وبالمعنى الثاني علة العدد، وبالمعنى الثالث ملازمة للعدد، وليس من الأقسام الثلاثة قسم يطلق على البارىء تعالى معناه: فهو واحد لا كالأحاد أي هذه الوحدات والكثرة منه وجدت ويستحيل عليه الانقسام بوجه من وجوه القسمة - انتهى، وهو واحد أيضاً بنفسه لا بالنسبة إلى ثان بوجه من الوجوه، وقال بعضهم: الواحد يدل على الأزلية والأولية، لأن الواحد في الأعداد ركنها وإظهار مبدئها، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع صفاته ونفي أبواب الشرك عنه، فالأحد بني لنفي ما ذكر معه من العدد، والواحد اسم لمفتتح العدد، وقال الإمام أبو حاتم محمد بن مهران الرازي في كتابه الزينة، قال بعض الحكماء: إنما قيل له سبحانه " واحد " لأنه عز وجل لم يزل قبل الخلائق متوحداً بالأزل لا ثاني معه ولا خلق، ثم أبدع الخق، فكان الخلق كله مع احتياجه إليه سبحانه محتاجاً بعضه إلى بعض ممسكاً بعضه بعضاً متعادياً ومتضاداً ومتشاكلاً ومزدوجاً ومتصلاً ومنفصلاً، واستغنى عز وجل عن الخلائق فلم يحتج إلى شيء فيكون ذلك الشيء مقروناً به لحاجته إليه ولا ناواه شيء فيكون ذلك الشيء ضداً له نصراً به، فيكون ذلك الضد والقرين له ثانياً، بل توحد بالغنى عن جميع خلقه لأنه كان قبل كل شيء، والأولية دلت على الوحدانية، فالواحد اسم يدل على نظام واحد يعلم باسمه أنه واحد ليس قبله شيء:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **وفي كل شيء له آية** | | **تدل على أنه واحد** |
| --- | --- | --- |
والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شيء، بل هو قبل كل عدد وهو خارج عن العدد، والواحد كيفما أدرته لم يزد فيه شيء ولم ينقص منه شيء، تقول: واحد في واحد بواحد - فلم يزد على الواحد شيء، فدل على أنه لا شيء قبله، وإذا دل على أنه لا شيء قبله دل على أنه محدث الشيء، فإذا دل على أنه محدث الشيء دل على أنه مغني الشيء، وإذا كان مغني الشيء دل على أنه لا شيء بعده، فإذا لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء فهو المتوحد بالأزل، يعني فهو الواحد الذي لا نظير له فهو الأحد، قال: فلذلك قيل: هو واحد وأحد، وقلنا: إن الأحد هو اسم أكمل - أي أعم - من الواحد، ألا ترى أنك إذا قلت: فلان لا يقوم له واحد، جاز في المعنى أن يقوم له اثنان أو ثلاثة فما فوقها، وإذا قلت: فلان لا يقوم له أحد، فقد جزمت بأنه لا يقوم له واحد ولا اثنان ولا ما فوقهما، فصار الأحد أكمل من الواحد، وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول: ليس في الدار واحد، يجوز أن يكون واحداً من الدواب أو الطير أو الوحش أو الإنس، فكان الواحد يعم الناس وغير الناس، وإذا قلت: ليس في الدار أحد، فهو مخصوص للآدميين دون سائرهم، والأحد ممتنع من الدخول في الضرب وفي العدد وفي القسمة وفي شيء من الحساب، وهو منفرد بالأحدية، والواحد منقاد للعدد والقسمة وغيرها داخل في الحساب، تقول: واحد واثنان وثلاثة، فهذا وإن لم يكن من العدد فهو علة العدد، وداخل في العدد، لأنك إذا ضربت واحداً في واحد لم يزد، واثنان هو جذر الحساب، وتقول في القسمة، واحد بين اثنين أو ثلاثة، لكل واحد من الاثنين نصف، ومن الثلاثة ثلث، فهذه القسمة، والأحد ممتنع من هذا، لا يقال: أحد واثنان ولا أحد في أحد ولا أحد في واحد ولا في اثنين أو ثلاثة، والواحد وإن لم يتجزأ من الواحد فهو يتجزأ من الاثنين والثلاثة فما فوقهما، تقول: جزء واحد من جزأين أو ثلاث فما فوقها، ولا يجوز: جزء أحد من جزأين فما فوقهما، وقد سمى الله نفسه واحداً أحداً ووصف نفسه بالوحدانية والأحدية، فالواحد نعت يلزمه على الحقيقة لأنه كان قبل ولا ثاني معه، والثاني خلال الواحد، فهو واحد لاتحاده في القدم، والخلق اثنان لاقترانه بالحدث لأن الحدث ثان للقدم، وبه ظهرت التثنية، فالواحد هو الأحد في ذاته فهو لا شيء قبله ولا من شيء ولا في شيء ولا على شيء ولا لشيء ولا مع شيء، فيكون ذاك الشيء ثانياً معه بل هو الواحد منشىء والأشياء كلها له، وهو المتحد بذاته ممتنع من أن يكون له شيء ثانياً بوجه من الوجوه والخلق كله له، وإن كان يسمى بالواحد، أو كانت هذه الصفة قد لزمت جميع الأشياء في وجه فإنها تزول عنها في وجه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
كما قيل: إنسان واحد وفرس واحد وبعير واحد، وكذلك يقال لسائر الأشياء، وهذه صفة تلزمها في اللفظ، والمسمى لا يخلو من معان كثيرة مجتمعة فيه كالجسم والعرض، وهو واحد مجموع من أشياء متفرقة، وكل شيء لا يخلو من ازدواج وتضاد وتشاكل وحد وعد، وهذه الصفات كلها تنفي عنه معنى الأحدية والواحدية، وفي الواحد عن العرب لغات كثيرة، يقال: واحد وأحد ووحد ووحيد وحاد وأحاد وموحد وأوحد - وهذا كله راجع إلى معنى الواحد، وإن كان في ذلك معان لطيفة ولم يجىء في صفة الله عز وجل إلا الواحد والأحد، قلت: والوحيد على بعض الإعرابات في المدثر، قال: وكلها مشتقة من الواحد، وكأن ذلك مأخوذ من الحد. كأن الأشياء كلها إليه انتهاؤها وهي محدودة كلها غيره عز وجل وهو محدود، بل هو غاية المحدودين وغاية الغايات لا غاية له، والأحد يجيء في الكلام بمعنى الأول وبمعنى الواحد، فإذا جاء بمعنى الأول وبمعنى الواحد جاز أن يتكلم به في الخبر كقولك: هذا واحد أحد، والعرب كانت تسمي يوم الأحد في الجاهلية أولاً، وقولك " يوم الأحد " دليل على أنه اليوم الأول من الأسبوع، والاثنين دليل على أنه اليوم الثاني، وفي التوراة أن الله عز وجل أول ما خلق من الأيام " يوم الأحد " قلت: يمكن أن يكون معنى يوم الأحد يوم الله، أضيف إليه لكونه أول مخلوقاته من الأيام، فلما أوجد الثاني سمي يوم الاثنين، لأنه ثاني يوم الأحد، قال: وضد الواحد اثنان، وضد الأحد الآخر، قال الله تعالى:**{ قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً }** [يوسف: 36] ثم قال في ضده " وقال الآخر " فهذا دليل على أن معنى قولهم " يوم الأحد " اليوم الأول: لأنهم قالوا لما بعده اثنان، ولم يقولوا: الآخر، لأن الأحد إذا لم يكن بمعنى الأول فضده الآخر، وإذا كان الأحد بمعنى الأول جاز الخبر والجحد، وإذا لم يكون بمعنى الأول وكان بمعنى الواحد جاز في الخبر وجاز في الجحد، قال الله تعالى:**{ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه }** [الكهف: 19] فهذه من الخبر، فإذا لم يكن أحد بمعنى الأول وبمعنى الواحد لم يجز أن يتكلم به إلا في الجحد، تقول: ما جاءني أحد، ولا يجوز: جاءني أحد، وكلمني أحد، قال الله تعالى في معنى الجحد**{ أيحسب أن لن يقدر عليه أحد }** [البلد: 5] وأحد يستوي فيه المذكر والمؤنث، قال الله تعالى:**{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[الأحزاب: 32] وواحد لا يستوي فيه المذكر والمؤنت حتى يدخل فيه الهاء فيقال " واحدة " لا يجوز " كواحد من النساء " وأحد يكون بمعنى الجمع، تقول العرب: يظل أحدنا الأيام لا يأكل، بمعنى كلنا لا يأكل، فاحتمل معنى الواحد والجماعة - انتهى، فالواحد من الأسماء الثبوتية الإضافية، يكون في أصل اللغة بالنسبة إلى ثان هو نصفه، وثالث هو ثلثه، وهكذا هو صفة الله تعالى بمعنى المتوحد في الاتصاف بالألوهية حتى لا يقبلها غيره بوجه، فلا شريك له، والأحد من النعوت السلبية، بل هو مجمعها، هو أحد في نفسه لا يقبل العدد ولا التركيب بوجه لا بالقسمة ولا بغيرها سواء نظر إليه بالنسبة إلى الغير أو لا، فهو متمحض للسلب، فهو وصف راجع إلى نفس الذات بمعنى أنه كامل في ذاته لا يؤثر في مفهومه النظر إلى شيء أصلاً، والفرد ناظر إلى نفي العدد، فافترقت الأوصاف الثلاثة وإن كانت متقاربة في المعنى.
وقال الإمام أبو الخير القزويني الشافعي في كتابه " العروة الوثقى في أصول الدين " ناقلاً عن بعض من فرق بينه وبين الواحد: إن الأحد اسم لنفي ما يذكر معه، وعن بعضهم أنه الذي لا يجوز له التبعيض لا فعلاً ولا وهماً، فهو أحد بذاته وأحد بصفاته، وتوحيد الله تعالى لنفسه علمه بأنه واحد، وإخباره بذلك وتوحيد العبد له علمه بذلك مع إقراره به، وقال الإمام فخر الدين الرازي في شرح الأسماء الحسنى: فالله سبحانه وتعالى أحد في ذاته، أحد في صفاته، أحد في أفعاله، أحد لا عن أحد غير متجزىء ولا متبعض، أحد غير مركب ولا مؤلف، أحد لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئاً، أحد غني عن كل أحد - انتهى، وهذا معنى ما نقله المعربون عن ثعلب أنه فرق بينهما بأن واحداً يدخله العدد، وأحد لا يدخله ذلك، يقال: الله أحد، ولا يقال: زيد أحد، لأن الأحد خصوصية الله تعالى، زيد يكون منه حالات، ونقض عليه بالعدد المعدد المعطوف، يقال: أحد وعشرون واثنان وعشرون، ورد بأن أحداً فيه بمعنى واحد، وقال الإمام فخر الدين في شرح الأسماء: إنه اختص به البارىء سبحانه، أما الواحد فيحصل فيه المشاركة، ولهذا السبب أعري من لام التعريف لأنه صار نعتاً لله عز وجل على الخصوص، فصار معرفة، وقال الأزهري: سئل أحمد بن يحيى عن الأحاد هل هي جمع أحد، فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع، ولا يبعد أن يقال إنه جمع واحد كالأشهاد جمع شاهد - انتهى، وقال الإقليشي في شرح الأسماء: الأحد هو الذي ليس بمنقسم ولا متجزىء، فهو على هذا اسم لعين الذات، فيه سلب الكثرة عن ذاته، فتقدس بهذا الوصف عن صفات الأجسام القابلة للتجزي والانقسام، والنقطة والجوهر الفرد عن مثبته - يعني من المتكلمين، والجوهر البسيط عند مدعيه - يعني من الفلاسفة، وإن كانت هذه لا تتجزى ولا تنقسم وإنها مخالفة للبارىء تعالى في أحديته، أما النقطة فعرض عند بعضهم إذ هي عبارة عن طرف الخط، وإذا كان الخط عرضاً فالنقطة أولى بالعرضية، وأما الجوهر الفرد فإنه وإن كان لا ينقسم فهو مقدر بجزء، وكل ما قدر بجزء فلا يخلو من الأكوان وهو كيفما كان على رأي من أثبته من المتكلمين وإن كانوا في أوصافه متنازعين فلا يخلو من الأعراض، وأما الجوهر البسيط عند من أثبته فوجوده عندهم ليس عينه إذا اثنينيته غير ماهيته، وما هو بهذا الوصف عندهم ففيه اثنينية، ففارق البارىء سبحانه وتعالى بأحديته هذه الموجودات كما فارق بذاته الأجسام، فوجوده عن ذاته وليست صفاته تعالى مغايرة لذاته، وأما الواحد فهو وصف لذاته، فيه سلب الشريك والنظير عنه، فافترقا - يعني بأن الأحد ناظر إلى نفس الذات، والواحد إلى أمر خارج عنها، وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات: الأحد فيما يدعوه المشركون إلهاً من دونه لا يجوز أن يكون إلهاً إذ كانت إمارات الحدث من التجزي والتناهي قائمة فيه لازمة له، والبارىء سبحانه وتعالى لا يتجزى ولا يتناهى، فقد مر أن الأحد خاص بالله سبحانه وتعالى: إنه لا فرق في إطلاقه عليه سبحانه وتعالى بين تعريفه وتنكيره لأنه معرفة في نفسة، فطاح اعتراض من قال من الملحدين: الجلالة معرفة وأحد نكرة لا ينعت به.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعلى تقدير التسليم يجوز جعله بدلاً كما تقدم ولا مانع من إبدال النكرة من المعرفة مثل لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة، قال صاحب كتاب الزينة: وعلى هذه القراءة - أي قراءة التنكير - أجمعت الأمة، وروى قوم عن أبي عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق أنه قرأ قل هو الله أحد الله الواحد الأحد الصمد، وقال الإمام أبو الحسن الحرالي في شرح الأسماء الحسنى: الأحد اسم أعجز الله العقول عن إدراك آيته في الخلق إثباتاً فلم تستعمله العرب مفرداً قط أي وهو بمعناه الحقيقي لا بمعنى واحد ولا بمعنى أول مثلاً إلا في النفي لما علموا أنه مفصح عن إحاطة جامعة لا يشذ عنها شيء، وذلك مما تدركه العقول والحواس في النفي ولا تدركه في الإثبات فيقولون: ما في الدار أحد - نفياً لكل ولا يسوغ في عقولهم أن يقولوا: في الدار أو في الوجود أحد -، إذ لا يعقل عندهم ذات إنسان هي جامعة لكل إنسان، فلما ورد عن الله اسمه في القرآن تلقاه المؤمنون بالإيمان وأحبت قلوبهم سورة ذكره لجمعها لما لا يحصى من ثناء الرحمن وهي أحد الأنوار الثلاثة في القرآن، القرآن - نور
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا }** [الشورى: 52] ونور نوره سورة ذكر الأحد في ختمه وآية الكرسي في ابتدائه وسورة يس التي هي قبله في محلها منه واحد مبين عن اسم الله الذي هو بكل شيء محيط، لا يتطرق إليه شرك في حق ولا باطل، وهو واحد مبين عن اسم الإله الذي لا يصح فيه الشرك حقاً، وقد يتطرق إليه باطلاً**{ واتخذوا من دون الله آلهة }** [يس: 74] وذلك لأن الواحد يضائف الثاني، وأحد جامع محيط لم يبق خارج عنه فيضايفه يعني أن مفهومه ناظر إلى كونه سبحانه وتعالى الآن كما كان في الأزل وحده، فإن الخلق فانٍ فهو في الحقيقة عدم، وكأنه ما كان لإحاطته به وكونه في قبضته وطوع مشيئته، فلا خارج يكون مضايفاً له لأنه لا يضايف الشيء إلا مناظر لمساواة أو مباراة بمعاندة أو غيرها، فالكل بالنسبة إليه عدم**{ إنك ميت وإنهم ميتون }** [الزمر: 30]**{ كل من عليها فان }** [الرحمن: 26]**{ كل شيء هالك إلا وجهه }** [القصص: 88] هذا مراده بدليل سابقه ولاحقه فلا شبهة فيه لأهل الوحدة عليهم الخزي واللعنة، قال: والوحدة من الواحد هي حد النهاية، والغاية مما هي وحدته، وما دون الوحدة التي هي الغاية ثانية ودونه وجماع إحاطات كل ذلك أعلى وأدنى هي الأحدية التي لا يشذ عنها شاذ ولا يخرج عنها خارج، فمن الأسماء معلوم لخليفة من خليقته بما أتاهم منه كالرحيم والعليم، ومنها ما يعجز عنه خلافتهم كالأسماء المتقدمة من اسمه المحصي، ولكن ينال مثلاً من قولهم، ومنها ما لم ينله العلم ولا أدركت مثله العقول وهو اسمه الأحد، فالله هو الأحد الذي لا أحد إلا هو - انتهى، وقال الإمام أبو الحكم بن برجان في شرح الأسماء الحسنى: وهو - أي الأحد - أصل لباب الوحدة، يدل على محض الوحدة، ألا ترى أنه نافٍ يأتي معه، إذا قلت: لم يأتني أحد، انتفى الاثنان، ولا تقول: جاءني أحد كما تقول! جاءني واحد، لأن واحداً تزول عنه الواحدية بضم ثان إليه بخلاف الأحدية فإنها لازمة الواحد لا يفارقه حكمها بعد ضم الثاني بل لها من جهة محفوظة عليها يظهر ذاك بالأشفاع والأوتار، فإنك تقول ما جاءني أحد، فتنتفي الأشفاع كما تنتفي الأوتار، وهذا دليل على زيادة شرفه فإن الاسم كلما غمضت دلالته وتعذرت معرفته عن الأفهام وعزب عن العقول علمه كان ذلك دليلاً على قربه من الاسم الأعظم - انتهى، وقال بعض العارفين في كشف معنى الأحد ورتبته: إن الذات الأعظم غيب محض والأحد أول تعيناتها، ولذلك بدىء بالهمزة التي هي أول تعينات الألف التي هي لهيب محض وذلك سر مخالفتها للأحرف في أن كل حرف يدل على مسماه أول حروف اسمه إلا الألف لكونها غيباً، فكان أول اسمها الهمزة التي هي أول تعيناتها، والهمزة لكونها مرقى إلى غيب الألف كان أول اسمها أيضاً غير دال على مسماها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم بعد التعيين بالأحدية الشاملة المستغرقة يتنزل إلى الإلهية ثم منها إلى الواحدية، ولذلك ابتدىء الواحد بالواو التي هي وصلة إلى ما فيه من الألف الذي هو غيب، فإن الواحد مرقى إلى فهم الإله، والإله مرقى إلى تعقل الأحد، والأحد مرقى إلى التعبد للذات الأقدس الأنزه، ومن اعتقد أحديته سبحانه وتعالى، أنتج له ذلك حبه وتعظيمه، وهو توحيد الألوهية لأن التفرد بذلك يقتضي الكمال والجمال - والله الموفق.
قال الإمام جعفر بن الزبير: لما انقضى مقصود الكتاب العزيز بجملته عاد الأمر إلى ما كان، وأشعر العالم بحالهم من ترددهم بين عدمين**{ ثم الله ينشىء النشأة الآخرة }** [العنكبوت: 20] فوجودهم منه سبحانه وتعالى وبقاؤهم به وهم وجميع ما يصدر عنهم من أقوالهم وأفعالهم كل ذلك خلقه واختراعه، وقد كان سبحانه وتعالى ولا عالم ولا زمان ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان، لا يفتقر إلى أحد ولا يحتاج إلى معين، ولا يتقيد بالزمان، ولا يتحيز بالمكان، فالحمد لله رب العالمين، أهل الحمد ومستحقه مطلقاً، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه المصير { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } هو الموجود الحق، وكلامه الصدق،**{ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب والدار الآخرة خير للذين يتقون }** [العنكبوت: 64] فطوبى لمن استوضح آي كتاب الله، وأتى الأمر من بابه وعرف نفسه ودنياه، وأجاب داعي الله ولم ير فاعلاً في الوجود حقيقة إلا هو سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين، ولما كمل مقصود الكتاب، واتضح عظيم رحمة الله به لمن تدبر واعتبر وأناب، كان مظنة الاستعاذة واللجأ من شر الحاسد وكيد الأعداء فختم بالمعوذتين من شر ما خلق وذرأ وشر الثقلين - انتهى.
ولما تم البيان لهويته سبحانه وتعالى على هذا الوجه الذي أنهاه بالأحدية المعلمة بالتنزه عن القسمة والنظير، وكان بيان القرآن بالغاً أقصى نهايات البيان، وكان الأحد من النعوت المتوغلة في السلب، وكانت الشركة تقع في التعبير به في النفي وهو بمعناه الحقيقي وتقع فيه بالإثبات والسلب على حد سواء، أو دلالته على الكمال والإضافة أكمل، وبناه على الاسم الأعظم الذي هو آخر الأسماء الظاهرة وأول الأسماء الباطنة، ولم يقع فيه شركة بوجه دفعاً لكل تعنت، وإشعاراً بأن لم يسم به لم يستحق الألوهية، وأخلى الجملة عن عاطف لأنها كالنتيجة للأولى والدليل عليها، فقال مكاشفاً لنفوس المؤمنين وللعلماء معيداً الاسم ولم يضمر لئلا يظن تقيد بحيثية غيب أو غيرها: { الله } أي الذي ثبتت إلهيته وأحديته، لا غيره { الصمد } الذي تناهى سؤدده المطلق في كل شيء إلى حد تنقطع دونه الآمال، فكان بحيث لا يحتاج إلى شيء وكل شيء إليه محتاج، وتنزه عن الجوفية فلم تدن من جنابه بفعل ولا قوة لأنه تنزه عن القسمة بكل اعتبار مع العظمة التي لا يشببها عظمة، فكان واحداً بكل اعتبار، وذلك هو مفهوم الأحدية عبارة وإشارة، فكان مصموداً إليه في الحوائج أي مقصوداً لأجلها، فهو الموصوف بهذا الاسم على الإطلاق، وبكل اعتبار، فكان موجداً للعالم لأن العالم مركب بدليل المشاهدة فكان ممكناً فكان محدثه واجباً قديماً، نفياً للدور والتسلسل المحالين، وخلقه له بالقدرة والاختيار لأنه لو كان بالطبع والإيجاب لكان وجوده مع وجوده لأن العلة لا تنفك عن المعلول، فيلزم من قدم البارىء عز وجل قدم العالم، ومن حدوث العالم حدوث البارىء جل وعز، وذلك جمع بين النقيضين وهو محال، وقصر الصمدية عليه لأن اشتداد الألف لحاجة الشيء إلى غيره ربما كان موجباً لخفاء اختصاصه به، ولم يقصر الأحدية إما للتنبيه على أن ذلك لشدة ظهوره غني عن التأكيد، وإما استئلافاً لهم لئلا ينفروا قبل سماع تمام السورة على أنه بظهور قصر الصمدية التي أحد معنييها لازم الأحدية ظهر الاختصاص بالأحدية، قال العلماء رحمهم الله تعالى: والصمد من صمد إليه - إذا قصده، وهو كالأحد، بني على هذا الوزن لأنه لا تلحقه المضارعة ولا تدن منه المشابهة لأنه اسم خاص فهو السيد المصمود إليه، وهو أيضاً الذي لا جوف له ولا رخاوة بوجه فيه، لأن الأجواف وعاء، وكل وعاء محتاج إلى موعيه، يقال: شيء مصمد، أي صلب، وحجر صمد: أملس لا يقبل الغبار ولا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء، قال ابن قتيبة: وهو على هذا الدال فيه مبدله من التاء وهو المصمت، وهو أيضاً العالي الذي تناهى علوه، تقول العرب لما أشرف من الأرض: صمد - بإسكان الميم، وبناء صمد أي معلى، فهو على التفسير الأول من الصفات الإضافية بمعنى أنه سيد لكل موجود، والكل محتاجون إليه في ابتداء إيجادهم وفي تربيتهم، فهم يصمدون إليه في الحوائج ويقصدون إليه في جميع الرغائب، وهو غني على الإطلاق، وذلك هو اتصافه بصفات الإلهية، قال الإقليشي فعلى هذا أي أنه الذي يلجأ إليه ويعتمد عليه لتناهي سؤدده - يتشعب من صفة الصمد صفات السؤدد كلها من الجود، والحلم وغير ذلك وإذا قلنا: إن الصمد العالي تشعبت منه صفات التعالي كلها من العزة والقهر والعلو ونحوها - انتهى، وقد روى البيهقي رحمة الله تعالى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله " الصمد " قال: هو السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي كمل في شرفه، والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي كمل في غناه، والجبار الذي كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكم الذي قد كمل في حكمه، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله عز وجل، هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس له كفوء، وليس كمثله شيء، فسبحان الله الواحد القهار وقال أبو العباس بن تيمية الحنبلي في كتابه " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ": أجمع سلف الأمة وأئمتها أن الرب سبحانه وتعالى بائن من مخلوقاته، يوصف بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل بوصف من صفات الكمال دون صفات النقص، ونعلم أنه ليس كمثله شيء ولا كفوء له في شيء من صفات الكمال كما قال الله تعالى: { قل هو الله أحد الله الصمد } - إلى آخرها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الصمد إلى آخر ما مضى عنه، وقال ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: هو الذي لا جوف له، والأحد الذي لا نظير له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فاسمه الصمد يتضمن اتصافه بصفات الكمال ونفي النقائص عنه، واسمه الأحد يتضمن أنه لا مثل له، وقال الحرالي: الصمد - يعني بالسكون: - التوجه بالحاجات إلى مليّ بقضائها لا يحتاج إلى سواه، فلذلك يكون الصمد سيداً لا يساد، السيد الله - انتهى، وعلى التفسير الثاني: هو من النعوت السلبية، فهو دال على نفي الماهية التي تعنت بها فرعون لاقتضائها المقومات المستلزمة للحاجة إلى ما به التقويم، وعلى إثبات الهوية المنزهة عن كل شائبة نقص، فإن كل ما له ماهية كان له جوف وباطن، وهو تلك الماهية، وهو ما لا باطن له، وهو موجود فلا جهة ولا اعتبار في ذاته إلا الوجود، فهو واجب الوجود غير قابل للعدم، وقد علم بهذا أنه جامع لما ذكر فيما قبله، فإن هذا التفسير الثاني يتشعب منه من الأسماء ما ينظر إلى نفي التركيب كالأحد ونحوه وهذان التفسيران الأول والثاني جامعان لجميع ما فسر به ولما عسى أن يقال فيه سبحانه من صفات الكمال، ونعوت العظمة والجلال، فمن كان مصموداً إليه في جميع الحاجات ومتعالياً عن كل سمت حدث وشائبة نقص كان موجداً لكل ما يريد من نفع وضر ونافع وضار قادراً على حفظ ما يريد، وكان معلوماً كالشمس أنه لا شريك له، وأنه هو وحده المستحق للعبادة لاحتياج الكل إليه الاحتياج المطلق وغناه عنهم الغنى المطلق، وتفرده بصفات الكمال والانقطاع عن قرين وإلى الصمدانية ينتهي التوجه وهو الإقبال بالكلية، وهي ترد على الفلاسفة القائلين بتدبير القول، والصابية القائلين بتدبير النجوم، وعلى غيرهم من كل من ادعى تدبيراً لغير الله سبحانه وتعالى، ومن اعتقد صمديته المقتضية لكمال الذات والصفات وشمول التدبير، أنتج له كمال التفويض والتوكل وهو توحيد الربوبية، وهذه الأسماء الأربعة مشيرة إلى مقامات السائرين ومرامات الحائرين والجائرين، فالمقربون نظروا إلى الأشياء فوجدوا كل ما سواه سبحانه وتعالى معدوماً بالذات، فكان ذكرهم " هو " وأصحاب اليمين نظروا إلى وجود الممكنات فعينوا مرادهم وميزوا مذكورهم بالجلالة، وأصحاب الشمال جوزوا الكثرة في الإله فاحتاجوا في تذكيرهم إلى الوصف بالأحدية والصمدية وهي رادة على أهل الاتحاد أعظم رد، فإنهم يقولون: إن الإله هو هذا العالم، وهو منقسم بالحس فضلاً عما عداه ومحتاج أشد احتياج.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما انتهى بيان حقيقته سبحانه وتعالى، وأنه غير مركب أصلاً، وبين سبحانه بصمديته المستلزمة لوحدانيته أن الكل مستند إليه ومحتاج إليه، وأنه المعطي لوجود جميع الموجوات، والمفيض للجود على كل الماهيات فلا يجانس شيئاً ولا يجانسه شيء، ولا يكون له نظير في شيء من ذلك. وكان ربما تعلق بوهم واهم أن تولد غيره عنه يكون من تمام سؤدده المعبر به عن قدرته، بين أن ذلك محال لاقتضائه الحاجة مما لا تعلق له بالقدرة لأن القدرة من شأنها أنها لا تتعلق بالمحال، وهذا محال، لأنه سبحانه صمد، فكان ذاك بياناً للصمدية في كلا معنييها، فقال من غير عاطف دالاًّ على انتفاء الجوف الذي هو أحد مدلولي " صمد " مكاشفاً للعقلاء شارحاً لأنه لا يساويه شيء من نوع يتولد عنه ولا جنس يولد هو عنه، ولا غير ذلك يوازيه في وجود ولا غيره { لم يلد } أي يصح ولم ينبغ بوجه من الوجوه أن يقع تولد الغير عنه مرة من المرات، فكيف بما فوقها لأن ذلك مستلزم للجوف وهو صمد لا جوف له، لأن الجوف من صفات النفس المستلزم للحاجة وهو مستغن بدوامه في أبديته عمن يخلفه أو يعينه لامتناع الحاجة والفناء عليه، فهو رد على من قال: الملائكة بنات الله أو عزير أو المسيح أو غيره.
ولما بين أنه لا فصل له، ظهر أنه لا جنس له، فدل عليه بقوله: { ولم يولد } لأنه لو تولد عنه غيره تولد هو عن غيره كما هو المعهود والمعقول، فهو قديم لا أول له بل هو الأول الذي لم يسبقه عدم، أن الولادة لا تكون ولا تتشخص إلا بواسطة المادة وعلاقتها، وكل ما كان مادياً أو كان له علاقة بالمادة، كان متولداً عن غيره فكان لا يصح أن يتولد عنه شيء لأنه لا يصح أن يكون هو متولداً عن غيره لأنه لا ماهية له ولا اعتبار لوجوده سوى أنه هو، فهويته لذاته، ومن كانت هويته لذاته لم يصح بوجه أن يتولد عن غيره لأنه لو تولد عن غيره لم يكن هو هو لذاته، ولا يكون أحداً حقيقياً ولا صمداً، فينتفي من أصله، ولا يكون له من ذاته إلا العدم، فقد تبين أنه واجب الوجود، فوضح كالشمس أنه ليس مادياً لأنه غير محتاج بوجه، فلا يصح أن يتولد عنه غيره، لأنه لم يصح أن يتولد هو عن غيره، ومن كان كذلك لم يكن له مثل، فلا يصح بوجه أن يساويه شيء ليصح أن يقوم مقامه فيما بين ما انتفى في الأول والآخر، فدل على ذلك إتماماً لشرح حقيقته المعبر عنها بهو بقوله: { ولم يكن } أي لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ولا بتقدير من التقادير { له } أي خاصة { كفواً } أي مثلاً ومساوياً { أحد } على الإطلاق، أي لا يساويه في قوة الوجود لأنه لو ساواه في ذلك لكانت مساواته باعتبار الجنس والفصل، فيكون وجوده متولداً عن الازدواج الحاصل من الجنس الذي يكون كالأم، والفصل الذي يكون كالأب، وقد ثبت أنه لا يصح بوجه أن يكون في شيء من الولادة، لأن وجوب وجوده لذاته، فانتفى أن يساويه شيء في قوة وجوده، فانتفى قطعاً أن يساويه أحد في شيء من قوة أفعاله، فعطف هاتين الجملتين على الجملة التي قبلها لأن الثلاث شرح الصمدية النافية لأقسام الأمثال، فهي كالجملة الواحدة، وقدم الظرف في الثالثة لأن المقصود الأعظم نفي المكافأة عن الذات الأعظم، فكان أهم " وكفواً " حال من أحد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ويجوز أن يكون " كان " ناقصة ويكون " كفواً " خبرها، وسوغ خبريته تخصيصه بـ " له " كما قالوا في " إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله " وقد وضح أن هذه السورة أعظم مبين للذات الأقدس بترتيب لا يتصور في العقل أن يكون شيء يساويه، وكلمات لا تقع في الوهم أن يكون شيء يساويها أو يساوي شيئاً منها، فأثبت أولاً حقيقته المحضة وهويته بأنه هو، لا اسم لتلك الحقيقة من حيث هي إلا ذلك، فعلم أنه واجب الوجود لذاته لا لشيء آخر أصلاً، ثم عقب ذلك بياناً له بذكر الإلهية التي هي أقرب اللوازم لتلك الحقيقة وأشدها تعريفاً.
ولما اقتضت الإلهية الوحدة لأنها عبارة عن الاستغناء المطلق واحتياج الغير إليه الاحتياج المطلق، دل عليها بالأحد، ودل على تحقيق معنى الإلهية والواحدة معاً بالصمدية لما لها من المعنيين: وجوب الوجود بعدم الجوف وجوداً أو تقديراً والسيادة المفيضة لكل وجود على كل موجود وجوداً لا يشبه وجوده سبحانه:
| **" وأين الثريا من يد المتناول "** | | **" الأمر أعظم من مقالة قائل "** |
| --- | --- | --- |
وبين المعنيين كليهما بعدم صحة التوليد منه وله وعدم المساوي، فمن أول السورة إلى آخر الأسماء في بيان حقيقته سبحانه وتعالى ولوازمها الأقرب فالأقرب ووحدتها بكل اعتبار، ومن ثم إلى آخرها في بيان أن لا مساوي له لأنه لا جنس له ولا نوع حتى يكون هو متولداً عن شيء أو يكون متولداً عنه شيء، أو يكون شيء موازياً له في الوجود، وبهذا القدر حصل تمام معرفة ذاته، وأنه لا يساويه شيء في قوة وجوده فلا يساويه في تمام أفعاله بدلالة شاهد الوجود الذي كشف عنه والشهود بنصر نبيه صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو أبا لهب وجميع الكافرين الشانئين وحده وهم ملء الأرض ويخبرهم مع تحاملهم كلهم عليه أنهم مغلوبون، وأنه أتاهم بالذبح لأن لمن أرسله الإحاطة الكاملة بجميع الكمال، وقد كان الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم، فقد صدقت مقالاته، فثبتت إلى الخلق كافة رسالاته، وثبت مضمون جميع السورة بما ثبت من هذه الأدلة المشهورة، والبراهين القاطعة المنصورة، وقد ثبت أنه صمد بما دل على أحد معنييه الذي هو انتفاء الجوفية بعدم التولد، وعلى المعنى الآخر الذي هو بلوغ المنتهى من السيادة بعدم المكافىء فبان أنه هو لذاته فلا إله غيره، فانطبق آخرها على أولها، والتحم أيّ التحام مفصلها بموصلها، فعلم أنه هو هو لا غيره بزيادة أنه الأحد ولا أحد حقاً غيره، ومن تحقق آخرها أقبل بكليته إليه سبحانه، فلم يلتفت إلى غيره لأن الكل في قبضته، وقد نقلت في كتابي مصاعد النظر عن الإحياء للإمام الغزالي رحمة الله تعالى عليه في شيء من أسرار هذه السورة كلاماً هو في غاية النفاسة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وروى الترمذي عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى: قل هو الله أحد إلى آخرها، قال: لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفواً أحد - انتهى. ومن كان كذلك فهو الجامع للأسماء الحسنى والصفات العلى كلها، وعلم أن حاصلها تنزيه المعبود عن أن يكون له مجانس، أو يكون له مكافىء، والرد على كل من يخالف في شيء من ذلك، وأعظم مقاصد آل عمران المناظرة لها في رد المقطع على المطلع، المفتتحة بالحي القيوم، المودعة أوضح الأدلة على كفر من كفر بالله سبحانه وتعالى لا سيما من ادعى أن عيسى عليه الصلاة والسلام إله أو أنه ولد له سبحانه وتعالى وكذا غيره الدلالةُ على بطلان مذهب من ادعاه إلها وعلى أن عيسى عليه الصلاة والسلام عبد من عبيده أوجده على ما أراد كما أوجد من هو أغرب حالاً منه وإبطال قول من ادعى فيه غير ذلك. ولما عرفت هذه السورة حقيقة الذات أتم تعريف، وكان الغرض الأقصى من طلب العلوم بأسرها معرفة ذاته سبحانه وتعالى وصفاته وكيفية صدور الأفعال عنه وكان القرآن العظيم كفيلاً بجميع هذه العلوم، وكانت هذه السورة منه قد تكفلت بجميع ما يتعلق بالبحث عن الذات على سبيل التعريض والإيماء، وكانت معادلة لثلث القرآن وهي ثلث أيضاً باعتبار آخر وهو أن الدين اعتقاد، وفعل لساني يترجم عن الاعتقاد، وفعل يصحح ذلك، وهي وافية بأمر الاعتقاد بالوحدانية الذي هو رأس الاعتقاد، وباعتبار أن مقاصده كلها محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص، وهذه السورة على وجازتها قد اشتملت على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها، ولأجل أن هذا هو المقصود بالذات الذي يتبعه جميع المقاصد عدلت في بعض الأقوال بجميع القرآن، وحاصل شرح هذه السورة العظمى أنه سبحانه وتعالى دل على الذات الأقدس بالهوية، وعبر عنها بالضمير إشارة إلى نفي الماهية التي غلظ أو غالط فيها الكفور الأعظم فرعون - لعنة الله عليه وعلى أتباعه أهل الإلحاد، وأنصاره وأشياعه من أهل الاتحاد، ودل على ذلك بالاسم الأعظم المجمع عليه ودل عليه بالوحدة الجامعة للغنى، النافية للكثرة الموجبة لحاجة، ودل عليها بالصمدية النافية للجوفية المثبتة للسيادة الخفية، ودل على أول معنييها بانتفاء الولادة منه وله، الدالان على نفي الجنس للقوم والفصل المقسم، ودل على الثاني بعدم المكافىء، ودل على هذا العدم بأفعاله العظيمة المشاهدة التي أشار قطعاً ترتيب السور بما انتهى إليه وضع هذه السورة في هذا الموضع إلى استحضارها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وتأمل ما كان منها من تربية هذا الدين بنصر نبيه الذي أرسله صلى الله عليه وسلم لإقامته، وسلط الكافرين - وهم ملء الأرض - على أذاه، وجعل أعظمهم له أذى أقربهم إليه نسباً عمه أبا لهب الذي كان يتبعه في تلك المشاهد والقبائل، ويلزمه في تلك المواسم والمعاهد والمحافل، يصرح بتكذيبه كلما دعى الناس إلى الحق، ويواجه بما هو أشد الأشياء على النفس كراهة وأشق، فكانت تلك الشهرة عين الرفعة والنصرة، لأن الشيء، إذا خرج عن حده انقلب إلى ضده، فإنه إذا تناهت شهرته ثم بان بطلانه أو صحته رجعت شهرته بكونه باطلاً أو صحيحاً أعظم منها لو لم يتقدمها شهرة بغير ذلك، فانقلبت النصرة، وعظمت الكثرة، فجلت المعاونة، وزالت المباينة، وحصل الوفاق، وزال الشقاق، فدل هذا الفعل الأعظم من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو وحده، وكذب المعاندين وهم من لا يحصيهم إلا الله في كل ما قال، وجميع ما قالوا على عزته سبحانه وتعالى بكونه نصر عبده على ذلك الوجه الخارق للعادة وعلى حكمته بما سلطهم به عليه حتى أسرعت الشهرة وعمت النصرة، فعلم بتلك المشاهدة أنه العزيز الحكيم كما دلت عليه سورة التوحيد المناظرة لهذه في رد المقطع على المطلع، وهي آل عمران المناظرة لهذه في الدلالة على التوحيد والمحاججة لمن ادعى أن له صاحبة وولد، فعلم قطعاً أنه لا كفوء له، فعلم أنه لا يصح أصلاً أن يلد ولا أن يولد، فبطلت قطعاً دعوى إلهية عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره ممن ادعى فيه الولدية بالأحدية لما تقتضيه الولادة من المادة المقتضية للكثرة، الموجبة للحاجة، وعظم البيان بما دل عليه الاسم الأعظم من الإجماع بما تقتضي الإلهية، ولا إجماع على غيره، وجل الأمر وانقطع النزاع بما دل عليه الضمير من وجوب الوجود النافي لما سواه من كل موجود - والله الهادي، فلقد أبانت السورة على أعظم الوجوه أن مرسله صلى الله عليه وسلم أجل موجود وأشرف حقيقة وأنفس معلوم، وأعظم ذات، وذلك يستلزم نفي كل ما لا ينبغي، وحصول كل ما ينبغي استلزاماً لا يقبل الانفكاك، كالفردية في الوتر، والزوجية في الشفع، وتفصيل ذلك بعشرة أشياء تبسط على كلمات السورة على الترتيب: الأول أنه تعالى له الوجود الذي ما مثله فليس هو كالممكنات المسبوقة بالعدم والمنقطعة بالانعدام، والمنصرمة في الدوام، بل هو أزلي لا أول له أبدي لا آخر له، قيوم لا انصرام له، الثاني أن له السبوحية الآبية على نفع كل نقص وعيب، الثالث أن له القدوسية المشتملة على الاتصاف بكل كمال، من جلال وجمال وتعال، الرابع أن له العظمة والجلالة عن أن يكون عرضاً أو كالأعراض، أو جوهراً أو كالجواهر، أو جسماً أو كالأجسام، الخامس أن له العلو عن أن يحل في شيء أو يحل فيه شيء أو يتحد بشيء أو يتحد به شيء، السادس أنه تعالى له الغنى عن الموجد كالرب والموجب كالأب والمفيد أي لشيء من الكمالات، السابع أنه تعالى له الوحدانية التي ليس فيها شبيه أي في صفاته، ولا مثيل أي في نوع ولا نسب أي كالقرابة، الثامن أنه تعالى له الفردانية التي لا يصح فيها شرك، لا في الملك - بكسر الميم، ولا في الملك - بضمها، ولا في التدبير، ولا في التأثير، التاسع أنه تعالى له الكبرياء المنافية لفوت كمال أو كمال كمال، العاشر أنه تعالى له العزة المنافية لأن يكون له ضد - وهو المفسد لما يفعله، أو ند - وهو الموجد لمثل ما يوجده، وتنزل هذه العشرة على السورة واضح لمن تأمل الكلام وتدبره، وابتدأ سبحانه السورة بالضمير قبل الظاهر بعد التصريح بالنصر والفتح وخسارة أهل الكفر بخسارة أبي لهب الذي هو أعلاهم وأعزهم إشارة إلى أن من صحح باطنه باسم الله تعالى نصر وفتح له - كما يشير إليه تعقيب الأمر في آخر سورة البقرة بالرغبة إليه في النصر على الكافرين بقوله
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ الله لا إله إلا هو الحي القيوم }** [البقرة: 255] فإنه ترجمة أول هذه السورة التالية للنصر والكافرون سواء بالضمير والاسم الأعظم والتوحيد الأعظم المقرون بدليل وهو القيومية، فقد بين آخر السورة الذي هو نتيجتها ورد مقطعها على مطلعها أنه أحد حاضر في كل زمن لا يغيب أصلاً، ولا أحد يكافئه أو يشابهه، لأنه لم يتولد عنه شيء ولا تولد هو عن شيء، لأنه صمد لا جوف له مطلقاً لا في ذاته بالفعل، ولا بحيث يجوّزه الوهم لأنه أحد محيط بكل شيء لأنه هو الله المحيط بجميع صفات الكمال والجمال، وهو غيب محض لأنه لا يقوى غيره على معرفته إلا باللوازم من الصفات المعقولة تقريباً، والأفعال المشاهدة آثارها، وهو هو الذي هو - مع كونه غيب الغيب - مستحضر في كل لب، لا يظهر بغيب عن أحد بما له من الآثار، التي ملأت الأقطار، ولذلك استحق التسمية بـ " هو " ولم يستحقها غيره لحضوره لكل قلب وغيبة غيره بكل اعتبار، لأنه ليس للغير من ذاته إلا الغيبة بالعدم، وأما هو فهو الواجب وجوده، وهو الذي أوجد غيره، وركز في كل قطرة ذكره، لما له سبحانه من الكمال، ولغيره من شدة الحاجة إليه والاحتلال، فكان سبوحاً قدوساً جامعاً بين الوصفين لأنه ممدوح بالفضائل والمحاسن، التقديس مضمر في صريح التسبيح، والتسبيح مضمر في صريح التقديس، وقد جمع الله سبحانه وتعالى بينهما في هذه السورة بالأسماء التي جلاها أولها، فهو صريح التقديس، ومن ثم إلى آخرها صريح التسبيح، والأمران راجعان إلى إفراده وتوحيده ونفي التشريك والتشبيه عنه، وذلك هو الجمع بين الإثبات والنفي على تهييج ما وقع في كلمة الإخلاص ليعلم أن الإثبات لا يكمل إلا بصيانته عن كل ما يتضمن مخالفته، لكن كلمة الإخلاص تركبت من نفي ثم إثبات، وسورة الإخلاص من إثبات ثم نفي، فأولها إثبات وآخرها نفي، وآخر الإثبات الصمد، فهو جامع بين الأمرين فإنه جمع كل صفة لا يتم الخلق إلا بها " لأن أحد مدلوليه " في اللغة: السيد الذي يرجع إليه، فاقتضى ذلك إثبات صفات الكمال التي بها يتم اتساق الأفعال ونفي كل صفة ينزه عنها، لأن ثاني مدلوليه في اللغة: الذي لا جوف له، وذلك يتضمن نفي النهاية ونفي الحد والجهة والجسم والجوهر، لأن من اتصف بشيء من ذلك لم يستحل اتصافه بالتركيب ووجود الجوف، فقررت هذه الكلمة وجوب المعرفة بالنفي والإثبات ليميز بين الحق والباطل، لأن من لم يتحقق صفاء الباطل لم يتقرر له المعرفة بالحق، ولذلك كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الحق لصحة الاعتقاد والمعرفة، وعن الباطل والشر للتمكن من مجانبته حتى قال حذيفة رضي الله تعالى عنه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" وكان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر "** وذلك لأن من لم يعرف الشر يوشك أن يقع فيه، وأن ما خالفت كلمة الشهادة في الترتيب لأن تلك أتت للإدخال في الدين، والأليق بمن كان خارجاً أو ضعيفاً - وهم الأكثر - نفي الباطل أولاً ومحوه من لوح القلب ليأتي إثبات الحق فيه وهو فارغ فيقر فيه، فلما نفت أولاً كل غير كان سبباً للمجانبة والبعد عن حضرات القدس، ثم أثبتت الذات الأقدس والمسمى الأشرف الأنفس، أكدت سورة الإخلاص لأنها للكمل الذين تخلقوا بما قبلها من السور، هذا الإثبات عند استحضاره، وشهود الجميل من آثاره، ثم ختمت بنفي الأغيار، ليكون بذلك تجلى ختام الأعمار، عند الرجوع إلى الآثار، بالعرض على الواحد القهار، وقد بين بهذه السورة أنه طريق بين الخلق والأمر، فلما فتح الخلق بمتشابه خلق آدم عليه الصلاة والسلام لأن المتشابه ما خرج عن أشكاله، وختمت أقسامه الأربعة بمتشابه خلق عيسى عليه الصلاة والسلام - كما تقدم عند
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ إن الله اصطفى }** [آل عمران: 33] في آل عمران المناظرة لهذه السورة، لذلك فتح الأمر بعد أم الكتاب بمتشابه الحروف المقطعة، وختم دون المعوذتين اللتين هما في الحال المرتحل كالمقدمة، والافتتاح بالتعوذ لأم الكتاب بمتشابه هو سورة الإخلاص، وكان متشابه أوله متشابهاً من جميع وجوهه، لا يمكن أحداً أن يقول فيه قولاً مقطوعاً به أو مظنوناً ظناً راجحاً، ومتشابه آخره لا يقنع فيه بدون القطع في أوله فيما كلفنا أمره في هذه الدار وهو أصول الدين، ووراء ذلك ما لا يدركه أحد من الأبرار ولا المقربين، وهو الذات الأقدس، فمن رجع متشابه الخلق فوق منزلته كفر، ومن وضع متشابه الأمر عن رتبته العلية كفر، وجعل آخره أجلى من أوله من بعض الوجوه إشارة إلى ترقية الموفق في أمره، وأنه في الآخر يكون أجلى انكشافاً وأوضح معرفة، وتلاه بالتعوذ إشارة إلى سؤال الاعتصام في شأنه، والحفظ التام في مضمار عرفانه، وكرر بالتثنية لأجل الإحاطة بأمري الظاهر والباطن، والتأكيد تنبيهاً على صعوبة المرام، وخطر المقام.
ولما افتتح القرآن بسورة مشتملة على جميع معانيه، ختم بسورتين يدخل معناهما، وهو التعوذ، ويندب ذكره في جميع أجزائه ومبانيه، وفي ذلك لطيفة أخرى عظيمة جداً، وهي أنه لما علم بالإخلاص تمام العلم وظهور الدين على هذا الوجه الأعظم، فحصل بذلك غاية السرور، وكان التمام في هذه الدار مؤذناً بالنقصان، جاءت المعوذتان لدفع شر ذلك، وقد انقضى الكلام على ما يسره الله تعالى من كنوز معاني سورة الإخلاص بحسب التركيب والنظم والترتيب، وبقي الكلام على ما فتح الله به من أسرارها في الدلالة على مقصود السورة بالنظر إلى كلماتها مفردة ظواهر وضمائر ثم حروفها، ففيها من الأسماء الحسنى والصفات العلى، التي أسس عليها بنيانها، وانبنت عليها أركانها، خمسة هي العشر من كلمات آية الكرسي كما أن الصلوات المكتوبات خمس وهي خمسون في أم الكتاب " الحسنة بعشر أمثالها " فمن لطائف إشاراتها أنها كدعائم الدين الخمس، فالضمير مشير إلى تصحيح ضمير القلب بالإيمان، وصحة القصد والإذعان، حتى يقوم بناء العبادة، والاسم الأعظم إشارة إلى أن ذلك التصحيح لأجل التأله بالخضوع للإله الحق باستحضار اسمه الأعظم كما أن الصلاة أعظم عبادات البدن، هذا للتهيئة في الدخول في العبادة، ثم إن الدخول فيها شرطه أحدية التوجه تحقيقاً للصدق في صحة العزم عليها كما أن الزكاة تكون مصدقة للإيمان، وذلك التوحيد في التوحيد يكون لأجل الصدق في التأله بما يشير إليه إعادة الاسم الأعظم كما هو شأن الحاج الأشعث الأغبر المتجرد، ويكون ذلك التأله باستحضار افتقار العابد إلى المعبود وتداعيه إلى الهلاك بكل اعتبار لأنه أجوف، وغنى المعبود على الإطلاق بما يشير إليه الاسم الإضافي الصمد كما هو شأن الصائم في عبادته، واستحضاره لحقارته وشدة حاجته، ولجلالة مولاه، وتعاليه في غناه، فمن صحت له هذه الدعائم الخمس كانت عبادته في الذروة العليا من القبول، وإلا كان لها اسم الحصول من غير كثير محصول - والله الموفق، وكونها خمس عشرة كلمة إشارة إلى أنهم في السنة الخامسة عشرة من النبوة يعلمون - بغلبة قهره وسطوة سلطانه وتأييده للمستضعفين من حزبه، وتقويته لهم في وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة - أن مرسله لا كفوء له بعلم شهودي لا يقدر أحد على تكذيبه ودفعه، فيقوم به دليل الإخلاص، ولات حين مناص، وإذا ضممت إليها الضمير الواجب الاستتار في { قل } كانت ست عشرة إشارة إلى أنه في السنة السادسة عشرة من النبوة وهي الثالثة من الهجرة في غزوة أحد يكون الظاهر فيها اسمه تعالى الباطن، فإنه كان فيها من المصيبة ما هو مذكور في السير تفصيله من قتل سبعين من الصحابه رضي الله تعالى عنهم منهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد أن ظهر فيها النبي صلى الله عليه وسلم في أول النهار، ظهوراً بيناً حتى كانت هزيمة الكفار، لا شك فيها - كما قال الله تعالى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم }** [آل عمران: 152] - الآيات، ثم أخفى الله ذلك في إزالة الكفار في أثناء النهار، فهزم الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم منهم إلا نفر يسير جداً أكثر ما ورد في عددهم أنهم يقاربون الأربعين وهو ثابت بهم - صلى الله عليه وسلم - في نحر العدو وهم نحو من ثلاثة آلاف فيهم مائتا فارس يحاولهم ويصاولهم يشتملون عليه مرة ويفترقون عنه أخرى ليعلم أن الناصر إنما هو الله سبحانه وتعالى وحده، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما نصر النبي صلى الله عليه وسلم في موطن من المواطن ما نصر في غزوة أحد، وقال أبو سفيان ابن حرب يوم إسلامه في عام الفتح للنبي صلى الله عليه وسلم: ما قاتلتك من مرة إلا ظهرت عليّ، أظن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولكن الذي ظهر منها ما كان في آخر النهار من ظهور الكفار، فأخفى الله تعالى نصره لنبيه صلى الله عليه وسلم فيها باسمه الباطن إلا على أرباب البصائر، فما علم ذلك إلا بوجه خفي جداً مناسبة للضمير الباطن الواجب الاستتار، وإذا ضممت إلى ذلك الضميرين المستترين الجائزي الظهور، فكانت الكلمات بذلك ثماني عشرة، كان إشارة إلى أن في السنة الثامنة عشرة من النبوة - وهي الخامسة من الهجرة دلالة عظيمة على أنه لا كفوء له يوجب الإخلاص على وجه هو أجلى مما كان في غزوة أحد وإن كان فيه نوع خفاء، وذلك في غزوة الأحزاب وبني قريظة حين رد الله الكفار بغيظهم لم ينالوا خيراً بعد أن كانوا في عشرة آلاف مقاتل غير بني قريظة، يقولون: إنه لا غالب لهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً قاهراً لهم بريح وجنود لم يروها، وأمكن من بني قريظة، وكان الله قوياً عزيزاً، وذلك في شوال وذي القعدة سنة خمس من الهجرة، فإذا ضممت إليها الضمير الآخر البارز بالفعل في " له " فكانت تسع عشرة، كانت إشارة إلى مثل ذلك على وجه أجلى في عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فإنه كان فيها الفتح السببي الذي أنزل الله سبحانه وتعالى فيه سورة الفتح، وكان فيها من دلائل الوحدانية أمور كثيرة توجب الإخلاص، وإن كان في ذلك نوع خفاء مناسبة للضمير وإن كان بارزاً بالفعل، فقد خفي على كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين حتى نبههم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا ضممت إليها كلمات البسملة الأربع كانت ثلاثاً وعشرين توازي السنة العاشرة من الهجرة، وهي الثالثة والعشرون من النبوة، وفيها كان استقرار الفتح الأكبر والإخلاص الأعظم بنفي الشرك وأهله من جزيرة العرب لحجة الوداع التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: **" إن الشيطان - قد أيس أن يعبد في أرض العرب "** ولذلك توفى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عقبها بعد إظهار الدين وإذلال الكافرين وإتمام النعمة، وقام سبحانه بنصر الأمة وحده بعد أن مهد أسباب النصر بنبيه صلى الله عليه وسلم حتى علم قطعاً في الردة وأحوالها، وموج الفتنة وأهوالها، وغلبة رعبها على القلوب وزلزالها، في ذلك الاضطراب الشديد، أنه الإله وحده الذي لا كفوء له لحفظ الدين في حياة نبيه صلى الله عليه وسلم وبعده، وكذا فيما بعد ذلك من فتوح البلاد، وإذلال الملوك العتاة الشداد، مع ما لهم من الكثرة والقوة بالأموال والأجناد، والتمكن العظيم في البلاد، وجعل النصر عليهم بأهل الضعف والقلة آية في آية، ودلالة بالغة في ظهورها الغاية، وإذا سلكت طريقاً آخر في الترتيب في الكلمات الخطية والاصطلاحية دلّك على مثل ذلك بطريق آخر، وذلك أن تضم إلى الكمات الخمس عشرة كلمات البسملة الأربع لتكون تسع عشرة فنوازي سنة ست من الهجرة، وذلك سنة عمرة الحديبية التي سماها الله تعالى فتحاً، وأنزل فيها سورة الفتح لكونها كانت سبب الفتح الذي هو عمود الإخلاص، فإذا ضممت إليها الضمير المستتر كانت عشرين، فوازت سنه سبع التي كانت فيها عمرة القضاء، فأظهر الله فيها الإخلاص على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بين أظهر المشركين في البلد الذي كان بعثه منه وفيه على وجه ظهر فيه أنه لا كفوء له، ولكن كان ذلك بوجه خفي، فإذا ضممت إليها الضميرين المستترين الجائزي البروز كانت اثنتين وعشرين موازية لسنة تسع سنة الوفود ودخول الناس في دين الله أفواجاً، فالإلهية من حيث هي تقتضي الوحدة، والوحدة لا تقتضي الإلهية، وعبر به دون الواحد لأن المراد الإبلاغ في الوصف بالوحدة إلى حد لا يكون شيء أشد منه، والواحد - قال ابن سينا - مقول على ما تحته من التشكيك، والذي لا ينقسم بوجه أصلاً أولى بالوحدانية مما ينقسم من بعض الوجوه، والذي ينقسم انقساماً عقلياً أولى مما ينقسم بالحس، والذي ينقسم بالحس وهو بالقوة أولى من المنقسم بالحس بالفعل، وإذا ثبت أن الوحدة قابلة للأشد والأضعف وأن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك كان الأكمل في الفعل الذي لا يمكن أن يكون شيء آخر أقوى منه فيها وإلا لم يكن بالغاً أقصى المرام، والأحد جامع لذلك دال عل الواحدية من جميع الوجوه، وأنه لا كثرة هناك أصلاً، لا معنوية من المقولات من الأجناس والفصول ولا بالأجزاء العقلية كالمادة والصورة، ولا حسية بقوة ولا فعل كما في الأجسام، وذلك لكونه سبحانه وتعالى منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر الوجوه وجوه التشبيه التي تثلم الوحدة الكاملة الحقة اللائقة بكرم وجهه وعز جلاله أن يشبهه شيء أو يساويه شيء لأن كل ما كانت هويته أن تحصل من اجتماع آخر كانت هويته موقوفة على تلك الأجزاء فلا يكون هو هو لذاته بل لغيره، فلذا كان منزهاً عن الكثرة بكل اعتبار ومتصفاً بالوحد من كل الوجوه، فقد بلغ هذا النظم من البيان أعظم شأن، فسبحان من أنزل هذا الكلام ما أعظم شأنه وأقهر سلطانه! فهو منتهى الحاجات، ومن عنده نيل الطلبات، ولا يبلغ أدنى ما استأثره من الجلال والعظمة والبهجة أقصى نعوت الناعتين، وأعظم وصف الواصفين، بل القدر الممكن منه الممتنع أزيد منه هو الذي ذكره في كتابه العزيز، وأودعه وحيه المقدس الحكيم، وبالكلام على معناه والمعنى الواحد تحقق ما تقدم، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء الحسنى، فمن أهل اللسان من ساوى بينهما جعلهما مترادفين، ومنهم من قال: أصل " أحد " واحد، أسقطت منه الألف، ثم أبدلت الهمزة من الواو المفتوحة مثل حسن يحسن فهو حسن - من الحسن، أبدلت الواو همزة، وأما من فرق بينهما فمنهم من قال: " أحد " على حياله، لا إبدال فيه ولا تغيير، ومنهم من قال: أصله وحد - أبدلت الواو همزة - انتهى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقد استخلصت الكلام على الاسمين الشريفين من عدة شروح للأسماء الحسنى وغيرها، منها شرح الفخر الرازي والفخر الحرالي وغيرهما - قالوا: الواحد الذي لا كثرة فيه بوجه لا بقسمة ولا بغيرها مع اتصافه بالعظمة ليخرج الجوهر الفرد وهو الذي لا يتثنى، أي لا ضد له ولا شبيه، فهو سبحانه وتعالى واحد بالمعنيين على الإطلاق لا بالنظر إلى حال ولا شيء، قال الإمام أبو العباس الاقليشي في شرح الأسماء الحسنى: هذه حقيقة الوحدة عند المحققين فلا يصح أن يوصف شيء مركب بها إلا مجازاً كما تقول: رجل واحد ودرهم واحد، وإنما يوصف بها حقيقة ما حراك له كالجوهر عند الأشعرية غير أنك إذا نظرت فوجدت وجوده من غيره علمت أن استحقاقه لهذا الوصف ليس كاستحقاق موجده له، وهو أيضاً إنما يوصف به لحقارته، وموجده سبحانه وتعالى موصوف به مع اتصافه بالعظمة، فاتصافه بالوحدة على الإطلاق، والاتصاف بالجوهر بالنظر إلى عدم التركيب من الجسم مع صحة اتصافه بأنه جزء يزل عنه حقيقة ذلك، والوحدة أيضاً بالنظر إلى المعنى الثاني - وهو ما لا نظر له - لا تصح بالحقيقة إلا له سبحانه وتعالى، وكل ما نوعيته في شخصيته كالعرش والكرسي والشمس والقمر يصح أن يقدر لها نظائر، ولها معنى ثالث وهو التوحيد بالفعل والإيجاد، فيفعل كل ما يريد من غير توقف على شيء، والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الأول ناظر إلى نفي إله ثان، وهذا ناف لمعين ووزير، وكلاهما وصف ذاتي سلبي، والحاصل أن النظر الصحيح دل على أن لنا موجداً واحداً بمعنى أنه لا يصح أن يلحقه نقص لقسمته بوجه من الوجوه، وبمعنى أنه معدوم النظير بكل اعتبار، ومعنى أنه مستبد بالفعل مستقل بالإيجاد ومتوحد بالصنع منفرد بالتدبير، قضى بهذا شاهد العقل المعصوم من ظلمة الهوى وكثافة الطبع، وورد به قواطع النقل ونواطق السمع، ولهذا كان من أعظم الخلق دعاؤه سبحانه وتعالى لجميع الخلق، وكانت دعوة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم للخلق كافة، وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في آخر شرحه للأسماء الحسنى في شرحه في بيان رد الأسماء الكثيرة إلى ذات الواحد وسبع صفات الأحد المسلوب عنه النظير، وقال في الشرح المذكور: الواحد هو الذي لا يتجزى ولا يتثنى، أما الذي لا يتجزى فكالجوهر الذي لا ينقسم فيقال عنه: إنه واحد - بمعنى أنه لا جزء له، وكذلك النقطة لا جزء لها، والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام في ذاته، وأما الذي لا يتثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلاً فإنها - وإن كانت قابلة للانقسام بالوهم - متحيزة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن لها نظير، وليس في الوجود موجود يتفرد بخصوص وجوده تفرداً لا يتصور أن يشاركه فيه غيره أصلاً إلا الواحد المطلق أزلاً وأبداً، والعبد إنما يكون واحداً إذا لم يكن له في أبناء جنسه نظير في خصلة من خصال الخير، وذلك بالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع، فلا وحدة على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى، وقال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في مقدمة كتاب الملل والنحل: واختلفوا في الواحد أهو من العدم أم مبدأ العدد وليس داخلاً في العدد، وهذا الاختلاف إنما ينشأ من اشتراط لفظ الواحد أيضاً، فالواحد يطلق به ويراد به ما يتركب منه العدد، فإن الاثنين لا معنى له إلا واحد تكرر أول تكرير وكذا الثلاثة والأربعة، ويطلق ويراد به ما يحصل منه العدد الذي هو علة، ولا يدخل في العدد الذي لا يتركب منه العدد، وقد يلازم الواحدية جميع الأعداد لا على أن العدد يتركب بها بل وكل موجود فهو جنسه أو نوعه أو شخصه واحد، يقال: إنسان واحد، وفي العدد أنه لا كفوء له ولكن كان ذلك بوجه خفي، فإذا ضممت إليها الضميرين المستترين الجائزي البروز كانت اثنين وعشرين موازية لسنة تسع سنة الوفود ودخول الناس في الدين أفواجاً، وحجة أبي بكر رضي الله عنه وتطهير المسجد الحرام من نجس الإشراك بالبراءة من المشركين وزجرهم عن أن يحج بعد ذلك العام مشرك، ونهيهم عن قربانهم المسجد الحرام لأنهم نجس، وانتشار الإخلاص في أغلب بلاد العرب، وذلك أجلى مما مضى مناسب لما دل عليه، وفيه نوع خفاء عند من كان بقي من المشركين، وإذا ضممت إليها الضمير الآخر البارز بالفعل كانت ثلاثاً وعشرين توازي سنة حجة الوداع سنة عشر، وهي التي تم فيها الإخلاص ولم يحج بها مشرك، وأيس الشيطان فيها أن يعبد في جزيرة العرب، وفي ذلك - لكون الكلمة ضميراً - نوع يسير في الخفاء بما دل عليه بعد ذلك من الردة، وكان ذلك أنسب الأشياء بالكلمة المتحملة لذلك الضمير وهي له، هذا ما يسره الله من أسرار كلماتها بحسب الأعداد، وأما حروفها فمن الأسرار العظيمة أنه صفة الله، وأن حروفها مع البسملة بالنظر إليها من حيث اللفظ وكذا من حيث الرسم ستة وستون حرفاً، وكذا عدة حروف الجلالة الملفوظة وكذا المرسومة بحساب الجمل، فكل ما دعت إليه هو مدلول هذا الاسم الأعظم، وهذه العدة إذا أخذت من أول مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان آخرها منطبقاً على سنة موت صديقه الأكبر الذي سبق غيره بما وقر في صدره وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وذلك دلالة على أنه لا يوازيهما أحد في الإخلاص، وأنهما وصلا فيه إلى الرتبة العليا، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق فيه، وفي ذلك أيضاً دلالة على أنه لا كفوء له لأنه نفى الإشراك بحذافيره من جميع جزيرة العرب بعد أن كانوا مطبقين عليه، وأطلقهم سبحانه وتعالى على من يليهم من ملوك الأمم حتى أظهر الله بهم الدين - وقد كانوا أذل الأمم - على الدين كله، ونفوا جبابرة الملوك صغرة بعد أن كان عندهم أنه لا غالب لهم، وحروفها الملفوظة هي بعدد كلمات - آيات التوحيد، وهي آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وذلك خمسون حرفاً إلا واحداً هو ألف { كفواً } الذي هو مرسوم غير ملفوظ، وهو الدال على الضمير الذي هو غيب الغيب، فهو غيب - من جهة عدم اللفظ به، ووجود وظهور من جهة شاهد الرسم ومسموع الاسم، كما أن الذات غيب محض من جهة الحقيقة يدرك بمشاهدة الأفعال، ومسموع الأسماء العوال - والله الهادي من الضلال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 20 | 21 | |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 20 | 21 | |
| --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن خزيمة وابن أبي حاتم في السنة والبغوي في معجمه وابن المنذر في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد } لأنه ليس يولد شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث { ولم يكن له كفواً أحد } ليس له شيبة ولا عدل وليس كمثله شيء.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه أن المشركين قالوا يا رسول الله: أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو؟ ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }.
وأخرج ابن الضريس وابن جرير عن أبي العالية رضي الله عنه قال قالوا: انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السورة { قل هو الله أحد الله الصمد }.
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي بسند حسن عن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد }.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت قريش، يا رسول الله: أنسب لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد }.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو بكر السمرقندي في فضائل { قل هو الله أحد } عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمإ مسنون وإبليس من لهب النار، والسماء من دخان، والأرض من زبد الماء، فأخبرنا عن ربك فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بهذه السورة { قل هو الله أحد } ليس له عروق تتشعب { الله الصمد } ليس بالأجوف لا يأكل ولا يشرب { لم يلد ولم يولد } ليس له والد ولا ولد ينسب إليه { ولم يكن له كفواً أحد } ليس من خلقه شيء يعدل مكانه يمسك السموات إن زالتا، هذه السورة ليس فيها ذكر جنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة ولا حلال ولا حرام انتسب الله إليها فهي له خالصة، من قرأها ثلاث مرات عدل بقراءة الوحي كله، ومن قرأها ثلاثين مرة لم يفضله أحد من أهل الدنيا يومئذ إلا من زاد على ما قال، ومن قرأها مائتي مرة أسكن من الفردوس سكناً يرضاه، ومن قرأها حين يدخل منزله ثلاث مرات نفت عنه الفقر ونفعت الجار، وكان رجل يقرأها في كل صلاة فكأنهم هزئوا به وعابوا ذلك عليه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وما حملك على ذلك؟ قال يا رسول الله: إني أحبها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: حبها أدخلك الجنة. قال: وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويرددها حتى أصبح.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن حمزة بن يوسف بن عبدالله بن سلام أن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال لأحبار اليهود: إني أردت أن أحدث بمسجد أبينا إبراهيم عهداً، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فوافاه بمنى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أنت عبدالله بن سلام؟ قال: نعم، قال: أدن، فدنا منه، فقال: أنشدك بالله أما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقال له: أنعت لنا ربك، فجاء جبريل فقال { قل هو الله أحد } إلى آخر السورة. فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أنك رسول الله، ثم انصرف إلى المدينة وكتم إسلامه.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب فقالوا يا محمد: صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد } فيخرج منه الولد { ولم يولد } فيخرج من شيء.
وأخرج الطبراني في السنة عن الضحاك قال: قالت اليهود يا محمد صف لنا ربك، فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد } فقالوا: أما الأحد فقد عرفناه، فما الصمد؟ قال: الذي لا جوف له.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: أتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه، ثم ساورهم غضباً لربه، فجاءه جبريل فسكنه وقال: اخفض عليك جناحك، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } فلما تلاها عليهم قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه وكيف عضده وكيف ذراعه، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم غضباً فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته وأتاه جواب ما سألوه عنه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون }** [الزمر: 67].
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنسب لنا ربك، وفي لفظ: صف لنا ربك، فلم يدر ما يرد عليهم فنزلت { قل هو الله أحد } حتى ختم السورة.
وأخرج أبو عبيد وأحمد في فضائله والنسائي في اليوم والليلة وابن منيع ومحمد بن نصر وابن مردويه والضياء في المختارة عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن ".** وأخرج ابن الضريس والبزار وسمويه في فوائده والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله احد } مائتي مرة غفر له ذنوب مائتي سنة ".** وأخرج أحمد والترمذي وابن الضريس والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال: **" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحب هذه السورة { قل هو الله أحد } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حبك إياها أدخلك الجنة " ".** وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى وابن الأنباري في المصاحف عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" أما يستطيع أحدكم أن يقرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرات في ليلة، فإنها تعدل ثلث القرآن ".** وأخرج أبو يعلى ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } خمسين مرة غفر له ذنوب خمسين سنة ".** وأخرج الترمذي وأبو يعلى ومحمد بن نصر وابن عدي والبيهقي في الشعب، واللفظ له، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ كل يوم مائتي مرة { قل هو الله أحد } كتب الله له ألفاً وخمسمائة حسنة، ومحا عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين ".** وأخرج الترمذي وابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من أراد أن ينام على فراشه من الليل نام على يمينه فقرأ { قل هو الله أحد } مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب: يا عبدي ادخل على يمينك الجنة ".** وأخرج ابن سعد وابن الضريس وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال: **" كان النبي صلى الله عليه وسلم بالشام، فهبط عليه جبريل فقال: يا محمد إن معاوية بن معاوية المزني هلك، أفتحب أن تصلي عليه؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض فتضعضع له كل شيء ولزق بالأرض ورفع له سريره فصلى عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أي شيء أتى معاوية هذا الفضل؟ صلى عليه صفان من الملائكة في كل صف ستمائة ألف ملك. قال: بقراءة { قل هو الله أحد } كان يقرؤها قائماً وقاعداً وجالساً وذاهباً ونائماً ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن سعد وابن الضريس والبيهقي في الدلائل والشعب من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه قال: **" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس ذات يوم بضياء وشعاع ونور لم نرها قبل ذلك فيما مضى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجب من ضيائها ونورها، إذ أتاه جبريل فسأل جبريل: ما للشمس طلعت لها نور وضياء وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى؟ قال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: بم ذاك يا جبريل؟ قال: كان يكثر { قل هو الله أحد } قائماً وقاعداً وماشياً وآناء الليل والنهار استكثر منها فإنها نسبة ربكم، ومن قرأها خمسين مرة رفع الله له خمسين ألف درجة، وحط عنه خمسين ألف سيئة، وكتب له خمسين ألف حسنة، ومن زاد زاد الله له. قال جبريل: فهل لك أن أقبض الأرض فتصلي عليه! قال: نعم. فصلى عليه ".** وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة غفر له خطيئة خمسين سنة إذا اجتنب أربع خصال الدماء والأموال والفروج والأشربة ".** وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } على طهارة مائة مرة كطهارة الصلاة يبدأ بفاتحة الكتاب كتب الله له بكل حرف عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وبنى له مائة قصر في الجنة وكأنما قرأ القرآن ثلاثاً وثلاثين مرة، وهي براءة من الشرك، ومحضرة للملائكة، ومنفرة للشياطين، ولها دويّ حول العرش تذكر بصاحبها حتى ينظر الله إليه، وإذا نظر إليه لم يعذبه أبداً ".** وأخرج أبو يعلى عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ثلاث من جاء بهن مع الإِيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء، وزوج من الحور العين حيث شاء، من عفا عن قاتله، وأدى ديناً خفياً، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات { قل هو الله أحد } فقال أبو بكر: أو إحداهن يا رسول الله؟ قال: " أو إحداهن " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجهول عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } في كل يوم خمسين مرة نودي يوم القيامة من قبره: قم مادح الله، فأدخل الجنة ".** وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من نسي أن يسمي على طعامه فليقرأ { قل هو الله أحد } إذا فرغ ".** وأخرج الطبراني عن جرير البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } حين يدخل منزله نفت الفقر من أهل ذلك المنزل والجيران ".** وأخرج البزار والطبراني في الصغير عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأ { قل يا أيها الكافرون } [الكافرون:1] فكأنما قرأ ربع القرآن ".** وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن عبدالله بن الشخير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره، وامن من فتنه القبر، وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها حتى تجيزه الصراط إلى الجنة ".** وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" { قل هو الله أحد } ثلث القرآن ".** وأخرج ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عمر قال: **" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في سفر، فقرأ في الركعة الأولى { قل هو الله أحد } وفي الثانية { قل يا أيها الكافرون } فلما سلم قال: قرأت بكم ثلث القرآن وربعه ".** وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بتبوك فقال: يا محمد اشهد جنازة معاوية بن معاوية المزني، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال، فتواضعت ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعت حتى نظر إلى مكة والمدينة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة فلما فرغ قال: يا جبريل: ما بلغ معاوية بن معاوية المزني هذه المنزلة؟ قال: بقراءته { قل هو الله أحد } قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً.
وأخرج ابن الضريس عن سعيد بن المسيب قال: **" كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له معاوية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو مريض ثقيل، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ثم لقيه جبريل فقال: إن معاوية بن معاوية توفي، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيسرك أن أريك قبره؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض، فلم يبق جبل إلا انخفض حتى أبدى الله قبره فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عن يمينه وصفوف الملائكة سبعين ألفاً حتى إذا فرغ من صلاته قال: يا جبريل بم نزل معاوية بن معاوية من الله بهذه المنزلة؟ قال: بـ { قل هو الله أحد } كان يقرأها قائماً وقاعداً وماشياً ونائماً، ولقد كنت أخاف على أمتك حتى نزلت هذه السورة فيها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ آية الكرسي و { قل هو الله أحد } دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ".** وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد من طريق مجاشع بن عمرو أحد الكذابين عن يزيد الرقاشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" جاءني جبريل في أحسن صورة ضاحكاً مستبشراً فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرؤك السلام، ويقول: إن لكل شيء نسباً ونسبتي { قل هو الله أحد } فمن أتاني من أمتك قارئاً بـ { قل هو الله أحد } ألف مرة من دهره ألزمه داري واقامة عرشي وشفعته في سبعين ممن وجبت عقوبته، ولولا أني آليت على نفسي، كل نفس ذائقة الموت، لما قبضت روحه ".** وأخرج ابن النجار في تاريخه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من أراد سفراً فأخذ بعضادتي منزله فقرأ إحدى عشرة مرة { قل هو الله أحد } كان الله له حارساً حتى يرجع ".** وأخرج ابن النجار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من صلى بعد المغرب ركعتين قبل أن ينطق مع أحد يقرأ في الأولى بالحمد و { قل يا أيها الكافرون } وفي الركعة الثانية بالحمد و { قل هو الله أحد } خرج من ذنوبه كما تخرج الحية من سلخها ".** وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ بعد صلاة الجمعة { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } [الفلق] و { قل أعوذ برب الناس } [الناس] سبع مرات أعاذه الله بها من السوء إلى الجمعة الأخرى ".** وأخرج الحافظ أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي في فضائل { قل هو الله أحد } عن اسحق بن عبدالله بن أبي فروة قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" " من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة " فقال أبو بكر إذن نستكثر يا رسول الله، فقال: " الله أكثر وأطيب "** رددها مرتين.
وأخرج أيضاً عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأ { قل هو الله أحد } مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرات فكأنما قرأ جميع ما أنزل الله ".** وأخرج أيضاً عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مرة بورك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهل بيته، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى أهل بيته وجيرانه، ومن قرأها اثنتي عشرة مرة بنى الله له في الجنة اثني عشر قصراً. ومن قرأها عشرين مرة كان مع النبيين هكذا وضم الوسطى والتي تليها الابهام، ومن قرأها مائة مرة غفر الله له ذنوب خمس وعشرين سنة إلا الدين والدم، ومن قرأها مائتي مرة غفرت له ذنوب خمسين سنة، ومن قرأها أربعمائة مرة كان له أجر أربعمائة شهيد كل عقر جواده وأهريق دمه، ومن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له ".** وأخرج أيضاً عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثاً فكأنما قرأ القرآن ارتجالاً ".** وأخرج أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة كانت أحب إلى الله من ألف ملجمة مسرجة في سبيل الله ".** وأخرج أيضاً عن كعب الأحبار قال: ثلاثة ينزلون من الجنة حيث شاؤوا: الشهيد ورجل قرأ في كل يوم { قل هو الله أحد } مائتي مرة.
وأخرج أيضاً عن كعب الأحبار قال: من واظب على قراءة { قل هو الله أحد } وآية الكرسي عشر مرات في ليل أو نهار استوجب رضوان الله الأكبر، وكان مع أنبيائه، وعصم من الشيطان.
وأخرج أيضاً من طريق دينار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله وهو من خاصة الله ".** وأخرج أيضاً من طريق نعيم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ثلاثين مرة كتب الله له براءة من النار وأماناً من العذاب، والأمان يوم الفزع الأكبر ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من أتى منزله فقرأ { الحمد لله } [سورة الفاتحة] و { قل هو الله أحد } نفى الله عنه الفقر، وكثر خير بيته حتى يفيض على جيرانه ".** وأخرج الطبراني أيضاً من طريق أبي بكر البردعي: حدثنا أبو زرعة وأبو حاتم قالا: حدثنا عيسى بن أبي فاطمة، رازي ثقة، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: إذا نقر في الناقور اشتد غضب الرحمن فتنزل الملائكة فيأخذون بأقطار الأرض، فلا يزالون يقرؤون { قل هو الله أحد } حتى يسكن غضبه.
وأخرج إبراهيم بن محمد الخيارجي في فوائده عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله ".** وأخرج ابن النجار في تاريخه عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ في ليلة أو يوم { قل هو الله أحد } ثلاث مرات كان مقدار القرآن ".** وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" " من قرأ { قل هو الله أحد } إحدى عشرة مرة بنى الله له قصراً في الجنة " فقال عمر: والله يا رسول الله إذن نستكثر من القصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فالله أمن وأفضل " أو قال: " أمن وأوسع " ".** وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة **" أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم: بـ { قل هو الله أحد } فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ " فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فانا أحب أن أقرأها. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه فقال: " أخبروه أن الله تعالى يحبه " ".** وأخرج ابن الضريس عن الربيع بن خيثم قال: سورة من كتاب الله يراها الناس قصيرة وأراها عظيمة طويلة يحب الله محبها ليس لها خلط، فأيكم قرأها فلا يجمعن إليها شيئاً استقلالاً بها فإنها تجزئه.
وأخرج ابن الضريس عن أنس قال: **" قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي أخاً قد حبب إليه قراءة { قل هو الله أحد } فقال: " بشر أخاك بالجنة " ".** وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن الضريس عن بريدة قال: **" دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ويدي في يده، فإذا رجل يصلي يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن الضريس عن الحسن قال: من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة كان له من الأجر عبادة خمسمائة سنة.
وأخرج الدارقطني في الأفراد والخطيب في تاريخه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بـ { قل هو الله أحد }.
وأخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات أوجب الله له رضوانه ومغفرته ".** وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي غالب مولى خالد بن عبدالله قال: قال عمر ذات ليلة قبيل الصبح يا أبا غالب ألا تقوم فتصلي، ولو تقرأ بثلث القرآن، فقلت: قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" إن سورة الإِخلاص { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ".** وأخرج العقيلي عن رجاء الغنوي قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } ثلاث مرار فكأنما قرأ القرآن أجمع ".** وأخرج ابن عساكر عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من صلى صلاة الغداة ثم لم يتكلم حتى قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات لم يدركه ذلك اليوم ذنب وأجير من الشيطان ".** وأخرج الديلمي بسند واه عن البراء بن عازب مرفوعاً: " من قرأ { قل هو الله أحد } مائة بعد صلاة الغداة قبل أن يكلم أحداً رفع له ذلك اليوم عمل خمسين صديقاً ".
وأخرج ابن عساكر عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين زوجه فاطمة دعا بماء فمجه ثم أدخله معه فرشه في جيبه وبين كتفيه وعوذه بـ { قل هو الله أحد } والمعوّذتين.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: من صلى ركعتين فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } ثلاثين مرة بنى الله له ألف قصر من ذهب في الجنة، ومن قرأها في غير صلاة بنى الله له مائة قصر في الجنة، ومن قرأها في صلاة كان أفضل من ذلك، ومن قرأها إذا دخل إلى أهله أصاب أهله وجيرانه منها خير.
وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو **" أن أبا أيوب كان في مجلس وهو يقول: ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة؟ قالوا: وهل يستطيع ذلك أحد؟ قال: فإن { قل هو الله أحد } ثلث القرآن، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع أبا أيوب فقال: صدق أبو أيوب ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن الضريس والبزار ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ كل ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: ومن يطيق ذلك؟ قال: بلى { قل هو الله أحد } تعدل بثلث القرآن ".** وأخرج أحمد والطبراني وابن السني بسند ضعيف عن معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصر في الجنة فقال له عمر: إذاً نستكثر يا رسول الله. قال: " الله أكثر وأطيب " ".** وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: **" غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فلما كان ببعض المنازل صلى بنا صلاة الفجر فقرأ في أول ركعة بفاتحة الكتاب و { قل هو الله أحد } وفي الثانية بـ { قل أعوذ برب الفلق } فلما سلم قال: ما قرأ رجل في صلاة بسورتين أبلغ منهما ولا أفضل ".** وأخرج محمد بن نصر والطبراني بسند جيد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" { قل هو الله أحد } تعدل بثلث القرآن ".** وأخرج أبو عبيد وأحمد والبخاري في التاريخ والترمذي وحسنه والنسائي وابن الضريس والبيهقي في الشعب عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فلما رأى أنه قد شق عليهم قال: من قرأ { قل هو الله أحد الله الصمد } في ليلة فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن ".** وأخرج أحمد والطبراني عن أبي أمامة قال: **" مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يقرأ { قل هو الله أحد } فقال: أوجب لهذا الجنة ".** وأخرج أبو عبيد وأحمد ومسلم وابن الضريس والنسائي عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن؟ قالوا: نحن أضعف من ذاك. وأعجز، قال: فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فقال: { قل هو الله أحد } ثلث القرآن ".** وأخرج مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن الضريس والبيهقي في سننه **" عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | مزيد |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج أحمد والبخاري وابن الضريس عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: **" أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن ".** وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: **" بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بـ { قل هو الله أحد } فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " والذي نفسي بيده إنها لتعدل نصف القرآن أو ثلثه " ".** وأخرج البيهقي في سننه من طريق أبي سعيد الخدري قال: **" أخبرني قتادة بن النعمان أن رجلاً قام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ { قل هو الله أحد } السورة كلها، يرددها لا يزيد عليها، فلما أصبحنا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنها لتعدل ثلث القرآن " ".** وأخرج أحمد وأبو عبيد والنسائي وابن ماجة وابن الضريس عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن ".** وأخرج الطبراني في الصغير والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ { قل هو الله أحد } بعد صلاة الصبح اثني عشرة مرة فكأنما قرأ القرآن أربع مرات، وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى ".** وأخرج أحمد وابن الضريس والنسائي والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: **" أن رسول الله سئل عن { قل هو الله أحد } قال: ثلث القرآن أو تعدله ".** وأخرج سعيد بن منصور عن محمد بن المنكدر قال: **" سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأ { قل هو الله أحد } ويرتل فقال له: سل تعط ".** وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن علي قال: من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرار بعد الفجر وفي لفظ، في دبر الغداة لم يلحق به ذلك اليوم ذنب، وإن جهد الشيطان.
وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن ابن عباس قال: من صلى ركعتين بعد العشاء فقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وخمس عشرة مرة { قل هو الله أحد } بنى الله له قصرين في الجنة يتراآهما أهل الجنة.
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من صلى ركعتين بعد عشاء الآخرة يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وعشرين مرة { قل هو الله أحد } بنى الله له قصرين في الجنة يتراآهما أهل الجنة ".** وأخرج سعيد بن منصور وابن الضريس عن ابن عباس قال: من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة في أربع ركعات في كل ركعة خمسين مرة غفر الله له ذنوب مائة سنة خمسين مستقبلة وخمسين متأخرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } [سورة الفلق] و { قل أعوذ برب الناس } [سورة الناس] ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده. يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.
وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد والطبراني عن عبد الله بن حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: **" اقرأ { قل هو الله أحد } والمعوّذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاثاً يكفيك من كل شيء ".** وأخرج أحمد عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" يا عقبة بن عامر ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإِنجيل والزبور والفرقان العظيم؟ قلت بلى جعلني الله فداءك، قال: فأقرأني { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعود برب الناس } ثم قال: يا عقبة لا تنساهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن ".** وأخرج النسائي وابن مردويه والبزار بسند صحيح **" عن عبد الله بن أنيس الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره ثم قال له: " قل، فلم أدر ما أقول، ثم قال: { قل هو الله أحد } ثم قال لي: قل { أعوذ برب الفلق من شر ما خلق } حتى فرغت منها، ثم قال لي: { قل أعوذ برب الناس } حتى فرغت منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا فتعوّذ فما تعوّذ المتعوّذون بمثلهن قط " ".** وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي قال: **" بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة يصلي فوضع يده على الأرض لدغته عقرب فتناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعله فقتلها، فلما انصرف قال: " لعن الله العقرب ما تدع مصلياً ولا غيره أو نبياً أو غيره " ثم دعا بملح وماء فجعله في إناء، ثم جعل يصبه على إصبعه حيث لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين، وفي لفظ فجعل يمسح عليها ويقرأ { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ".** وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي عن ابن عباس قال: الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له، ليس كفو، وليس كمثله شيء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن الضريس وأبو الشيخ في العظمة وابن جرير عن كعب قال: إن الله تعالى ذكره أسس السموات السبع والأرضين السبع على هذه السورة { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| 10 | 11 | 12 | 13 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | مختلف فيها، وآيُها أربع
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضميرُ للشأنِ ومدارُ وضعِهِ وموضِعِهِ معَ عدمِ سبقِ ذكرِه الإيذانُ بأنَّه منَ الشهرةِ والنباهةِ بحيثُ يستحضرُهُ كلُّ أحدٍ وإليهِ يشيرُ كُلُّ مشيرٍ وإليهِ يعودُ كلُّ ضميرٍ كما ينبىءُ عَنْهُ اسمُهُ الذي أصلُهُ القصدُ أطلقَ عَلى المفعولِ مبالغةً ومحلُّه الرفعُ عَلى الابتداءِ خبرُهُ الجملةُ بعدَهُ ولا حاجةَ إلى الربطِ لأَنَّها عينُ الشأنِ الذي عبرَ عَنْهُ بالضميرِ والسرُّ في تصديرِ الجملةِ بهِ التنبـيهُ منْ أولِ الأمرِ عَلى فخامةِ مضمونِهَا وجلالةِ حيزِهَا معَ مَا فيهِ منْ زيادةِ تحقيقٍ وتقريرٍ فإنَّ الضميرَ لا يُفهمُ من أولِ الأمرِ إلا شأنٌ مبهمٌ لهُ خطرٌ جليلٌ فيبقى الذهنُ مترقباً لما أمامَهُ مما يفسرُهُ ويزيلُ إبهامَهُ فيتمكنُ عندَ ورودِهِ لَهُ فضلُ تمكنٍ، وهمزةُ أحدٍ مُبدلةٌ منْ الواوِ وأصلُهُ وَحَدٌ لاَ كهمزةِ ما يلازمُ النفيَ ويرادُ بهِ العمومُ كمَا في قولِهِ تعالَى:**{ فَمَا مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ }** [سورة الحاقة، الآية 47] ومَا في قولِهِ عليهِ السلامُ **" ما أحلتْ الغنائمُ لأحدٍ سودِ الرؤوسِ غيرِكُم "** فإنَّها أصليةٌ وقالَ مكيٌّ: أصلُ أحدٍ واحدٌ فأبدلتْ الواوُ همزةً فاجتمعَ ألفانِ لأنَّ الهمزةَ تشبهُ الألفَ فحذفتْ إحداهُمَا تخفيفاً. وقالَ ثعلبٌ: إنَّ أحدٌ لا يُبنى عليهِ العددُ ابتداءً فلا يقالُ أحدٌ واثنانِ كَما يقالُ واحدٌ واثنانِ ولا يقالُ رجلٌ أحدٌ كما يقالُ رجلٌ واحدٌ ولذلكَ اختصَّ بهِ تعالَى أوْ هُوَ لما سئِلَ عَنْهُ أيِ الذي سألتُم عنْهُ هُو الله إذ رُوِيَ أنَّ قريشاً قالُوا صِفْ لَنَا ربكَ الذي تدعونَا إليهِ وانسُبْهُ فنزلتْ فالضميرُ مبتدأٌ والله خبرُهُ وأحدٌ بدلٌ منْهُ أو خبرٌ ثانٍ أو خبرُه مبتدأٍ محذوفٍ وقُرِىءَ هُوَ الله أحدٌ بغيرِ قُلْ وقُرِىءٍ الله أحدٌ بغيرِ قُلْ هُوَ وقُرِىءَ قُلْ هُوَ الواحدُ وقولُهُ تعالَى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } مبتدأٌ وخبر والصمدُ فَعَلٌ بمَعْنَى مفعولٍ مَنْ يُصمدُ إليهِ إذَا قَصَدَهُ أيْ هُوَ السيدُ المصمودُ إليهِ في الحوائجِ المُسْتغنى بذاتِهِ وَكُلَّ ما عداهُ محتاجٌ إليهِ في جميعِ جهاتِهِ وقيلَ الصمدُ الدائمُ الباقِي الذي لَمْ يزلْ وَلاَ يزالُ وقيلَ الذي يفعلُ مَا يشاءُ ويَحكمُ مَا يريدُ وتعريفُهُ لعلمِهِم بصمديتِهِ بخلافِ أحديَتِهِ وتكريرُ الإسمِ الجليلِ للإشعارِ بأنَّ منْ لم يتصفْ بذلكَ فهوَ بمعزلٍ منَ استحقاقِ الألوهيةِ وتعريةُ الجملةِ عنِ العاطفِ لأنَّها كالنتيجةِ للأولى بـيَّنَ أولاً ألوهيَتَهُ عزَّ وجلَّ المستتبعةَ لكافةِ نعوتِ الكمالِ ثمَّ أحديتَهُ الموجبةَ تنزهَّهُ عنْ شائبةِ التعددِ والتركيبِ بوجهٍ منَ الوجوهِ وتوهمِ المشاركةِ في الحقيقةِ وخواصِّهَا ثُمَّ صمديتَهُ المقتضيةَ لاستغنائِهِ الذاتِيِّ عَمَّا سواهُ وافتقارِ جميعِ المخلوقاتِ إليهِ في وجودِهَا وبقائِهَا وسائرِ أحوالِهَا تحقيقاً للحقِّ وإرشاداً لهُم إلى سنتِهِ الواضحِ ثُمَّ صرحَ ببعضِ أحكامٍ جزئيةٍ مندرجةٍ تحتَ الأحكامِ السابقةِ فقيلَ { لَمْ يَلِدْ } تنصيصاً على إبطالِ زعمِ المفترينَ في حقِّ الملائكةِ والمسيحِ ولذلكَ وردَ النفيُ على صيغةِ الماضِي أيْ لَمْ يصدُرْ عنْهُ ولدٌ لأنَّهُ لا يجانسُهُ شيءٌ ليمكنَ أنْ يكونَ لهُ من جنسِهِ صاحبةٌ فيتوالدَ كما نطقَ بهِ قولُهُ تعالَى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ }** [سورة الأنعام، 101] ولا يفتقرُ إلى ما يعينُهُ أو يخلفُهُ لاستحالةِ الحاجةِ والفناءِ عليهِ سبحانَهُ { وَلَمْ يُولَدْ } أيْ لمْ يصدُرْ عنْهُ شيءٌ لاستحالةِ نسبةِ العدمِ سابقاً ولاحقاً والتصريحُ بهِ معَ كونِهِم معرفينَ بمضمونِهِ لتقريرِ ما قبلَهُ وتحقيقه بالإشارةِ إلى أنَّهما متلازمانِ إذِ المعهودُ أنَّ ما يلدُ يولدُ ومَا لاَ فَلاَ ومنْ قضيةِ الاعترافِ بأنَّهُ لا يلدُ فهو قريبٌ منْ عطفِ لا يستقدمونَ عَلَى لا يستأخرونَ كمَا مرَّ تحقيقُهُ. { وَلَم يَكُنْ لَّهُ كفوا أَحَدٌ } أيْ لم يكافئهُ أحدٌ ولَمْ يماثلهُ ولَمْ يشاكلهُ من صاحبةٍ وَغيرِهَا ولَهُ صِلةٌ لكفؤٍ قدمتْ عليهِ معَ أنَّ حَقَّهَا التأخرُ عَنْهُ للاهتمامِ بِهَا لأنَّ المقصودَ نفيُ المكافأةِ عنْ ذاتِهِ تعالَى وقدْ جوزَ أنْ يكونَ خبراً لا صلةَ ويكونَ كُفؤاً حالاً من أحدٍ وليسَ بذاكَ وأما تأخيرُ اسمِ كانَ فلمراعاةِ الفواصلِ ووجهُ الوصلِ بـينَ هذهِ الجملِ غنيٌّ عن البـيانِ وقُرِىءَ بضمِّ الكافِ والفاءِ معَ تسهيلِ الهمزةِ وبضمِّ الكافِ وَكسرِهَا معَ سُكُونِ الفاءِ هَذا ولانطواءِ السورةِ الكريمةِ معَ تقاربِ قُطْريها عَلى أشتاتِ المعارفِ الإلهيةِ والردِّ عَلى منْ ألحَدَ فيهَا وردَ في الحديثِ النبويِّ أنَّها تعدلُ ثلثَ القرآنِ فإنَّ مقاصدَهُ منحصرةٌ في بـيانِ العقائدِ والأحكامِ والقصصِ ومَنْ عَدَلَها لكلمةٍ اعتبرَ المقصودَ بالذاتِ منْهُ. رُوِيَ عن النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ قالَ: **" أسستِ السمواتُ السبعُ والأرضونَ السبعُ عَلى قُلْ هُو الله أحدٌ "** أيْ ما خلقتْ إلا لتكونَ دلائلَ عَلَى توحيدِ الله تعالَى ومعرفةِ صفاتِهِ التي نطقتْ بها هذِه السورةُ. **" وعنهُ عليهِ السَّلامُ أنه سمعَ رجلاً يقرأُ قُل هُو الله أحدٌ فقالَ وجبتْ فقيلَ ما وجبتْ يا رسولَ الله قالَ وجبتْ لَهُ الجنةُ ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [4] معناه: ولم يكن له أحد كفئاً على جهة التقديم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
لمَّا قال المشركون: أُنسُبْ لنا ربَّكَ: أنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
فمعنى " هو " أي: الذي سألتُم عنه " هو " الله. ومعنى " أحد " أي: هو أحدٌ.
ويقال: " هو " مبتدأ، " والله " خبره و " أحد " خبرٌ ثانٍ كقولهم: هذا حلوٌ حامض.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
{ ٱلصَّمَدُ }: السيِّدُ الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج، ويُقْصَدَ إليه في المطالب. ويقال: الكاملُ في استحقاق صفات المدح.
ويرجِّح تحقيقُ قولِ مَنْ قال: إنه الذي لا جوفَ له إلى أنه واحدٌ لا (...) في ذاته.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }.
ليس بوالدٍ ولا مولود.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
تقديره لم يكن أحدٌ كفواً له.
و " أحد " أصله وَحْدٌ، ووِحَدٌ وواحد بمعنًى، وكونه واحداً: أنه لا قسيمَ له ولا شبيهَ له ولا شريكَ له.
ويقال: السورة بعضها تفسيرٌ لبعض؛ مَنْ هو الله؟ هو الله. مَنْ الله؟ الأحد، مَنْ الأحد؟ الصمد، مَنْ الصمد؟ الذي لم يلد ولم يولد، مَنْ الذي لم يلد ولم يولَد؟ الذي لم يكن له كفواً أحد.
ويقال: كاشَفَ الأسرارَ بقوله: " هو ". وكاشَفَ الأرواحَ بقوله: " الله " وكاشَفَ القلوبَ بقوله: " أحد ". وكاشَفَ نفوسَ المؤمنين بباقي السورة.
ويقال: كاشَفَ الوالهين بقوله: " هو " ، والموحِّدين بقوله: " الله " والعارفين بقوله: " أحد " والعلماء بقوله: " الصمد " ، والعقلاء بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }.. إلى آخره.
ويقال: لمَّا بسطوا لسانَ الذمِّ في الله أمَرَ نبيَّنا بأنْ يَرُدَّ عليهم فقال: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }. أي ذُبَّ عني ما قالوا، فأنت أولى بذلك. وحينما بسطوا لسان الذمِّ في النبيِّ صلى الله عليه وسلم تولَّى الحقُّ الردَّ عليهم. فقال:**{ نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ }** [القلم:1، 2] وقال:**{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ }** [النجم:1, 2] أي أنا أذبُّ عنك؛ فأنا أولى بذلك منك.
ويقال: خاطَبَ الذين هم خاص الخواص بقوله: " هو " فاستقلوا، ثم زاد لمن نزل عنهم فقال: " الله " ، ثم زاد في البيان لمن نزل عنهم.
فقال: " أحدٌ " ثم لمن نزل عنهم فقال: " الصمد ".
ويقال: الصمدُ الذي ليس عند الخَلْقُ منه إلا الاسم والصفة.
ويقال: الصمدُ الذي تقدَّس عن إحاطةِ عِلْمِ المخلوقِ به وعن إدراك بَصَرهم له، وعن إشرافِ معارفهم عليه.
ويقال: تقدَّسَ بصمديته عن وقوف المعارف عليه.
ويقال: تنَزَّه عن وقوف العقول عليه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) | { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فانحسمت اطماعهم عن الوحدانية حين بان لهم انوار وحدته فسبحوا فى بحار ذاته وصفاته وطلبوا الخروج الى سواحل العرفان فناداهم اين انتم لو تسبحون ابدا فى بحر الذات وبحر الصفات لم ينهوا من بحر حقائق الالوهية فان بحر الذات والصفات واحد الكل فى حيز سرادق وحدانية الافعال غايبة فى الصفات والصفات فى الذات فمن عين الجمع هو هو ومن حيث الحقيقة هو الله ومن حيث الفردانية احيد وحيد لا غير اذ الغير يفنى فى بقائه ثم زاد فى تبوية فرادنيته بقوله الله الصمد ظاهر بنعوت الجلال والجمال والفردانية والوحدانية باطن بالهوية والصمد انقطع عن ادراك الخواطر والضمائر وغاب فى مهمه صفاته الاسرار والارواح وتاه فى تيه هويته القلوب والاشباح وهو تبتريه جلاله وصمديته حجبهم من نفسه ثم ابرز من نعت صمديته نور تنزيهه ونشقهم روائح قدسه وانسه وجعلهم مشتاقين الى لقائه عاشقين بجماله فيصمدون اليه بنعت الفناء والبقاء فلما علم عجزهم عن رؤية حقيقة هويته وصمديته ووحدانيته وفردانيته تجلى لهم بنعوت الجمال من لباس الافعال فهاموا بعشقه فى بيداء انوار جماله وجلاله وسكارى منبسطين وطابوا بكل مستحسن من عالم الافعال فلما سكنوا بالمستحسنات ورؤية الجمال فى الافعال أمالت ازمن قصودهم الى فضاء الوحدانية واعلمهم انه منزه عن مباشرة الحوادث بقوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } اى لم يكن هو محل الحوادث ولم يكن الحوادث محله التجلى ظهور الصفات والالتباس ظهورها فى الافعال وهو منزه عن التمثال والجبال الا ترى كيف حقق التوحيد لمن شاهد مشاهدته فى اهله بقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } غلط النصارى واليهود والكفرة والمجوس حين راوا من الاشخاص انوار الارواح ومن الارواح سنا روح فعله ثم نور صفته ووقعوا فى ظلمات الحلول حين لم يعرفوا أصل الأصل وحقيقة الحقيقة وعين العين وفردانية الذات والصفات عن مباشرة الامثال والتمثال سبحان المنزه بذاته عن رؤية كل رائي ومعرفة كل عارف وتوحيد كل موحد وعبادة كل عابد وجحود كل جاحد وجهل كل جاهل ووصف كل واصف كلهم فى نكرة النكرة معزولون من حقيقة المعرفة قال ابن عطا الهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو اشارة الى ما لا يدرك حقائق نعوته وصفاته بالحواس والاحد المتفرد الذى لا نظير له والتوحيد هو الاقرار بالوحدانية والاحدية هو الانفراد وقال الواسطى هو حرف ليس باسم ولا وصف ولكنه كناية واشارة كناية عن الذات واشارة الى الذات علم الحق من يلحد فى الاسماء والصفات ويفرقون بين الصفة والموصوف فقال لا يكون فرقا بين هويته وهو ذاك لم يكن فرقا بين هويته ولم يكن فرقا بين اسمائه وصفاته قال ابن عطا هو الله احد هو المنفرد باتحاد المفقودات والمتوحد باظهار الخفيات وقال الحسين الاحد الكائن عنه كل منعوت واليه يصير كل مربوب فطمس من مساكنه ويطرح من نازله ان اشهدك اياه فانك وان غيبك عنه راعك قال بعضهم توحد ثم وجد لا سبيل الى ذلك الا ان يوجدك الحق له وقال جعفر الصمد الذى لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة وقال الواسطى امتنع الحق بصمديته عن وقوف العقول عليه واشارتها اليه ولا يعرف الا بالطاف اسدائها الى الجوارح وقال ابن عطا الصمد المتعال عن الكون والفساد وقال جعفر الصمد خمس حروف الالف دليل على احديته واللام دليل على الوهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران فى الكتابة فدل ذلك على ان احديته والوهيته خفية لا يدرك بالحواس وانه لا يقال بالناس فخفاؤه فى اللفظ دليل على ان العقول لا تدركه ولا تحيط به علما واظهاره فى الكتابة دليل على انه يظهر على قلوب العارفين ويبدو لاعين المحبين فى دار السلام والصاد انه صادق فيما وعد فعله صدق وكلامه صدق ودعا عبادة الى الصدق والميم دليل على ملكه وهو الملك على الحقيقة والدال علامة دوامه فى ابديته وازليته وان كان الازل والابد لانهما الفاظ تجرى على العوارى فى عباده وقال ابن عطاء قل هو الله احد ظهر لك منه توحيد الله الصمد ظهر لك منه المعرفة لم يلد ظهر لك منه الايمان ولم يولد ظهر لك منه الاسلام ولم يكن له كفوا احد ظهر لك منه اليقين قال الاستاذ كاشف الوالهين بقوله هو وكاشف الموحدين بقوله الله وكاشف العارفين بقوله احد والعلماء بقوله الصمد والعقلاء بقوله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { الله الصمد } أي: الذات في الحضرة الواحدية بحسب اعتبار الأسماء هو السند المطلق لكل الأشياء لافتقار كل ممكن إليه وكونه به فهو الغني المطلق المحتاج إليه كل شيء كما قال:**{ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ }** [محمد، الآية:38]. ولما كان كل ما سواه موجوداً بوجوده ليس بشيء في نفسه لأن الإمكان اللازم للماهية لا يقتضي الوجود فلا يجانسه ولا يماثله شيء في الوجود. { لم يلد } إذ معلولاته ليست موجودة معه بل به فهي به هي وبنفسها ليست شيئاً { ولم يولد } لصمديته المطلقة، فلم يكن محتاجاً في الوجود إلى شيء ولما كانت هويته الأحدية غير قابلة للكثرة والانقسام ولم يمكن مقارنة الوحدة الذاتية لغيرها إذ ما عدا الوجود المطلق ليس إلا العدم المحض فلا يكافئه أحد. { ولم يكن له كفواً أحد } إذ لا يكافىء العدم الصرف الوجود المحض، ولهذا سميت سورة الأساس، إذ أساس الدين على التوحيد بل أساس الوجود. وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد "** وهو معنى صمديته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { ولم يكن له كفؤا احد } يقال هذا كفاؤه وكفؤه مثله وكافأ فلانا ماثله وله صلة لكفؤا قدمت عليه مع ان حقها التأخر عنه للاهتمام بها لان المقصود نفى المكافأة عن ذاته تعالى اى لم يكافئه احد ولم يماثله ولم يشاكله بل هو خالق الاكفاء ويجوز ان يكون من الكفاءة فى النكاح نفيا للصاحبة واما تأخير اسم كان فلمراعات الفواصل ولعل ربط الجمل الثلاث بالعاطف لان المراد منها نفى اقسام الامثال فهى جملة واحدة منبه عليها بالجمل قال القاشانى ما كانت هويته الاحدية غير قابلة للكثرة والانقسام ولم تكن مقارنة الوحدة الذاتية الغيرها اذ ما عدا الوجود المطلق ليس الا العدم المحض فلا يكائفه احد اذ لا يكافئ العدم الصرف الوجود المحض وقال الكاشفى رد مجوس ومشركان عربست كه كفتند اورا كفوهست نعوذ بالله وكفته اند هر آيتى ازين سورة تفسير آيت بيش است جون كويند من هو تو كويى احد جون كويند احد كيست توكيى صمد جون كويند صمد كيست توكويى الذى لم يلد ولم يولد جون كويند لم يلد ولم يولد كيست توكويى الذى لم يكن له كفؤا احد. وقال بعضهم كاشف الوالهين بقوله هو وكاشف الموحدين بقوله الله وكاشف العارفين بقوله احد والعلماء بقوله الصمد والعقلاء بقوله لم يلد الخ وهو اى لم يلد اشارة الى توحيد العوام لانهم يستدلون على المصانع بالشواهد والدلائل وقال بعض الكبار ان سورة الاخلاص اشارة الى حال النزول وهو حال المجذوب فأولا بقول هو الله احد الله الصمد الخ وحال الصعود يعتبر من الآخر الى جانب هو فيقول اولا لم يكن له كفؤا احد ثم يترقى الى ان يقول هو لكن لا ينعى للسالك ان يكتفى بوجدان هو فى القرءآن بل ينبغى له ان يترقى الى القرءآن الفعلى فيشاهد هو فى القرءآن وهو محيط بالعوالم كلها وهو اول ما ينكشف للسالك ولاشتمال هذه السورة مع قصرها على جميع معارف الالهية والرد على من الحد فيها جاء فى الحديث **" انها تعدل ثلث القرءآن "** فان مقاصده منحصرة فى بيان العقائد والاحكام والقصص ومن عدلها بكله اعتبر المقصود بالذات منه وهو علم المبدأ وصفاته اذ ما عداه ذرآئع اليه وقال عليه السلام **" اسست السموات السبع والارضون السبع على قل هو الله احد "** اى ما خلقت الالتكون دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته التى نطقت بها هذه السورة وعنه عليه السلام سمع رجلا يقرأ قل هو الله احد فقال **" وجبت "** فقيل وما وجبت يا رسول الله قال **" وجبت له الجنة "** وعن سهيل ابن سعد رضى الله عنه جاء رجل الى النبى عليه السلام وشكا اليه الفقر فقال اذا دخلت بيتك فسلم ان كان فيه احد وان لم يكن فيه احد فسلم على نفسك واقرأ قل هو الله احد مرة واحدة ففعل الرجل ذلك فأدر الله عليه رزقا حتى افاض على جيرانه وعن على رضى الله عنه انه قال من قرأ قل هو الله احد بعد صلاة الفجر احدى عشرة مرة لم يلحقه ذنب يومئذ ولو اجتهد الشيطان وفى الحديث
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**" ايعجز احدكم ان يقرأ القرءآن فى ليلة واحدة فقيل يا رسول الله من يطيق ذلك قال ان يقرأ قل هو الله احد ثلاث مرات "** وروى **" انه نزل جبريل عليه السلام بتبوك فقال يا رسول الله ان معاوية بن المزنى رضى الله عنه مات فى المدينة أتحب ان اطوى لك الارض فتصلى عليه قال نعم فضرب بجناحة على الارض فرفع له سريره وصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة كل صف سبعون الف ملك ثم رجع فقال عليه السلامبم ادرك هذا قال بحبه قل هو الله احد وقرآءته اياها جائيا وذاهبا وقائما وقاعدا وعلى كل حال "** رواه الطبرانى وصحب سورة الاخلاص حين نزلت سبعون ألف ملك كلما مروا بأهل سماء سألوهم عما معهم فقالوا نسبة الرب سبحانه ولذا سميت هذه السورة نسب الرب كما فى كشف الاسرار وسميت سورة الاخلاص لاخلاص الله من الشرك او للخلاص من العذاب او خالصة فى التوحيد قال الامام الغزالى رحمه الله تعالى غفر ربى وثيقتى بالخلاص. واعتصامى بسورة الاخلاص او لانها سورة خالصة لله ليس فيها ذكر شئ من الدنيا والآخرة وقال الحنفى لانها تخلص قارئها من شدآئد الآخرة وسكرات الموت وظلمات القبر واهوال القيامة وقال القاشانى لان الاخلاص تمحيض الحقيقة الاحدية عن شائبة الكثرة. تمت سورة الاخلاص يوم الاثنين الحادى عشر من جمادى الاولى من شهور سنة سبع عشرة ومائة وألف.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | قلت: { هو } ضمير الشأن مبتدأ، والجملة بعده خبر، ولا تحتاج إلى رابط لأنها نفس المبتدأ، فإنها عين الشأن الذي عبّر عنه بالضمير، ورفعه من غير عائد يعود عليه للإيذان بأنه الشُهرة والنباهة بحيث يستحضرة كلُّ أحد، وإليه يُشير كل مُشير وعليه يعود كل ضمير، كما يُنبىء عنه اسم الشأن الذي هو القصد. والسر في تصدير الجملة به للتنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها وجلالة حيزها، مع ما فيه من زيادة تحقيقٍ وتقرير، فإنَّ الضمير لا يُفهم منه من أول الأمر إلاّ شأن مبهم، له خطر جليلٍ، فيبقى الذهن مترقباً لِما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه، فيتمكن عند وروده له فضل تمكُّن. وكل جملة بعد خبره مقرِّره لِما قبلها على ما يأتي. يقول الحق جلّ جلاله مجيباً للمشركين لَمّا قالوا: صِفْ لنا ربك الذي تدعونا إليه، وانسبه؟ فسكت عنهم صلى الله عليه وسلم فنزلت، أو اليهود، لَمّا قالوا: صِفْ لنا ربك وانسبه، فإنه وَصَفَ نفسه في التوراة ونَسَبَها، فارتعد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى خَرّ مغشيًّا عليه، فنزل جبريلُ عليه السلام بالسورة. ويمكن أن تنزل مرتين كما تقدّم. فقال جلّ جلاله: { قل هو اللهُ } المعبود بالحق، الواجب الوجود، المستحق للكمالات { أحَدٌ } لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لا يتبعّض ولا يتجزّأ ولا يُحد، ولا يُحصَى، أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية، ظاهر بالتعريف لكل أحد، باطن في ظهوره عن كل أحد. وأصل { أحد } هنا " وَحَد " فأبدلت الواو همزة، وليست كأحد الملازم للنفي، فإنَّ همزة أصلية. ووصفه تعالى بالوحدانية له ثلاث معان، الأول: أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد، والآخر: أنه واحد لا نظير له ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد عصره، أي: لا نظير له، الثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعّض. والأظهر أن المراد هنا: نفي الشريك، لقصد الرد على المشركين. انظر ابن جزي. { اللهُ الصمدُ } وهو فَعَلٌ بمعنى مفعول، من: صمد إليه: إذا قصده، أي: هو السيّد المصمود إليه في الحوائج، المستغني بذاته عن كل ما سواه، المفتقِر إليه كلُّ ما عداه، افتقاراً ضرورياً في كل لحظة، إذ لا قيام للأشياء إلاّ به. أو الصمد: الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال، أو: الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، والذي يُطْعِم ولا يُطْعَم ولا يأكل ولا يشرب، أو: الذي لا جوف له، وتعريفه لعلمهم بصمديته، بخلاف أحديته. وتكرير الاسم الجليل، للإشعار بأنَّ مَن لم يتصف بذلك فهو بمعزلٍ عن استحقاق الألوهية، والتلذُّذ بذكره. وتعرية الجملة عن العاطف، لأنها كالنتيجة عن الأولى، بيَّن أولاً ألوهيته عزّ وجل، المستوجبة لجميع نعوت الكمال، ثم أحديته الموجبة لتنزّهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجهٍ من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتي عما سواه، وافتقار المخلوقات إليه في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق وإرشاداً إلى التعلُّق بصمديته تعالى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
ثم صرّح ببعض أحكام مندرجة تحت الأحكام السابقة، فقال: { لم يلدْ } أي: لم يتولد عن شيء، ردًّا على المشركين، وإبطالاً لاعتقادهم في الملائكة والمسيح، ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي، أي: لم يصدر عنه ولد لأنه لا يُجانسه شيء يمكن أن يكون له من جنسه صاحبة ليتوالدا، كما ينطق به قوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ }** [الأنعام:101]، ولا يفتقر إلى ما يُعينه أو يخلفه لاستحالة الحاجة عليه، لصمدانيته وغناه المطلق. { ولم يُولدْ } أي: لم يتولد عن شيءٍ، لا ستحالة نسبة العدم إليه سابقاً ولاحقاً. والتصريح به مع كونهم معترفين بمضمونه لتقرير ما قبله وتحقيقه وللإشارة إلى أنهما متلازمان، إذ المعهود أنَّ ما يلد يولد، وما لا فلا، ومِن قضية الاعتراف بأنه لم يلد: الاعتراف بأنه لم يُولد، { ولم يكن له كُفُواً أحَدٌ } أي: ولم يكن أحد مماثلاً له ولا مشاكلاً، مِن صاحبة أو غيرها. وله: متعلق بـ " كُفُواً " ، قدمت عليه للاهتمام بها لأنَّ المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى، وأمّا تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل. ووجه الوصل في هذه الجُمل غَنِي عن البيان. هذا ولانطواء السورة الكريمة، مع تقارب قطريها، على أنواع المعارف الإلهية والأوصاف القدسية، والرد على مَن ألحد فيها، ورد في الحديث النبوي: أنها تعدل ثلث القرآن، فإنّ مقاصده منحصرة في بيان العقائد والأحكام والقصص، وقد استوفت العقائد لمَن أمعن النظر فيها. عن النبي صلى الله عليه وسلم: **" أُسست السموات السبع والأرضون السبع على { قل هو الله أحد } "** أي: ما خلقت إلاَّ لتكون دلائل توحيده، ومعرفة ذاته، التي نطقت بها هذه السورة الكريمة. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلاً يقرؤها، فقال: **" " وجبت " فقيل: وما وجبت؟ فقال: " الجنة " ، وشكى إليه رَجُلٌ الفقرَ وضيق المعاش، فقال له صلى الله عليه وسلم: " إذا دخلت بيتك فسَلِّم إن كان فيه أحد، وإلا فسَلِّم عليّ واقرأ: { قل هو الله أحد } " ففعل الرجل، فأدرّ اللهُ عليه الرزق، حتى أفاض على جيرانه "** ، وخرّج الترمذي: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: **" من قرأ { قل هو الله أحد } مائتي مرة في يوم غُفرت له ذنوب خمسين سنة، إلاّ أن يكون عليه دَيْن "** ، وفي الجامع الصغير أحاديث في فضل السورة تركناه خوف الإطناب. الإشارة: قد اشتملت السورةُ على التوحيد الخاص، أعني: توحيد أهل العيان، وعلى التوحيد العام، أعني: توحيد أهل البرهان، فالتوحيد الخاص له مقامان: مقام الأسرار الجبروتية، ومقام الأنوار الملكوتية، فكلمة هو تُشير إلى مقام الأسرار اللطيفة الأصلية الجبروتية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
والله يشير إلى مقام الأنوار الكثيفة المتدفقة من بحر الجبروت لأنّ حقيقة المشاهدة: تكثيف اللطيف، وحقيقة المعاينة: تلطيف الكثيف، فالمعاينة أرقّ، فشهود الكون أنواراً كثيفة فاضت من بحر الجبروت مشاهدة، فإذا لَطَّفها حتى اتصلت بالبحر اللطيف المحيط، وانطبق بحر الأحدية على الكل سُميت معاينةً، ووصفه تعالى بالأحدية والصمدية والتنزيه عن الولد والوالد يحتاج إلى استدلال وبرهان، وهو مقام الإيمان، والأول مقام الإحسان فالآية من باب التدلي. قال القشيري: يقال كاشَفَ تعالى الأسرارَ بقوله هو والأرواحَ بقوله: الله وكاشف القلوبَ بقوله: أحد وكاشف نفوسَ المؤمنين بباقي السورة. ويُقال: كاشف الوالهين بقوله: هو والموحِّدين بقوله: الله والعارفين بقوله: أحد والعلماء بالباقي، ثم قال: ويُقال: خاطب خاصة الخاص بقوله: هو فاستقلوا، ثم خاطب الخواص بقوله الله فاشتغلوا، ثم زاد في البيان لمَن نزل عنهم، فقال: أحد، ثم نزل عنهم بالصمد، وكذلك لمَن دونهم. هـ. وقال في نوادر الأصول: هو اسم لا ضمير، من الهوية، أي: الحقيقة. انظر بقية كلامه. قال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن العارف: والحاصل: أنَّ الإشارة بـ " هو " مختصة بأهل الاستغراق والتحقُّق في الهوية الحقيقة، فلانطباق بحر الأحدية عليهم، وانكشاف الوجود الحقيقي لديهم، فقدوا مَن يشار إليه إلاّ هو، لأنّ المُشار إليه لمّا كان واحداً كانت الإشارة مطلقة لا تكون إلاّ إليه، لفقد ما سواه في شعورهم، لفنائهم عن الرسوم البشرية بالكلية، وغيبتهم عن وجودهم، وعن إحساسهم وأوصافهم الكونية، وذلك غاية في التوحيد والإعظام. منحنا اللهُ ذلك على الدوام، وجعلنا من أهله، ببركة نبيه عليه الصلاة والسلام. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن/ علي بن ابراهيم القمي (ت القرن 4 هـ) | { قل هل الله أحد } [1] أي: هو الله الأحد وكان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: ما نسب ربك؟ فأنزل الله { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } [1-4] ومعنى قوله: أحد أحدي النعت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نور لا ظلام فيه وعلم لا جهل فيه وقوله: الصمد، أي: الذي لا مدخل فيه وقوله: لم يلد، أي: لم يحدث ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال: لا له كفو ولا شبيه ولا شريك ولا ظهير ولا معين.
حدثنا أبو الحسن قال: حدثنا الحسن بن علي بن حماد بن مهران، قال: حدثنا محمد بن خالد بن إبراهيم السعدي قال: حدثني أبان بن عبد الله قال: حدثني يحيى بن آدم عن الفزاري عن حريز عن الضحاك عن ابن عباس، قال قالت قريش للنبي صلى الله عليه وآله بمكة صف لنا ربك لنعرفه فنعبده، فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي صلى الله عليه وآله قل هو الله أحد، يعني: غير مبعض ولا مجزى ولا مكيف، ولا يقع عليه اسم العدد ولا الزيادة ولا النقصان، الله الصمد الذي قد انتهى إليه السؤدد والذي يصمد أهل السماوات والأرض بحوائجهم إليه، لم يلد منه عزير كما قالت اليهود عليهم لعائن الله وسخطه ولا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله، ولا الشمس والقمر ولا النجوم كما قالت المجوس عليهم لعائن الله وسخطه ولا الملائكة كما قالت كفار قريش لعنهم الله، ولم يولد لم يسكن الأصلاب ولم تضمه الأرحام لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما (مما ط) كان، ولم يكن له كفواً أحد، يقول ليس له شبيه ولا مثل ولا عدل ولا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | قرأ ابو عمرو - فى رواية هارون عنه - { أحد الله الصمد } بغير تنوين فى الوصل. وقرأ فى رواية نصر عن أبيه واحمد بن موسى عنه بالتنوين، وجه ترك التنوين أنه ينوى به الوقف، لأنه رأس آية مع انه قد يحذف التنوين لالتقاء الساكنين، والوجه تحريكه، قال الشاعر:
| **فالفتيه غير مستعتب** | | **ولا ذاكر الله إلا قليلا** |
| --- | --- | --- |
وقرأ { كفؤاً } بسكون الفاء - مهموزاً - حمزة ونافع على خلاف عن نافع. الباقون بضم الفاء مهموزاً. وإنما قال فى أوائل هذه السور { قل } وهي أوامر من الله تعالى، لان المعنى قال لي جبرائيل { قل هو الله أحد } فحكى النبي صلى الله عليه وآله ما قيل له. وقيل لسورة الاخلاص وقل يا ايها الكافرون (المقشقشتان) ومعناهما المبرئتان من الكفر والنفاق، كما يقشقش الهناء الجرب.
وهذا امر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ان يقول لجميع المكلفين { هو الله } الذي نحق له العبادة { أحد } ومعناه واحد، فقوله { هو } كناية عن اسم الرب، لانهم قالوا ما ربك؟ قال هو الله احد. وقال الكسائي { هو } عماد، وقوله { الله } ابتداء، وخبره { أحد } وانكر الفراء أن يكون العماد مستأنفاً، واصل { أحد } وحد فقلبت الواو همزة، كما قيل: وناه وأناه، لان الواو مكروهة اولا، وقد جاء وحد على الاصل قال الشاعر:
| **كأن رجلي وقد زال النهار بنا** | | **بذي الجليل على مستأنس وحد** |
| --- | --- | --- |
وحقيقة الوحد شيء لا ينقسم فى نفسه أو معنى صفته، فاذا أطلق احد من غير تقدم موصوف، فهو احد نفسه، فاذا جرى على موصوف، فهو احد فى معنى صفته، فاذا قيل: الجزء الذي لا يتجزأ واحد، فهو واحد فى معنى صفته، وإذا وصف تعالى بأنه احد، فمعناه أنه المختص بصفات لا يشاركه فيها غيره: من كونه قديماً وقادراً لنفسه وعالماً وحياً وموجوداً كذلك، وأنه تحق له العبادة لا تجوز لأحد سواه. ولا يجوز أن يكون { أحد } هذه هي التي تقع فى النفي، لأنها اعم العام على الجملة أحد، والتفصيل، فلا يصلح ذلك في الايجاب، كقولك ما فى الدار احد أي ما فيها واحد فقط ولا اكثر، ويستحيل هذا فى الايجاب، وفى قوله { الله أحد } دليل فساد مذهب المجسمة، لأن الجسم ليس بـ { أحد } إذ هو اجزاء كثيرة، وقد دل الله بهذا القول على أنه احد، فصح انه ليس بجسم.
وقوله { الله الصمد } معناه الذي تحق له العبادة هو الموصوف بأنه { الصمد } وقيل: فى معناه قولان:
احدهما - قال ابن عباس وشقيق وابو وائل: إنه السيد المعظم، كما قال الاسدي:
| **الابكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
وقال الزبرقان:
| **ولا رهينة إلا السيد الصمد** | | |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
الثاني - ان معناه الذي يصمد اليه فى الحوائج ليس فوقه أحد، يقال: صمدت اليه أصمد إذا قصدت اليه إلا أن فى الصفة معنى التعظيم كيف تصرفت الحال. ومن قال: الصمد بمعنى المصمت، فقد جهل الله، لأن المصمت هو المتضاغط الاجزاء وهو الذي لا جوف له وهذا تشبيه وكفر بالله تعالى.
وقوله { لم يلد } نفي منه تعالى لكونه والد إله ولد.
وقوله { ولم يولد } نفي لكونه مولود إله والد، لأن ذلك من صفات الاجسام وفيه ردّ على من قال: إن عزيز والمسيح أبناء الله تعالى، وإن الملائكة بنات الله. وقوله { ولم يكن له كفواً أحد } نفي من الله تعالى أن يكون له مثل أو شبيه او نظير، والكفو والكفاء والكفي واحد، وهو المثل والنظير، قال النابغة:
| **لا تقذفني بركن لا كفاء له** | | **ولو تأثفك الاعداء بالرفد** |
| --- | --- | --- |
و { أحد } مرفوع لأنه اسم (كان) و { كفواً } نصب، لانه نعت نكرة متقدمة، كما تقول: عندي ظريفاً غلام، تريد عندي غلام ظريف، فلما قدمت النعت على المنعوت نصبته على الحال - فى قول البصريين - وعلى الظرف فى قول الكوفيين - والتقدير في الآية ولم يكن له كفواً، وأخص منه ولم يكن أحد كفواً له، وإنما قدم الظرف الملغى مع أن تأخير الملغى أحسن في الكلام لانه أفضل بذكر الأنبه الأعرف، كما يتقدم الظرف الذي هو خبر وموضعه التأخير لهذه العلة في مثل قولهم: لزيد مال وله عبد.
ولا حي من الاحياء إلا وله مثل إلا الله تعالى، فلذلك قال { ولم يكن له كفواً أحد } وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقف عند آخر كل آية من هذه السورة، وكذلك كان يقرأ ابن مجاهد في الصلاة ابتداء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ }.
{ (2) اللَّهُ الصَّمَدُ }.
{ (3) لَمْ يَلِدْ }.
{ (4) وَلَمْ يُولَدْ }.
{ (5) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } وقرىء كفؤاً بالتّسكين وبالتحريك وقلب الهمزة واواً القمّي وكان سبب نزولها انّ اليهود جاءت الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت له ما نسبة ربّك فأنزل الله.
وفي الكافي والتوحيد عن الصادق عليه السلام قال انّ اليهود سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا انسب لنا ربّك فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثمّ نزلت قل هو الله الى آخرها.
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام في تفسيرها قال قل اي اظهر ما اوحينا اليك وما نبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من القى السّمع وهو شهيدٌ وهو اسم مكنّى مشار الى غائب فالهاء تنبيه على معنى ثابت والواو اشارة الى الغائب من الحواس كما انّ قولك هذا اشارة الى الشاهد عند الحواسّ وذلك انّ الكفّار نبّهوا على آلهتهم بحرف اشارة الى الشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فاشر انت يا محمّد الى الهك الذي تدعو اليه حتّى نراه وندركه ولا نأله فيه فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو فالهاء تثبيت للثابت والواو اشارة الى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس.
ثم قال عليه السلام الله معناه المعبود الذي اَلِهَ الخلق عن درك ما يأتيه والاحاطة بكيفيّته ويقول العرب اله الرّجل اذا تحيّر في الشّيء فلم يحط به علماً وله اذا فزع الى شيء ممّا يحذره ويخافه والاله هو المستور عن حواس الخلق.
قال عليه السلام الاحد الفرد المتفرّد والاحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرّد الذي لا نظير له والتوحيد والاقرار بالوحدة وهو الانفراد والواحد المباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتّحد بشيء ومن ثمّ قالوا انّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأنّ العدد لا يقع في الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله تعالى الله أحد أي المعبود الي يأله الخلق عن ادراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعال عن صفات خلقه.
قال عليه السلام وحدّثني ابي زين العابدين عن ابيه الحسين بن علي عليهم السلام انّه قال الصّمد الذي لا جوف له والصمد الذي قد انتهى سودده والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
قال عليه السلام كان محمّد بن الحنفيّة يقول الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره وقال غيره الصمد المتعالي عن الكون والفساد والصمد الذي لا يُوصف بالتّغاير.
قال عليه السلام الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال وسئل عليّ بن الحسين عليهما السلام عن الصمد فقال الصمد الذي لا شريك له ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء.
قال الرّاوي قال زيد بن عليّ عليه السلام الصمد الذي اذا أراد شيء قال له كن فيكون والصمد الذي ابدع الاشياء فخلقها اضداداً واصنافاً واشكالاً وازواجاً وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ.
قال وحدّثني الصادق عن ابيه عليهما السلام انّ اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن عليّ عليهما السلام يسألونه عن الصمد فكتب اليهم بسم الله الرّحمن الرحيم امّا بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادولوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم فقد سمعت جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوّء مقعده من النّار وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال الله احد الله الصّمد ثمّ فسّره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة الّتي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّآمة والجوع والشبع تعالى عن ان يخرج منه شيء وان يتولدّ منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد ولم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنّبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما تخرج الاشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشمّ من الانف والذّوق من الفم والكلام من اللّسان والمعرفة والتميز من القلب وكالنّار من الحجر ألا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشىء الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّئته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفواً احد قال الراوي سمعت الصادق عليه السلام يقول قدم وفد من فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ثم سألوه عن الصمد فقال تفسيره فيه الصمد خمس احرف فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزّ وجلّ شهد الله انّه لا إله إلاّ هو وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواس واللاّم دليل على الهيّته بأنّه هو الله والالف واللاّم مدغمان لا يظهران على اللّسان ولا يقعان في السمع يظهران في الكتابة دليلان على انّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا يقع في لسان واصف ولا اذن سامع لأنّ تفسير الإِله هو الذي اله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس او بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس وانّما يظهر ذلك عند الكتابة على انّ الله تعالى اظهر ربوبيّته في ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللّطيفة في اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما انّ لام الصّمد لا يتبيّن ولا يدخل في حاسة من حواسّه الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف فمتى تفكّر العبد ماهيّة الباري وكيفيته له فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشيء يتصوّر له لأنّه عزّ وجلّ خالق الصّور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انّه عزّ وجلّ خالقهم ومركّب ارواحهم في اجسادهم وامّا الصاد فدليل على انّه عزّ وجلّ صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده الى اتّباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وامّا الميم فدليل على ملكه وانّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه وامّا الدّال فدليل على دوام ملكه وانّه عزّ وجلّ دائم متعال عن الكون والزوال بل هو عزّ وجلّ مكوّن الكائنات الذي كان بتكوينه كلّ كائن ثم قال لو وجدت لعلمي الّذي اتاني الله عزّ وجلّ حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرايع من الصمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدّي امير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر سلوني قبل ان تفقدوني فانّ بين الجوانح منّي علماً جمّا هاه هاها الا لا اجد من يحمله الا وانّي عليكم من الله الحجّة البالغة فلا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من اصحاب القبور ثم قال الباقر عليه السلام الحمد الله الذي منّ علينا ووفّقنا لعبادة الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد وجنّبنا عبادة الأوثان حمداً سرمداً وشكراً واصباً وقوله عزّ وجلّ لم يلد ولم يولد يقول لم يلد فيكون له ولد يرثه ملكه ولم يولد فيكون والد يشركه في ربوبيّته وملكه ولم يكن له كفواً احد فيعازه في سلطانه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وفي المجمع عن امير المؤمنين عليه السلام انّه سأله رجل عن تفسير هذه السورة فقال هو الله احد بلا تأويل عدد الصمد بلا تبعيض بدد لم يلد فيكون موروثاً هالكاً ولم يولد فيكون الهاً مشاركاً ولم يكن له من خلقه كفواً احد وفي نهج البلاغة لم يولد فيكون في العزّ مشاركاً.
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام انّه سئل عن التوحيد فقال انّ الله عزّ وجلّ علم انّه يكون في آخر الزمان اقوام متعمّقون فأنزل الله قل هو الله احد والآيات من سورة الحديد الى قوله عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعن الرضا عليه السلام انّه سئل عن التّوحيد فقال كلّ من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحيد قيل كيف يقرؤها قال كما يقرؤها الناس وزاد فيها كذلك الله ربّي مرّتين.
وعن الباقر عليه السلام قل هو الله احد ثلث القرآن وفي الاكمال عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال من قرأ قل هو الله احد مرّة فكأنّما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنّما قرأ القرآن كلّه.
وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيه بقل هو الله احد قيل له يا عبد الله لست من المصلّين.
وعنه عليه السلام من مضت له جمعة ولم يقرأ فيها بقل هو الله احد ثم مات مات على دين ابي لهب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } نزلت السّورة حين سأل المشركون رسول الله (ص) فقالوا: انسب لنا ربّك، او حين أتى رجلان منهم فقالا ذلك، او حين جاء اناس من احبار اليهود فسألوه ذلك، او حين انطلق عبد الله بن سلام اليه فسأل ذلك وقد نقل كلّ ذلك فى نزوله، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل وتحريك التّنوين بالكسر، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل واسقاط التّنوين تشبيهاً للتّنوين بحرف اللّين، وقرئ بالوقف باسقاط التّنوين، وقرئ كفواً مضمومة الفاء وبالواو وقرئ كفؤاً ساكنة الفاء مهموزة، وقرئ كَفواً مضمومة الفاء مهموزة.
واعلم، انّ الانبياء (ع) لهم حالات بالنّسبة الى الله والى عالم الغيب وتختلف مناجاتهم لله ومخاطبات الله لهم ومخاطباتهم للخلق بحسب اختلاف احوالهم، فانّه اذا انسلخ النّبىّ (ص) من جميع ما له من نسبة الافعال والاوصاف والذّات ولم يبق فى وجوده الاّ فاعليّة الله تعالى يكون مخاطبات الله له بلسانه الّذى صار لسان الله فيصير كلام الله كلاماً الهيّاً بشريّاً ويسمّى حديثاً قدسيّاً، واذا تنزّل عن ذلك المقام باقياً ببقاء الله متوجّهاً الى كثرات وجوده وهذا التّوجّه والالتفات يسمّى بالنّبوّة او خلافة النّبوّة، او متوجّهاً الى كثرات العالم وهذا التّوجّه يسمّى بالرّسالة او خلافة الرّسالة، فكلّما تلقّى من الله بطريق القذف والالهام وكلّما شاهد فى عالم المثال فى هذه الحال او قبل النّزول الى ذلك المقام وكلّما وجد انموذجة من مدركاته وكلّما القى اليه الملك من العلم والحكم لا بنحو الوساطة من الله كان حديثاً نبويّاً، واذا تنزّل الى مقام البشريّة فكلّما تكلّم به من حيث تدبير الحياة الدّنيويّة من غير اظهار لحاظ الجهة الالهيّة يكون كلاماً بشريّاً، واذا كان خطاب الله فى تلك الاحوال بتوسّط الملك المرسل من الله لتبليغ خطابه كان كلاماً الهيّاً وكتاباً سماويّاً، فان كان النّبىّ (ص) فى مقام الانسلاخ كان الخطاب من مقام الغيب واحديّة الذّات، وان كان فى مقام النّبوّة والرّسالة كان الخطاب من مقام الظّهور والواحديّة وهو مقام الولاية، وكان الكلام فى المقام الاوّل مشتملاً على التّنزيه ونفى النّسب والاضافات، وفى المقام الثّانى مشتملاً على الاضافات واحكام الكثرات: ولذلك سمّيت السّورة بسورة التّوحيد، وسورة الاخلاص، وسورة الولاية، لانّ المخاطب بها خوطب بها حين خلوصه من شوب الكثرات وحصول مقام الوحدة له وظهوره بشأن الولاية، وسمّيت الفاتحة بسورة النّبوّة لانّ المخاطب بها خوطب بها حين ظهوره بشأن النّبوّة فقوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خطاب من مقام الاحديّة ولذلك أتى باسمه الخالص من شوب الصّفات اوّلاً وهو لفظ هو بخلاف قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ، وامثال هذين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
اعراب سورة الاخلاص
واعراب السّورة المباركة بحسب الوجوه المحتملة كثيرة: فأقول، لفظ هو ضمير الشّأن او ضمير يشار به الى مقام الغيب لتعيّنه فى الاذهان او ادّعاء تعيّنه او هو عَلَم واسم لمقام الغيب، وعلى الاخيرين فالله بدل منه او عطف بيان او خبر او مبتدءٌ ثانٍ، واحد خبره والجملة خبر هو واكتفى عن العائد بتكرار المبتدء بالمعنى، واحد خبر او خبر بعد خبر والله الصّمد مبتدء وخبر، او صفة وموصوف وخبر بعد خبر او مبتدءٌ وخبره لم يلد، وعلى تقدير كونه مبتدءً فالجملة خبر بعد خبرٍ او حاليّة او مستأنفة جوابٌ لسؤالٍ عن حاله تعالى فى نفسه او عن علّة الحكم ولم يلد خبرٌ او خبرٌ بعد خبرٍ او حال او مستأنفة جوابٌ لسؤالٍ عن حاله تعالى مع غيره او عن علّة الحكم، واذا كان هو ضمير الشّأن فالله احد خبره والله الصّمد مبتدء وخبرٌ وخبر بعد خبر لهو او خبر بعد خبرٍ لله او حال او مستأنفة فى مقام السّؤال عن الحال او عن علّة الحكم او الله الصّمد موصوف وصفةٍ وخبر بعد خبر لله، او مبتدء ولم يلد خبره والجملة خبر بعد خبرٍ لهو او لله او حال او مستأنفة.
معنى الاحد
واحد يقال بمعنى الواحد سواء جعل مهموزاً فى الاصل او واويّاً ويوم من الايّام، ويقال للامر المتفاقم احدىّ الاحد، ويقال: فلان احد الاحدين وواحد الاحدين وواحد الاحاد واحدىّ الاحد لا مثل له، وقد يستعمل الاحد خاصّاً بالله والوجه انّ فى الاحد مبالغةً فى الوحدة والبالغ فى الوحدة ان لا يكون فيه شوب كثرةٍ بوجهٍ من الوجوه لا كثرة العدد ولا كثرة الاجزاء المقداريّة ولا كثرة الاجزاء الخارجيّة من المادّة والصّورة ولا كثرة الاجزاء العقليّة من الجنس والفصل او من المهيّة والوجود، وبهذا المعنى لا يوصف به الاّ الله، ولهذه المبالغة خصّص الاحد فى اصطلاحهم بمقام الغيب الّذى ليس فيه كثرة ولا لحاظ كثرةٍ وقالوا: الاحد اسم لمقام الغيب الّذى لا اسم له ولا رسم ولا صفة له ولا خبر عنه، والواحد اسم لمقام ظهوره تعالى بأسمائه وصفاته ففى مقام الواحديّة هو متكثّر بكثرة الاسماء والصّفات بحيث لا ينثلم وحدته بها، وفى مقام الاحديّة لا كثرة فيه لا فى الواقع ولا فى العقل ولا فى الاعتبار.
معنى الصّمد
والصّمد بالتّحريك السّيّد لانّ الصّمد بالسّكون بمعنى القصد والسّيّد من شأنه ان يقصد، والدّائم والرّفيع والمصمت الّذى لا جوف له، والرّجل الّذى لا يعطش ولا يجوع فى الحرب، خاطب الله سبحانه نبيّه (ص) فى مقام انسلاخه عن جميع الكثرات وجميع الاعتبارات بقوله: قل يا محمّد (ص) فى ذلك المقام مشيراً الى الذّات بدون اعتبار صفةٍ من الصّفات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
تفسير السّورة
هو، فانّ لفظ هو اسم له تعالى مجرّداً عن جميع الاعتبارات حتّى عن اعتبار التّعيّن، الله يعنى انّ الذّات المجرّدة عن اعتبار الصّفات عين الذّات المعتبرة باعتبار جميع الاسماء والصّفات لا مغايرة بينهما الاّ بالاعتبار، فانّ الله اسمٌ للذّات باعتبار جملة الصّفات ولذلك قيل: انّه امام الائمّة وقد مضى بيان لفظ الله فى اوّل الفاتحة، احد يعنى انّه فى عين استجماعه لجملة الصّفات منزّه عن جميع الكثرات لا يشوبه كثرة من كثرة الصّفات، الله الصّمد اى السّيّد المصمود الّذى يصمده كلّ موجودٍ وانتهى سؤدده ومصموديّته فانّه يستفاد الانتهاء فى ذلك من الحصر المستفاد من تعريف المسند، والدّائم الّذى لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، والمرتفع الّذى لا رفيع فوقه، والقائم بنفسه الغنىّ عن غيره، لم يلد بانفصال شيءٍ منه سواء كان المنفصل ولداً مماثلاً له او شيئاً غير مماثلٍ له فانّه لا مباين له حتّى يكون منفصلاً منه او غير منفصلٍ، ولم يولد ولم ينفصل هو من شيءٍ من الاشياء فانّه لا شيء غيره حتّى يكون هو منفصلاً منه ومبايناً له، ولم يكن له كفواً احد تقديم الظّرف لشرافته، وتقديم الخبر للاهتمام بنفى الكفاءة ولمراعاة رؤس الاى، وقد ورد فى بعض الاخبار ما يدلّ على اعتبار الحروف فى الاسماء، وما يدلّ على انّ دلالة الاسماء على المسمّيات ليست بمحض المواضعة بل يتعبر المناسبات الذّاتيّة بين الاسماء وحروفها وبين المسمّيات فانّه ورد عن الباقر (ع) انّه قال: قل اى اظهر ما اوحينا اليك ونبّأناك به لتأليف الحروف الّتى قرأناها لك ليهتدى بها من القى السّمع وهو شهيد، وهو اسم مكنّى مشار به الى غائب، فالهاء تنبيهٌ على معنىً ثابتٍ، والواو اشارةٌ الى الغائب عن الحواسّ كما انّ قولك هذا اشارة الى الشّاهد عند الحواسّ وذلك انّ الكفّار نبّهوا عن آلهتهم بحرف اشارة الشّاهد المدرك، فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فأشر انت يا محمّد (ص) الى الهك الّذى تدعو اليه حتّى نراه وندركه ولا نأَلَهَ فيه، فأنزل الله تبارك وتعالى: قل هو فالهاء تثبيت للثّابت، والواو اشارة الى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواسّ وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواسّ، قال (ع): الله معناه المعبود الّذي أله الخلق عن درك مائيّته والاحاطة بكيفيّته، ويقول العرب: أله الرّجل اذا تحيّر فى الّشيء فلم يحط به علماً، ووله اذا فزع الى شيء ممّا يحذره ويخافه، والاله هو المستور عن حواسّ الخلق، قال (ع): الاحد الفرد المتفرّد، والاحد والواحد بمعنًى واحدٍ وهو المتفرّد الّذى لا نظير له، والتّوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد، والواحد المتباين الّذى لا ينبعث من شيءٍ ولا يتّحد بشيءٍ ومن ثمّ قالوا: انّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لانّ العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله: الله احدٌ اى المعبود الّذى يأله الخلق عن ادراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعالٍ عن صفات خلقه، قال (ع): وحدّثنى ابى زين العابدين (ع) عن ابيه الحسين بن علىٍّ (ع) انّه قال: الصّمد الّذى لا جوف له والصّمد الّذى قد انتهى سؤدده، والصّمد الّذى لا يأكل ولا يشرب، والصّمد الّذى لا ينام، والصّمد الدّائم الّذى لم يزل ولا يزال، قال (ع): كان محمّد بن الحنفيّة يقول: الصّمد القائم بنفسه والغنىّ عن غيره، وقال غيره: الصّمد المتعالى عن الكون والفساد، والصّمد الّذى لا يوصف بالتّغاير قال (ع): الصّمد السّيّد المطاع الّذى ليس فوقه آمرٌ ولا ناهٍ، قال (ع): وسئل علىّ بن الحسين (ع) عن الصّمد فقال: الصّمد الّذى لا شريك له ولا يؤده حفظ شيءٍ ولا يعزب عنه شيءٌ، وروى عن زيد بن علىّ (ع) انّه قال: الصّمد الّذى اذا اراد شيئاً قال له: كن فيكون، والصّمد الّذى ابدع الاشياء فخلقها اضداداً واشكالاً وازواجاً، وتفرّد بالوحدة بلا ضدٍّ ولا شكلٍ ولا مثلٍ ولا ندٍّ، وعن الصّادق (ع) عن ابيه (ع) انّ اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علىٍّ (ع) يسألونه عن الصّمد فقال: كتب اليهم بسم الله الرّحمن الرّحيم امّا بعد فلا تخوضوا فى القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علمٍ فقد سمعت جدّى رسول الله (ص) يقول: من قال فى القرآن بغير علمٍ فليتبوّء مقعده من النّار، وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال الله: قل هو الله احد الله الصّمد ثمّ فسّره فقال: لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد، لم يلد يخرج منه شيءٌ كثيفٌ كالولد وسائر الاشياء الكثيفة الّتى تخرج من المخلوقين، ولا شيءٌ لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والضّحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّأمة والجوع والشّبع، تعالى عن ان يخرج منه شيءٌ وان يتولّد منه شيءٌ كثيف او لطيف، ولم يولد ولم يتولّد من شيءٍ ولم يخرج من شيءٍ كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشّيء من الشّيء والدّابّة من الدّابّة والنّبات من الارض والماء من الينابيع والثّمار من الاشجار، ولا كما يخرج الاشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسّمع من الاذن، والشّمّ من الانف، والذّوق من الفم، والكلام من اللّسان، والمعرفة والتّميز من القلب، وكالنّار من الحجر، لا بل هو الله الصّمد الّذى لا من شيء ولا فى شيءٍ ولا على شيءٍ مبدء الاشياء وخالقها، ومنشئ الاشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصّمد الّذى لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشّهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفواً احد، وعن الصّادق (ع) انّه قدم وفدٌ من فلسطين على الباقر (ع) فسألوه من مسائل، فأجابهم، ثمّ سألوه عن الصّمد فقال: تفسيره فيه، الصّمد خمسة احرف، فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزّ وجلّ:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }** [آل عمران:18] وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواسّ، واللاّم دليل على الهيّته بانّه هو الله، والالف واللاّم مدغمان ولا يظهران على اللّسان ولا يقعان فى السّمع ويظهران فى الكتابة دليلان على انّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا تقع فى لسان واصفٍ ولا اذن سامعٍ لانّ تفسير الاله هو الّذى أله الخلق عن درك مائيّته وكيفيّته بحسٍّ او بوهمٍ لا بل هو مبدع الاوهام وخالق الحواسّ وانّما يظهر ذلك عند الكتابة فهو دليل على انّ الله تعالى اظهر ربوبيّته فى ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللّطيفة فى اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما انّ لام الصّمد لا يتبيّن ولا يدخل فى حاسّةٍ من حواسّه الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفى ولطف، فمتى تفكّر العبد فى مائيّة البارى وكيفيّته أله فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشيءٍ يتصوّر له لانّه عزّ وجلّ خالق الصّور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انّه عزّ وجلّ خالقهم ومركّب ارواحهم فى اجسادهم، وامّا الصّاد فدليل على انّه عزّ وجلّ صادق، وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده الى اتّباعه الصّدق بالصّدق، ووعد بالصّدق دار الصّدق، وامّا الميم فدليل على ملكه وانّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزول ملكه، وامّا الدّال فدليل على دوام ملكه وانّه عزّ وجلّ دائم تعالى عن الكون والزّوال بل هو عزّ وجلّ مكوّن الكائنات الّذى كان بتكوينه كلّ كائنٍ ثمّ قال (ع): لو وجدت لعلمى الّذى اتانى الله عزّ وجلّ حمله لنشرت التّوحيد والاسلام والايمان والدّين والشّرائع من الصّمد وكيف لى بذلك ولم يجد جدّى امير المؤمنين (ع) حملةً لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر: سلونى قبل ان تفقدونى، فانّ بين الجوانح منّى علماً جمّاً هاه هاه الا لا اجد من يحمله الا وانىّ عليكم من الله الحجّة البالغة**{ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ }** [الممتحنة:13]، وعن الصّادق (ع) انّه سأل سائل عن التّوحيد فقال: انّ الله عزّ وجلّ علم انّه يكون فى آخر الزّمان اقوام متعمّقون فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والآيات من سورة الحديد الى قوله:**{ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }** [الحديد:6] فمن رام وراء ذلك فقد هلك، والمراد بالآيات من سورة الحديد آيات اوّلها الى قوله
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }** [الملك: 13] فانّ الله تعالى ادرج فيها دقائق التّوحيد الّذى لا يصل اليها ادراك المتعمّقين فى التّوحيد فكيف بغيرهم!. وسئل الرّضا (ع) عن التّوحيد فقال: كلّ من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التّوحيد، قيل: كيف يقرؤها؟ - قال: كما يقرؤها النّاس وزاد فيها كذلك الله ربّى مرّتين، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده تعالى واضافاته وكان القارى كأنّه يقرأ بلسان الله ويأمر بلسان الله نفسه بالتّوحيد وبكيفيّة اضافاته ورد عنهم بعد تمامه: كذلك الله ربّى، مرّتين، اشارة الى امتثال امره واقراراً بتوحيده واضافاته، ولمّا كان السّورة مشتملة على توحيده واضافاته وسَلوبه روى عن الفضيل بن يسار، انّ ابا جعفر امرنى ان اقرأ قل هو الله احد واقول اذا فرغت منها: كذلك الله ربّى، ثلاثاً، اشارة الى الامتثال بالاقرار بالتّوحيد واضافاته وسلوبه، ولمّا كان العلوم ثلاثة بمضمون ما ورد عن النّبىّ (ص) من قوله: **" انّما العلم ثلاثة؛ آية محكمة، او فريضة عادلة، او سنّة قائمة "** ، وتمام القرآن لبيان هذه الثّلاثة، وهذه السّورة مشتملة بايجازها على تمام الآيات المحكمات ورد عنهم: انّ من قرأها كان كمن قرء ثلث القرآن، والوجه الآخر فى ذلك انّ السّالك الى الله لا يحصل له السّلوك الاّ بالجذب والانسلاخ من الكثرات وبالتّوجّه الى الكثرات، والتّوجّه الى الكثرات امّا لمرمّة المعاش او تزوّد المعاد، وتمام القرآن لبيان كيفيّة هذه الثّلاثة والسّورة المباركة فى مقام الجذب والانسلاخ، والوجه الآخر انّ القرآن لاثبات الرّبّ وتوحيده واثبات الخلق وتكثيرهم، واثبات الوسائط بين الرّبّ والخلق، والوجه الآخر انّ القرآن لبيان اضافة الحقّ الى الخلق واضافة الخلق الى الرّبّ وبيان الوسائط بين الاضافتين، ولمّا لم يكن يتمّ سلوك السّالك الاّ بطروّ حال الجذب والانسلاخ عليه فانّه لو لم يكن للسّالك حرارة الجذب جملةً ولم يتحرَك الى الله ورد عن الصّادق (ع): من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرء فيه بقل هو الله احد قيل له: يا عبد الله لست من المصلّين، وليس المراد بقراءة قل هو الله لقلقة اللّسان فقط فانّها ربّما تصير وبالاً على القارى، بل المراد توفيق الحال للقال حتّى ذاق القارى ووجد فى وجوده انموذج الانسلاخ ولهذا الوجه ورد عنه (ع): من مضت له جمعة ولم يقرء بقل هو الله احد ثمّ مات مات على دين ابى لهبٍ لانّ ابا لهب كان فارغاً من حرارة الجذب الفطرىّ، وقد ورد فى حقّ هذه السّورة فضائل كثيرة عنهم (ع) ولفضلها لا يجوز العدول عنها فى الفريضة الى غيرها اذا شرع المصلّى فيها، واذا صلّى ولم يقرء فى صلاته بقل هو الله احد كان صلاته ناقصة كما فى الاخبار، وقد روى عن النّبىّ (ص) انّه قال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" من قرأ قل هو الله احد مرّةً بورك عليه، فان قرأها مرّتين بورك عليه وعلى اهله، فان قرأها ثلاث مرّاتٍ بورك عليه وعلى اهله وعلى جميع جيرانه، فان قرأها اثنتى عشرة مرّة بنى له اثنا عشر قصراً فى الجنّة؛ فتقول الحفظة: انطلقوا بنا ننظر الى قصر اخينا! فان قرأها مأة مرّة كفّر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ما خلا الدّماء والاموال، فان قرأها اربعماة كفّر عنه ذنوب اربعمائة سنة، فان قرأها الف مرّةٍ لم يمت حتّى يرى مكانه من الجنّة او يَرى له "** ، والاخبار فى انّها تعدل ثلث القرآن وانّ من قرأها ثلاث مرّات كان كمن قرأ القرآن كلّه كثيرة، وروى انّه جاء رجل الى النّبىّ (ص) فشكى اليه الفقر وضيق المعاش فقال له رسول الله (ص): **" اذا دخلت بيتك فسلّم ان كان فيه احدٌ وان لم يكن فيه احدٌ فسلّم واقرأ قل هو الله احد مرّةً واحدةً "** ، ففعل الرّجل فافاض الله عليه رزقاً حتّى افاض على جيرانه، وعن الصّادق (ع) انّه قال: من اصابه مرض او شدّة فلم يقرأ فى مرضه او شدّته بقل هو الله احد ثمّ مات فى مرضه وفى تلك الشّدّة الّتى نزلت به فهو من اهل النّار، وسبب ذلك انّ هذا المبتلى لو كان بقى فطرته الّتى بها ينجذب الى عالم الآخرة والى الله يصير مرضه وشدّته لا محالة سبباً لانسلاخه وتوجّهه الى الله، وهذا الانسلاخ هو قراءة قل هو الله قرأ او لم يقرء، واذا لم ينسلخ علم انّه لم يبق فيه الفطرة فكان من اهل النّار لانّ من لم يبق فيه فطرة الانسانيّة كان مرتدّاً فطريّاً غير مقبول التّوبة، وعنه (ع) انّه قال: من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع ان يقرأ فى دَبْر الفريضة بقل هو الله احدٌ فانّه من قرأها جمع له خير الدّنيا والآخرة وغفر الله له ولوالديه وما ولد، او وجهه يستنبط ممّا ذكرنا، فانّ الفريضة عبارة عن التّوجّه الى الله والى الآخرة، فاذا كان من صلّى الفريضة كما هو مأمور بها لا بدّ وان تنتهى به الى حالة الانسلاخ والدّخول فى دار القلب الّتى هى دار التّوحيد وفى ذلك الانسلاخ وهذا الدّخول خير الدّنيا والآخرة وغفران الذّنوب له ولمن اتّصل به؛ فجاهدوا اخوانى حتّى يكون صلاتنا باعثة لانسلاخنا من انفسنا واهويتها ومورثة لدخولنا فى دار القلب او توجّهنا اليها، ولا نكون ممّن يصلّى والصّلاة تلعنه، وعن ابى الحسن (ع) انّه يقول: من قدّم قل هو الله احد بينه وبين كلّ جبّارٍ منعه الله منه، يقرأها بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاذا فعل ذلك رزقه الله خيره ومنعه شرّه، وسرّ ذلك ما ذكرنا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) | قال [حدثنا] أبو القاسم قال: حدثنا فرات قال: حدثنا إبراهيم بن بنان قال: حدثنا أحمد بن زفر العنبري قال: حدثنا علي بن عبد المجيد [ب: الحميد] المفسر الواسطي قال: حدثنا حمزة بن بهرام عن حماد عن مقاتل عن الضحاك بن مزاحم.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن قريشاً سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم جبير بن مطعم وأبو جهل بن هشام ورؤوساً [خ ل: ورؤساء] من قريش: يا محمد أخبرنا عن ربك من أي شيءٍ هو؟ من خشب أم من نحاس أم من حديد؟!
وقالت اليهود: إنه قد أنزل نعته في التوراة فأخبرنا عنه؟ فأنزل الله [تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. ر] { قل هو الله أحد الله الصمد } يعني الصمد الذي لا جوف له. وقال بعضهم: الصمد السيد الذي يسند إليه الأشياء { لم يلد ولم يولد } قال: وذلك أنّ المشركين قالوا: الملائكة بنات الله وقالت اليهود: عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله فأنزل الله { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } [يعني. ر. ب: أي] لا مثل له في الالهية ولا ضدّ له ولا ند له ولا شبه له ولا شريك له لا إله إلا الله.
قال أبو جعفر! عليه السلام: هي مكية كلها نزلت [ر: فنزلت. ب: فنزل].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | السبب في نزول السورة قيل: ان المشركين قالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنسب لنا ربك فنزلت هذه السورة، وعن سعيد بن جبير ان رهطاً من اليهود قالوا: يا محمد هذا الله خلق المخلوقين فمن خلقه؟ فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى تغير خلقه فجاءه جبريل فسكته وجاءه بالجواب: قل هو الله أحد، وذكر القاضي: **" روي أن عبد الله بن سلام انطلق الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو بمكة فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): " ما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقال انعت لنا ربك، فجاءه جبريل بهذه السورة فقرأها عليه فكان سبب اسلامه لكنه كتمه فلما هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أظهر اسلامه ".** يعني { قل } يا محمد { هو الله احد } قيل: واحد في الالهيَّة والقدم، وقيل: واحد لا نظير له، وقيل: واحد في صفاته، قديم، باقي، قادر، عالم، حي، لم يزل، ولا يزول، وقيل: واحد في استحقاق العبادة لا تحق لأحد سواه { الله الصمد } السيد المعظم قال الأكثر: الباقي، وقال أسد بن عمرو وابن مسعود بالسيد الصمد وأصله المقصود صمدت اليه أصمد أي قصدت، وقيل: الذي يقصد اليه في الحوائج والمستغاث به عند المصائب، وقيل: الذي لا ينام، وقيل: الذي لا يكافيه أحد من خلقه، وقيل: الذي لا يوصف بصفته أحد، وقيل: المستغني عن كل أحد والمحتاج اليه كل أحد، وقيل: الغالب الذي لا يغلب، وقيل: الذي لا تدركه الأبصار، وقيل: الذي يقضي الحوائج سئِل أم لم يُسأل { لم يلد ولم يولد } أي ليس بصفة الجسميَّة حتى يلد ويولد ردٌ على النصارى واليهود وغيرهم، قيل: لم يلد فيكون بصفة الوالدات ولم يولد فيكون بصفة الأولاد { ولم يكن له كفواً أحد } أي لا مثل له، وقيل: لا صاحبة له، ويدل قوله: { لم يلد ولم يولد } أي ليس بجسم ولا يشبه الأجسام، ويدل قوله: { لم يكن له كفواً أحد } أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض وانه ليس بمتحيز ولا في مكان ولا في جهة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة الإِخلاص، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } أي: الواحد قال بعضهم: كان عبد الله بن مسعود يقرأها: قل هو الله الواحد.
قال: { اللهُ الصَّمَدُ } أي: الباقي. وتفسير بعضهم: الصمد: الذي قد انتهى في الشرف والسؤدد. وتفسير الكلبي: الذي لا يأكل ولا يشرب.
قال تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي: ولم يكن أحد كفؤاً له. وتفسير الكلبي: إن المشركين قالوا للنبي عليه السلام، وقال بعضهم: إنهم اليهود قالوا له: انسب لنا ربك وصفه لنا، فأنزل الله تعالى هذه السورة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) | { وَلَمْ } مثلها في لم يلد \* { يَكُنْ لَهُ كُفْؤا أَحَدْ } لم يكن أحد نظيرا له ومماثلا رد على الشبهة وله متعلق بكفؤا أو حال له أو حال لضميره وقدم لأنه المقصود الأهم بالنفي وقدم كفؤا وهو خبر عن أحد وهو اسم المفاصلية ولأن نفي الكفؤ أهم من نفي أحد ويجوز كون كفؤا حالا من أحد أو من ضمير الاستقرار وله خبر الكون ولعل ربط الجمل الثلاث بالعطف لأن المراد منها نفي أقسام الأمثال فهي كجملة واحدة مبنية عليها بالجمل وقرأ حمزة ويعقوب ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء وقرأ حفص بضم الفاء وقلب الهمزة واوا وتقدم بعض فضائل السورة وعنه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل **" كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه أياي فقوله لن يعبدني كما بداني وليس أول الخلق أهون علي من إعادته وإما شتمه أياي فقوله " اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد " "** ، وعنه صلى الله عليه وسلم **" اسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو أحد "** أي ما خلقت إلا دلائل على توحيد الله ومعرفة صفاته التي نطقت بها هذه السورة وسميت سورة الأساس لذلك أو لإشتمالها على أصول الدين ونزل بها جبريل ومعه سبعون ألف ملك وقال له يوما أشهد جنازة معاوية بن معاوية فخرج صلى الله عليه وسلم ووضع جبريل جناحه على الجبال فتواضعت حتى نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وصلى على معاوية هو والملائكة ثم قال يا جبريل بماذا بلغ معاوية هذه الفضيلة قال بقرائته قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وكان صلى الله عليه وسلم يقرأها كثيرا مع المعوذتين وينفث على يديه يمسح بهما على جسده ويأمر بذلك ومن واظب على قرائتها نال كل خير وكفى كل شر في الدنيا والآخرة ومن قرأها وهو جائع شبع أو ظمآن روي وسبب مسح الوجه باليد عند قارءها أن جبريل عليه السلام حين قرأها على النبي صلى الله عليه وسلم خرج من فيه نور يتلألأ ومسح به وجهه وأمر له صلى الله عليه وسلم تبركا وتكريرها ثلاثا ليحصل القارئها القرآن كاملا، قيل ومن اتخذ قوله الصمد ذكرا أغناه الله عن الأكل والشرب ومن كتب السورة في جلد أرنب وحمله لا يقربه شيء أبدا ما يضره من إنس أو جن أو أوهام وشكى رجل الفقر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له **" إذا دخلت منزلك فاقرأ سورة الإخلاص "** ففعل الرجل ذلك فوسع عليه. اللّهم يا رب ببركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبركة السورة أخز النصارى وأهنهم واكسر شوكتهم وغلب المسلمين والموحدين عليهم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) | له متعلق بيكن أو بمحذوف حال من كفوا وكفوا خبر مقدم وأحد اسم يكن وآخر أحد للفاصلة ولأن االمقصود بالذات نفى المكافأة عن الله تعالى ولذلك قدم له عن كفوا إذا قلنا إنه حال من كفوا لأن المقصود بالذات النفى عن ذاته تعالى والذى اختاره جواز التعليق بكان وأن لها دلالة على الحدث وإن وقف القارىء على يكن واستأنف له كفواً أحد كان لفظه إشراكاً مرتين مرة بقوله لم يكن فإنه نفى لوجوده تعالى ومرة بقوله له كفواً أحد لأنه إثبات الكفولة تعالى والكفو المماثل المساوى وكان العطف فى الجملتين على التى قبلهما لأن الثلاث لمعنى واحد وهو نفى المماثلة والمناسبة عن الله تعالى بوجه ما نفى ما تضمنته أقسامها أن المماثل إما ولد أو والد أو نظير غيرهما فلتغاير الأقسام واجتماعها فى المقسوم ولزم العطف بالواو وقوله الله أحد الله الصمد بيان للذات الواجب ما هو وقوله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد بيان أنه ليس له ما يساويه من نوعه أو جنسه تعالى عن النوعية والجنسية لا بأن يكون مولدا ولا بأن يكون متولداً عنه ولا بأن يكون مقابلاً فى الوجود سبحانه لا إله إلاَّ هو الملك الحى القيوم ذو الجلال والإكرام قال الله جل وعلا **" كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأَما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأَهون عليَّ من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ".** وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) | أي لم يكافئه أحد ولم يماثله ولم يشاكله من صاحبة وغيرها. وقيل هو نفي للكفاءة المعتبرة بين الأزواج وهو كما ترى. و { لَهُ } صلة { كُفُواً } على ما ذهب إليه المبرد وغيره والأصل أن يؤخر إلا أنه قدم للاهتمام لأن المقصود نفي المكافاة عن ذاته عز وجل وللاهتمام أيضاً قدم الخبر مع ما فيه من رعاية الفواصل، قيل له إن الظرف هنا وإن لم يكن خيراً مبطل سقوطه معنى الكلام لأنك لو قلت لم يكن كفواً أحد لم يكن له معنى فلما احتيج إليه صار بمنزلة الخبر فحسن ذلك. وقال أبو حيان كلام سيبويه في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً وهو الظرف التام وما هنا ليس كذلك. وقال ابن الحاجب قدم الظرف للفواصل ورعايتها ولم يقدم على { أَحَدٌ } لئلا يفصل بين المبتدا وخبره وفيه نظر ظاهر وجوز أن يكون الظرف حالاً من { أَحَدٌ } قدم عليه رعاية للفاصلة ولئلا يلتبس بالصفة أو الصلة وأن يكون خبراً ليكن ويكون { كُفُواً } حالاً من { أَحَدٌ } قدم عليه لكونه نكرة أو حالاً من الضمير في الظرف الواقع خبراً وهذا الوجه نقله أبو علي في «الحجة» عن بعض النحاة ورد بأنه كما سمعت آنفاً عن أبـي حيان ظرف ناقص لا يصح أن يكون خبراً فإن قدر له متعلق خاص وهو مماثل ونحوه مما تتم به الفائدة يكون { كُفُواً } زائداً ولعل وقوع الجمل الثلاث متعاطفة دون ماعداها من هذه السورة لأنها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفي المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه وما تضمنته أقسامها لأن المماثل إما ولد أو والد أو نظير غيرهما فلتغاير الأقسام واجتماعها في المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضى قواعد المعاني.
وفي { كفواً } لغات ضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء وضم الكاف مع ضم الفاء. وقرأ حمزة ويعقوب ونافع في رواية { كفؤاً } بالهمز والتخفيف وحفص بالحركة وإبدال الهمزة واواً وباقي السبعة بالحركة مهموزاً وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع في رواية وفي أخرى عنه (كفى) من غير همز نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس (كفاء) بكسر الكاف وفتح الفاء والمد كما في قول النابغة:
| **لا تقذفني بركن لا كفاء له** | | |
| --- | --- | --- |
أي لا مثل له كما قال الأعلم.
وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطريها على أشتات المعارف الإلٰهية والعقائد الإسلامية ولذا جاء فيها ما جاء من الأخبار وورد ما ورد من الآثار. ودل على تحقيق معنى الآلٰهة بالصمدية التي معناها وجوب الوجود أو المبدئية لوجود كل ما عداه من الموجودات ثم عقب ذلك ببيان أنه لا يتولد عنه غيره لأنه غير متولد عن غيره وبين أنه تعالى وإن كان إلهاً لجميع الموجودات فياضاً للوجود عليها / فلا يجوز أن يفيض الوجود على مثله كما لم يكن وجوده من غيره ثم عقب ذلك ببيان أنه ليس في الوجود ما يساويه في قوة الوجود فمن أول السورة إلى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ ٱلصَّمَدُ }** [الإخلاص: 2] في بيان ماهيته تعالى ولوازم ماهيته ووحدة حقيقته وأنه غير مركب أصلاً ومن قوله تعالى { لَمْ يَلِدْ } إلى { أَحَدٌ } في بيان أنه ليس ما يساويه من نوعه ولا من جنسه لا بأن يكون سبحانه متولداً ولا بأن يكون متولداً عنه ولا بأن يكون موازي في الوجود وبهذا المبلغ يحصل تمام معرفة ذاته عز وجل انتهى.
وأشار فيه إلى أن { وَلَمْ يُولَدْ } كالتعليل لما قبله وكأن قد قال قبل إن كل ما كان مادياً أو كان له علاقة بالمادة يكون متولداً عن غيره فيصير تقدير الكلام لم يلد لأنه لم يتولد والإشارة إلى دليله بهو أول السورة فإنه لما لم يكن له ماهية واعتبار سوى أنه هو لذاته وجب أن لا يكون متولداً عن غيره إلا لكانت هويته مستفادة عن غيره فلا يكون هو لذاته. وظاهر العطف يقتضي عدم اعتبار ما أشار إليه من العلية وقد علمت فيما سبق وجه ذكره وجعل بعضهم العطف فيه قريباً من عطف**{ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ }** [الأعراف: 34] على**{ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ }** [الأعراف: 34] وأشار بعض السلف إلى أن ذكر ذلك لأنه جاء في سبب النزول أنهم سألوا النبـي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه من أي شيء هو أمن كذا أم من كذا وممن ورث الدنيا ولمن يورثها.
وقال الإمام إن { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ثلاثة ألفاظ وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الأول مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين إلى الله تعالى وهؤلاء نظروا بعيون عقولهم إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي فما رأوا موجوداً سوى الحق لأنه الذي يجب وجوده لذاته وما عداه ممكن لذاته فهو من حيث ذاته ليس فقالوا { هُوَ } إشارة إلى الحق إذ ليس هناك في نظرهم موجود يرجع إليه سواه عز وجل ليحتاج إلى التمييز والمقام الثاني لأصحاب اليمين وهؤلاء شاهدوا الحق سبحانه موجوداً وكذا شاهدوا الخلق فحصلت كثرة في الموجودات في نظرهم فلم يكن { هُوَ } كافياً في الإشارة إلى الحق بل لا بد من مميز فاحتاجوا إلى أن يقرنوا لفظة { ٱللَّهُ } بلفظ فقيل لأجلهم { هُوَ ٱللَّهُ } والمقام الثالث مقام أصحاب الشمال الذين يجوزون أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد والإلٰه كذلك فجيء بأحد رداً عليهم وإبطالاً لمقالتهم انتهى.
وبعض الصوفية عد لفظة { هُوَ } من عداد الأسماء الحسنى بل قال إن هاء الغيبة هي اسمه تعالى الحقيقي لدلالته على الهوية المطلقة مع كونه من ضروريات التنفس الذي به بقاء حياة النفس وإشعار رسمه بالإحاطة ومرتبته من العدد إلى دوامه وعدم فنائه. ونقل الدواني عن الإمام أنه قال علمني بعض المشايخ يا هو يا من هو يا من لا إلٰه إلا هو وعلى ذلك اعتقاد أكثر المشايخ اليوم ولم يرد ذلك في الأخبار المقبولة عند المحدثين والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) | في معنى التذييل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها لأن تلك الصفات المتقدمة صريحَها وكنايتها وضمنيَّها لا يشبهه فيها غيره، مع إفادة هذه انتفاء شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال كما قال تعالى**{ إن الذين تَدعُون من دون اللَّه لن يَخلُقوا ذُبَاباً ولو اجتمعوا له }** الحج 73. والواو في قوله { ولم يكن له كفؤاً } اعتراضية، وهي واو الحال، كالواو في قوله تعالى**{ وهل يُجازى إلا الكفور }** سبأ 17 فإنها تذييل لجملة**{ ذلك جَزَيْنَاهم بما كفروا }** سبأ 17، ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة فيكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث وتكون استفادة معنى التذييل تبعاً للمعنى، والنكت لا تتزاحم. والكُفُؤ بضم الكاف وضم الفاء وهمزة في آخره. وبه قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر، إلا أن الثلاثة الأولين حَققوا الهمزة وأبو جعفر سهَّلها ويقال «كُفْء» بضم الكاف وسكون الفاء وبالهمز، وبه قرأ حمزة ويعقوب، ويقال { كفواً } بالواو عوض الهمز، وبه قرأ حفص عن عاصم وهي لغات ثلاث فصيحة. ومعناه المساوي والمماثل في الصفات. و { أحد } هنا بمعنى إنسان أو موجود، وهو من الأسماء النكرات الملازمة للوقوع في حيّز النفي. وحصل بهذا جناس تام مع قوله { قل هو الله أحد }. وتقديم خبر كان على اسمها للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بذكر الكُفؤ عقب الفعل المنفي ليكون أسبق إلى السمع. وتقديم المجرور بقوله { له } على متعلَّقه وهو { كفؤاً } للاهتمام باستحقاق الله نفي كفاءة أحد له، فكان هذا الاهتمام مرجحاً تقديم المجرور على متعلَّقه وإن كان الأصل تأخير المتعلَّق إذا كان ظرفاً لغواً. وتأخيره عند سيبويه أحسن ما لم يقتض التقديمَ مقتضٍ كما أشار إليه في «الكشاف». وقد وردت في فضل هذه السورة أخبار صحيحة وحسنة استوفاها المفسرون. وثبت في الحديث الصحيح في «الموطأ» و«الصحيحين» من طرق عدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال **" { قل هو اللَّه أحد } تعدل ثلث القرآن "** واختلفت التأويلات التي تأول بها أصحاب معاني الآثار لهذا الحديث ويجمعها أربعة تأويلات الأول أنها تعدل ثلث القرآن في ثواب القراءة، أي تعدل ثلث القرآن إذا قُرىء بدونها حتى لو كررها القارىء ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القرآن كله. الثاني أنها تعدل ثلث القرآن إذا قرأها من لا يحسن غيرها من سورة القرآن. الثالث أنها تعدل ثلث معاني القرآن باعتبار أجناس المعاني لأنّ معاني القرآن أحكام وأخبار وتوحيد، وقد انفردت هذه السورة بجمعها أصول العقيدة الإِسلامية ما لم يجمعه غيرها. وأقول إن ذلك كان قبل نزول آيات مثلها مثل آية الكرسي، أو لأنه لا توجد سورة واحدة جامعة لما في سورة الإخلاص.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
التأويل الرابع أنها تعدل ثلث القرآن في الثواب مثل التأويل الأول ولكن لا يكون تكريرها ثلاث مرات بمنزلة قراءة ختمة كاملة. قال ابن رشد في «البيان والتحصيل» أجمع العلماء على أن من قرأ { قل هو اللَّه أحد } ثلاثَ مرات لا يساوي في الأجر من أحَيَا بالقرآن كله اهــــ. فيكون هذا التأويل قيداً للتأويل الأول، ولكن في حكايته الإِجماع على أن ذلك هو المراد نظر، فإن في بعض الأحاديث ما هو صريح في أن تكريرها ثلاث مرات يعدل قراءة ختمة كاملة. قال ابن رشد واختلافهم في تأويل الحديث لا يرتفع بشيء منه عن الحديث الإِشكال ولا يتخلص عن أن يكون فيه اعتراض. وقال أبو عمر بن عبد البر السكوت على هذه المسألة أفضل من الكلام فيها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) | وقالوا: كفؤا وكفواً وكفاء، بمعنى واحد، وهو المثل.
وقد تعددت أقوال المفسرين في معنى الآية، وكلها تدور على معنى نفي المماثلة.
فعن كعب وعطاء: لم يكن له مثل ولا عديل.
وروى ابن جرير عن ابن عباس: أنه بمعنى ليس كمثله شيء.
وعن مجاهد: أي لا صاحبة له.
وقد جاء نفي الكفء والمثل والند والعدل، فالكفء في هذه السورة والمثل في قوله:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11]، وقوله:**{ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ }** [النحل: 74].
والند في قوله:**{ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }** [البقرة: 22].
والعدل في قوله:**{ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }** [الأنعام: 1].
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عند آية الأنعام بيان لذلك، أي يساوونه بغيره من العدل بكسر أوله، وهو أحد شقي حمل البعير على أحد التفسيرين، والآخر من العدول عنه إلى غيره.
وفي هذه السورة مبحثان يوردهما المفسرون. أحدهما: أسباب نزولها، والآخر: ما جاء في فضلها، ولم يكن من موضوع هذا الكتاب تتبع ذلك، إلا ما كان له دوافع تتعلق بالمعنى.
أما ما جاء في فضلها، فقد قال أبو حيان في تفسيره: لقد أكثر المفسرون إيراد الآثار في ذلك، وليس هذا محلها، وهو كما قال، فقد أوردها ابن كثير والفخر الرازي والقرطبي وابن حجر في الإصابة في ترجمة معاذ بن جبل وغيرهم، وليس هذا محل إيرادها، اللهم إلا ما جاء في الصحيح: أن تلاوتها تعدل ثلث القرآن لتعلق موضوعها بالتوحيد.
أما المبحث الآخر وهو سبب نزولها، فقيل فيه. إن المشركين طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن ينسب لهم ربه، فنزلت.
وقوله فيها { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، رد على إثبات النسب له سبحانه وتعالى.
وقد جاء مثل هذا المعنى حينما سأل فرعون موسى عن ربه، فقال له:**{ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }** [الشعراء: 23].
فجاء جوابه:**{ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }** [الشعراء: 24-27].
وكنت سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، أن موجب قول فرعون عن موسى لمجنون، لأنه سأله بما في قوله:**{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }** [الشعراء: 23]، وما يسأل بها عن شرح الماهية فكان مقتضى السؤال بها أن يبين ماهية الرب سبحانه وتعالى، من أي شيء هو، كما يقال في جواب: ما الإنسان إنه حيوان ناطق.
ولكن موسى عليه السلام أعرض عن سؤال فرعون لجهله عن حقيقة الله تعالى أو لتجاهله، كما في قوله تعالى:**{ وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ }** [النمل: 14]، وأجابه عما يخصه ويلزمه الاعتراف به من أنه سبحانه رب السماوات والأرض وما بينهما، لا ربوبية فرعون الكاذبة.
ومثل ذلك في القرآن، لما سألوا عن الأهلة، ما بالها تبدو صغيرة، ثم تكبر؟ فهو سؤال عن حقيقة تغيرها، فترك القرآن جوابهم على سؤالهم وأجابهم بما يلزمهم وينفعهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وكذلك جواب الخليل عليه السلام للنمرود حينما حاجَّه في ربه**{ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ }** [البقرة: 258].
فذكره سبحانه بصفاته، وفي هذه السورة لما سألوا عن حقيقة الله ونسبه جاء الجواب بصفاته، لأن ما يسألون عنه إنما يكون في المخلوقات لا في الخالق سبحانه، وفي الممكن لا في الواجب الوجود لذاته، سبحان من لا يدرك كنهه غيره، وصدق الله العظيم في قوله:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** [الشورى: 11]،**{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }** [طه: 110].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) | بيان السورة تصفه تعالى بأحدية الذات ورجوع ما سواه إليه في جميع حوائجه الوجودية من دون أن يشاركه شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو التوحيد القرآني الذي يختص به القرآن الكريم ويبني عليه جميع المعارف الإِسلامية. وقد تكاثرت الأخبار في فضل السورة حتى ورد من طرق الفريقين أنها تعدل ثلث القرآن كما سيجيء إن شاء الله. والسورة تحتمل المكية والمدنية، والظاهر من بعض ما ورد في سبب نزولها أنها مكية. قوله تعالى { قل هو الله أحد } هو ضمير الشأن والقصة يفيد الاهتمام بمضمون الجملة التالية له، والحق أن لفظ الجلالة علم بالغلبة له تعالى بالعربية كما أن له في غيرها من اللغات اسماً خاصاً به، وقد تقدم بعض الكلام فيه في تفسير سورة الفاتحة. وأحد وصف مأخوذ من الوحدة كالواحد غير أن الأحد إنما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجاً ولا ذهناً ولذلك لا يقبل العد ولا يدخل في العدد بخلاف الواحد فإن كل واحد له ثانياً وثالثاً إما خارجاً وإما ذهناً بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيراً، وأما الأحد فكل ما فرض له ثانياً كان هو هو لم يزد عليه شيء. واعتبر ذلك في قولك ما جاءني من القوم أحد فإنك تنفي به مجيء اثنين منهم وأكثر كما تنفي مجيء واحد منهم بخلاف ما لو قلت ما جاءني واحد منهم فإنك إنما تنفي به مجيء واحد منهم بالعدد ولا ينافيه مجيء اثنين منهم أو أكثر، ولإِفادته هذا المعنى لا يستعمل في الإِيجاب مطلقاً إلا فيه تعالى ومن لطيف البيان في هذا الباب قول علي عليه أفضل السلام في بعض خطبه في توحيده تعالى كل مسمى بالوحدة غيره قليل، وقد أوردنا طرفاً من كلامه عليه السلام في التوحيد في ذيل البحث عن توحيد القرآن في الجزء السادس من الكتاب. قوله تعالى { الله الصمد } الأصل في معنى الصمد القصد أو القصد مع الاعتماد يقال صمده يصمده صمداً من باب نصر أي قصده أو قصده معتمداً عليه، وقد فسروا الصمد - وهو صفة - بمعاني متعددة مرجع أكثرها إلى أنه السيد المصمود إليه أي المقصود في الحوائج، وإذا اطلق في الآية ولم يقيد بقيد فهو المقصود في الحوائج على الإِطلاق. وإذا كان الله تعالى هو الموجد لكل ذي وجود مما سواه يحتاج إليه فيقصده كل ما صدق عليه إنه شيء غيره، في ذاته وصفاته وآثاره قال تعالى**{ ألا له الخلق والأمر }** الأعراف 54 وقال واطلق**{ وأن إلى ربك المنتهى }** النجم 42 فهو الصمد في كل حاجة في الوجود لا يقصد شيئاً إلا وهو الذي ينتهي إليه قصده وينجح به طلبته ويقضي به حاجته.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ومن هنا يظهر وجه دخول اللام في الصمد وانه لإِفادة الحصر فهو تعالى وحده الصمد على الإِطلاق، وهذا بخلاف احد في قوله { الله أحد } فإن أحداً بما يفيده من معنى الوحدة الخاصة لا يطلق في الإِثبات على غيره تعالى فلا حاجة فيه إلى عهد أو حصر. وأما إظهار اسم الجلالة ثانياً حيث قيل { الله الصمد } ولم يقل هو الصمد، ولم يقل الله أحد صمد فالظاهر أن ذلك للإِشارة إلى كون كل من الجملتين وحدها كافية في تعريفه تعالى حيث إن المقام مقام تعريفه تعالى بصفة تختص به فقيل الله أحد الله الصمد إشارة إلى أن المعرفة به حاصلة سواء قيل كذا أو قيل كذا. والآيتان مع ذلك تصفانه تعالى بصفة الذات وصفة الفعل جميعاً فقوله { الله أحد } يصفه بالأحدية التي هي عين الذات، وقوله { الله الصمد } يصفه بانتهاء كل شيء إليه وهو من صفات الفعل. وقيل الصمد بمعنى المصمت الذي ليس بأجوف فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يلد ولا يولد وعلى هذا يكون قوله { لم يلد ولم يولد } تفسيراً للصمد. قوله تعالى { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } الآيتان الكريمتان تنفيان عنه تعالى أن يلد شيئاً بتجزيه في نفسه فينفصل عنه شيء سنخه بأي معنى أُريد من الانفصال والاشتقاق كما يقول به النصارى في المسيح عليه السلام أنه ابن الله وكما يقول الوثنية في بعض آلهتهم أنهم أبناء الله سبحانه. وتنفيان عنه أن يكون متولداً من شيء آخر ومشتقاً منه بأي معنى أُريد من الاشتقاق كما يقول الوثنية ففي آلهتهم من هو إله أبو إله ومن هو إلهة أُم إله ومن هو إله ابن إله. وتنفيان أن يكون له كفؤ يعدله في ذاته أو في فعله وهو الإِيجاد والتدبير ولم يقل أحد من المليين وغيرهم بالكفؤ الذاتي بأن يقول بتعدد واجب الوجود عز اسمه، وأما الكفؤ في فعله وهو التدبير فقد قيل به كآلهة الوثنية من البشر كفرعون ونمرود من المدعين للالوهية وملاك الكفاءة عندهم استقلال من يرون الوهيته في تدبير ما فوّض إليه تدبيره كما أنه تعالى مستقل في تدبير من يدبره وهم الأرباب والآلهة وهو رب الأرباب وإله الآلهة. وفي معنى كفاءة هذا النوع من الإِله ما يفرض من استقلال الفعل في شيء من الممكنات فإنه كفاءة مرجعها استغناؤه عنه تعالى وهو محتاج من كل جهة والآية تنفيها. وهذه الصفات الثلاث المنفية وإن امكن تفريع نفيها على صفة احديته تعالى بوجه لكن الأسبق إلى الذهن تفرعها على صفة صمديته. أما كونه لم يلد فإن الولادة التي هي نوع من التجزي والتبعض بأي معنى فسِّرت لا تخلو من تركيب فيمن يلد، وحاجة المركب إلى اجزائه ضرورية والله سبحانه صمد ينتهي إليه كل محتاج في حاجته ولا حاجة له، وأما كونه لم يولد فإن تولّد شيء من شيء لا يتم إلا مع حاجة من المتولد إلى ما ولد منه في وجوده وهو سبحانه صمد لا حاجة له، وأما أنه لا كفؤ له فلأن الكفؤ سواء فرض كفواً له في ذاته أو في فعله لا تتحقق كفاءته إلا مع استقلاله واستغنائه عنه تعالى فيما فيه الكفاءة والله سبحانه صمد على الإِطلاق يحتاج إليه كل من سواه من كل جهة مفروضة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقد تبين أن ما في الآيتين من النفي متفرع على صمديته تعالى ومآل ما ذكر من صمديته تعالى وما يتفرع عليه إلى إثبات توحده تعالى في ذاته وصفاته وافعاله بمعنى أنه واحد لا يناظره شيء ولا يشبهه فذاته تعالى بذاته ولذاته من غير استناد إلى غيره واحتياج إلى من سواه وكذا صفاته وافعاله، وذوات من سواه وصفاتهم وافعالهم بإفاضة منه على ما يليق بساحة كبريائه وعظمته فمحصل السورة وصفه تعالى بأنه أحد واحد. ومما قيل في الآية أن المراد بالكفؤ الزوجة فإن زوجة الرجل كفؤه فيكون في معنى قوله { تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة } وهو كما ترى. بحث روائي في الكافي بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا انسب لنا ربك فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثم نزلت { قل هو الله أحد } إلى آخرها. أقول وفي الاحتجاج عن العسكري عليه السلام أن السائل عبد الله بن صوريا اليهودي، وفي بعض روايات أهل السنة أن السائل عبد الله بن سلام سأله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بمكة ثم آمن وكتم إيمانه، وفي بعضها أن أُناساً من اليهود سألوه ذلك، وفي غير واحد من رواياتهم أن مشركي مكة سألوه ذلك، وكيف كان فالمراد بالنسبة النعت والوصف. وفي المعاني بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام في حديث نسبة الله عز وجل قل هو الله. وفي العلل بإسناده عن الصادق عليه السلام في حديث المعراج **" أن الله قال له أي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " اقرأ قل هو الله أحد كما انزلت فانها نسبتي ونعتي ".** أقول وروي أيضاً بإسناده إلى موسى بن جعفر عليه السلام ما في معناه. وفي الدر المنثور اخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال **" قل هو الله أحد ثلث القرآن "** أقول وقد تكاثرت الروايات من طرقهم في هذا المعنى رووه عن عدة من الصحابة كابن عباس وقد مر وأبي الدرداء وابن عمر وجابر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري ومعاذ ابن أنس وأبي أيوب وأبي أمامة وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وورد أيضاً في عدة من الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد وجهوا كون السورة تعدل ثلث القرآن بوجوه مختلفة أعدلها أن ما في القرآن من المعارف تنحل إلى الأصول الثلاثة التوحيد والنبوة والمعاد والسورة تتضمن واحداً من الثلاثة وهو التوحيد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وفي التوحيد **" عن أمير المؤمنين عليه السلام رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة فقلت له علمني شيئاً أنصر به على الأعداء فقال قل يا هو يا من لا هو إلا هو فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي " يا علي علمت الاسم الأعظم فكان على لساني يوم بدر ".** وإن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال يا هو يا من لا هو إلا هو اغفر لي وانصرني على القوم الكافرين. وفي نهج البلاغة الأحد لا بتأويل عدد. أقول ورواه في التوحيد عن الرضا عليه السلام ولفظه أحد لا بتأويل عدد. وفي أصول الكافي بإسناده عن داود بن القاسم الجعفري قال قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام ما الصمد؟ قال عليه السلام السيد المصمود إليه في القليل والكثير. أقول وفي تفسير الصمد معان أُخر مروية عنهم عليهم السلام فعن الباقر عليه السلام الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه، وعن الحسين عليه السلام الصمد الذي لا جوف له والصمد الذي لا ينام، والصمد الذي لم يزل ولا يزال، وعن السجاد عليه السلام الصمد الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً وأشكالاً وأزواجاً وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ندّ. والأصل في معنى الصمد هو الذي رويناه عن أبي جعفر الثاني عليه السلام لما في مادته لغة في معنى القصد فالمعاني المختلفة المنقولة عنهم عليهم السلام من التفسير يلازم المعنى فإن المعاني المذكورة لوازم كونه تعالى مقصوداً يرجع إليه كل شيء في كل حاجة فإليه ينتهي الكل من دون أن تتحقق فيه حاجة. وفي التوحيد عن وهب بن وهب القرشي عن الصادق عن آبائه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليه السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول **" من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار "** ، وإن الله سبحانه فسر الصمد فقال الله أحد الله الصمد ثم فسره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. وفيه بإسناده إلى ابن أبي عمير عن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك. وفيه في خطبة أُخرى لعلي عليه السلام الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً. وفيه في خطبة له عليه السلام تعالى أن يكون له كفؤ فيشبه به. أقول وفي المعاني المتقدمة روايات أُخرى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) | قد افتتحت بفعل الأمر " قل " لإِظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكيمة، ولتلقينه صلى الله عليه وسلم الرد على المشركين الذين سألوه أن ينسب لهم ربه. و { هو } ضمير الشأن مبتدأ، والجملة التى بعده خبر عنه. والأحد هو الواحد فى ذاته وفى صفاته وفى أفعاله، وفى كل شأن من شئونه، فهو منزه عن التركيب من جواهر متعددة، أو من مادة معينة، كما أنه - عز وجل - منزه عن الجسمية والتحيز، ومشابهة غيره. وفى الإِتيان بضمير الشأن هنا إشارة إلى فخامة مضمون الجملة، مع ما فى ذلك من زيادة التحقيق والتقرير، لأن الضمير يشير إلى شئ مبهم تترقبه النفس، فإذا جاء الكلام من بعده زال الإِبهام، وتمكن الكلام من النفس فضل تمكن. وجئ بالخبر نكره وهو لفظ " أحد " لأن المقصود الإِخبار عن الله - تعالى - بأنه واحد، ولو قيل الله الأحد، لأفاد أنه لا واحد سواه، وليس هذا المعنى مقصودا هنا، وإنما المقصود إثبات أنه واحد فى ذاته وصفاته وأفعاله.. ونفى ما زعمه المشركون وغيرهم، من أنه - تعالى - مركب من أصول مادية أو غير مادية، أو من أنه له شريك فى ملكه. وقوله - سبحانه - { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أى الله - تعالى - هو الذى يَصْمدُ إليه الخلق فى حوائجهم، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب.. مأخوذ من قولهم صمد فلان إلى فلان. بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة. قال صاحب الكشاف والصمد فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو - سبحانه - المصمود إليه فى الحوائج، والمعنى هو الله الذى تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض، وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإِلهية لا يشارك فيها، وهو الذى يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم.. وجاء لفظ " الصمد " محلى بأل، لإِفادة الحصر فى الواقع ونفس الأمر، فإن قصد الخلق إليه - سبحانه - فى الحوائج، أعم من القصد الإِرادى، والقصد الطبيعى، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه - تعالى - طوعا وكرها. وقوله - سبحانه - { لَمْ يَلِدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له ولد أو بنت، لأن الولادة تقتضى انفصال مادة منه، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لأن الولد من جنس أبيه، وهو - تعالى - منزه عن مجانسة أحد. وقوله { وَلَمْ يُولَدْ } تنزيه له - تعالى - عن أن يكون له أب أو أم، لأن المولودية تقتضى - أيضا - التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لاقتضائها سبق العدم، أو المجانسة، وكل ذلك مستحيل عليه - تعالى - فهو - سبحانه -
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }** وقوله - عز وجل - { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تنزيه له - تعالى - عن الشبيه والنظير والمماثل. والكفؤ هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره فى العمل أو فى القدرة. أى ولم يكن أحد من خلقه مكافئاً ولا مشاكلا ولا مناظرا له - تعالى - فى ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، فهو كما قال - تعالى -**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفى الشرك بجميع ألوانه. فقد نفى - سبحانه - عن ذاته التعدد بقوله { ٱللَّهُ أَحَدٌ } ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }. كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة، الذين يقولون، بالتثليث، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله - تعالى - فى ملكه. وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة.. - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الوجيز/ الواحدي (ت 468 هـ) | روي أنَّ قوماً من المشركين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربَّك، فأنزل الله عزَّ وجلَّ:
{ قل هو الله أحد } أَيْ: الذي سألتم نسبته هو الله أحدٌ.
{ الله الصمد } السَّيِّد الذي قد انتهى إليه السُّؤدد. وقيل: الصَّمد: الذي لا جوف لَه، ولا يأكل ولا يشرب. وقيل: هو المقصود إليه في الرَّغائب.
{ لم يلد ولم يولد }.
{ ولم يكن له كفواً أحد } لم يكن أحدٌ مثلاً له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير المنتخب في تفسير القرآن الكريم / لجنة القرآن و السنة | 1- قل - يا محمد - لمن قالوا مستهزئين: صف لنا ربك: هو الله أحد لا سواه، ولا شريك له.
2- الله المقصود - وحده - فى الحوائج والمطالب.
3، 4- لم يتخذ ولدا، ولم يولد من أب أو أم، ولم يكن له أحد شبيها أو نظيرا، وليس كمثله شئ.
الصفحة غير موجودة
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير/ أبو بكر الجزائري (مـ 1921م) | شرح الكلمات:
قل هو الله أحد: أي قل لمن سألك يا نبينا عن ربك هو الله أحد.
الله الصمد: أي الله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، الصمد: السيد الذي يصمد إليه. في الحوائج. فهو المقصود في قضاء الحوائج على الدوام.
لم يلد: أي لا يفنى إذ لا شيء يلد إلا وهو فانٍ بائدٌ لا مَحالة.
ولم يولد: أي ليس بمحدث بأن لم يكن فكان فهو كائن أولا وأبدا.
ولم يكن له كفوا أحد: أي لم يكن أحد شبيه له أو مثيل إذ ليس كمثله شيء.
معنى الآيات:
قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الآيات الأربع المباركات نزلت جوابا لمن قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين انسب لنا ربك أو صفه لنا فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل أي لمن سألوك ذلك هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أي ربي هو الله أي الإِله الذي لا تنبغي الألوهية إلا له، ولا تصلح العبادة إلا له أحد في ذاته وصفاته وأفعاله فليس له نظير ولا مثيل في ذلك إذ هو خالق الكل ومالك الجميع فلن تكون المحدثات المخلوقات كخالقها ومحدثها الله أي المعبود الذي لا معبود بحق إلا هو، الصمد أي السيد المقصود في قضاء الحوائج الذي استغنى عن كل خلقه وافتقر الكل إليه لم يلد أي لم يكن له ولد لانتفاء من يجانسه إذ الولد يجانس والده، والمجانسة منفية عنه تعالى إذ ليس كمثله شيء ولم يولد لانتفاء الحدوث عنه تعالى.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي ولم يكن أحد كفواً له ولا مثيلاً ولا نظيراً ولا شبيهاً إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلذا هو يعرف بالأحدية والصمدية فالأحدية هو أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لم يكن له كفو ولا شبيه ولا نظير والصمدية هي أنه المستغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه في وجوده وبقائه كل ما عداه كما يعرف بأسمائه وصفاته وآياته.
من هداية الآيات:
1- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.
2- تقرير التوحيد والنبوة.
3- بطلان نسبه الولد إلى الله تعالى.
4- وجوب عبادته تعالى وحده لا شريك له فيها، إذ هو الله ذو الألوهية على خلقه دون سواه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) | قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [آية:1] { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [آية:2] تعنى أحد لا شريك له، وذلك أن عامر بن الطفيل ابن صعصعة العامري، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أما والله لئن دخلت في دينك ليدخلن من خلفى، ولئن امتنعت ليمتنعن من خلفي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فما تريد "؟ قال: أتبعك على أن تجعل لي الوبر ولك المدر، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا شرط في الإسلام " ، قال: فاجعل لي الخلافة بعدك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا نبى بعدي " ، قال: فأريد أن تفضلنى على أصحابك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكنك أخوهم، إن أحسنت إسلامك " ، فقال: فتجعلنى أخا بلال وخباب بن الأرت، وسلمان الفارسى، وجعال، قال: " نعم " ، فغضب، وقال: أما والله لأثيرن عليك ألف أشقر عليها ألف أمرد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويحك تخوفنى "؟ قال: له جبريل، عليه السلام، عن ربه: لأثيرن على كل واحد منهم ألفاً من الملائكة، طول عنق أحدهم مسيرة سنة، وغلظها مسيرة سنة، وكان يكفيهم واحد، ولكن الله عز وجل أراد أن يعلمه كثرة جنوده، فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعجب مما سمع منه، فلقيه الأربد بن قيس السهمى، فقال له: ما شأنك؟ وكان خليله فقص عليه قصته، وقال: إني دخلت على ابن أبي كبشة آنفاً، فسألته الوبر، وله المدر فأبى، ثم سألته من بعده فأبى، ثم سألته أن يفضلني على أصحابه فأبى، وقال: أنت أخوهم إن أحسنت إسلامك، فقال له: أفلا قتلته؟ قال: لم أطق ذلك، قال: فارجع بنا إليه، فإن شئت حدثته حتى أضرب عنقه، فانطلقا على وجوههما، حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه سلم فقعد عامر عن يمينه والأربد عن يساره، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما يريدان، قال: وجاء ملك من الملائكة فعصر بطن الأربد بن قيس، وأقبل عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يده على فمه، وهو يقول: يا محمد لقد خوفتنى بأمر عظيم، وبأقوام كثيرة فمن هؤلاء؟ قال: " جنودى وهم أكثر مما ذكرت لك " ، قال: فأخبرنى ما اسم ربك؟ وما هو؟ ومن خليله؟ وما حيلته؟ وكم هو؟ وأبو من هو؟ ومن أى حى هو؟ ومن أخوه؟.
وكانت العرب يتخذون الأخلاء في الجاهلية، فأنزل الله تعالى { قُلْ } يا محمد { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } لقوله ما اسمه؟ وكم هو؟ { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } لقوله ما طعامه؟ { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } الذي لا يأكل ولا يشرب { لَمْ يَلِدْ } يقول: ولم يتخذ ولداً { وَلَمْ يُولَدْ } [آية:3] يقول: ليس له ولد يكتنى به، لقوله: وابن من هو؟ ثم قال: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [آية:4] لقوله: من خليله؟ ويقول: ليس له نظير، ولا شبيه، فمن أين يتخذ الخليل، فأشار بيده وبعينه إلى الأربد بن قيس، وهو في جهد قد عصر الملك بطنه حتى أراد أن يخرج خلاه من فيه، وقد أهمته نفسه، فقال الأربد: قم بنا، فقاما، فقال له عامر ويحك ما شأنك؟ قال: وجدت عصراً شديداً في بطنى، ووجعاً، فما استطعت أن أرفع يدي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قال: فأما الأربد بن قيس، فخرج يومئذ من المدينة، وكان يوماً متغيماً، فأدركته صاعقة في الطريق فقتلته، وأما عامر بن الطفيل، فوجاه جبريل، عليه السلام، في عنقه، فخرج من عنقه دبيله، ويقال: طاعون فمرض بالمدينة، فلم يأوه أحد إلا امرأة مجذوباً من بنى سلول، فقال جزعاً من الموت: غدة كغدة البعير، ومت في بيت سلولية، أبرز إلى يا موت، فأنا قاتلك، فأنزل الله عزو جل:**{ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ }** [الرعد:13].
وأيضاً: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وذلك أن مشركي مكة، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انعت لنا ربك وصفه لنا، وقال عامر بن الطفيل العامرى: أخبرنا عن ربك أمن ذهب هو، أو من فضة، أو من حديد، أو من صفر؟ وقالت اليهود: عزيراً ابن الله، وقد أنزل الله عز وجل نعته في التوراة، فأخبرنا عنه يا محمد، فأنزل الله عز وجل في قولهم: { قُلْ } يا محمد { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } لا شريك له { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } يعني الذي لا جوف له، كجوف المخلوقين، ويقال: الصمد السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجهم وبالإقرار والخضوع، { لَمْ يَلِدْ } فيورث، { وَلَمْ يُولَدْ } فيشارك، وذلك أن مشركى العرب، قالوا: الملائكة بنات الرحمن، وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله عز وجل، فبرأ نفسه من قولهم، فقال: { لَمْ يَلِدْ } يعني لم يكن له ولد { وَلَمْ يُولَدْ } كما ولد عيسى وعزير ومريم، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقول: لم يكن له عدل، ولا مثل من الآلهة تبارك وتعالى علواً كبيراً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) | أحد: واحد. الصمد: المقصود في الحاجات. الكفء: النظير.
قل يا محمدُ لِمَن سألوك عن صِفة ربك: اللهُ هو الواحدُ، لا شريكَ له ولا شبيه.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }
الله هو المقصود، يتوجّه اليه العِبادُ في جميع مطالبهم وحوائجهم، لا واسطةَ بينه وبين عبادِه.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }
لم يتَّخِذ ولداً ولا زوجة، ولم يولَد من أبٍ ولا أُم.. فهو قَديمٌ ليس بحادِثٍ، ولو كان مولُودا لكان حادِثا. إنه ليس له بدايةٌ ولا نهاية.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
وليس له نِدٌّ ولا مماثِل، ولا شَبيه.**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11]. فهذه السورةُ الكريمة إثباتٌ وتقريرٌ لعقيدة التوحيد الإسلامية، كما أن سورةَ " الكافرون " نفيٌ لأيّ تشابُهٍ او التقاء بين عقيدةِ التوحيد وعقيدةِ الشِرك.
وقد سُئل أعرابي ماذا يحفظ من القرآن فقال: أحفَظ هِجاءَ أبي لَهَبٍ**{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ... }** [المسد: 1] وصِفَةَ الربّ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
تعالى الله عما يقولُ الظالمون علوّا كبيرا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير أيسر التفاسير/ د. أسعد حومد (ت 2011م) | (4) - لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلاَ مَثِيلٌ. وَفِي هَذَا نَفْيٌ لِمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ المُبْطِلِينَ مِنْ أَنَّ للهِ نِدّاً فِي أَفْعَالِهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ مُشْرِكِي العَرَبِ الذِينَ جَعَلُوا المَلاَئِكَةَ شُرَكَاءَ للهِ.
كُفواً - مَكَافِئاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) | { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أخبرنا الشيخ أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المزكى قال: أخبرنا الإمام أبو بدر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا: حدثنا أبو سعد الصغاني قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله (عليه السلام): انسب لنا ربك، فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الى آخر السورة.
وروى أبو ضبيان وأبو صالح عن ابن عباس **" أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر: الى ما تدعونا يا محمد؟ قال: " الى الله سبحانه " فقالا: صفه لنا، أذهب هو أم فضة أم حديد أم من خشب؟ فنزلت هذه السورة، فأرسل الله سبحانه الصاعقة إلى أربد فأحرقته وطعن عامر في خنصره فمات، "** وقد ذكرت قصتهما في سورة الرعد.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: **" جاء ناس من أحبار اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربّك لعلنا نؤمن بك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا به من أي شيء هو من أي جنس أمن ذهب هو أو نحاس أم صفر أم حديد أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممّن ورث الدنيا؟ ومن يورثها؟ فأنزل الله سبحانه هذه السورة "** وهي نسبة الله خاصة.
وأخبرني عقيل أن أبا فرج البغدادي أخبرهم عن أبي جعفر الطرفي قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا سلمة قال: حدّثني ابن إسحاق عن محمد بن سعيد قال: **" أتى رهط من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي حتى أمتقع لونه ثم ساورهم غضباً لربه، فجاءه جبرائيل فسكّنه وقال: أخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله سبحانه بجواب ما سألوه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } السورة، فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له: صف لنا ربك كيف خلق وكيف عضده وذراعه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأوّل وساورهم، فأتاه جبرائيل فقال: له مثل مقالته وأتاه بجواب ما سألوه { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [الزمر: 67] ".** وقال الضحاك عن ابن عباس: **" إنَّ وفد نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أساقفة من بني الحرث بن كعب فيهم السيد والعاقب، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم صف لنا ربك من أي شيء هو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنَّ ربي ليس من شيء وهو بائن من الأشياء " فأنزل الله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي واحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولا فرق بين الواحد والأحد عند أكثر أصحابنا يدل عليه قراءة عبد الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [.......].
وفرق قوم بينهما فقال بعضهم: الواحد للفصل والأحد للغاية، وقيل: واحد بصفاته أحد بذاته، وقيل: إنَّ الواحد يدلّ على أزليته وأوّليته، لأنَّ الواحد في الأعداد ركنها وأصلها وميدانها، والأحد يدل على بينونته من خلقه في جميع الصفات، ونفي أبواب الشرك عنه، فالأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، والواحد أسم لمفتتح العدد، فأحد صلح في الكلام في موضع الجحود، والواحد في موضع الإثبات تقول: لم يأتني منهم أحد وجاءني منهم واحد، فالمعنى أنه لم يأتني أثنان، وقال ابن الأنباري: أجد في الأصل واحد كما قالوا للمرأة أناة والأصل ونأة من الوني وهو الفتور قال الشاعر:
| **رمته أناة من ربيعة عامر** | | **نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم** |
| --- | --- | --- |
وقال النابغة في الواحد:
| **كأن رحلي وقد زال النهار بنا** | | **بذي الجليل على مستأنس وحد** |
| --- | --- | --- |
سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: سمعت ابن عطاء يقول في قوله سبحانه { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }: هو المنفرد بإيجاد المفقودات والمتحّد بأظهار الخفيّات.
وقراءة العامة { أَحَدٌ } بالتنوين، وقرأ الحسن ونصر بن عاصم وابن إسحاق وأبان بن عثمان وهارون بن عيسى { أَحَدٌ \* ٱللَّهُ } بلا تنوين طلباً للخفة وفراراً من التقاء الساكنين كقراءة من قرأ**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] بغير تنوين.
وأما قوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فاختلفوا فيه فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير: الذي لا جوف له، وأما سعيد بن المسيب: الذي لا حشو له، الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب، وإليه ذهب الفرضي، وقيل: يفتره ما بعده.
أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا أحمد بن منبع ومحمود بن خراش قال: حدّثنا أبو سعد الصعالي قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب قال: الصمد الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس يرث إلا سيورث وأن الله لا يموت ولا يورث.
وقال أبو وائل شفيق بن سلمة: وهو السيّد الذي قد أنتهى سؤدده، وهي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد.
غيره: هو السيد المقصود في الحوائج، يقول العرب: صمّدت فلاناً أصمده وأصمُده صمْداً بسكون الميم إذا قصدته، والمصمود صمد كالقبض والنفض، ويقال: بيت مصمود ومصمّد إذا قصده الناس في حوائجهم قال طرفة:
| **وأن يلتقي الحي الجميع تلاقني** | | **الى ذروة البيت الرفيع المصمد** |
| --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأنشد الأئمة في الصمد:
| **ألا بكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
وقال قتادة: الصمد: الباقي بعد خلقه، عاصم ومعمر: هو الدائم، علي بن موسى الرضا: هو الذي أيست العقول عن الإطلاع على كيفيته، محمد بن علي الترمذي: هو الأزلي بلا عدد، والباقي بلا أمد، والقائم بلا عمد، الحسين بن الفضل: هو الأزلي بلا أبتداء، وقيل: هو الذي جلّ عن شبه المصورين وقيل: هو بمعنى نفي التجزؤ والتأليف عن ذاته، ميسرة: المصمت، ابن مسعود: الذي ليست له أحشاء، أبو إسحاق الكوفي عن عكرمة: الصمد الذي ليس فوقه أحد، وهو قول علي عليه السلام.
السدي: هو المقصود إليه في الرغائب المستغاث به عند المصائب، يمان: الذي لاينام، كعب الأحبار: الذي لا يكافئه من خلقه أحد. ابن كيسان: الذي لا يوصف بصفته أحد، مقاتل ابن حيان: الذي لا عيب فيه، ربيع: الذي لا تعتريه الآفات، سعيد بن جبير أيضاً: الكامل في جميع صفاته وأفعاله، الصادق: وهو الغالب الذي لا يغلب، أبو هريرة: المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد، مرّة الهمداني: الذي لا يبلى ولا يغنى، الحسين بن الفضل أيضاً: هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء لا معقّب لحكمه ولا راد لقضائه.
محمد بن علي: الصمد: الذي لا تدركه الأبصار ولا تحويه الأفكار ولا تبلغه الأقطار وكل شي عنده بمقدار.
ابن عطاء: الصمد: الذي لم يتبّين عليه أثر فيما أظهر، جعفر: الذي لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة، جنيد: الذي لم يجعل لأعدائه سبيلا الى معرفته، وقيل: هو الذي لا يدرك حقيقة نعوته وصفاته فلا يتسع له اللسان ولا يشير إليه البيان، ابن عطاء: هو المتعالي عن الكون والفساد، وقال الواسطي: الذي لا يسحر ولا يستغرق ولا تعترض عليه القواطع والغلل.
وقال جعفر أيضاً: الصمد خمس حروف: فالألف دليل على أحديّته، واللام دليل على الهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران في الكتابة، فدلّ على أحديته والهيّته خفية لا يدرك بالحواس، وأنّه لا يقاس بالناس فخفاءه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ولا تحيط به علماً، وأظهاره في الكتابة دليل على أنه يظهر على قلوب العارفين، ويبدو لأعين المحبين في دار السلام، والصاد دليل على صدقه، فوعده صدق وقوله صدق وفعله صدق ودعا عباده الى الصدق، والميم دليل على ملكه فهو الملك على الحقيقة، والدال علامة دوامه في أبديته وأزليته.
{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } اختلف القراء فيه، فقرأ حمزة ويعقوب ساكنة الفاء مهموزة ومثله روى العباس عن أبي عمرو وإسماعيل عن نافع، وقرأ شيبة مشبعة غير مهموزة ومثله روى حفص عن عاصم، وقرأ الآخرون مثقلاً مهموزاً وكلّها لغات صحيحة فصيحة ومعناه المثل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
{ أَحَدٌ } أي هو واحد، وقيل: على التقديم والتأخير مجازه: " وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ أَحَدٌ كُفُواً ".
وقال عبد خير: سأل رجل علي بن أبي طالب عليه السلام عن تفسير هذه السورة قال: قل هو الله أحد بلا تأويل عدد، الله الصمد لا يتبعض بدد، لم يلد فيكون هالكاً، ولم يولد فيكون إلهاً مُشارَكاً، ولم يكن له من خلقه كفؤاً أحد.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي بقراءتي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: وجدنا أنواع الشرك ثمانية: النقص والتقلّب والكثرة والعدد وكونه علّة أو معلولاً، والأشكال والأضداد، فنفى الله تعالى عن صفته نوع الكثرة والعدد بقوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ونفى التنقّص والتقلّب بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ونفى العلل والمعلول بقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } ونفى الأشكال والأضداد بقول: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فحصلت الوحدانية البحت لذلك سمّيت سورة الإخلاص.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ | * تفسير تفسير مجاهد / مجاهد بن جبر المخزومي (ت 104 هـ) | أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا قيس بن الربيع، قال ثنا الأَعمش وعاصم بن أَبي النجود، عن أَبي وائل شقيق بن سلمة، قال: قالت قريش للنبي، صلى الله عليه وسلم: انسُب لنا ربك. فأَنزل الله هذه السورة، فقال: يا محمد انسُبني إِلى هذا.
أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم، قال: ثنا حبان عن الأَعمش، عن شقيق بن سلمة قال: { ٱلصَّمَدُ } [الآية: 2]. السيد الذي قد انتهى سؤدده.
أَخبرنا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا ورقاءُ عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد قال: { ٱلصَّمَدُ } [الآية: 2]: الذي لا جوف له.
أَنبا عبد الرحمن، قال: ثنا إِبراهيم، قال: ثنا آدم قال: ثنا أَبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: { ٱلصَّمَدُ } [الآية: 2]. هو الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الآية: 3 ـ 4].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) | قوله: { كُفُواً أَحَدٌ }: في نصبِه وجهان، أحدُهما: أنه خبرُ " يكنْ " و " أحدٌ " اسمُها و " له " متعلِّقٌ بالخبر، اي: ولم يكُنْ أحدٌ كُفُواً له. وقد رَدَّ المبردُ على سيبويهِ بهذه الآيةِ، من حيث إنه يزعمُ أنه إذا تَقَدَّم الظرفُ كان هو الخبرَ، وهنا لم يَجْعَلْه خبراً مع تقدُّمِه.
وقد رُدَّ على المبردِ بوجهَيْن، أحدُهما: أنَّ سيبويهِ لم يُحَتِّمْ ذلك بل جَوَّزه. والثاني: أنَّا لا نُسَلِّم أن الظرفَ هنا ليس بخبرٍ بل هو خبرٌ، ونصبُ " كُفُواً " على الحال على ما سيأتي بيانُه. وقال الزمخشري: " الكلامُ العربيُّ الفصيحُ أَنْ يؤخَّرَ الظرفُ الذي هو لَغْوٌ غيرُ مستقِرِّ ولا يُقَدَّمَ. وقد نَصَّ سيبويه في " كتابِه " على ذلك، فما بالُه مُقَدَّماً في أَفْصَحِ كلامٍ وأَعْرَبِه؟ قلت: هذا الكلامُ إنما سِيْقَ لنَفْيِ المكافأةِ عن ذاتِ الباري تعالىٰ، وهذا المعنىٰ مَصَبُّه ومَرْكَزُه هو هذا الظرفُ، فكان لذلك أهمَّ شيءٍ وأَعْناه وأحقَّه بالتقديمِ وأَحْراه ".
والثاني: أَنْ يُنْصَبَ على الحال مِنْ " أحد " لأنَّه كان صفتَه فلمَّا تقدَّم عليه نُصِب حالاً، و " له " هو الخبر. قاله مكي وأبو البقاء وغيرُهما. ويجوز أَنْ يكونَ حالاً من الضمير المستكِنِّ في الجارِّ لوقوعِه خبراً. قال الشيخ بعد أَنْ حكى كلامَ الزمخشري ومكي: " وهذه الجملةُ ليسَتْ من هذا البابِ وذلك أنَّ قولَه: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ليس الجارُّ والمجرورُ فيه تامَّاً، إنما ناقصٌ لا يَصْلُحُ أَنْ يكونَ خبراً لـ " كان " بل هو متعلِّقٌ بـ " كُفُواً " وقُدِّمَ عليه. التقدير: ولم يكنْ أحدٌ مكافِئاً له، فهو في معنى المفعولِ متعلِّقٌ بـ " كُفُواً " وتَقَدَّم على " كُفُواً " للاهتمامِ به، إذ فيه ضميرُ الباري تعالى، وتوسَّطَ الخبرُ وإنْ كان الأصلُ التأخيرَ؛ لأنَّ تأخيرَ الاسمِ هو فاصلةٌ فحَسُنَ ذلك.
وعلى هذا الذي قَرَّرْناه يَبْطُل إعرابُ مكي وغيرِه أنَّ " له " الخبرُ، و " كُفُواً " حالٌ مِنْ " أحد " لأنه ظرفٌ ناقصٌ لا يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. وبذلك يَبْطُل سؤالُ الزمخشريِّ وجوابُه. وسيبويه إنما تكلَّم في الظرفِ الذي يَصْلُحُ أَنْ يكونَ خبراً وأنْ لا يكون. قال سيبويه: " وتقول: ما كان فيها أحدٌ خيرٌ منك، وما كان [أحدٌ] مثلُك فيها، وليس أحدٌ فيها خيرٌ منك، إذا جعلت " فيها ": مستقراً، ولم تجعَلْه على قولك: فيها زيدٌ قائمٌ أَجْرَيْتَ الصفةَ على الاسم. فإن جَعَلْتَه على " فيها زيدٌ قائمٌ " نَصَبْتَ فتقول: ما كان فيها أحدٌ خيراً منك، وما كان أحدٌ خيراً منك فيها، إلاَّ أنَّكَ إذا أرَدْتَ الإِلْغاءَ فلكما أَخَّرْتَ المُلْغَى فهو أَحْسَنُ، وإذا أرَدْتَ أَنْ يكونَ مستقرَّاً فكلما قَدَّمْته كان أحسنَ، والتقديمُ والتأخيرُ والإِلغاءُ والاستقرارُ عربيٌُّ جيدٌ كثيرٌ قال تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } وقال الشاعر:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **4680ـ ما دامَ فيهِنَّ فَصِيْلٌ حَيَّاً** | | |
| --- | --- | --- |
انتهى كلامُ سيبويه. قال الشيخ: " فأنت تَرَىٰ كلامَه وتمثيلَه بالظرف الذي يَصْلُح أَنْ يكونَ خبراً. ومعنى قولِه " مستقرَّاً " أي: خبراً للمبتدأ أو لكان. فإن قلتَ: فقد مَثَّل بالآية. قلت: هذا أوقَع مكيَّاً والزمخشريَّ وغيرَهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أنَّ الظرفَ التامَّ وهو في قولِه:
| **ما دامَ فيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّاً** | | |
| --- | --- | --- |
أُجْري فَضْلةً لا خبراً كما أنَّ " له " في الآية أُجْرِي فَضْلَةً فجعلَ الظرفَ القابلَ أن يكونَ خبراً كالظرفِ الناقصِ في كونِه لم يُستعمل خبراً. ولا يَشُكُّ مَنْ له ذِهْنٌ صحيحٌ أنه لا ينعقدُ كلامٌ مِنْ " له أحد " بل لو تأخَّرَ " كُفُو " وارتفع على الصفةِ وقد جَعَل " له " خبراً لم ينعقِدْ منه كلامٌ. بل أنت ترى أنَّ النفيَ لم يتسلَّطْ إلاَّ على الخبرِ الذي هو " كُفُواً " والمعنىٰ: لم يكنْ أحدٌ مكافِئَه " انتهى ما قاله الشيخ.
وقوله: " ولا يَشُكُّ أحدٌ " إلى آخره تَهْوِيلٌ على الناظرِ. وإلاَّ فقولُه: " هذا الظرفُ ناقصٌ " ممنوعٌ؛ لأنَّ الظرفَ الناقصَ عبارةٌ عَمَّا لم يكُنْ في الإِخبارِ به فائدةٌ، كالمقطوعِ عن الإِضافة، ونحوِ " في دارٍ رجلٌ " وقد نَقَلَ عن سيبويه الأمثلَةَ المتقدمةَ نحو: " ما كان فيها أحدٌ خيراً منك " ، وما الفرق بين هذا وبين الآيةِ الكريمة؟ وكيف يقول هذا وقد قال سيبويهِ في آخرِ كلامهِ: " والتقديمُ والتأخيرُ والإِلغاء والاستقرارُ عربيٌّ جيدٌ كثيرٌ "؟
وقرأ العامَّةُ بضمِّ الكافِ والفاء. وسَهَّل الهمزةَ الأعرجُ وشيبةُ ونافعٌ في روايةٍ. وأسكنَ الفاءَ حمزةُ، وأبدل الهمزةَ واواً وقفاً خاصة. وأبدلها حفصٌ واواً مطلقاً. والباقون بالهمزِ مطلقاً. وقد تقدَّم الكلامُ على هذا في أوائِل البقرةِ في قوله:**{ هُزُواً }** [البقرة: 67].
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس " كِفاءٌ " بالكسر والمدِّ، أي: لا مِثْلَ له. وأُنْشِدَ للنابغة:
| **4681ـ لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كِفاءَ له** | | **.................** |
| --- | --- | --- |
ونافعٌ في رواية " كِفا " بالكسر وفتح الفاء مِنْ غير مَدّ، كأنه نَقَلَ حركةَ الهمزةِ وحَذَفَها. والكُفْءُ: النظيرُ. وهذا كفْءٌ لك، أي: نظيرُكَ والاسم الكَفاءة بالفتح.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير صفوة التفاسير/ الصابوني (مـ 1930م -) | اللغَة: { ٱلصَّمَدُ } السيد المقصود في قضاء الحاجات قال الشاعر:
| **ألا بكَّر الناعي بخير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
{ كُفُواً } الكُفُوءُ: النظير والشبيه قال أبو عبيدة: يقال: كفُو، وكفء، وكفاء كلها بمعنى واحد وهو المِثْل والنظير.
سَبَبُ النّزول: روي أن بعض المشركين جاءوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد صف لنا ربَّك، أمن ذهبٍ هو، أم من فضة، أم من زبرجد، أم من ياقوت؟! فنزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ.. } السورة.
التفسِير: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: إِن ربي الذي أعبده، والذي أدعوكم لعبادته هو واحد أحد لا شريك له، ولا شبيه له ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو جل وعلا واحد أحد، ليس كما يعتقد النصارى بالتثليث " الآب، والابن، وروح القدس " ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة قال في التسهيل: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معانٍ، كلها صحيحة في حقه تعالى: الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفيٌ للعدد، والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان واحد في عصره أي لا نظير له والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والمراد بالسورة نفي الشريك رداً على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى، وذلك كثير جداً، وأوضحها أربعة براهين: الأول؛ قوله تعالى**{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ }** [النحل: 17] - وهذا دليل الخلق والإِيجاد - فإِذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات، لم يصح أن يكون واحد منها شريكاً له والثاني: قوله تعالى**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22] - وهو دليل الإِحكام والإِبداع - الثالث: قوله تعالى**{ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً }** [الإِسراء: 42] - وهو دليل القهر والغلبة - الرابع: قوله تعالى**{ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }** [المؤمنون: 91] - وهو دليل التنازع والاستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته واستغناءه عن الخلق فقال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي هو جل وعلا المقصود في الحوائج على الدوام، يحتاج إِليه الخلق وهو مستغنٍ عن العالمين قال الألوسي: الصَّمد السيدُ الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمدُ إِليه - أي يلجأ إِليه - الناسُ في حوائجهم وأمورهم { لَمْ يَلِدْ } أي لم يتخذ ولداً، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، منزَّه عن النقائص قال المفسرون: في الآية ردٌّ على كل من جعل لله ولداً، كاليهود في قولهم
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
**{ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] والنصارى في قولهم**{ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ }** [التوبة: 30] وكمشركي العرب في زعمهم أن (الملائكة بنات الله) فردَّ الله تعالى على الجميع في أنه ليس له ولد، لأن الولد لا بدَّ أن يكون من جنس والده، والله تعالى أزلي قديم، ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد،ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة وإِليه الإِشارة بقوله تعالى**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ }** [الأنعام: 101]؟! { وَلَمْ يُولَدْ } أي ولم يولد من أبٍ ولا أُمٍ، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولوداً ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إِحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لا ابتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي وليس له جل وعلا مثيلٌ، ولا نظير، ولا شبيه أحدٌ من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }** [الشورى: 11] قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيرٌ يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدَّس وتنزَّه، وفي الحديث القدسي **" يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إِياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إِعادته، وأما شتمه إِياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ".** البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزها فيما يلي:
1- ذكر الاسم الجليل بضمير الشأن { قُلْ هُوَ } للتعظيم والتفخيم.
2- تعريف الطرفين { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } لإِفادة التخصيص.
3- الجناس الناقص { لَمْ يَلِدْ } { وَلَمْ يُولَدْ } لتغير الشكل وبعض الحروف.
4- التجريد فإِن قوله تعالى { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الكفء والولد، وقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } هو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في العموم وذلك زيادة في الايضاح والبيان.
5- السجع المرصَّع وهو من المحسنات البديعية { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
لطيفَة: هذه السورة الكريمة مؤلفة من أربع آيات، وقد جاءت في غاية الإِيجاز والإِعجاز، وأوضحت صفات الجلال والكمال، ونزهت الله جل وعلا عن صفات العجز والنقص، فقد أثبتت الآية الأولى الوحدانية، ونفت التعدد { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } وأثبتت الثانية كماله تعالى، ونفت النقص والعجز { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } وأثبتت الثالثة أزليته وبقاءه ونفت الذرية والتناسل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وأثبتت الرابعة عظمته وجلاله ونفت الأنداد والأضداد { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فالسورة إِثبات لصفات الجلال والكمال، وتنزيه للرب بأسمى صور التنزيه عن النقائص.
فَائِدَة: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فكأنما قرأ بثلث القرآن "** قال العلماء: وذلك لما تضمنته من المعاني والعلوم والمعارف، فإِن علوم القرآن ثلاثة: " توحيد، وأحكام وقصص " وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد، فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وقيل: إِن ذلك في الثواب أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير مختصر تفسير ابن كثير/ الصابوني (مـ 1930م -) | قال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير بن الله، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن الله، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا شبيه ولا عديل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال ابن عباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان الله الواحد القهار، وقال الأعمش { ٱلصَّمَدُ } السيد الذي قد انتهى سؤدده، وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه، وقال الحسن أيضاً { ٱلصَّمَدُ } الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال الربيع بن أنَس: هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له، وهو قوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } وهو تفسير جيد، وقال ابن مسعود والضحّاك والسدي: { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له، وقال مجاهد { ٱلصَّمَدُ } المصمت الذي لا جوف له، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في " كتاب السنة " بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عزَّ وجلَّ، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه، وقال البيهقي نحو ذلك، وقوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة، قال مجاهد: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يعني لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ }** [الأنعام: 101] أي هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، قال تعالى:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً \* لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً }** [مريم: 88-89]، وقال تعالى:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ \* لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ }** [الأنبياء: 26-27]، وفي " صحيح البخاري ": **" لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم "** وفي الحديث القدسي: **" كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) | واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: **" { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن "** فقيل: إن ذلك في الثواب، أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، وقيل: إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم؛ وذلك أن علوم القرآن ثلاثة: توحيد وأحكام وقصص، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وهذا أظهر وعليه حمل ابن عطية الحديث. ويؤيده أن في بعض روايات الحديث: **" إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن "** وأخرج النسائي **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرؤها فقال: أما هذا فقد غفر له "** وفي رواية أنه قال: **" وجبت له الجنة "** ، وأخرج مسلم **" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في الصلاة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمٰن فأنا أحب أن أقرأها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه "** وفي رواية خرّجها الترمذي **" أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل: حبك إياها أدخلك الجنة "** وخرّج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } مائة مرة كل يوم غفرت له ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين.
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الضمير هنا عند البصريين ضمير الأمر والشأن والذي يراد به التعظيم والتفخيم، وإعرابه مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي المفسرة له، والله مبتدأ وأحد خبره. وقيل: الله هو الخبر وأحد بدل منه وقيل: الله بدل وأحد هو الخبر. وأحد له معنيان أحدهما أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب كقولك: ما جاءني أحد وليس هذا موضع هذا المعنى وإنما موضعه قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } والآخر أن يكون بمعنى واحد وأصله واحد بواو ثم أبدل من الواو همزة وهذا هو المراد هنا.
واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى. الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد. والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له كما تقول: فلان واحد عصره أي لا نظير له. والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ومنه قوله تعالى:**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }** [البقرة: 163] قال الزمخشري: أحد وصفُ بالوحدانية ونفي الشركاء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
قلت: وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته وذلك في القرآن كثير جداً أوضحها أربعة براهين: الأول قوله:**{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ }** [النحل: 17] لأنه إذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات لم يمكن أن يكون واحد منها شريكاً له، والثاني قوله:**{ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا }** [الأنبياء: 22] والثالث قوله:**{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً }** [الإسراء: 42] والرابع قوله:**{ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ }** [المؤمنون: 91] وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله:**{ وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ }** [البقرة: 163].
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } في معنى الصمد ثلاثة أقوال: أحدها: أن الصمد الذي يُصمَد إليه في الأمور أي يلجأ إليه. والآخر: أنه لا يأكل ولا يشرب فهو كقوله:**{ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ }** [الأنعام: 14] والثالث: أنه الذي لا جوف له، والأول هو المراد هنا على الأظهر، ورجحه ابن عطية بأن الله موجد الموجودات وبه قوامها، فهي مفتقرة إليه أي تصمد إليه إذ لا تقوم بأنفسها. ورجّحه شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير لورود معناه في القرآن حيثما ورد نفي الولد عن الله تعالى كقوله في مريم " وقالوا اتخذ الله ولداً " ثم أعقبه بقوله:**{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }** [مريم: 93] وقوله:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ }** [الأنعام: 101] وقوله:**{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }** [البقرة: 116] وكذلك هنا ذكره مع قوله لم يلد فيكون برهاناً على نفي الولد، قال الزمخشري: صمد فَعَل بمعنى مفعول لأنه مصمود إليه في الحوائج.
{ لَمْ يَلِدْ }. هذا ردّ على كل من جعل لله ولداً فمنهم النصارى في قولهم: " عيسى ابن الله " واليهود في قولهم: " عزيز ابن الله " والعرب في قولهم: " الملائكة بنات الله " وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد، وأوضحها أربعة أقوال: الأول: أن الولد لا بد أن يكون من جنس والده. والله تعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله تعالى:**{ مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ }** [المائدة: 75] فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم فتبطل مقالة الكفار. والثاني: أن الوالد إنما يتخذ ولداً للحاجة إليه، والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولداً وإلى هذا أشار بقوله:**{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ }** [يونس: 68] الثالث: أن جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوة وإلى هذا أشار بقوله تعالى:**{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
[مريم: 93] الرابع أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة، والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولد وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101].
{ وَلَمْ يُولَدْ } هذا رد على الذين قالوا: أنسب لنا ربك، وذلك أن كل مولود محدث، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره، فلا يمكن أن يكون مولوداً تعالى عن ذلك.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } الكفؤ هو النظير والمماثل قال الزمخشري: يجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، فيكون نفياً للصاحبة. وهذا بعيد والأول هو الصحيح ومعناه أن الله ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل، ويجوز في كفوءاً ضم الفاء وإسكانها مع ضم الكاف. وقد قرئ بالوجهين ويجوز أيضاً كسر الكاف وإسكان الفاء، ويجوز كسر الكاف وفتح الفاء والمدّ ويجوز فيه الهمزة والتسهيل وانتصب كفواً على أنه خبر كان، وأحد اسمها، قال ابن عطية: ويجوز أن يكون كفواً حالها لكونه كان صفة للنكرة فقدم عليها، فإن قيل: لم قدَّم المجرور وهو له على اسم كان وخبرها، وشأن الظرف إذا وقع غير خبر أن يؤخر؟ فالجواب: من وجهين: أحدهما: أنه قدم للاعتناء به والتعظيم، لأنه ضمير الله تعالى وشأن العرب تقديم ما هو أهم وأولى. والآخر: أن هذا المجرور به يتم معنى الخبر وتكمل فائدته، فإنه ليس المقصود نفي الكفؤ مطلقاً إنما المقصود نفي الكفؤ عن الله تعالى، فلذلك اعتنى بهذا المجرور الذي يحرز هذا المعنى، فقدم.
فإن قيل: إن قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يقتضي نفي الولد والكفؤ فلم نص على ذلك بعده؟ فالجواب: أن هذا من التجريد، وهو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في عموم ما تقدم، كقوله تعالى:**{ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ }** [البقرة: 98] ويفعل ذلك لوجهين يصح كل واحد منهما هنا؛ أحدهما: الإعتناء، ولا شك أن نفي الولد والكفؤ عن الله ينبغي الاعتناء به للرد على من قال خلاف ذلك من الكفار. والآخر: الإيضاح والبيان، فإن دخول الشيء في ضمن العموم ليس كالنص عليه فنص على هذا بياناً، وإيضاحاً للمعنى ومبالغة في الرد على الكفار، وتأكيداً لإقامة الحجة عليهم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير غريب القرآن / زيد بن علي (ت 120 هـ) | قولهِ تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } معناه واحدٌ { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } ، فالصَّمدُ: هو السَّيدُ الذي لَيسَ فَوقَهُ أحدٌ. ولا يُدانيهِ أحدٌ. المَرغوبُ إليه عِندَ الرّغائبِ. المَفزوعُ إليهِ في النَّوائبِ. والصَّمدُ: الباقي الدَائمُ. ويقال: هو الله أحدٌ: ليسَ مَعهُ شَريكٌ. الصَّمدُ: يقال هو المَصمودُ إليهِ بالحَوائجِ { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } معناه لَيسَ بوَالدٍ ولا مَولودٍ { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } معناه شِبهٌ. ويقال لَم يَلدْ: لم يَتولدْ منهُ شَيءٌ. ولم يَتولدْ هو مِن شَيءٍ. ولم يَكنْ لَهُ كُفُواً أَحدٌ: ليسَ لَهُ شِبهٌ ولاَ نَظيرٌ ولَيسَ كَمثلهِ شَيءٌ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير النهر الماد / الأندلسي (ت 754 هـ) | { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ \* قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } الآية، هذه السورة مكية ولما تقدم فيما قبلها عداوة أقرب الناس إليه وهو عمه أبو لهب وما كان يقاسي من عباد الأصنام الذين اتخذوا مع الله آلهة جاءت هذه السورة مصرحة بالتوحيد رادّة على عباد الأوثان والقائلين بالثنوية وبالتثليث وبغير ذلك من المذاهب المخالفة للتوحيد.
وعن ابن عباس أن اليهود قالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فنزل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } مبتدأ وخبر " والصمد " فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض من صمد إليه إذا قصده وهو السيد المصمود إليه في الحوائج، قال الشاعر:
| **الا خبر الناعي بحير بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود بالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
قال الزمخشري: لم يلد لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا وقد دل على هذا المعنى بقوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101].
{ وَلَمْ يُولَدْ } لأن كل مولود محدث وجسم والله تعالى قديم لا أول لوجوده وليس بجسم ولم يكافئه فيه أحد أي لم يماثله ولم يشاكله ويجوز أن تكون من الكفاءة في النكاح نفياً للصاحبة " انتهى ".
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقال كفو بضم الكاف وفتحها وكسرها مع سكون الفاء وقال الزمخشري: فإِن قلت الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم وقد نص سيبويه على ذلك في كتابه فما باله مقدماً في أفصح الكلام وأعربه. قلت: هذا الكلام إنما سيق لنعي المكافأة عن ذات الباري سبحانه وتعالى وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان لذلك أهم شىء وأعناه وأحقه بالتقديم وأحراه. " انتهى ".
وهذه الجملة ليست من هذا الباب وذلك أن قوله ولم يكن له كفواً أحد ليس الجار والمجرور فيه تاماً إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبراً الكان بل هو متعلق بكفواً وقدم عليه فالتقدير { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي مكافئه فهو في معنى المفعول متعلق بكفواً وتقدم على كفواً للاهتمام به إذ فيه ضمير الباري تعالى وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير لأن تأخير الاسم هو فاصلة فحسن ذلك وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره إن له الخبر وكفواً حال من أحد لأنه ظرف ناقص لا يصلح أن يكون خبراً وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً ويصلح أن يكون غير خبر قال سيبويه: وتقول ما كان فيها أحد خير منك وما كان أحد مثلك فيها وليس أحد فيها خير منك إذا جعلت فيها مستقراً ولم تجعله على قولك فيها زيد قائم أجريت الصفة على الإِثم فإِن جعلته على فيها زيد قائم نصبت فتقول ما كان فيها أحد خيراً منك وما كان أحد خيراً منك إذا أردت الإِلغاء فكلما أخرت المعنى كان أحسن وإذا أردت أن يكون مستقراً فكلما قدمت كان أحسن والتقديم والتأخير والإِلغاء والاستقرار عربي جيد كثير قال تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) | تقديرهُ: ولم يكن أحدٌ كُفُؤاً له؛ أي ليس كمثلهِ شيءٌ، و " في " قوله تعالى { كُفُواً } ثلاثُ قراءاتٍ، قرأ حمزةُ ويعقوب وخلَف ساكنةُ الفاءِ مهموزةٌ، ومثله مرويٌّ عن أبي عمرٍو ونافع، وقرأ حفصُ عن عاصم كُفُوّاً مثقلة غيرُ مهموزةٍ، وقرأ الباقون كُفُؤاً مهموزة مضموم الفاء، والكفؤُ والكفاء والكفَى واحدٌ، وهو المثلُ والنظير، تعالَى اللهُ عن المثلِ والنظير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
والمعنى: الحَدِيثُ الَّذي هو الحقُّ: اللهُ أَحَدٌ، فهو رفع بالابتداء كِنَايَةً عن الحديث، و { ٱللَّهُ } مبتدأ و { أَحَدٌ } خبره، والجملة خبر عن { هُوَ }.
ولا يجيز الفراء أن [يكون] { هُوَ } كناية عن الحديث إلا (إذا) تقَدَّمَهُ شيء، وهو عنده كناية عن مُفردٍ الله خَبَرُهُ،. وهو قول الأخفش.
وقال الأخفش: { أَحَدٌ } بدل من لفظ اسم الله. والمعنى: الله [إله] واحد، أي معبود واحد لا معبود غيره تجب له العبادة.
ثم قال تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
{ ٱللَّهُ } رفع بالابتداء، و { ٱلصَّمَدُ } نعته، وما بعد ذلك خبر. ويجوز أن يكون { ٱلصَّمَدُ } هو الخبر.
ويجوز أن يرفع على إضمار ابتداء و { ٱلصَّمَدُ } نعت، أي: هو الله الصمد، ويجوز على هذا أن يكون { ٱلصَّمَدُ } خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون { ٱللَّهُ } بدلا من { أَحَدٌ }.
ويجوز أن يكون { ٱللَّهُ } بدلا من { ٱللَّهُ } الأول، وفي التكرير معنى التعظيم.
وروي أن اليهود عليهم اللعنة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم ربه عز وجل و (ينسبه) فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
وروي عن أبي عمرو أنه قرأ بحذف التنوين من { أَحَدٌ } ، حَذَفَهُ لالتقاءِ السَّاكنين. وروي عنه أنه إنما كان يفعل ذلك يريد السكوت عليه فإذا وَصَلَ نَوَّن، وَحَسُنَ الوَقْفُ عليه لأنه رأس آية.
و { أَحَدٌ } بمعنى واحد.
وقيل: { أَحَدٌ } هنا على بابه، بمعنى: أول، كما يقال: الْيَوُمُ الأَحَدُ، أي اليوم الأول، أي: أول الأيام، وذلك مسموع من العرب.
وقال بعض العلماء: في " أحد " من [الفائدة] ما ليس في " واحد " وذلك أنك إذا قلت: فلان لا يقوم به واحد، جاز أم يقوم به اثنان فأكثر.
وإذا قلت: فلان لا يقوم به أحد، تَضَمَّنَ معنى " واحد " (فأكثر)، [وأَكْثَرُ] ما يقع " أحد " إذا كان للعموم بعد النفي، فلذلك بَعُدَ أن يكون " أحد " [هنا] على بابه. وجعله أكثرهم بمعنى " واحد " ، لأن واحداً يقع في الإيجاب، [تقول]: مرَّ بنا أحد، أي واحد.
وقوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } أي: لم يكن له ولد ولا يكون، ولم يكن هو من والد ولا يكون.
وقيل: معناه ليس بِفَانٍ، لأنه ليس شيء " يَلِدُ إلاَّ وهو فَانٍ { وَلَمْ يُولَدْ } ليس بمُحْدَثٍ، لم يكن فكان، لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن لكنه جل وعز قديم لا يَبِيدُ وَلا يَفْنَى ليس كمثله شيء.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: تَفَكَّرُوا في كل شيء، ولا تَفَكَّرُوا في ذات الله، فإن بين السماء السابعة [إلى الكرسي] سبعة آلاف نور، والله فوق ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وروي أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفة رب العزة، فأنزل الله عليه هذه السورة جواباً لهم.
وقيل: إن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم /: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق اللهَ جل ثناؤه؟ فأُنْزِلَت هذه السورة جواباً لهم.
وقال عكرمة: إن المشركين قالوا: يا محمد، [أخبرنا عن ربك]، [صف] لنا ربك ما هو؟ ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله جل ذكره { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها.
وقال أبو العالية: [قال قَادَةُ الأحزاب] للنبي صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لنا ربَّك، فأتاه جبريل عليه السلام بهذه السورة.
[وقال] ابن عباس: **" دَخلَتِ اليَهُودُ عَلَىَ نَبِيِّ (الله) صلى الله عليه وسلم فقالت: يا محمد، لنا ربَّك [وانْسُبْهُ لنا]، فقد وَصَفَ نفسَه في التوراة ونَسَبَها. فارْتَعَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فقال: كَيْفَ تَسْألُونِي عَنْ [صِفَةِ] رَبِّي ونَسَبِه؟! وَلَوْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَصِفَ لَكُمُ الشَّمْسَ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْ لَهُمْ: { ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ \* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، أي ليس بوالد ولا بمولود، و { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } "** ، أي: لم يكن (لَهُ) شبيه من خلقه فيوصف به أو ينسب إليه، فهذه صِفَةُ ربي ونَسَبُه.
وروى محمد بن إسحاق عن محمد [عن] سعيد **" أن رهطاً من اليهود أَتَوْا إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، اللهُ خَالِقُ الْخَلْقِ، فَمَنْ خَلَقَهُ؟ فَغَضِبَ النَّبي صلى الله عليه وسلم حَتَى [انْتَقَعَ] لَوْنُهُ غَضَباً لِرَبِّهِ، فَجَاءهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَسَكَّنَهُ، وَقَالَ: اخْفِضْ عَلَيْكِ جَنَاحَكَ - يَا مُحَمَّدُ - وَجَاءَهُ مِنَ الله جَوَابُ مَا سَأَلُوهُ عَنْه، قَالَ: يَقولُ الله - جَلَّ ثَنَاؤهُ - { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها، فَلَمَّا تَلاَ عَلَيْهمُ النَّبيُّ - عليه السلام - السُّورَةَ. قَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ، كَيْفَ خَلْقُهُ؟ وَكَيْفَ عَضُدُهُ؟ وكَيْفَ [ذِرَاعُهُ]؟، فَغَضِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ مِنْ غَضَبِهِ الأَوَّلِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عليه السلام - فَقَالَ لهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الأُولَى، وأَتَاهُ بِجَوابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ، فَقَالَ: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } إلى قوله: { عَمَّا يُشْرِكُونَ } ".** وقوله: { ٱلصَّمَدُ }. قال ابن عباس: { ٱلصَّمَدُ } الذي لا جوف له. وهو قول مجاهد والحسن. وابن جبير والضحاك.
وقال الشعبي: هو " الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ". وقال عكرمة: هو " الذي لم يخرج منه شيء { [لَمْ] يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ }.
وقال أبو العالية: { ٱلصَّمَدُ } الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يلد إلا سيورث ولا شيء يولد إلا سيموت، فأخبرهم جل وعز أنه لا يورث ولا يموت، وهو قول أبي بن كعب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وقال [شقيق]: { ٱلصَّمَدُ }: (السيد) الذي قد انتهى سؤدده.
وقال ابن عباس: { ٱلصَّمَدُ } السَّيّدُ الذِي قَدْ كَمُلَ [فِي] سُؤْددِهِ وَالشَّرِيفُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ، وَالعظِيمُ الذي [قد] كمل فِي عَظَمَتِهِ، والحَلِيمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي [حِلْمِهِ]، وَالغَنِيُّ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي غِنَاهُ، وَالجَبَّارُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَبَرُوتِهِ، وَالعَالِمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ، وَالحَكِيمُ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدَدِ، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ، هَذِهِ صِفَتُهُ، [لاَ تَنْبغِي] لأَِحَدٍ إلاَّ لَهُ.
وقال قتادة: { ٱلصَّمَدُ } البَاقي الذي لا يَفْنَى، وقال: هذه سورة خالصة ليس فيها شيء من أمر الدنيا والآخرة.
وقال [الحسن]: الصمد الدائم. والصمد عند العرب الذي يصمد إليه، الذي لا [أحد] فوقه.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
{ كُفُواً } خبر " كان " و { أَحَدٌ } اسمها.
وكان سيبويه يختار أن يكون الظرف خبرا إذا قدَّمَهُ [فيختار] إنَّ فِي الدّارِ زَيْداً جَالِساً، فجعل الظرف خبرا لتقدمه وينصب " جالسا " على الحال، فَخَطَّأَهُ المُبَرِّدُ [بِهَذِهِ] الآية، لأنه (قد) قدم الظرف ولم يجعله خبراً. والجواب عن سيبويه أن [سيبويه] لم يمنع [إلغاء] الظرف إذا [تقدم]، إنما اختار أن يكون خبراً ويجوز عنده ألا [يكون] خبراً، [وقد] أشهد شاهداً على [إلغائه] وهو مقدم، وذلك قول الشاعر:
| **مَا دَامَ فِيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّا** | | |
| --- | --- | --- |
وأيضا فإنه (قد) يجوز أن يكون (كفؤاً) حالاً من النكرة [وهي] { أَحَدٌ } لمَّا تَقَدَّمَ نعتُها عليها نُصِبَ لِلْحَالِ، فيكون " [له] " الخبر على مذهب سيبويه واختياره، ولا يكون للمبرد على سيبويه حجة على هذا القول.
وقال أبو العالية في [معنى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }: ليس] له [مثل] شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء.
وقال كعب: إن الله جل ذكره [أسس] السماوات السبع والأرضين السبع على هذه السورة: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } إلى آخرها، وإن الله جل ذكره لم يكافئه من خلقه أحد.
قال ابن عباس: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }: ليس كمثله شيء، فسبحانه هو الله الواحد / القهار. وقال مجاهد: معناه: ولم تكن له صاحبة. والكفء - في كلام العرب - الشبيه والمثل.
وقولهم: لا كفاء له، أي لا مثل له، وقولهم: فلان كفء لفلان معناه: نظير له وشبيه. ومنه: كافأت الرجل، أي فعلت به مثل [ما فعل]. ومنه كفأت [الإناء]، أي جعلت (في) موضع الماء [التفريغ]. وكفأت في [الشعر]: جعلت حرفا نظير حرف.
وقرأ سليمان بن علي الهاشمي: ولم يكن له [كفاء] أحد، وهو بمعنى { كُفُواً } " ، يقال: كفء [وكفء] وكِفاء وكفء بمعنى [فيجمع] [كفء] [كفء] على أكفاء، ويجمع كفاء وكفئ على أكفية.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) | قوله - عز وجل -: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }:
ذكر أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب الله تعالى.
وقيل: عن صفته.
وقيل عن الله تعالى: ما هو؟.
فنزلت هذه السورة معلمة بجميع من يُسأل عنه [و] جوابه؛ ولذلك أثبت { قُلْ }؛ ليكون مخاطبة كل مسئول عن ذلك أن قل، لا على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر؛ إذ ليس في حق الائتمار بالأمر إعادة حرف الأمر في الائتمار؛ فتبين بذلك أنه ليس على تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بالتعليم، بل هو أحق من سبق له الغناء عن تعليم الإجابة لهذا عند حضرة هذا السؤال، كما سبقت منه الدعوة إلى الله - تعالى - بحقيقة ما يقتضي ما جرى به السؤال، وكما أثبت كذلك؛ ليقرأه أبدا، وحق المخصوص بالأمر أن يأتمر، ولا يجعل ذلك متلوا كذلك في الوقت الذي يحتمل المأمور الأمر به، والوقت الذي لا يحتمل؛ فثبت أن ذلك على ما بينا، ودل قوله: { قُلْ }: أنه على أمر سبق عنه السؤال؛ فيكون في ذلك إجابة لما سبق عنه السؤال، وكذلك جميع ما في القرآن { قُلْ } ففيه أحد أمرين:
إما إجابة عن أمر سبق عنه السؤال؛ فينزل بحق تعريف كل مسئول عن مثله.
أو يكون الله - تعالى - إذ علم أنه - عليه السلام - أو من يتبعه يسأل عما يقتضي ذلك الجواب؛ فأنزل ما به يبقى في أهل التوحيد؛ منا منه وفضلا.
ثم لم يجب تحقيق الحرف الذي وقع عنه السؤال إلا لمن شهد وسمع، وقد يتوجه ذلك [الحرف الذي وقع عنه] إلى ما ذكروا من الأسباب وغيرها، وفيما نزل يصلح جواب ذلك كله ويليق به، وإن كنا لا نشهد على حقيقة ما كان أنه ذا، دون ذا ونجيب بذلك لو سئلنا عما ذكرنا، وعن كل حرف يصح في العقل والحكمة الجواب بمثل ما اقتضته هذه السورة.
[و] قوله - عز وجل -: { هُوَ }:
اختلف في تأويله:
من الناس من قال: هو إضافة إلى الذي عنه كان - أو يكون - السؤال المقتضي ما جرى به البيان من الجواب، أي: الذي يسألون عنه: { ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } إلى آخر السورة.
ومنهم من قال: هو اسم الله الأكبر، يروى ذلك عن بعض أولاد [علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -] أنه كان يقول في دعائه: " يا هو، يا من لا هو إلا هو، يا من به كانت هوية كل هو " ، وذلك يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه هو لذاته هوية كل من سواه؛ لما هو يكون محتملا للتلاشي والوجود، إلا هو سبحانه لم يزل ولا يزال هو
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] على ما اقتضى بيان وحدانيته في هذه السورة؛ وعلى ذلك قيل: هو الأحد بذاته، المنشئ أحدية كل الآحاد، المتعالي عن كل معاني أحدية من سواه.
والثاني: أن يكون إضافه إلى اسمه الذي لا يحتمله اللسان، وهو الذي لم يطلع عليه الخلائق، وهو الذي يراد في الدعاء: " باسمك الذي من سألك به أعطيته، ومن دعاك به أجبته " فيكون السؤال به بما يكنى عنه من الوجه الذي ذكرت، لا أن يسعه اللسان أو يحتمل الطوق التفوه به تعالى.
والتأويل الأول هو أقرب إلى الأفهام، وأحق أن يكون على ذكر من يقتضي عنه السؤال، ثم التفسير على ما جرى.
وقوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ }:
اختلف في المعنى الذي جرى هذا في حق أهل هذا اللسان أنه مما اشتق من أمر عرفوه أو لا عن أمر عرفوه؟ إذ في كل لسان لما أريد به عند الذكر لسان العرب اسم يدعى به ويسمى، وإن اختلف وزن كل من ذلك على اختلاف الألسن؛ ليعلم أن الأحرف والتقطيع في التكلم إنما هو ليفهم المقصود، لا على توهم حقيقة الاسم بتلك الحروف والتقطيع، وذلك كما يعبر عن تكوينه الخلائق بـ " كن " ، لا على تحقيق كاف أو نون في التكوين؛ فعلى ذلك جميع ما يسمى الله - تعالى - لا على تحقيق الحروف التي تجري بها التسمية ممن لا يحتمل طوقه إلا بها؛ لكن على ما يقرب إلى الأفهام المراد في التفوه به.
وقال قوم: { ٱللَّهُ } هو المعبود في لسان العرب لا على الاستحقاق، لكن على وضع ذلك كذلك؛ دليله تسميتهم كل من عبدوه وكل شيء عبدوه: إلها، وإن كان جميع ما سوى إله الحق ممن عبد لا يحتمل شيئا من تلك المعاني التي زعم من ادعى الاشتقاق عنها من الاحتجاب، أو الالتجاء إليه، ونحو ذلك؛ فثبت أنه اسم موضوع للمعبود.
وعلى ذلك قوله - تعالى -:**{ أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ }** [الفرقان: 43]، أي: معبوده ما يهواه، لا أن للهوى شيئا من ذلك؛ [فيكون المعبود الحق هو الله - تعالى - لما له في كل شيء أثر عبودة ذلك] الشيء ودلالة الربوبية له عليه سبحانه فهو المعبود بذاته، بمعنى المستحق بذاته العبادة من جميع خلقه والاستسلام له والخضوع بما ذكرت من الموضوع في كل آية ذلك، ولا قوة إلا بالله، وهذا تحقيق ما ذهبنا إليه أنه خالق بذاته؛ رحمان رحيم بذاته، موصوف به في الأزل، وإن كان الذي وصل إليه أثر رحمته وفيه ظهور دلالة تدبيره حدث بعد أن لم يكن على ما كانت العبادة والاستحقاق كان ممن حدث وفيمن كان بعد أن لم يكن، وهو إله لم يزل ولا يزال.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعلى ذلك قوله - عز وجل -:**{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }** [الفاتحة: 4] و**{ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ }** [الأنعام: 164]، وإن كان من الأشياء ما سيكون، لا أنها كانت كائنة، وكذلك يوم الدين؛ فعلى ذلك أمر " خالق " ، ونحو ذلك؛ ومن هذا الوجه أنكر قوم أن يكون الإله اسم معبود في الحقيقة، أو اسما مشتقا على لسان؛ إذ هو لم يزل إلها، ومن به العبادة أو عنه الاشتقاق حادث.
والأصل عندنا: ما ذكرنا: أنه بجميع ما وصف به وصف بذاته؛ إذ لا يحتمل التغير والاستحالة، ولا نيل مدح بغير ممدح، وإنما يمدح به لذاته: لأنه استحق من كلٍّ ذلك لوقت كون ذلك، وعلى ذلك القول بـ " العالم " و " القادر ": أنه كذلك، وإن كان الذي علمه ممن سواه وكل مقدور عليه حادث بعد أن لم يكن، ولا قوة إلا بالله.
وقال الضحاك: الله اسمه الأكبر؛ لأنه يبتدأ به في كل موضع.
ثم اختلف في معنى الاشتقاق:
فمنهم من يقول: أصله: إله، من أله الرجل إلى آخر، أي: التجأ إليه واستجاره؛ فآلهه، بمعنى: أجاره وآمنه؛ فسمي: إلها على وزن الفعال؛ كما يسمى: إماما؛ لما يؤتم [به]، وفخم بإدخال الألف واللام، ثم لين وحذف الهمزة كما هو لغة قريش، ثم أدغم أحد اللامين في الآخر، فشدد؛ فصار الله.
وعلى ذلك تأويل الصمد: أن يصمد إليه من الحوائج، ويستغاث به ويلتجأ إليه.
وقيل: إن اشتقاقه من وله يله ولها؛ إذا فزع إليه، فسمي به؛ لأن المفزع إليه، وهو قريب من الأول.
ولكن حق ذلك في الاسم أن يكون ولاه، فأبدل الواو ألفا، كما يقال في وكاف: إكاف، وكذلك أهل الحجاز يجعلون الواو ألفا، قال الشاعر:
| **فأقبلت ألهي ثكلى على عجل** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل: سمي به؛ لأنه أله كل شيء، أي: ذلـله وعبده؛ فتأله له، أي: عبده، قال: قائلهم:
| **وأله إلهك واحدا متفردا** | | **ساد الملوك بعزه وتمجدا** |
| --- | --- | --- |
وقال آخرون: سمي به؛ لاستتاره، ومنه يقال: لهت؛ فلا ترى، وقال الشاعر:
| **لاه ربي عن الخلائق طرا** | | **خالق الخلق لا يرى ويرانا** |
| --- | --- | --- |
وقيل: سمي به؛ لتحير القلوب عن التفكر في عظمته؛ كقوله: ألاهني الشيء حتى ألهت، ومنه مفازة ملهة، يعني: العقل يحار عند النظر إلى عظمته، ومنه أله يأله؛ [فهو إله].
وقال الشاعر:
| **وبهما تيه تأله العين وسطها** | | **مخففة الأعلام بيد ضر ما تتملق** |
| --- | --- | --- |
قال - رضي الله عنه -: والأصل عندنا: الإغضاء عن هذا؛ لما أن الحاجة إلى تعرف الاشتقاق والوضع؛ لتعرف محل الأمر، وموقع الحكم، ومن جميع ما اشتقوا به الاسم يحتمل تسمية الغير بكل ذلك، وتحقيق الإضافة إلى ذلك وتسميته: إلها، أو إضافة ما به عرف الحقيقة - لا يحتمل غيره سبحانه وتعالى، ولا يجوز التسمية به؛ فثبت الغناء في معرفته عن جميع الوجوه التي أريد الاستخراج [منها]؛ إذ هي طرق توصلهم إلى العلم بالمقصود والوقوف على المراد، وقد عرف دون الذي ذكروا، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والأصل عندنا في ذلك: أن الله - سبحانه وتعالى - بلطفه يمنع الخلق عن تسمية أحد: إلها، إلا من جهة أحوال تعترض؛ فسموا به على معنى جعل الاسم الذي جرت التسمية به حقيقة له؛ فسموا؛ ظنا منهم أن بذلك التوسل والتقرب، لا أن يروا لشيء من ذلك حقيقة ذلك، بل قالوا:**{ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ }** [الزمر: 3]، وقالوا:**{ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ }** [يونس: 18]، وقالوا:**{ وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا }** [الأعراف: 28]؛ ليعلم أنهم عرفوا لله - تعالى - بما دعوا لأنفسهم في ذلك معاني تردهم إلى الله سبحانه وتعالى، فذكروا مجازا من أحد لسانين، والله أعلم.
أما لسان الرسل في ذكر الله ففي أمور تقربهم إلى الله تعالى، لقوله:**{ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ }** [النساء: 59]، وقال:**{ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ }** [محمد: 7]، وقال:**{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ }** [الفتح: 10]، وصف مبايعة العبد ونصره أو نصر دينه نصراً لله ومبايعته، بما يقرب ذلك إليه؛ فعلى ذلك تسميتهم ما عبدوها، لا أنهم رأوها آلهة في الحقيقة.
أو عن ألسن الفلاسفة أن ليس لله اسم ذاتي؛ وإنما سمي هو بذكر كل ذي شرف ومنزلة عنده؛ فعلى ذلك إذ محل من يعبدون عندهم ما ذكرنا من القول عنهم؛ فسموا به، لا أن حققوا كما ذكروا حقيقة ذلك الاسم إلى من عرفوه أنه إله، ردوا أمرهم في ذلك، وذلك من لطف الله - تعالى - فيما سخرهم عليه؛ كتسمية الخالق والرحمن: أنهم لا يسمون أحدا بهما، وإن كثرت أفعاله، وعظمت رحمته في الخلق؛ ليعلم أنها أسماء الله - تعالى - منع الخلق عن التسمي بها باللطف من حيث لا يعرف سببه.
ثم قوله - عز وجل -: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: الأمر هو الله أحد؛ كما تقول: إنه زيد قائم، أي: الأمر زيد قائم، جواب من يسألك: ما الأمر والشأن في أن قمت هاهنا؟ فتقول: الأمر زيد قائم، أي: قمت لأجله، إلى هذا يذهب الزجاج؛ كأنه يذهب إلى أنه لما قال: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فقيل له: ما الأمر والشأن؟ فقال: الأمر الله أحد؛ أي: ليعرفوا أنه كذلك.
وقوله - عز وجل -: { أَحَدٌ } يتوجه إلى واحد، ثم " واحد " اسم ينفي المثل في الإضافة، كما يقال: هو واحد الزمان، وواحد الخلق؛ على نفي التشبيه له عما أضيف إليه، ويكون واحدا من حيث العدد بما عن مثله يبتدأ الحساب، ولا يبتدأ من أحد؛ فيصير أحدا من ذا الوجه، وإن كان الله - تعالى - بأي حرف ذكر، ففيه ذلك، وهو الواحد الذي يستحيل أن تكون وحدانيته من وجه يحتمل ثانيا، أو من وجه تعديل، هو الواحد الإله الحق المتعالي عن معنى الأعداد والأنداد، وهو على ما ذكر الحكيم في الآحاد أنها أربع:
واحد هو كلٌّ لا يحتمل التضعيف؛ لإحالة كون وراء الكل.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وواحد هو الأقل، وهو الذي لا يحتمل التضعيف والتجزؤ؛ لأنه أقل الأشياء، [فإذا تنصف يكون] ذلك النصف أقل منه.
وواحد هو وسط، وهو الذي يحتمل التنصيف والتضعيف جميعا.
والرابع: هو الذي قام به الآحاد هو، ولا هو أخفى من هو، هو الذي انخرس عنه اللسان، وانقطع دونه البيان، وانحسرت عنه الأوهام، وحارت فيه الأفهام، فذلك الله رب العالمين.
والأصل في ذلك: أنه لا سبيل إلى العبارة عنه بغير هذا اللسان، ولا وجه للتقريب إلى الأفهام بهذا اللسان إلا بما جرى به الاعتياد، وظهرت به المعارف؛ فلما ذكرنا من الضرورة جعل التوحيد في الحقيقة بالأدلة والبراهين في ضمن التسمية في عبارة اللسان، وحقه مما أخبرت من ضرورات الأحوال في إرادة التقريب إلى الأفهام إلى عبارات اللسان المؤسس على الاعتياد في إظهار المعارف؛ فعلى ذلك القول بـ " واحد " ، وبـ " أحد " ، لا على أحدية غيره من جهة التوسط، أو من جهة القلة، أو من جهة الكثرة، مع ما كل من هو في معنى واحد، فهو واحد الآحاد المجتمعة، إلا الواحد الذي يقال جزء لا يتجزأ، وهو من غير في الجملة متجزئ عن توهم ذلك الجزء غير متجزئ في الوهم، أو هو الأقل منه، وهو جزء في الحقيقة، والله يتعالى عن الوصف بالكل والبعض، والقليل والكثير، والواحد مما له حق الأبعاض، أو الكل، أو رتبة القليل والكثير، جل ثناؤه؛ بل هو الذي [خلق] جميع ما وصفت، وجعل لكل من ذلك مقابلا بما ذكر؛ ليصير كل من ذلك زوجا؛ فتكون الوحدانية الحق له، ولا قوة إلا بالله.
وقوله - عز وجل -: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }.
فذكر أنه أحد، وذكر أنه الصمد في تحقيق ما وصف من الأحدية، وهو - والله أعلم - أن أحوج جميع من سواه؛ حتى تحقق قصد جميع من سواه بالحاجات إليه بالكون في الخلقة وفي الصلاح بعد الكون، وفي الذي به الدوام بعد الوجود، والوجود بعد العدم ما احتمل الوجود دونه، ولا البقاء إلا به، أحاطت الحاجات بكلٍّ؛ ليكون له الغناء عن الكل في الوجود والبقاء؛ ليتحقق أنه الموجود بذاته والباقي بذاته، والمتعالي عن معنى وجود غيره سبحانه، وهو على ما ذكرنا من عجز الألسن عن البيان عنه بالعبارة إلا على التقريب إلى الأفهام بالمجعول من آثار هويته في جميع الأنام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم قيل في { ٱلصَّمَدُ } بوجوه يرجع جميع ذلك إلى ما بينا.
أحدها: السيد الذي قد انتهى سؤدده، ومعنى ذلك في المفهوم من السؤدد في صرف الحوائج إليه، ورجاء كل المحاوج به.
والثاني: في أن لا جوف له، وذلك في وصف الوحدانية والتعالي عن معنى أحدية غيره من اجتماع أجزاء ممكن فيها الفرج والثقب التي هي كالأجواف.
أو على ما فسر قوم بالذي هو في ظاهر العبارة مخرج الكتاب، وهو الذي ذكر على أثره، وهو قوله - تعالى -: { لَمْ يَلِدْ }؛ لأن كل ذي الكون ذو جوف عنه يتولد الأولاد، ويكون في ذلك إحالة قول من نسب إليه الولد؛ فيقول: كيف يكون له ولد، وقد تعلمون أنه ليس بذي جوف؟ كما قال:**{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] في قوم نزهوه عن الصاحبة، وهم لم يشهدوا الولادة إلا بها، كما لم يشهدوا الولادة إلا عن ذي جوف؛ فيكون في هذا نقض قول هذا الفريق فيه بالولادة بما نزهوه عن الجوف، كما في الأول بما برءوه عن الصاحبة.
وقيل: بما لذي الأجواف من الحاجات؛ فيرجع إلى التأويل الأول: أنه المصمود إليه بالحوائج.
وظن قوم: أنه إذا نفى عنه الجوف ثبت أنه مصمت، وذلك معنى اجتماع أجزاء تتداخل فتتكاثر كذي الجوف هو اجتماع أجزاء تتفق، فإذا تحقق التنزيه عن أحد الوجهين تحقق التنزيه عن الوجه [الآخر]؛ ففي الوجهين نفي الوحدانية، وتحقيق ازدواج الأجساد مع ما قد ينفى عن أشياء أمور لا تحقق لها المقابلة؛ كما ينفى عن الأعراض: السمع والبصر والعلم، لا على إثبات مقابلتها بما علموا أن الأعراض لا تحتمل الإعراضات؛ فعلى ذلك العلم بوحدانية الله - تعالى - والتنزيه عن احتمال الأزواج يحقق القول الذي ذكرت.
وقد قيل في الصمد: إنه الدائم، وذلك - أيضا - يرجع إلى ما ذكرت: أنه لا يحتمل التغير والاستحالة وإصابة أثر الحاجة، وهو المصمود إليه بالحوائج.
وقد قائل قائل في التأويل الأول:
| **لقد بكر الناعي بخيري بني أسد** | | **بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
ويقال: صمدت إلى فلان، أي: قصدت إليه، وهذا يوضح معنى الصمد: أنه يصمد إليه في الحوائج.
وقيل في ذلك: إن الصمد تأويله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
قال الشيخ أبو منصور - رضي الله عنه -: الأصل: أنه - تعالى - عظم القول بالولاد ما عظم بجعل الشركاء؛ وذلك أن معنى الولاد: أن يكون بجوهر من له ولد؛ فيكون بذلك شريكا، وذلك ينفي التوحيد؛ فعلى ذلك القول بالولاد؛ لذلك عظم القول به، وألزم على من عرفه بالأدلة القول ببراءته عن الولاد؛ كما ثبت الاشتراك من الوجه الذي بينا، وقد شهد العالم بكليته بحق الخلقة على أنه - تعالى - منشئه عن الشركاء والأشباه جميعا؛ فيبطل القول بالذي ذكرنا، مع ما كان جميع الخلائق على الإشارة إلى كل منه يحتمل الأزدواج، ومنه يكون التوالد، والله تعالى متعالٍ عن ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وبعد: فإن [كلام العالم] على الإشارة إلى آحاد متولد عن غير، أو يتولد منه غير، وهما أمران راجعان إلى ما عليه حق هذا العالم، وعليه موضوعهم؛ وقد ثبت تعاليه عن جميع معاني غيره؛ إذ كل غير له بجميع معانيه حدث بعد أن لم يكن أتى عليه تدبير غيره، وجرى عليه تقدير سلطان غيره، والله - تعالى - لو كان يتوهم شيء من ذلك فيه تسقط له الألوهية، وتحقق له الحاجة إلى غيره، ويوجب جري سلطان غيره عليه، وذلك يوجب غيرا خارجا عن هذه المعاني؛ حتى تسلم الأدلة له على حد الموضوع، وتصفو له الشهادة على ما قامت وأنقطعت بالخلقة، وبما فيه من الحكمة، ولا قوة إلا بالله.
وعلى ذلك ختم السورة: أن ليس له أحد كفُؤاً؛ لأنه من ذلك توجب المماثلة، وفي المماثلة اشتراك، وقد ثبت فساد العالم بتوهم الاشتراك في تدبيره، وقد لزم التعالي عن المعاني التي للأرواح بها يقوم التدبير، ويجري سلطان التقدير.
وجائز أن يكون مخرج السورة في تحقيق نعت من قد عرفوه بإحدى خصال ثلاث:
إما بالتلقين لكل عن كل، إلى أن ينتهي ذلك إلى علام الغيوب، فسخرهم بذلك وأنشأهم على ذلك؛ حتى أيقن من جحد ذلك أنه بعد تلقين متوارث ظاهر لا يحتمل مثله الخطأ في حق توارث الأمور بما يبطل المعارف كلها بأسرها - أنشئوا وبها تعالموا، وذلك كأول علوم الخلق وكالشيء المطبوع الذي لا يستطاع جحده إلا بما لعل الطباع المخلوقة على جهة الرياضة وأنواع الحيل.
وإما بالتأمل فيها في كل جزء من أجزاء العالم من الأدلة عليه والشهادة له؛ فبين بالآية للذين عرفوه بأحد الوجوه التي ذكرنا [أن] نعته كذا؛ ليقطع به توهم المثل له، أو العدل في أمر؛ وليعرفوا أن القول بغير خارج عن الوجوه التي ذكرنا، وأنه يرجع إلى ضرب من التلقين، ليس له حق الطباع ولا حق التلقين الذي له صفة الكافية والكلية في التلقين، ولا في حق شهادة الكل بالخلقة يدرك بالتأمل والتفكر؛ فيمتنع عن ذلك، ويرجع إلى حقيقة ما جرى به النعت دون غيره مما [ألفوا فيه] يرجع إلى تلقين من ذكر، وتلبيس بلا حجة؛ لذلك لا يضاهي شيئا مما ذكرت، مع ما في كل ذلك جميع ما في غير ذلك من شهادة الخلقة، والحاجة فيها إلى غيره من الإيجاد والإبقاء، وهو الأحد بما لا دليل لغيره؛ بل في ذلك إحالة الألوهية من كل الوجوه الثلاثة، وهو الصمد بمعنى المصمود إليه في الحوائج، المالك لقضائها، وهو الذي لم يلد ولم يولد، وهو المتعالي عن احتمال ولاد فيه ومنه؛ لما ذكرت من فساد الألوهية الثابتة له بما ذكر من الوجوه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقوله - عز وجل -: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }؛ لما في كل أحد سواه جميع الوجوه التي منها يعرف سلطان غيره عليه، وأنه ذليل لمن ذل له كل شيء على السواء، ولا قوة إلا بالله، ومنه الاستهداء، ولما ذكرت سميت هذه السورة: سورة الإخلاص؛ لأنها في إخلاص التوحيد لله، ونفي الأشباه والشركاء في الألوهية والربوبية، وأن كل شيء سواه مربوب ومملوك له، ولا قوة إلا بالله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير الجيلاني/ الجيلاني (ت713هـ) | { قُلْ } يا أكمل الرسل لمن سأل عنك بقوله: صف لنا ربك ألذي تدعونا إلى الإيمان به وعبادته: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإِخلاص: 1] أي: هو الذات المتصف بالألوهية الغيبية والشهادة، المتعالية عن كليهما بحسب ذاته المتصفة بالألوهية والربوبية، المستجمعة لجميع شرائط الكمال حسب الأسماء والصفات الكاملة، الكامنة في تلك الذات المتصفة بالأحدية المطلقة المنزهة عن التعدد والكثرة مطلقاً، المستقل في الوجود والحياة والقيومية المستلزمة للديمومية والبقاء الأزلي الأبدي السرمدي، الذي كان لا يكال بقاؤه ودوامه بمطلق الموازين والمقادير، ولا يحيط به وبقيوميته مطل التدابير والتقادير.
فكيف كان سبحانه محلاً للتقدير؛ إذ هو { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الإِخلاص: 2] أي: السيد السند الذي يقصد نحوه ويرجع إليه عموم ما ظهر وبطن من الكوائن والفواسد الكائنة في نشأتي الغيب والشهادة، والأولى والأخرى، وهو في ذاته مستغن عن جميعها مطلقاً.
وكيف لا يكون مستغنياً؛ إذ هو الله الذي { لَمْ يَلِدْ } إذ الإيلاد إنما هو للأخلاف وخوف الانعدام والانقضاء، وهو سبحانه بمقتضى قيوميته ووجوب وجوده ودوام بقائه لا يطرأ عليه أمثال هذه النقائص المستلزمة لضبط العاقبة والمآل؛ إذ لا يجر عليه انقضاء وانتقال { وَ } كذا { لَمْ يُولَدْ } [الإِخلاص: 3] لذلك؛ إذ كل ما ظهر وبطن، أزلاً وأبداً إنما هو منه وبه وله وفيه، وكل ما فُرض من الموجود أزلاً وأبداً ما هو خارج عن حيطة أظلال أسمائه وعكوس صفاته، فكيف يتصور أن يسبقه شيء هو غيره مع أنه لا غير في الوجود مطلقاً حتى يلده.
{ وَ } باجملة: هو سبحانه منفرد في توحده، متوحد في انفراده، ومستقل في استقلاقه، بحيث { لَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإِخلاص: 4] لا قبله ولا بعده، بل لا إله سواه، ولا موجود غيره.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد المحمدي المنكشف بالتوحيد الذاتي - مكنك الله في مقر عزك وتمكينك - أن تصرف عنان عزمك وهمتك بعدما كوشفت بتوحيده الذاتي وكمالات أسمائه وصفاته نحو سوابغ آلائه ونعمائه الفائضة منه سبحانه حسب رقائق أسمائه الحسنى وأوصافه العظمة، وتشاهد آثار قدرته الغالبة التي تتحير منه العقول والآراء.
وإياك إياك أن تغفل عن الله طرفة، فإنها تورثك حسرة طويلة؛ إذ كل نفس من النفسات الإلهية التي جرت عليك في أوقات حياتك مشتملة على عجائب صنع الله وبدائع حكمته المتقنة البالغة، بحيث ما مضى مثلها أزلاً ولا سيأتي شبهها أبداً، فعليك أن تغتنم الفرصة وتتعرض للنفحات الإلهية، ولا يشغلك شيء منها.
جعلنا الله من المتعرضين بنفحات الحقن المستنشقين من نسمات روحه وراحته بمنِّه وجوده.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير حاشية الصاوي / تفسير الجلالين (ت1241هـ) | قوله: (فالله خبر هو) إلخ، هذا مبني على أن الضمير { هُوَ } عائد على المسؤول عنه في كلام الكفار، وقيل: إنه ضمير الشأن يفسره الجملة بعده فـ { ٱللَّهُ } مبتدأ و { أَحَدٌ } خبره، والجملة خبر { هُوَ } وهمزة { أَحَدٌ } بدل من واو، لأنه من الوحدة، أو ليست مبدلة من شيء قولان، وإثبات لفظ { قُلْ } مع تنوين { أَحَدٌ } هو قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بحذف { قُلْ } وقرئ أيضاً: قل هو الله أحد، وقرئ أيضاً بحذف التنوين لالتقاء الساكنين، واعلم أن هذه الآية يأخذ منها عقائد التوحيد، وذلك لأن الله تعالى علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، ومن كان وجوده واجباً، لزم اتصافه بسائر الكمالات، كالقدرة والإدارة والعلم والحياة، وقوله: { أَحَدٌ } يدل على الصفات السلبية وهي: القدم والبقاء والغنى المطلق والتنزه عن الشبيه والنظير والمثيل في الذات والصفات والأفعال، وبذلك انتفت الكموم الخمسة وهي: لكم المتصل والمنفصل في الذات والصفات والمنفصل في الأفعال، فالمتصل في الذات والصفات هو التركيب، والمنفصل فيهما هو الشبيه والنظير، والمنفصل في الأفعال هو الشبيه فيها، وكل هذه منفية ومستحيلة عليه تعالى، وأما المتصل في الأفعال فهو ثابت، ولأن أفعال الله متعددة لا نهاية لها، بقي شيء آخر وهو أن { أَحَدٌ } يستعمل في النفي، وأما واحد فيستعمل في الإثبات، فلم ذكره في الإثبات؟ أجيب: بأن ذلك أغلبيّ، وقد يستعمل كل في كل، والقرآن وارد بذلك في غيره آية، وآثر الأحد على الواحد لمراعاة الفواصل. قوله: (وأحد بدل) أي بدل نكرة من معرفة وهو جائز.
قوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } نتيجة ما قبله، ولذا ترك العاطف، وذلك لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات منزه عن النقائض، فلا يقصد غيره، ولا يعول إلا عليه. قوله: (أي المقصود في الحوائج) هذا أحد أقوال في معنى { ٱلصَّمَدُ } وهو المشهور، وقيل: هو الذي لا جوف له، وقيل: هو الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل: هو الذي ليس فوقه أحد، وقيل: غير ذلك، وإنما عرف { ٱلصَّمَدُ } لعلمهم به ومعرفتهم إياه، بخلاف أحديته، وكرر لفظ { ٱللَّهُ } إشعاراً بأن من لم يتصف به لا يستحق الألوهية.
قوله: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } رد على مشركي العرب القائلين: الملائكة بنات الله، واليهود القائلين: عزير ابن الله، والنصارى القائلين: المسيح بان الله، وهذه الجملة نتيجة ما قبلها، لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات، منزه عن النقائص، مقصود في جميع الأمور، فلم يكن علة في غيره، ولا غيره علة فيه، وأتى بالعاطف في الجملتين الأخيرتين دون ما عداهما، لأنهما سيقتا لمعنى وهو نفي المماثلة عنه تعالى بوجوهها، لأن المماثلة إما ولد أو والد أو نظير، فلتغاير الأقسام أتى بالعطف لأنه يقتضي المغايرة، وترك العاطف في { لَمْ يَلِدْ } لأنه مؤكد للصمدية، لأن الغني عن كل شيء، المحتاج إليه كل ما سواه، لا يكون والداً ولا مولوداً، فهذه الجمل الثلاث في معنى جملة واحدة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قوله: (لانتفاء مجانسته) أي لغيره، لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد، لأنه واجب وغيره ممكن، ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده، أو لتخلفه بعده، والله تعالى غني عن كل شيء ولا يفنى. قوله: (لانتفاء الحدوث عنه) أي لأن كل مولود جسم ومحدث، والله تعالى ليس كذلك. قوله: (ومماثلاً) عطف تفسير، واعلم أن الكفر يعم الشبيه والنظير والمثيل، فالمثيل هو المشارك لك في جميع صفاتك، والشبيه هو المشارك في غالبها، والنظير هو الماشرك في أقلها، والله تعالى منزه عن ذلك كله. قوله: (وقدم عليه) أي وكان الأصل أن يؤخر الظرف، لكن قدم لأهميته اعتناء بنفي المكافأة عنه تعالى لأن المقصود. قوله: (لأنه محط القصد بالنفي) أي فالقصد نفي المكافأة عن ذات الله، فكأن تقديمه أولى، وهذه السورة الشريفة، نفت أصول الكفر الثمانية: التركيب والعدد والنقص بمعنى الاحتياج والقلة بمعنى البساطة والعلة والمعلول والشبيه والنظير، أما الكثرة والعدد فانتفاؤهما بقوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } والنقص والقلة بقوله: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } والعلة والمعلول بقوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } والشبيه والنظير بقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) | يا طالب الوحدانية وسرها في عالم الخفى، { قُلْ } [الإخلاص: 1] بلسانك للطيفتك الخفية في عالم الخفى: { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] إشارة إلى الله؛ لأن اللطيفة الخفية في عالمها؛ وهي محجوبة عن غيب الغيوب الذي هو عالم الحق؛ لأن الله { أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] في ذاته، { ٱلصَّمَدُ } [الإخلاص: 2]؛ أي: الصمد في صفاته ليس لذاته مثل ولا لصفاته شبه، ولا له ضد، ولا له ند.
{ لَمْ يَلِدْ } [الإخلاص: 3] لأنه صمدي الصفات، { وَلَمْ يُولَدْ } [الإِخلاص: 3]؛ لأنه أحدي الذات، أول كل شيء وآخره، موجد كل شيء ومعدمه، مبقي الحقوق المفردة ومغني الحظوظ المركبة، ومهلك المفردات عند تجلي صفة وتريته.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 4] في ملكه وملكوته، واللطيفة الأنانية المستحقة المرائية يقول: سبحان الله الواحد الأحد، الفرد الوتر الصمد، الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 3-4] سبحانه ما أعظم شأنه.
وإذا كانت في اللطيفة بقية من القوى الحميدة اللطيفة القالبية أو النفسية يقول: " سبحاني ما أعظم شأني " ، وأنا الحق "؛ فإذا أفاق من غلبة حالتها يقول:
| **أقتلوني يا ثِقاتي** | | **إِنَّ في قَتلي حَياتي** |
| --- | --- | --- |
| **وَمَماتي في حَياتي** | | **وَحَياتي في مَماتي** |
وهذه منزلة عظيمة مشكلة ينبغي للسالك أن يكون في بدرقة حماية شيخه ووليه وتقليد نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليخلصه من هذه الورطة في عالم [سيره]، ويصله إلى لطيفة الخفية في غيب الغيوب، ويعرض هذا الغلط على لطيفته الخفية عند تجلي اللطيفة الخفية على اللطيفة الأنانية، والنصارى لأجل هذا أثبتوا الأبوة والأمومة والبنونة وقالوا:**{ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ }** [المائدة: 73]، وتحزبوا في مذهب الاتحاد أحزاباً كثيرة، مثل: اليعاقبة والملكية، والنسطورية، فكلهم قالوا بالاتحاد.
ولكن اليعاقبة يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت واللاهوت من حيث الامتزاج والاختلاف، بحيث صار الله تعالى حصلت عظمته، والبصري المأخوذ من مريم جوهراً واحداً، شخصاً واحداً، إلهاً واحداً، يكفرون الملكية والنسطورية، ويستحلون دمهما.
والملكية يزعمون أن الاتحاد كان بالناسوت لا باللاهوت، اتحاد للجارة بحيث صار الله عز وجل كما يقول الظالمون الكافرون الجاهلون والإنسان المولد من مريم، بل هو جوهرين ناسوتي ولاهوتي شخصاً واحداً إلهاً واحداً، ومن لم يعتقدهم يحكمون بكفره واستباحة دمه.
والنسطورية يزعمون أن الاتحاد كان بالشبه والرضاء بحيث صار الله تعالى عما يصفه المشركون الجاحدون علواً كبيراً، والمولود من مريم يسمونه بلغتهم (عمّايزيل) ومعناها بالعربي: لنا جوهران أزلي وزمني، وأقنوماني ناسوتي ولاهوتي ابناً واحداً مسيحيّاً واحداً إلهاً حقاً من إله حق ابن جوهر أبيه، ومن لم يذهب مذهبهم فلا يدخلون القداس، ويقرون بكفرهم وقتلهم وكلهم صدقوا بتكفيرهم وأمرهم بقتلهم، علا الله تعالى وتقدست صفاته بالأقانيم الثلاثة بالاتفاق بعضهم يفسرون الأقانيم الثلاثة؛ أي: الأشخاص بالأب والابن وروح القدس، وبعضهم يقولون: إن ذات البارئ تعالى الله عن ذلك
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ عُلُوّاً كَبِيراً }** [الإسراء: 43] الأب والمسيح الابن، والكلمة هي الجابلة المصورة المفصلة للمعاني المبسوطة، التي بها يكون التعقل هي**{ رُوحُ ٱلْقُدُسِ }** [النحل: 102]، وبعضهم يزعمون أن الأب هو القدم والابن هو الحكمة، وروح القدس هي الحياة.
وكلهم غلطوا في النقطات الخارجة عن بحر الجبروت وقت المد، وهي النقطة العلمية التي هي منبع عالم الخفاء، والنقطة الإرادية التي هي منبع عالم الروح، والنقطة القدرية التي هي منبع عالم السر، وظنوا بالنقطة العلمية أنها ذات البارئ، وبالنقطة الإرادية أنها ابن البارئ، وبالنقطة القدرية أنها هي الكلمة، وبعبارة بعضهم هي روح القدس، فكفروا بالله تعالى، واشركوا به في عين اعتقادهم بالاتحاد؛ لأن سنة الله تعالى جرت على إثبات الوسائط كما نشاهدها في عالم الشهادة، إن الولد لا يحصل إلا بازدواج الذكر والأنثى، فعلى هذا الترتيب أثبتوا الوسائط في عالم الغيب بالنقطة الفاعلة؛ وهي النقطة القابلة، وهي للنقطة القدرية لظهور نقطة الإرادة وهي النتيجة، فحسبوا أن ليس وراء العبادات قربة، وأثبتوا رقائق الدقائق الملكية وحقوق ثلاثة، وما وفقوا السير إلى عالم الجبروت ليشاهدوا دقائقها المتصلة إلى حقائق اللاهوتي، ويعاينوا بالذوق الصرف استهلاك الحقائق في ذات الحق الأعظم أحدي الذات وأحدي الصفات، الذي هو فرد بين الخلق وتر بعد الخلق، ولا يمكن الوصول إلى هذا المقام إلا بمتابعة المحبوب؛ لأنه اللطيفة الخفية وينزل ويقتدي بالمهدي الذي يكون من أمة الحبيب وولد من أولاده؛ ليطَّلع على اللطيفة الخفية ويستغفر عن رؤية لطفية روح القدس في نفسه، ويدعو أمته إلى الدين الحنفي ليدخلوا في الحنيفية السمحة السهلة، ويكسروا صليبهم، ويهرقوا خمرهم، ويقتلوا خنزيرهم، ويقولوا كلمتي الشهادة ويشهدوا بأن لا إله إلا الله حقاً، وأن محمداً رسول الله صدقاً.
فاجتهد أيها العابر على اللطائف القالبية، والنفسية والقلبية، والسرية والروحية، والواصل إلى لطيفتك الخفية، ألاَّ تعجب بنفسك ولا تظن بأنك وصلت وكملت بتجلي لطيفة أنانيتك على لطيفة خفيك، وتلوذ بأذيال سنن الحبيب المطلق وتعتصم بحبل الله المتين؛ وهو القرآن المبين الذي أنزل على حبيبه الأمين، حتى تصل جذبة الحق من عالم اللطيفة الحقيقية، ويجذبك من اللطائف كلها ويوصلك إلى اللطيفة الخفية، ويجعلك محرماً لأسرار ذاته وحكمته التي كانت له في إيجاده الموجودات وإفناء المركبات وإهلاك المفردات، وإبقاء اللطائف المستكملة أبد الآباد إما متنعماً وإما متألماً، فسير عيسى عليه السلام كان سير الحبيب من الأنبياء المتقدمة؛ ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم: **" الأنبياء أبناء علات إلا أنا وعيسى "** ، وأما سير إبراهيم عليه السلام كان مستقيماً إلى أن وصل إلى فاطر السماوات والأرض، وتوجه إليه
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
**{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً }** [آل عمران: 67]؛ لأنهم أثبتوا اللطيفة السرية بالنبوة في عالم السر، إذا وجدوها غير حاصلة من امتزاج الروح والقلب، وقالوا: إن عزير ابن الله**{ وَلاَ نَصْرَانِيّاً }** [آل عمران: 67]؛ لأنهم غلطوا في الخفى؛ لأن اللطيفة الخفية أعظم قدراً من اللطيفة السرية، وأعلى مرتبة من اللطيفة الروحية، وأثبتوا الأبوة والأمومة والبنوة كما ذكرنا،**{ وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً }** [آل عمران: 67] بسيره المستقيم إلى عالم القلب،**{ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [آل عمران: 67] فيما رأى من الآيات الملكوتية المودعة في نفسه في ظلمة ليل القالب بقوله:**{ هَـٰذَا رَبِّي }** [الأنعام: 76]؛ لأنه وصل إلى فاطر السماوات والأرض في عالم القلب، تبرأ من الأفلاك وتوجه بالكلية إلى فاطر الأرضين والسماوات، وقال في نهاية معراجه:**{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [الأنعام: 79].
وأمر الله تعالى حبيبه المصطفى بأن يبتدي به في بداية معراجه ويزيد عليه بقوله:**{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ \* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }** [الأنعام: 162-163]، وقال الله تعالى:**{ إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ }** [آل عمران: 68]، ومن على أمته في كل يوم خمس أوقات بالصلاة، التي هي معراج أمته بقوله تعالى:**{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }** [الأنعام: 79]،**{ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ \* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }** [الأنعام: 162-163]، وذكرت حقيقة الصلاة التي كانت معراجاً في مدارج المعارج، فلا أكررها فإن كنت تشتهي مطالعتها فاطلبه وطالعه وأدِ حقه؛ لتصل إلى حظك المخفي الخفي المودع فيه.
اللهم اجعلنا موحدين قائمين بالقسط غير راغبين إلى الباطل، الثابتين على الحق بمحمد حبيبك المطلق صلى الله عليه وسلم، وصحبه وسلم والتابعين لهم بإحسان إلى اليوم الدين.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) | أي { قُلْ } قولاً جازماً به، معتقداً له، عارفاً بمعناه، { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه، { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى. فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير تفسير النسائي/ النسائي (ت 303 هـ) | ذيل التفسير قوله تعالى: [ { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [4] ] 27/ 762- حدثنا عبد الرحمن بن خالد، حدثنا زيد بن الحُباب، حدثني مالك بن مِغول، حدثنا عبد الله بن بُريدة، عن أبيه: **" أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا رجل يُصلي يدعو، يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصَّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. قال: " والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أَعطى، وإذا دُعي به أجاب ".** قال: فحدثته زُهير بن معاوية. فقال: حدثنا سفيان بهذا الحديث عن مالك بن مِغْوَل. قال: وسمعت أبا إسحاق يُحدِّث به، عن مالك بن مِغْول.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) | { قُلْ هُوَ } أي: الخبر الحق المؤيد بالبرهان الذي لا يرتاب فيه، وهو ما يعبر عنه النحويون بالقصة أو الحديث أو الشأن. قال أبو السعود: ومدار وضعه موضعه، مع عدم سبق ذكره، الإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد، وإليه يشير كل مشير، وإليه يعود كل ضمير { ٱللَّهُ أَحَدٌ } أي: واحد في الألوهية والربوبية. قال الزمخشريّ: { أَحَدٌ } بمعنى: واحد. وقال ابن الأثير: (الأحد) في أسمائه تعالى، الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر، والهمزة فيه بدل من الواو. وأصله (وحد) لأنه من الوحدة. وفي (المصباح): يكون (أحد) مرادفاً (لواحد) في موضعين سماعاً:
أحدهما: وصف اسم البارئ تعالى فقال: هو الواحد وهو الأحد، لاختصاصه بالأحدية. فلا يشركه فيها غيره. ولهذا لا ينعت به غير الله تعالى. فلا يقال: (رجل أحد) ولا (درهم أحد) ونحو ذلك.
والموضع الثاني: أسماء العدد للغلبة وكثرة الاستعمال. فيقال: أحد وعشرون، وواحد وعشرون. وفي غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال، بأن (الأحد) لنفي ما يذكر معه، فلا يستعمل إلا في الجحد، لما فيه من العموم، نحو ما قام أحد. أو مضافاً نحو (ما قام أحد الثلاثة). و (الواحد) اسم لمفتتح العدد. ويستعمل في الإثبات، مضافاً وغير مضاف. فيقال: (جاءني واحد من القوم). انتهى.
وقال الأزهري: الواحد من صفات الله تعالى، معناه أنه لا ثاني له. ويجوز أن ينعت الشيء. بأنه واحد. فأما { أَحَدٌ } فلا ينعت به غير الله تعالى، لخلوص هذا الاسم الشريف له جل ثناؤه.
قال الإمام: ونكّر الخبر؛ لأن المقصود أن يخبر عن الله بأنه واحد، لا بأنه لا واحد سواه. فإن الوحدة تكون لكل واحد. تقول: (لا أحد في الدار) بمعنى: لا واحد من الناس فيها. والذي كان يزعمه المخاطبون هو التعدد في ذاته. فأراد نفي ذلك بأنه أحد. وهو تقرير لخلاف ما يعتقد به أهل الأصلين من المجوس، وما يعتقده القائلون بالثلاثة، منهم ومن غيرهم. وسيأتي لابن تيمية كلام آخر في سر إيثاره بالتنكير { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } أي: الذي يصمد إليه في الحوائج، ويقصد إليه في الرغائب. إذ ينتهي إليه منتهى السؤدد، قاله الغزاليّ في (المقصد الأسني). وهكذا قال ابن جرير: الصمد عند العرب: هو السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمى أشرافها. ومنه قول الشاعر:
| **ألا بَكََرَ النَّاعي بخَيْرَيْ بني أَسَدْ** | | **بعَمْرِو بن مسعودٍ وبالسَّيِّدِ الصّمَدْ** |
| --- | --- | --- |
قال الشهاب: فهو (فَعَل) بمعنى مفعول. وصمد بمعنى قصد. فيتعدى بنفسه وباللام وإلى. وقال ابن تيمية رحمه الله: وفي الصمد للسلف أقوال متعددة، قد يظن أنها مختلفة وليست كذلك بل كلها صواب. والمشهور منها قولان:
أحدهما: أن الصمد هو الذي لا جوف له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
والثاني: أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
والأول هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة.
والثاني قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين.
ثم توسع رحمه الله في مأخذ ذلك واشتقاقه والمأثور فيه، إلى أن قال:
وإنما أدخل اللام في { ٱلصَّمَدُ } ولم يدخلها في { أَحَدٌ } لأنه ليس في الموجودات ما يسمى أحداً في الإثبات مفرداً غير مضاف. ولم يوصف به شيء من الأعيان إلا الله وحده. وإنما يستعمل في غير الله في النفي وفي الإضافة وفي العدد المطلق. وأما اسم الصمد فقد استعمله أهل اللغة في حق المخلوقين، كما تقدم، فلم يقل صمد بل قال { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه. فإنه المستوجب لغايته على الكمال. والمخلوق، وإن كان صمدا من بعض الوجوه، فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه. فإنه يقبل التفرق والتجزئة. وهو أيضاً محتاج إلى غيره. فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه، فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو على شيء، إلا الله. وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يتجزأ ويتفرق وينقسم وينفصل بعضه من بعض. والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك، بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة، لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه.
وقال أبو السعود: وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل من استحقاق الألوهية. وتعرية الجملة على العاطف لأنها كالنتيجة للأولى. بيَّن أولاً أُلوهيته عز وجل المستتبعة لكافة نعوت الكمال، ثم أحدّيته الموجبة تنزهه عن شائبة التعدد والتركيب بوجه من الوجوه، وتوهم المشاركة في الحقيقة وخواصها. ثم صمديته المقتضية لاستغنائه الذاتيّ عما سواه، وافتقار جميع المخلوقات إليه، في وجودها وبقائها وسائر أحوالها، تحقيقاً للحق، وإرشاداً لهم إلى سننه الواضح. ثم صرح ببعض ما يندرج فيما تقدم، بقوله سبحانه: { لَمْ يَلِدْ } تنصيصاً على إبطال زعم المفترين في حق الملائكة والمسيح. ولذلك ورد النفي على صيغة الماضي. أي: لم يصدر عنه ولد، لأنه لا يجانسه شيء ليمكن أن يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا. كما نطق به قوله تعالى:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101] ولا يفتقر إلى ما يعنيه أو يخلفه، لاستحالة الحاجة والفناء عليه، سبحانه. انتهى.
وقال ابن تيمية: وقد شمل ما أخبر به سبحانه من تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة كل أفرادها. سواء سموها حسية أو عقلية، كما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة التي هم مضطربون فيها، هل هي جواهر أو أعراض؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور والنفوسَ بمنزلة الإناث، ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم، الذين جعلوا له بنين وبنات، قال تعالى:**{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }** [الأنعام: 100]، وقال تعالى:**{ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ \* وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }** [الصافات: 151 - 152] وكانوا يقولون: الملائكة بنات الله. كما يزعم هؤلاء أن النفوس هي الملائكة، وهي متولدة عن الله، فقال تعالى:**{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ }** [النحل: 57] والآيات في هذا كثيرة.
وقوله: { وَلَمْ يُولَدْ } نفي لإحاطة النسب من جميع الجهات. فهو الأول الذي لم يتقدمه والد كان منه، وهو الآخر الذي لم يتأخر عنه ولد يكون عنه. قال الإمام: قوله: { وَلَمْ يُولَدْ } يصرح ببطلان ما يزعمه بعض أرباب الأديان من أن ابنا لله يكون إلها، ويعبد عبادة الإله، ويقصد فيما يقصد فيه الإله. بل لا يستحي الغالون منهم أن يعبروا عن والدته بأم الإله القادرة، فإن المولود حادث ولا يكون إلا بمزاج، وهو لا يسلم من عاقبة الفناء، ودعوى أنه أزليّ مع أبيه مما لا يمكن تعقله. فهو سبحانه منزه عن ذلك { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } أي: ولم يكن أحد يكافئه أي: يماثله من صاحبة أو غيرها. وقال الإمام: الكفؤ معناه: المكافئ والمماثل في العمل والقدرة. وهو نفي لما يعتقده بعض الوثنيين في الشيطان مثلا. فقد نفى بهذه السورة جميع أنواع الإشراك. وقرر جميع أصول التوحيد والتنزيه. وقال ابن جرير: الكفؤ والكفيء والكفاء، في كلام العرب، واحد. وهو المثل والشَّبْه.
وقرئ { كُفُواً } بضم الكاف والفاء وقلب الهمزة واواً. وقرئ بتسكين الفاء وهمزها، وهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان. و { لَّهُ } صلة لـ { كُفُواً } قدمت عليه، مع أن حقها التأخر عنه، للاهتمام بها، لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى. وأما تأخير اسم كان فلمراعاة الفواصل.
فوائد من هذه السورة
الأولى: قال الشهاب: فإن قلت المأمور بـ { قُلُ } من شأنه إذا امتثل أن يتلفظ بالمقول وحده، فلم كانت { قُلْ } من المتلوّ فيه وفي نظائره في القراءة؟ قلت: المأمور به سواء كان معينا أم لا، مأمور بالإقرار بالمقول. فأثبت القول ليدل على إيجاب مقوله ولزوم الإقرار به على مرّ الدهور.
الثانية: قال الإمام ابن تيمية: احتج بقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } من أهل الكلام المحدث من يقول الرب تعالى جسم، كبعض الذي وافقوا هشام بن الحكم ومحمد بن كرام وغيرهما. قالوا: هو صمد، والصمد الذي لا جوف له. وهذا إنما يكون في الأجسام المصمتة، فإنها لا جوف لها، كما في الجبال والصخور وما يصنع من عواميد الحجارة. ولهذا قيل في تفسيره إنه الذي لا يخرج منه شيء ولا يدخل فيه شيء ولا يأكل ولا يشرب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ونفي هذا لا يعقل إلا عما هو جسم. وقالوا: أصل الصمد: الاجتماع. ومنه تصميد المال، وهذا إنما يعقل في الجسم المجتمع. وأما النفاة فقالوا: الصمد الذي لا يجوز عليه التفرق والانقسام. وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والانقسام. وقالوا أيضاً: الأحد الذي لا يقبل التجزؤ والانقسام. وكل جسم في العالم يجوز عليه التفرق والتجزؤ والانقسام. وقالوا: إذا قلتم هو جسم كان مركباً مؤلفاً من الجواهر الفردة أو من المادة والصورة. وما كان مركباً مؤلفاً من غيره كان مفتقراً إليه، وهو سبحانه صمد. والصمد: الغنيّ عما سواه، فالمركب لا يكون صمداً. انتهى.
وقال الرازيّ: قد استدل القوم من جهال المشبهة بهذه الآية في أنه تعالى جسم، وهذا باطل لأنا بينا أن كونه أحدا ينافي كونه جسما. فمقدمة هذه الآية دالة على أنه لا يمكن أن يكون المراد من الصمد هذا المعنى، ولأن الصمد بهذا التفسير صفة الأجسام المتضاغظة. وتعالى الله عن ذلك. فإذن يجب أن يحمل ذلك على مجازه. وذلك لأن الجسم الذي يكون كذلك. يكون عديم الانفعال والتأثر عن الغير. وذلك إشارة إلى كونه سبحانه واجباً لذاته، ممتنع التغير في وجوده وبقائه وجميع صفاته. انتهى.
وأقول: الصحيح في تأويل الصمد ما ذكرناه أولا. وهو ما حكاه ابن جرير وغيره عن العرب في معناه. وإذا تحقق هذا، فلا يعول على هذا الثاني ولا لوازمه.
الثالثة: قال ابن تيمية: كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب، يجب تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفات الكمال الثابتة له. وهذان النوعان يجمعان التنزيه الواجب لله. وهذه السورة دلت على النوعين. فقوله { أَحَدٌ } من قوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ينفي المماثلة والمشاركة. وقوله: { صَّمَدُ } يتضمن جميع صفات الكمال. فالنقائص جنسها منفي عن الله تعالى. وكل ما اختص به المخلوق فهو من النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها. بخلاف ما يوصف به الرب. ويوصف العبد بما يليق به مثل العلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك. فإن هذه ليست نقائص بل ما ثبت لله من هذه المعاني، فإنه يثبت لله على وجه لا يقاربه فيه أحد من المخلوقات، فضلا عن أن يماثله فيه. بل ما خلقه الله في الجنة من المآكل والمشارب والملابس لا يماثل ما خلقه في الدنيا وإن اتفقا في الاسم، وكلاهما مخلوق. فالخالق تعالى أبعد في مماثلة المخلوقات من المخلوقات إلى المخلوق. وقد سمى الله نفسه عليما حليما رؤوفاً رحيما سميعاً بصيراً عزيزاً ملكا جباراً متكبراً، وسمى أيضاً بعض مخلوقاته بهذه الأسماء. مع العلم أنه ليس المسمى بهذه الأسماء من المخلوقين مماثلا للخالق جل جلاله في شيء من الأشياء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
الرابعة: قدمنا ما ورد في الحديث من أن **" سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ".** وقد ذكروا في ذلك وجوهاً - منها ما قاله أبو العباس بن سريج: أن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام ثلث منها الأحكام، وثلث منها وعد ووعيد، وثلث منها الأسماء والصفات. وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات.
وقال الغزاليّ في (جواهر القرآن): مهمات القرآن هي معرفة الله ومعرفة الآخرة ومعرفة الصراط المستقيم. فهذه المعارف الثلاثة هي المهمة. والباقي توابع. وسورة الإخلاص تشتمل على واحدة من الثلاث، وهي معرفة الله وتقديسه وتوحيده عن مشارك في الجنس والنوع. وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفؤ.
قال: والوصف بالصمد يشعر بأنه السيد الذي لا يقصد في الوجود للحوائج سواه. نعم، ليس فيها حديث الآخرة والصراط المستقيم. فلذلك تعدل ثلث القرآن أي ثلث الأصول من القرآن كما قال: **" الحج عرفة "** أي: هو الأصل والباقي تبع.
وقال ابن القيّم في (زاد المعاد): كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في سنة الفجر والوتر سورتا الإخلاص والكافرون وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد والقصد. فسورة الإخلاص متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه. والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه. ونفي الولد والوالد الذي هو من لازم الصمدية وغناه وأحديته. ونفيُ الكفؤ المتضمن لنفي الشبيه والتمثيل والتنظير: فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له، ونفي كل نقص عنه، ونفي إثبات شبيه أو مثل له في كماله ونفي مطلق الشريك عنه. وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلميّ الاعتقاديّ الذي يباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك. ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن. فإن القرآن مداره على الخبر والإنشاء. والإنشاء ثلاثة: أمر، ونهي، وإباحة. والخبر نوعان: خبر عن الخالق تعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه، وخبر عن خلقه - فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عنه وعن أسمائه وصفاته فعدلت ثلث القرآن. وخلصت قارئها المؤمن من الشرك العلميّ. كما خلصت سورة**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] من الشرك العملي الإراديّ القصديّ. ولما كان العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه والحاكم عليه ومنزله منازله، كانت سورة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن، والأحاديث بذلك تكاد تبلغ مبلغ التواتر. و**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن، وفي الترمذي: من رواية ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه: **" { إِذَا زُلْزِلَتِ } [الزلزلة: 1] تعدل نصف القرآن و { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن و { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [الكافرون: 1] تعدل ربع القرآن "** رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد.
ولما كان الشرك العمليّ الإراديّ أغلب على النفوس لأجل متابعتها هواها، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرته وبطلانه، لما لها فيه من نيل الأغراض.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وإزالتُه وقلعُه منها أصعب وأشد من قلع الشرك العلميّ وإزالته. لأن هذا يزول بالعلم والحجة ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشيء على غير ما هو عليه، بخلاف شرك الإرادة والقصد، فإن صاحبه يرتكب ما يدلّه العلم على بطلانه وضرره لأجل غلبة هواه واستيلاء سلطان الشهوة والغضب على نفسه. فجاء من التأكيد والتكرار في سورة**{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ }** [الكافرون: 1] المتضمنة لإزالة الشرك العمليّ ما لم يجئ مثله في سورة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }.
ولما كان القرآن شطرين: شطراً في الدنيا وأحكامها ومتعلقاتها والأمور الواقعة فيها من أفعال المكلفين وغيرها. وشطراً في الآخرة وما يقع فيها. وكانت سورة**{ إِذَا زُلْزِلَتِ }** [الزلزلة: 1] قد أخلصت من أولها وآخرها لهذا الشطر، فلم يذكر إلا الآخرة، وما يكون من أحوال الأرض وسكانها، كانت تعدل نصف القرآن. فأحْرِ بهذا الحديث أن يكون صحيحاً. والله أعلم.
الخامسة: قال ابن تيمية: سورة { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } أكثرهم على أنها مكية. وقد ذكر في أسباب نزولها سؤال المشركين بمكة، وسؤال الكفار من أهل الكتاب اليهود بالمدينة. ولا منافاة. فإن الله أنزلها بمكة أولاً. ثم لما سئل نحو ذلك أنزلها مرة أخرى. وهذا مما ذكر طائفة من العلماء. وقالوا: إن الآية أو السورة قد تنزل مرتين وأكثر من ذلك. فما يذكر من أسباب النزول المتعددة قد يكون جميعه حقّاً. والمراد بذلك أنه إذا حدث سبب يناسبها؛ نزل جبريل فقرأها عليه، ليعلمه أنها تتضمن جواب ذلك السبب. إن كان الرسول يحفظها قبل ذلك. انتهى.
وقد تقدم في مقدمة هذا التفسير، ومواضع أخر منه، تحقيق البحث في معنى سبب النزول، بما يدفع المنافاة في أمثال هذا. فراجعه. ولهذه السورة الشريفة تفاسير على حدة. من أمثلها كتابان لشيخ الإسلام ابن تيمية: أحدهما في تفسيرها، والثاني في سر كونها تعدل ثلث القرآن. فاحتفظ بهما. والله الهادي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تفسير القرآن العزيز/ ابن أبي زمنين (ت 399هـ) | قوله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني الواحد { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } تفسير قتادة الصمد الباقي وتفسير بعضهم الصمد السيد الذي قد انتهى سؤدده.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ولم يكن له أحد كفوا له أي مثل وشبه.
تفسير الكلبي إن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك وصفه فأنزل الله هذه السورة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ | * تفسير كتاب نزهة القلوب/ أبى بكر السجستاني (ت 330هـ) | { كُفُواً أَحَدٌ }: مثلا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير تذكرة الاريب في تفسير الغريب/ الامام ابي الفرج ابن الجوزي (ت 597 هـ) | الأحد الواحد والصمد السيد الذي ليس فوقه أحد وقيل الذي لا جوف له
والكفو المثل
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) | - الطبرسي في (الاحتجاج): عن الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام): **" أن اليهود أعداء الله لما قدم النبي (صلى الله عليه و آله) المدينة أتوه بعبد الله بن صوريا- و ذكر حديثا طويلا يسأل فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، إلى أن قال له- أخبرني عن ربك ما هو؟ فنزلت: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فقال ابن صوريا: صدقت ".** - محمد بن يعقوب: عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: **" إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا:** **انسب لنا ربك؟ فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } إلى آخرها ".** و رواه محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب.
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى و محمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فقال (عليه السلام):
" نسبة الله إلى خلقه، أحدا صمدا أزليا صمديا لا ظل له يمسكه، و هو يمسك الأشياء بأظلتها، عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل، فردانيا، لا خلقه فيه، و لا هو في خلقه، غير محسوس و لا مجسوس لا تدركه الأبصار، علا فقرب، و دنا فبعد، و عصي فغفر، و أطيع فشكر، لا تحويه أرضه، و لا تقله سماواته، حامل الأشياء بقدرته، ديمومي أزلي، لا ينسى و لا يلهو، و لا يغلط و لا يلعب، [و] لا لإرادته فصل، و فصله جزاء، و أمره واقع، لم يلد فيورث، و لم يولد فيشارك، و لم يكن له كفوا أحد ".
- و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السلام)، عن التوحيد؟ فقال: " إن الله عز و جل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون، فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، و الآيات من سورة الحديد إلى قوله:**{ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }** [الحديد: 6] فمن رام وراء ذلك فقد هلك ".
- و عنه: عن محمد بن أبي عبد الله، رفعه، عن عبد العزيز بن المهتدي، قال سألت الرضا (عليه السلام) عن التوحيد، فقال: " كل من قرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } و آمن بها، فقد عرف التوحيد ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: قلت: كيف يقرؤها؟ قال:
" كما يقرؤها الناس، و زاد فيه: كذلك الله ربي، كذلك الله ربي ".
- و عنه: عن علي بن محمد، و محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد و لقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك، ما الصمد؟
قال: " السيد المصمود إليه في القليل و الكثير ".
- و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن السري، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شيء من التوحيد؟ فقال: " إن الله تباركت أسماؤه التي يدعى بها، و تعالى في علو كنهه، واحد توحد بالتوحيد في توحده، ثم أجراه على خلقه، فهو واحد صمد قدوس، يعبده كل شيء، و يصمد إليه كل شيء، و وسع كل شيء علما ".
فهذا هو المعنى الصحيح في تأويل الصمد، لا ما ذهب إليه المشبهة أن تأويل الصمد المصمت الذي لا جوف له، لأن ذلك لا يكون إلا من صفة الجسم، و الله جل ذكره متعال عن ذلك، و هو أعظم و أجل من أن تقع الأوهام على صفته أو تدرك كنه عظمته، و لو كان تأويل الصمد في صفة الله عز و جل المصمت لكان مخالفا لقوله عز و جل:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] لأن ذلك من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها، مثل الحجر و الحديد و سائر الأشياء المصمتة التي لا أجواف لها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فأما ما جاء في الأخبار من ذلك، فالعالم (عليه السلام): أعلم بما قال، و هذا الذي قال (عليه السلام): " إن الصمد هو السيد المصمود إليه " هو معنى صحيح موافق لقول الله عز و جل:**{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }** [الشورى: 11] و المقصود إليه: المقصود في اللغة، قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي (صلى الله عليه و آله) من شعره:
| **و بالجمرة الوسطى إذا صمدوا لها** | | **يؤمون رضخا رأسها بالجنادل** |
| --- | --- | --- |
يعني قصدوا نحوها يرمون رأسها بالجنادل، يعني الحصى الصغار التي تسمى بالجمار.
و قال بعض شعراء الجاهلية:
| **ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا** | | **لله في أكناف مكة يصمد** |
| --- | --- | --- |
يعني يقصد.
و قال ابن الزبرقان: و لا رهيبة إلا سيد صمد و قال شداد بن معاوية في حذيفة بن بدر:
| **علوته بحسام ثم قلت له:** | | **خذها حذيف فأنت السيد الصمد** |
| --- | --- | --- |
و مثل هذا كثير، و الله عز و جل هو السيد الصمد الذي جميع الخلق من الجن و الإنس إليه يصمدون في الحوائج، و إليه يلجأون عند الشدائد، و منه يرجون الرخاء و دوام النعماء ليدفع عنهم الشدائد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
- ابن بابويه، قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي (رضي الله عنه)، قال: حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل، قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني، قال: حدثني أبو محمد الحسن بن محمد بن حماد العنبري بمصر، قال: حدثني إسماعيل بن عبد الجليل البرقي، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر (عليهم السلام)، في قول الله تبارك و تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، قال: " قل أي أظهر ما أوحينا إليك و بعثناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع و هو شهيد، و هو اسم مكنى مشار به إلى غائب، فالهاء تنبيه على معنى ثابت، و الواو إشارة إلى الغائب عن الحواس، كما أن قولك:
هذا، إشارة إلى الشاهد عن الحواس، و ذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار، فأشر أنت- يا محمد- إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه و ندركه و لا نأله فيه، فأنزل الله تبارك و تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } فالهاء تثبيت للثابت، و الواو إشارة إلى الغائب عن درك الأبصار و لمس الحواس، و الله تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار و مبدع الحواس ".
- " حدثني أبي، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)، قال: رأيت الخضر (عليه السلام) في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنتصر به على الأعداء، فقال: قل: يا هو يا من لا هو إلا هو، فلما أصبحت، قصصتها على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال لي: يا علي، علمت الاسم الأعظم، فكان على لساني يوم بدر.
وإن أمير المؤمنين (عليه السلام) قرأ: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، فلما فرغ قال: يا هو يا من لا هو إلا هو اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين. و كان علي (عليه السلام) يقول ذلك يوم صفين و هو يطارد، فقال له عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين، ما هذه الكنايات؟ قال: اسم الله الأعظم و عماد التوحيد لله لا إله إلا هو، ثم قرأ:**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[آل عمران: 18]، و آخر الحشر، ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال.
قال: و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الله معناه: المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله [إليه]، و الله هو المستور عن درك الأبصار، المحجوب عن الأوهام و الخطرات ".
- قال الباقر (عليه السلام): " [الله] معناه: المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته، و الإحاطة بكفيته، و تقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما، و وله إذا فزع إلى شيء مما يحذره و يخافه فالإله هو المستور عن حواس الخلق ".
- قال الباقر (عليه السلام): " الأحد: الفرد المتفرد، و الأحد و الواحد بمعنى واحد، و هو المتفرد الذي لا نظير له، و التوحيد: الإقرار بالوحدة و هو الانفراد، و الواحد: المتباين الذي لا ينبعث من شيء و لا يتحد بشيء، و من ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد، و ليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين، فمعنى قول: الله أحد، أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه و الإحاطة بكيفيته، فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه ".
- قال الباقر (عليه السلام): " حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السلام)، أنه قال: الصمد: الذي لا جوف له، و الصمد: الذي قد انتهى سؤدده، و الصمد: الذي لا يأكل و لا يشرب، و الصمد: الذي لا ينام، و الصمد: الدائم الذي لم يزل و لا يزال ".
- قال الباقر (عليه السلام): " كان محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) يقول: الصمد: القائم بنفسه، الغني عن غيره، و قال غيره: الصمد: المتعالي عن الكون و الفساد، و الصمد: الذي لا يوصف بالتغاير ".
- قال الباقر (عليه السلام): " الصمد: السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر و ناه ".
- قال: " و سئل علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) عن الصمد؟ فقال: الصمد: الذي لا شريك له، و لا يؤوده حفظ شيء، و لا يعزب عنه شيء ".
- قال وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي زين العابدين (عليه السلام): الصمد: [هو] الذي إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون. و الصمد: الذي ابتدع الأشياء فخلقها أضدادا و أشكالا و أزواجا، و تفرد بالوحدة بلا ضد و لا شكل و لا مثل و لا ند.
- قال وهب بن وهب القرشي: و حدثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه (عليهم السلام): " إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) يسألونه عن الصمد، فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
و إن الله سبحانه و تعالى قد فسر الصمد، فقال: اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ثم فسره فقال: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } { لَمْ يَلِدْ } لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، و لا شيء لطيف كالنفس، و لا يتشعب منه البدوات كالسنة و النوم و الخطرة و الهم و الحزن و البهجة و الضحك و البكاء و الخوف و الرجاء و الرغبة و السأمة و الجوع و الشبع، تعالى أن يخرج منه شيء، و أن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف، { وَلَمْ يُولَدْ } لم يتولد من شيء، و لم يخرج من شيء، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، و الدابة من الدابة، و النبات من الأرض، و الماء من الينابيع، و الثمار من الأشجار، و لا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها، كالبصر من العين، و السمع من الأذن، و الشم من الأنف، و الذوق من الفم، و الكلام من اللسان، و المعرفة و التميز من القلب، و كالنار من الحجر، لا، بل هو الله الصمد الذي لا من شيء و لا في شيء و لا على شيء، مبدع الأشياء و خالقها، و منشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، و يبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد ".
- قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: " قدم وفد من [أهل] فلسطين على الباقر (عليه السلام) فسألوه عن مسائل، فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه: الصمد خمسة أحرف، فالألف دليل على إنيته، و هو قوله عز و جل:**{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ }** [آل عمران: 18]، و ذلك تنبيه و إشارة إلى الغائب عن درك الحواس.
و اللام دليل على إلهيته بأنه [هو] الله، و الألف و اللام مدغمان، لا يظهران على اللسان و لا يقعان في السمع، و يظهران في الكتابة، دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس، و لا تقع في اللسان واصف و لا أذن سامع، لأن تفسير الإله: هو الذي أله الخلق عن درك ماهيته و كيفيته بحس أو بوهم، لا، بل هو مبدع الأوهام و خالق الحواس، و إنما يظهر ذلك عند الكتابة، دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق و تركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
كما أن لام الصمد لا تتبين، و لا تدخل في حاسة من الحواس الخمس، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي و لطف، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ و كيفيته، أله فيه و تحير، و لم تحط فكرته بشيء يتصور له، لأنه عز و جل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه تثبت له أنه عز و جل خالقهم، و مركب أرواحهم في أجسادهم.
و أما الصاد فدليل على أنه عز و جل صادق، و قوله صدق و كلامه صدق، و دعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق، و وعد بالصدق دار الصدق.
و أما الميم فدليل على ملكه، و أنه الملك الحق، لم يزل و لا يزال و لا يزول.
و أما الدال فدليل على دوام ملكه، و أنه عز و جل دائم، تعالى عن الكون و الزوال، بل هو عز و جل مكون الكائنات، الذي كان بتكوينه كل كائن.
ثم قال (عليه السلام): لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز و جل حملة، لنشرت التوحيد و الإسلام و الإيمان و الدين و الشرائع من الصمد، و كيف لي بذلك و لم يجد جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء و يقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين الجوانح مني علما جما، هاه هاه ألا لا أجد من يحمله، ألا و إني عليكم من الله الحجة البالغة، فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور.
ثم قال الباقر (عليه السلام): الحمد لله الذي من علينا و وفقنا لعبادة الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد، و جنبنا عبادة الأوثان، حمدا سرمدا و شكرا واصبا، و قوله عز و جل { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } يقول: لم يلد عز و جل فيكون له ولد يرثه ملكه، و لم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته و ملكه، و لم يكن له كفوا أحد فيضادهفي سلطانه ".
- و عنه، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمان، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) و سئل عن الصمد، فقال: " الصمد: الذي لا جوف له ".
- و عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن اليهود سألوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فقلت له: ما الصمد؟ فقال: " الذي ليس بمجوف ".
- و عنه: عن أبيه، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن الحلبي و زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " إن الله تبارك و تعالى أحد صمد ليس له جوف، و إنما الروح خلق من خلقه، نصر و تأييد و قوة يجعله الله في قلوب الرسل و المؤمنين ".
- علي بن إبراهيم: في معنى السورة: قوله: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال: **" كان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالت: ما نسب ربك؟ فأنزل الله { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ \* ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ \* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } و معنى قوله أحد: أحدي النعت، كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): " نور لا ظلام فيه، و علم لا جهل فيه " ، و قوله: { ٱلصَّمَدُ } أي الذي لا مدخل فيه، و قوله: { لَمْ يَلِدْ } أي لم يحدث { وَلَمْ يُولَدْ \* وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } ، قال: لا له كفو و لا شبيه و لا شريك و لا ظهير و لا معين ".** - ثم قال علي بن إبراهيم: حدثنا أبو الحسن، قال: حدثنا الحسن بن علي، عن حماد بن مهران، قال: حدثنا محمد بن خالد بن إبراهيم السعدي، قال: حدثني أبان بن عبد الله، قال: حدثني يحيى بن آدم، عن الفزاري، عن حريز، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قالت قريش للنبي (صلى الله عليه و آله) بمكة: صف لنا ربك لنعرفه فنعبده، فأنزل الله تبارك و تعالى على النبي (صلى الله عليه و آله) { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } يعني غير مبعض، و لا متجزئ، و لا مكيف، و لا يقع عليه اسم العدد و لا الزيادة و لا النقصان، { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } الذي قد انتهى إليه السؤدد، و الذي يصمد أهل السماوات و الأرض بحوائجهم إليه، لم يلد منه عزير، كما قالت اليهود لعنهم الله، و لا المسيح كما قالت النصارى عليهم سخط الله، و لا الشمس و لا القمر و لا النجوم، كما قالت المجوس لعنهم الله، و لا الملائكة، كما قالت مشركو العرب، { وَلَمْ يُولَدْ } لم يسكن الأصلاب، و لم تضمه الأرحام، و لا من شيء كان، و لا من شيء خلق ما كان { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } يقول: ليس له شبيه و لا مثل و لا عدل، و لا يكافيه أحد من خلقه بما أنعم عليه من فضله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
- الطبرسي في (الاحتجاج)، قال: روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } ، ما معنى الأحد؟ قال: " المجمع عليه بالوحدانية، أما سمعته يقول:**{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ }** [العكبوت: 61] ثم يقولون بعد ذلك: له شريك و صاحبة! ".
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) | قال الله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله تعالى. والمعنى: الذي سألتم تبيين نسبته: هو الله. و " أحد " مرفوع على معنى: هو أحد. المعنى: هو الله هو أحد. ويجوز أن يكون " هو " [للأمر]، كما تقول: هو زيد قائم، أي: الأمر زيد قائم. فالمعنى: الأمر الله أحد.
قرأتُ على الشيخين أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو الياسري لأبي عمرو من رواية أبي خلاد عن اليزيدي عنه: " أحدُ الله " بضم الدال وصلتها باسم الله من غير تنوين ولالتقاء ساكنين.
{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } قال بعض المفسرين: الصمد: الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج. ويروى هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يقال: صَمَدْتُ صَمْدَه؛ إذا قَصَدْتَ قَصْدَهُ.
وقال الزجاج: الصَّمَد: السيد الذي ينتهي إليه السُّؤدد.
قال الشاعر:
| **لقدْ بَكَّرَ النَّاعِي بخَيْرَي بني أسد** | | **بعمرو بن ميمونٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَد** |
| --- | --- | --- |
قال غيره: ومعنى هذا: أن السؤدد قد انتهى إليه، فلا سيد فوقه.
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي: الصَّمَد: الذي لا جوف له.
قال ابن قتيبة: كأن الدال في هذا التفسير مبدلة عن تاء.
وحكى الزجاج والخطابي: أن الصَّمد: الباقي بعد فَنَاء خلقه.
قوله تعالى: { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } تكذيب لليهود والنصارى في قولهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله.
والمعنى: " لم يلد "؛ لأنه لا يجانس حتى يكونه له صاحبة من جنسه فيتوالدان، ويدل عليه قوله في موضع آخر:**{ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ }** [الأنعام: 101]، " ولم يولد "؛ لأن كل مولود محدث وجسم، وهو تعالى منزه عن ذلك.
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } قرأ حمزة: " كُفْواً " بسكون الفاء. وقرأ حفص: بالتثقيل وقلب الهمزة واواً، الباقون: بالتثقيل والهمز. وقد ذكرنا أنها لغات فيما مضى.
قال أبي بن كعب: المعنى: لم يكن له مثل ولا عديل.
قال مجاهد: لم يكن له صاحبة.
قال قتادة: لا يكافئه أحد من خلقه.
وفيه تقديم وتأخير، تقديره: لم يكن له أحد كفواً، لكنه راعى رؤوس الآي.
قرأتُ على أبي الحسن علي بن أبي بكر، أخبركم أبو الوقت فأقرَّ به.
وأخبرنا أحمد بن عبدالله العطار قال: أخبرنا أبو الوقت قال: أخبرنا الداودي، أخبرنا السرخسي، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك. فأما تكذيبه إياي [فقوله]: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الإِخۡلَاصِ | Meccan | قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ | * تفسير الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم / تفسير الكازروني (ت 923هـ) | لَمَّا بين تحال المشركين الظَّانّين بالله ظنّ السَّوء ووبالهم، نزه ذاته تعالى عما يصفون فقال: { بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ \* قُلْ } لمن قال يقول لك: صف لنا ربك: { هُوَ }: أي: المسئول عنه، أو الشأن { ٱللَّهُ }: الذات المستجمع لصفات الكمال { أَحَدٌ }: مستجمع لنعوت الجلال، وتستعمل أحد في الاثبات مكان واحد لا تحادهما معنى { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ }: المصمود إليه، أي: المقصود في كل الحوائج، وترك العطف لأنها كالدليل على الأولى، أو نتيجتها وعرَّفهُ دون أحد لعلمهم بصمديته دون أحديته { لَمْ يَلِدْ }: كريما، لأنه لم يجانس { وَلَمْ يُولَدْ }: كعيسى وعزير، لتنزهه عن الحدوث { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً }: مكافئا مماثلاُ { أَحَدٌ }: قدم الظروف لأنه أهم، وربط الثلاث بالعطف لأنها كجملة نافية للأمثال، والسورة تعدل ثلث القرآن، لأن مقصاده إما العقائد الإلهية أو الأحكام، أو القصص، وهي عين الثلث، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) | يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: أستجير بربّ الفلق من شرّ ما خلق من الخلق. واختلف أهل التأويل في معنى الفلق، فقال بعضهم: هو سجن في جهنم يسمى هذا الاسم. ذكر من قال ذلك: حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله، عمن حدثه عن ابن عباس قال: الفلق: سجن في جهنم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيريّ، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن رجل، عن ابن عباس، في قوله: { الفَلَقِ }: سجن في جهنم. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوّام بن عبد الجبار الجَوْلانيّ، قال: قَدِم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشأم، قال: فنظر إلى دُور أهل الذمة، وما هم فيه من العيش والنضارة، وما وُسَّعَ عليهم في دنياهم، قال: فقال: لا أبالك، أليس من ورائهم الفلق؟ قال: قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم، إذ فُتح هَرّ أهل النار. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت السُّدِّيّ يقول: الفَلَق: جُبّ في جهنم. حدثني عليّ بن حسن الأزدي، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن السديّ، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ، مثله. حدثني إسحاق بن وهب الواسطيّ، قال: ثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطيّ، قال: ثنا نصر بن خْزَيمة الخراسانيّ، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، عن أبي هُريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" الفَلَق: جبّ في جهنم مغطًّى "** حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا نافع بن يزيد، قال: ثنا يحيى بن أبي أسيد، عن ابن عجلان، عن أبي عبيد، عن كعب، أنه دخل كنيسة فأعجبه حُسنها، فقال: أحسن عمل وأضلّ قوم، رضيت لكم الفلق، قيل: وما الفلق؟ قال: بيت في جهنم إذا فُتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه. وقال آخرون: هو اسم من أسماء جهنم. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت خيثم بن عبد الله يقول: سألت أبا عبد الرحمن الحبلي، عن الفلق، قال: هي جهنم. وقال آخرون: الفلق: الصبح. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه. عن ابن عباس: { أعُوذُ برَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفلق: الصُّبْح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في هذه الآية: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفلق: الصبح.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، قال: الفلق الصبح. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران جميعاً، عن سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: ثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: الفَلَق: الصبح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، مثله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن القُرَظِيّ، أنه كان يقول في هذه الآية: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } يقول: فالق الحبّ والنوى، قال: فالق الإصباح. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الصبح. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قال: الفَلَق: فَلقَ النهار. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: الفلق: فلق الصبح. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } قيل له: فَلَق الصبح، قال: نعم، وقرأ:**{ فالِقُ الإصْباحِ وَجاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً }** وقال آخرون: الفَلَق: الخلق، ومعنى الكلام: قل أعوذ برب الخلق. ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: { الفلق }: يعني الخلق. والصواب من القول في ذلك، أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: { أعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } والفلق في كلام العرب: فَلق الصبح، تقول العرب: هو أبينُ من فَلَق الصُّبح، ومن فَرَق الصُّبح. وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فَلَق. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن جلّ ثناؤه وضعَ دلالة على أنه عُنِي بقوله { بِرَبِّ الْفَلَقِ } بعض ما يُدْعَى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره ربّ كل ما خلق من شيء، وجب أن يكون معنياً به كل ما اسمه الفَلَق، إذ كان ربّ جميع ذلك. وقال جلّ ثناؤه: { مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ } لأنه أمر نبيه أن يستعيذ من شرّ كل شيء، إذ كان كلّ ما سواه، فهو ما خَلق. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } يقول: ومن شرّ مظلم إذا دخل، وهجم علينا بظلامه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عُنِي في هذه الآية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه، فقال بعضهم: هو الليل إذا أظلم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: الليل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: أوّل الليل إذا أظلم. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا أبو صخر، عن القرظي أنه كان يقول في: { غاسِقٍ أذَا وَقَبَ } يقول: النهار إذا دخل في الليل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وقب. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { غاسِقٍ } قال: الليل { إذَا وَقَبَ } قال: إذا دخل. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: الليل إذا أقبل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: إذا جاء. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله { إذَا وَقَبَ } يقول: إذا أقبل. وقال بعضهم: هو النهار إذا دخل في الليل، وقد ذكرناه قبلُ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وجب. وقال آخرون: هو كوكب. وكان بعضهم يقول: ذلك الكوكب هو الثُّريا. ذكر من قال ذلك: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا سليمان بن حِبّان، عن أبي المُهَزِّم، عن أبي هريرة في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: كوكب. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: كانت العرب تقول: الغاسق: سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها. ولقائلي هذا القول عِلّة من أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو ما: حدثنا به نصر بن عليّ، قال: ثنا بكار بن عبد الله بن أخي هَمّام، قال: ثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم { وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: النجم الغاسق.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال آخرون: بل الغاسق إذا وقب: القمر، ورووا بذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم خبراً. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن سفيان، قال: ثنا أبي ويزيد بن هارون به. وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم نظر إلى القمر، ثم قال: **" يا عائِشَةُ تَعَوَّذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ، وَهَذَا غاسِقٌ إذَا وَقَبَ "** ، وهذا لفظ حديث أبي كُرَيب وابن وكيع. وأما ابن حُمَيد، فإنه قال في حديثه: قالت أخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: **" أتَدْرِينَ أيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ تَعَوَّذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فإنَّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ "** حدثنا محمد بن سنان، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر. فقال: **" يا عائِشَةُ اسْتَعِيذِي باللّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فإنَّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ "** وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، أن يقال: إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ { مِنْ شَرِّ غاسِقٍ } وهو الذي يُظْلم، يقال: قد غَسَق الليل يَغْسُق غسوقاً: إذا أظلم. { إذَا وَقَبَ } يعني: إذا دخل في ظلامه والليل إذا دخل في ظلامه غاسق، والنجم إذا أفل غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، ولم يخصص بعض ذلك بل عمّ الأمر بذلك، فكلّ غاسق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يُؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب. وكان قتادة يقول في معنى وقب: ذهب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { غاسِقٍ إذَا وَقَبَ } قال: إذا ذهب. ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب، بل المعروف من كلامها من معنى وقب: دخل. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } يقول: ومن شرّ السواحر اللاتي ينفُثن في عُقَد الخيط، حين يَرْقِين عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: ما خالط السِّحر من الرُّقَى. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن الحسن { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: السواحر والسَّحَرة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: إياكم وما خالط السِّحر من هذه الرُّقَى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: ما من شيء أقرب إلى الشرك من رُقْية المجانين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول إذا جاز { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي العُقَدِ } قال: إياكم وما خالط السحر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد وعكرِمة { النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: قال مجاهد: الرُّقى في عُقَد الخيط وقال عكرِمة: الأخذ في عقد الخيط. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ } قال: النفاثات: السواحر في العقد. وقوله: { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ }: اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ حسده به، فقال بعضهم: ذلك كلّ حاسد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ عينه ونفسه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } قال: من شرّ عينه ونفسه، وعن عطاء الخُراساني مثل ذلك. قال مَعْمر: وسمعت ابن طاوُس يحدّث عن أبيه، قال: العَينُ حَقٌّ، وَلَو كان شَيءٌ سابق القَدرِ، سَبَقتْه العَينُ، وإذا اسْتُغْسِل أحدُكم فَلْيَغْتَسل. وقال آخرون: بل أُمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذه الآية أن يستعيذ من شرّ اليهود الذين حسدوه. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } قال: يهود، لم يمنعم أن يؤمنوا به إلا حسدهم. وأولى القولين بالصواب في ذلك، قول من قال: أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من شرّ كلّ حاسد إذا حسد، فعابه أو سحره، أو بغاه سوءاً. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لأن الله عزّ وجلّ لم يخصص من قوله { وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذَا حَسَدَ } حاسداً دون حاسد، بل عمّ أمرُه إياه بالاستعاذة من شر كلّ حاسد، فذلك على عمومه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) | الفلق والفرق الصبح، لأنّ الليل يفلق عنه ويفرق فعل بمعنى مفعول. يقال في المثل هو أبين من فلق الصبح، ومن فرق الصبح. ومنه قولهم سطع الفرقان، إذا طلع الفجر. وقيل هو كل ما يفلقه الله، كالأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقيل هو واد في جهنم أوجب فيها من قولهم لما اطمأن من الأرض، الفلق، والجمع فلقان. وعن بعض الصحابة أنه قدم الشأم فرأى دور أهل الذمّة وما هم فيه من خفض العيش وما وسع عليهم من دنياهم، فقال لا أبالى، أليس من ورائهم الفلق؟ فقيل وما الفلق؟ قال بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } من شر خلقه. وشرّهم ما يفعله المكلفون من الحيوان من المعاصي والمآثم، ومضارة بعضهم بعضاً من ظلم وبغي وقتل وضرب وشتم وغير ذلك، وما يفعله غير المكلفين منه من الأكل والنهش واللدع والعضّ كالسباع والحشرات، وما وضعه الله في الموات من أنواع الضرر كالإحراق في النار والقتل في السم. والغاسق الليل إذا اعتكر ظلامه من قوله تعالى**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** الإسراء 78 ومنه غسقت العين امتلأت دمعاً، وغسقت الجراحة امتلأت دماً. ووقوبه دخول ظلامه في كل شيء، ويقال وقبت الشمس إذا غابت. وفي الحديث 1373 لما رأى الشمس قد وقبت قال **" هذا حين حلها، يعني صلاة المغرب "** وقيل هو القمر إذا امتلأ، وعن عائشة رضي الله عنها 1374 أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال **" تعوّذي بالله من شرّ هذا، فإنه الغاسق إذا وقب "** ووقوبه دخوله في الكسوف واسوداده. ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه ونقبه. والوقب النقب. ومنه وقبة الثريد والتعوّذ من شرّ الليل لأن انبثاثه فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب. ومنه قولهم الليل أخفى للويل. وقولهم أغدر الليل لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر وأسند الشرّ إليه لملابسته له من حدوثه فيه { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين والنفث النفخ من ريق، ولا تأثير لذلك، اللهم إلاّ إذا كان ثم إطعام شيء ضار، أو سقيه، أو إشمامه. أو مباشرة المسحور به على بعض الوجوه ولكن الله عزّ وجلّ قد يفعل عند ذلك فعلاً على سبيل الامتحان الذي يتميز به الثبت على الحقّ من الحشوية والجهلة من العوام، فينسبه الحشوية والرعاع إليهنّ وإلى نفثهن، والثابتون بالقول الثابت لا يلتفتون إلى ذلك ولا يعبئون به، فإن قلت فما معنى الاستعاذة من شرّهن؟ قلت فيها ثلاثة أوجه، أحدها أن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر ومن إثمهنّ في ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
والثاني أن يستعاذ من فتنتهنّ الناس عند نفثهن، ويجوز أن يراد بهنّ النساء الكيادات، من قوله**{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }** يوسف 28 تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث في العقد. أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم ومحاسنهنّ، كأنهنّ يسحرنهم بذلك { إِذَا حَسَدَ } إذا ظهر حسده، وعمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود، لأنه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا ضرر يعود منه على من حسده، بل هو الضارّ لنفسه لاغتمامه بسرور غيره. وعن عمر بن عبد العزيز لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد. ويجوز أن يراد بشرّ الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده، وإظهاره أثره. فإن قلت قوله { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } تعميم في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد؟ قلت قد خص شرّ هؤلاء من كلّ شر لخفاء أمره، وأنه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم، كأنما يغتال به. وقالواشر العداة المداجي الذي يكيدك من حيث لا تشعر. فإن قلت فلم عرّف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ قلت عرفت النفاثات، لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسق، لأنّ كل غاسق لا يكون فيه الشر، إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضرّ. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام 1375 **" لا حسد إلاّ في اثنتين "** وقال أبو تمام
| **وَمَا حَاسِدٌ فِي المَكْرُمَاتِ بِحَاسِدِ** | | |
| --- | --- | --- |
وقال
| **إنَّ الْعُلاَ حَسَنٌ فِي مِثْلِهَا الْحَسَدُ** | | |
| --- | --- | --- |
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1376 **" من قرأ المعوّذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) | اللغة: أصل الفلق الفرق الواسع من قولهم فلق رأسه بالسيف يفلقه فلقاً ويقال أبين من فلق الصبح وفرق الصبح لأن عموده ينفلق بالضياء عن الظلام والغاسق في اللغة الهاجم بضرره وهو ها هنا الليل لأنه يخرج السباع من آجامها والهوام من مكامنها فيه يقال غسقت القرحة إذا جرى صديدها ومنه الغساق صديد أهل النار لسيلانه بالعذاب وغسقت عينه سال دمعها. التقوب: الدخول وقب يقب ومنه الوقبة النقرة لأنه يدخل فيها النفث شبيهة بالنفخ وأما التفل فنفخ بريق فهذا الفرق بين النفث والتفل قال الفرزدق:
| **هُما نَفَثا فِي فِــيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما** | | **عَلَى النّافِثِ الْعاوِي أَشَدُّ رِجامِ** |
| --- | --- | --- |
الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها وإن لم يردها لنفسه فالحسد مذموم والغبطة محمودة وهي أن يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه ولم يرد زوالها عنه. النزول: قالوا إن لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دسَّ ذلك في بئر لبني زريق فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان فقعدا أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وأنه في بئر دروان في جف طلعة تحت راعوفة والجف قشر الطلع والراعوفة حجر في أسفل البئر يقوم عليها الماتح فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث علياً ع والزبير وعمار فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان من مشطه وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالأبر فنزلت هاتان السورتان فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فقام فكأنما أنشط من عقال وجعل جبرائيل ع يقول: " باسم الله أرقيك من شرّ كل شيء يؤذيك من حاسد وعين الله تعالى يشفيك ". ورووا ذلك عن عائشة وابن عباس وهذا لا يجوز لأن من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله**{ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }** [الفرقان: 8] أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ولكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه وأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج وكان ذلك دلالة على صدقه وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيراً من المؤمنين مع شدة عداوتهم له. المعنى: { قل أعوذ برب الفلق } هذا أمر من الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم والمراد جميع أمته ومعناه قل يا محمد اعتصم وامتنع برب الصبح وخالقه ومدبّره ومطلعه متى شاء على ما يرى من الصلاح فيه { من شر ما خلق } من الجن والإنس وسائر الحيوانات وإنما سمي الصبح فلقاً لانفلاق عموده بالضياء عن الظلام كما قيل له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه وهذا قول ابن عباس وجابر والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقيل: الفلق المواليد لأنهم ينفلقون بالخروج من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات كما ينفلق الحبّ من النبات. وقيل: الفلق جب في جهنم يتعوذ أهل جهنم من شدة حرّه عن السدي ورواه أبو حمزة الثمالي وعلي بن إبراهيم في تفسيريهما وقوله { ما خلق } عام في جميع ما خلقه الله تعالى ممن يجوز أم يحصل منه الشر وتقديره من شرّ الأشياء التي خلقها الله تعالى مثل السباع والهوام والشياطين وغيرها. { ومن شر غاسق إذا وقب } أي ومن شر الليل إذا دخل بظلامه عن ابن عباس والحسن ومجاهد وعلى هذا فيكون المراد من شرّ ما يحدث في الليل من الشر والمكروه كما يقال أعوذ من شر هذه البلدة وإنما اختصّ الليل بالذكر لأن الغالب أن الفساق يقدمون على الفساد بالليل وكذلك الهوام والسباع تؤذي فيه أكثر وأصل الفسق الجريان بالضرر. وقيل: إن معنى الفاسق كل هاجم بضرره كائناً ما كان. { ومن شرّ النفاثات في العقد } معناه ومن شر النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد عن الحسن وقتادة وإنما أمر بالتعوذ من شر السحرة لإِيهامهم أنهم يمرضون ويصحون ويفعلون شيئاً من النفع والضرر والخير والشر وعامة الناس يصدّقونهم فيعظم بذلك الضرر في الدين ولأنهم يوهمون أنهم يخدمون الجن ويعلمون الغيب وذلك فساد في الدين ظاهر فلأجل هذا الضرر في الدين أمر بالتعوذ من شرهم. وقال أبو مسلم: النفاثات النساء. اللاتي يملن آراء الرجال ويصرفنهم عن مرادهم ويردّونهم إلى آرائهن لأن العزم والرأي يعبّر عنهما بالعقد فعبّر عن حلّها بالنفث فإن العادة جرت أنَّ من حلّ عقد نفث فيها. { ومن شر حاسد إذا حسد } فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فأمر بالتعوذ من شرّه. وقيل: إنه أراد من شرّ نفس الحاسد ومن شرّ عينه فإنه ربما أصاب بهما فعاب وضر وقد جاء في الحديث: **" إن العين حق "** وقد مضى الكلام فيه وروي أن العضباء ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها فشقّ ذلك على الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: **" حقّ على الله عز وجل ألاّ يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه "** وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من رأى شيئاً يعجبه فقال الله الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضر شيئاً "** وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يعوذ الحسن والحسين ع بهاتين السورتين وقال بعضهم: إن الله سبحانه جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ليعلم أنه أخس الطبائع نعوذ بالله منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) | فيه مسائل: المسألة الأولى: في الآية قولان: الأول: أن النفث النفخ مع ريق، هكذا قاله صاحب الكشاف، ومنهم من قال: إنه النفخ فقط، ومنه قوله عليه السلام: **" إن جبريل نفث في روعي "** والعقد جمع عقدة، والسبب فيه أن الساحر إذا أخذ في قراءة الرقية أخذ خيطاً، ولا يزال يعقد عليه عقداً بعد عقد وينفث في تلك العقد، وإنما أنت النفاثات لوجوه أحدها: أن هذه الصناعة إنما تعرف بالنساء لأنهن يعقدن وينفثن، وذلك لأن الأصل الأعظم فيه ربط القلب بذلك الأمر وإحكام الهمة والوهم فيه، وذلك إنما يتأتى من النساء لقلة علمهن وشدة شهوتهن، فلا جرم كان هذا العمل منهن أقوى، قال أبو عبيدة: النفـاثـات هن بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم وثانيها: أن المراد من: النفـاثـات النفوس وثالثها: المراد منها الجماعات، وذلك لأنه كلما كان اجتماع السحرة على العمل الواحد أكثر كان التأثير أشد القول الثاني: وهو اختيار أبي مسلم: { مِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } أي النساء في العقد، أي في عزائم الرجال وآرائهم وهو مستعار من عقد الحبال، والنفث وهو تليين العقدة من الحبل بريق يقذفه عليه ليصير حله سهلاً، فمعنى الآية أن النساء لأجل كثرة حبهن في قلوب الرجال يتصرفن في الرجال يحولنهم من رأي إلى رأي، ومن عزيمة إلى عزيمة، فأمر الله رسوله بالتعوذ من شرهن كقوله:**{ إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ وَأَوْلـٰدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ }** [التغابن: 14] فلذلك عظم الله كيدهن فقال:**{ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }** [يوسف: 28]. واعلم أن هذا القول حسن، لولا أنه على خلاف قول أكثر المفسرين. المسألة الثالثة: أنكرت المعتزلة تأثير السحر، وقد تقدمت هذه المسألة، ثم قالوا: سبب الاستعاذة من شرهن لثلاثة أوجه أحدها: أن يستعاذ من إثم عملهن في السحر والثاني: أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن والثالث: أن يستعاذ من إطعامهن الأطعمة الرديئة المورثة للجنون والموت.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) | فيه تسع مسائل: الأولى: روى النسائيّ **" عن عقبة بن عامر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت: أقرئني سورة هُودٍ أقرئني سورة يوسف. فقال لي: «ولَنْ تَقْرأ شيئاً أبلغ عند الله من { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } » "** وعنه قال: **" بينا أنا أسير مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الجحْفَة والأَبواءِ، إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بـ { ـأَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ، ويقول:«يا عقبة، تعوّذ بهما، فما تعوّذ متعوّذ بمثلهما». قال: وسمعته يقرأ بهما في الصلاة "** وروى النَّسائي **" عن عبد الله قال: أصابنا طَشٌّ وظُلْمة، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخْرج. ثم ذكر كلاماً معناه: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُصلِّيَ بنا، فقال:«قُلْ». فقلت: ما أقول؟ قال: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين حين تمسي، وحين تصبح ثلاثاً، يكفِك كل شيء» "** **" وعن عقبة بن عامر الجُهَنِي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قُلْ». قلت: ما أقول؟ قال «قل: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ـ فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ـ لم يتعوّذ الناس بمثلهن، أو لا يتعوّذ الناس بمثلِهِن» "** وفي حديث ابن عباس: **" قل أَعوذ بِرب الفلقِ وقُلْ أَعوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، هاتين السورتين "** وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمُعَوذَّتَيْن ويَنْفِثُ، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاءَ بركتها. النَّفْث: النفخ ليس معه ريق. الثانية: ثبت في الصحيحين من حديث عائشة: **" أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سحره يهوديّ من يهود بني زُرَيْق، يقال له لَبِيدُ بن الأَعْصم، حتى يخيلُ إليه أنه كان يفعل الشيء ولا يفعله، فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث ـ في غير الصحيح: سنة ـ ثم قال: «يا عائشة، أُشْعرت، أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه. أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رِجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي: ما شأن الرجل؟ قال: مَطْبوب. قال ومَنْ طَبَّهُ؟ قال لَبيد بن الأَعصم. قال في ماذا؟ قال: في مُشْطٍ ومُشاطة وجفّ طلعةٍ ذكر، تحت راعوفة في بئر ذي أَوْران» فجاء البئر واستخرجه "** انتهى الصحيح. وقال ابن عباس: **" أما شَعَرْتِ يا عائشة أن الله تعالى أخبرني بدائي» ثم بعث علِياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وهي الراعوفة ـ صخرة تترك أسفل البئر يقوم عليها المائح، وأخرجوا الجُفّ، فإذا مُشَاطة رأس إنسان، وأسنان من مُشْط، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغرزة بالإبر، فأنزل الله تعالى هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية على عدد تلك العُقْد، وأمر أن يُتَعَوَّذ بهما فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد النبيّ صلى الله عليه وسلم خِفّة، حتى انحلت العقدة الأخيرة، فكأنما أُنشِط من عِقال، وقال: ليس به بأس. وجعل جبريل يَرْقِي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «باسم الله أَرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من شر حاسدٍ وعَيْن، والله يَشْفِيك». فقالوا: يا رسول الله، ألا نقتل الخبيث. فقال: «أمّا أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثيرَ على الناس شَرًّا "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وذكر القشيري في تفسيره أنه ورد في الصِّحاح: أن غلاماً من اليهود كان يخدُم النبيّ صلى الله عليه وسلم، فدسَّتْ إليه اليهود، ولم يزالوا به حتى أَخَذ مُشاطة رأس النبيّ صلى الله عليه وسلم. والمُشاطة بضم الميم: ما يسقُط من الشعر عند المشط. وأخذ عدّة من أسنان مُشْطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لَبيدُ بن الأَعْصم اليهوديّ. وذكر نحو ما تقدّم عن ابن عباس. الثالثة: تقدّم في البقرة القول في السحر وحقيقته، وما ينشأ عنه من الآلام والمفاسد، وحكم الساحر فلا معنى لإعادته. الرابعة: قوله تعالى: { ٱلْفَلَقِ } اختُلف فيه فقيل: سِجن في جَهنم قاله ابن عباس. وقال أُبَيُّ بن كعب: بيت في جهنم إذا فُتح صاح أهل النار من حره. وقال الحُبُليّ أبو عبد الرحمن: هو اسم من أسماء جهنم. وقال الكلبي: واد في جهنم. وقال عبد الله بن عمر: شجرة في النار. سعيد بن جبير: جُبُّ في النار. النحاس: يقال لما اطمأنّ من الأرض فَلَق فعلى هذا يصح هذا القول. وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير أيضاً ومجاهد وقتادة والقُرَظِيّ وابن زيد: الفَلَق، الصُّبْح. وقاله ابن عباس. تقول العرب: هو أبين من فَلَقِ الصُّبْح وفرقَ الصبح. وقال الشاعر:
| **يا ليلةً لم أَنمْهَا بِتُّ مُرْتَفِقاً** | | **أَرْعَى النجومَ إلى أَنْ نَوَّرَ الفَلقُ** |
| --- | --- | --- |
وقيل: الفلق: الجبال والصخور تنفلق بالمياه أي تتشقق. وقيل: هو التفليق بين الجبال والصخور لأنها تتشقق من خوف الله عز وجل. قال زهير:
| **ما زِلْتَ أَرْمُقُهُم حتّى إذا هَبَطَتْ** | | **أيدِي الرِّكابِ بِهِمْ مِن راكِسٍ فَلَقَا** |
| --- | --- | --- |
الراكس: بطن الوادي. وكذلك هو في قول النابغة:
| **أَتـانِـي ودُونِـي راكِـسٌ فـالضَّـواجِـعُ** | | |
| --- | --- | --- |
والراكس أيضاً: الهادي، وهو الثور وسط البَيْدَر، تدور عليه الثّيران في الدِّياسة. وقيل: الرحم تنفلق بالحيوان. وقيل: إنه كل ما انفلق عن جميع ما خَلَق من الحيوان والصبحِ والحبّ والنَّوَى، وكل شيء من نبات وغيره قاله الحسن وغيره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال الضحاك: الفَلقُ الخلْق كُلُّه قال:
| **وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الْفَلقْ** | | **سِرًّا وقدْ أَوَّنَ تَأْوِين العُقُقْ** |
| --- | --- | --- |
قلت: هذا القول يشهد له الاشتقاق فإن الفَلْق الشق. فَلقْت الشيء فلقاً أي شققته. والتفليق مثله. يقال: فَلقته فانفلق وتَفَلَّق. فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونَوًى وماء فهو فَلَق قال الله تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] قال:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95]. وقال ذو الرمّة يصف الثور الوَحْشِيّ:
| **حَتَّى إذَا ما انْجَلَى عن وجهِه فَلَقٌ** | | **هادِيهِ في أُخْرَيَاتِ اللَّيلِ مُنْتَصِبُ** |
| --- | --- | --- |
يعني بالفلق هنا: الصبح بعينه. والفلق أيضاً: المطمئن من الأرض بين الربْوتين، وجمعه فُلْقان مثل خَلَق وخُلْقان. وربما قالوا: كان ذلك بفالق كذا وكذا يريدون المكان المنحدر بين الربوتين. والفلَق أيضاً مِقطرة السَّجان. فأما الفِلْق بالكسر: فالداهية والأمر العجب تقول منه: أفلق الرجل وافتلق. وشاعر مُفْلِق، وقد جاء بالفِلْق أي بالداهية. والفِلْق أيضاً: القضيب يُشَقُّ باثنين، فيعمل منه قَوْسان يقال لكل واحدة منهما فِلْق. وقولهم جاء بعُلَقَ فُلَق وهي الداهية لا يُجرى مُجرَى عُمر. يقال منه: أعلقت وأفلقت أي جئت بعُلَق فُلَقَ. ومرّ يفتلق في عدوِه أي يأتي بالعجب من شدّته. وقوله تعالى: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } قيل: هو إبليس وذرّيته. وقيل جهنم. وقيل: هو عامّ أي من شر كل ذي شر خلقه الله عز وجل. الخامسة: قوله تعالى: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } اختُلف فيه فقيل: هو الليل. والغَسَق: أوّل ظلمة الليل يقال منه: غَسَق الليلُ يَغْسِق أي أظلم. قال ابن قيس الرقيات:
| **إِنَّ هَذَا الليلَ قد غَسَقا** | | **واشْتكَيْتُ الهمَّ والأَرَقَا** |
| --- | --- | --- |
وقال آخر:
| **يا طيفَ هِندٍ لَقَدْ أَبْقَيت لِي أَرَقاً** | | **إِذْ جِئتنا طارِقاً والليلُ قَدْ غَسَقَا** |
| --- | --- | --- |
هذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسُّدّيّ وغيرهم. و«وَقَبَ» على هذا التفسير: أظلم قاله ابن عباس. والضحاك: دَخَلَ. قتادة: ذَهَبَ. يَمانُ بن رِئاب: سَكَن. وقيل: نزل يقال: وَقَب العذاب على الكافرين نَزَل. قال الشاعر:
| **وَقَبَ العذابُ عليهمُ فكَأَنَّهُمْ** | | **لَحِقتْهُمُ نارُ السَّمُومِ فأُحْصِدُوا** |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج: قيل الليل غاسق لأنه أبرد من النهار. والغاسق: البارد. والغَسَق: البرد ولأن في الليل تخرج السِّباع من آجامها، والهوام من أماكنها، وينبعث أهل الشر على العيث والفساد. وقيل: الغاسق: الثُّريَّا وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك قاله عبد الرحمن بن زيد. وقيل: هو الشمس إذا غربت قاله ابن شهاب. وقيل: هو القمر. قال القُتَبِيّ: { إِذَا وَقَبَ } القمر: إذا دخل في ساهوره، وهو كالغلاف له، وذلك إذا خُسِفَ به. وكل شيء أسود فهو غَسَق. وقال قتادة: «إِذا وَقَب» إذا غابَ. وهو أصح لأن في الترمذيّ **" عن عائشة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال: «يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وَقَبَ» "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقال أحمد بن يحيـى ثعلب عن ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث: وذلك أن أهل الريبَ يَتَحينون وَجبة القمر. وأنشد:
| **أراحنِي اللَّهُ مِن أشياءَ أَكرهُها** | | **منها العجوزُ ومنها الكلبُ والقمرُ** |
| --- | --- | --- |
| **هذا يبوحُ وهذا يُستضاء بِه** | | **وهذه ضِمْرِزٌ قَوَّامَةُ السَّحَرِ** |
وقيل: الغاسق: الحية إذا لدغت. وكأن الغاسق نابُها لأن السم يغسق منه أي يسيل. ووقب نابها: إذا دخل في اللدِيغ. وقيل: الغاسق: كل هاجم يضر، كائناً ما كان من قولهم: غسقتِ القرحة: إذا جرى صديدُها. السادسة: قوله تعالى: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات اللائي ينفُثْن في عُقَد الخيط حين يَرْقِينَ عليها. شبه النفخ كما يعمل من يرقِي. قال الشاعر:
| **أَعُوذُ بِربِّي مِن النَّافِثَا** | | **تِ في عِضهِ العاضِهِ المُعْضِه** |
| --- | --- | --- |
وقال مُتَمِّم بن نُوَيْرة:
| **نَفَثْتَ في الخيطِ شَبِيهَ الرُّقَى** | | **مِن خشية الجِنةِ والحاسِدِ** |
| --- | --- | --- |
وقال عنترة:
| **فإنْ يَبْرَأْ فلَمْ أَنْفُثْ عَليْهِ** | | **وإنْ يُفْقَدْ فَحُق لَهُ الفُقُودُ** |
| --- | --- | --- |
السابعة: روى النَّسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من عَقَد عُقدة ثم نَفَثَ فيها، فقد سَحَر، ومن سحر فقد أَشْرَك، ومَنْ تَعَلَّق شيئاً وُكِل إليه "** واختلِف في النفْث عند الرُّقَى، فمنعه قوم، وأجازه آخرون. قال عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفُث، ولا يمسح ولا يعقِد. قال إبراهيم: كانوا يكرهون النفث في الرُّقَى. وقال بعضهم: دخلت على الضحاك وهو وجِع، فقلت: ألا أُعَوِّذَك يا أبا محمد؟ قال: بلى، ولكن لا تنفث فعوّذته بالمعوذتين. وقال ابن جريج قلت لعطاء: القرآن يُنفَخ به أو يُنْفَثُ؟ قال: لا شيء من ذلك ولكن تقرؤه هكذا. ثم قال بعد: انفُثِ إن شئت. وسئل محمد بن سِيرين عن الرُّقية يُنْفث فيها، فقال: لا أعلم بها بأساً، وإذا اختلفوا فالحاكم بينهم السنة. روت عائشة: **" أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينفِث في الرُّقية "** رواه الأئمة، وقد ذكرناه أوّل السورة وفي سُبْحان. وعن محمد بن حاطب أن يده احترقت فأتت به أمّه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفُث عليها ويتكلم بكلام زعم أنه لم يحفظه. وقال محمد بن الأشعث: ذُهِب بي إلى عائشة رضي الله عنها وفي عينيّ سوء، فرقَتْنِي ونَفَثَت. وأما ما رُوي عن عكرمة من قوله: لا ينبغي للراقي أن ينفُث فكأنه ذهب فيه إلى أن الله تعالى جعل النفْث في العُقَد مما يستعاذ به، فلا يكون بنفسه عُوذة. وليس هذا هكذا لأن النفث في العُقَد إذا كان مذموماً لم يجب أن يكون النفث بلا عُقد مذموماً. ولأن النفث في العُقَد إنما أريد به السحر المضِرّ بالأرواح، وهذا النفث لاستصلاح الأبدان، فلا يقاس ما ينفع بما يضر. وأما كراهة عكرمة المسحَ فخلاف السنة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" قال علي رضي الله عنه: اشتكيت، فدخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهمَّ إنْ كان أجلي قد حَضَرَ فأرِحنِي، وإن كان متأخراً فاشفني وعافني، وإن كان بلاء فصبرني. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كيف قلت»؟ فقلت له. فَمَسحني بيده، ثم قال: «اللهم اشْفِه» فما عاد ذلك الوجع بعد "** وقرأ عبد الله بن عمرو وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر ورويس عن يعقوب «ومِن شر النافِثاتِ» في وزن فاعلات. ورُوِيت عن عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وروي أن نساء سحرن النبيّ صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية. قال ابن زيد: كنّ من اليهود يعني السواحر المذكورات. وقيل: هنّ بنات لَبِيد بن الأعصم. الثامنة: قوله تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قد تقدم في سورة «النساء» معنى الحسد، وأنه تمني زوالِ نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها. والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل. فالحسدُ شرٌّ مذموم. والمنافسة مباحة وهي الغِبطة. وقد روي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" المؤمن يَغْبِطُ، والمنافق يَحْسُد "** وفي الصحيحين: **" لا حسَد إلا في اثنتين "** يريد لا غِبْطَة. وقد مضى في سورة «النساء» والحمد لله. قلت: قال العلماء: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيَتْبَع مساوئه ويطلب عَثَراته. قال صلى الله عليه وسلم: **" إِذا حَسَدت فلا تَبْغِ... "** الحديث. وقد تقدم. والحسد أوّل ذنب عُصِي الله به في السماء، وأول ذنب عُصِي به في الأرض، فحسَدَ إبليس آدَمَ، وحسد قابيلُ هابيلَ. والحاسد ممقوت مبْغوض مطرود ملعون. ولقد أحسن من قال:
| **قل للحسود إذا تَنَفَّس طَعْنةً** | | **يا ظالماً وكأنهُ مَظْلُومُ** |
| --- | --- | --- |
التاسعة: هذه سورة دالة على أن الله سبحانه خالق كل شر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ من جميع الشرور. فقال: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }. وجعل خاتمة ذلك الحسد، تنبيهاً على عِظمه، وكثرة ضرره، والحاسد عدوّ نعمة الله. قال بعض الحكماء: بارزَ الحاسد ربه من خمسة أوجه: أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره. وثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة؟ وثالثها: أنه ضادَّ فعل الله، أي إن فضل الله يؤتِيه من يشاء، وهو يبخَل بفضل الله. ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم. وخامسها: أنه أعان عدوّه إبليس. وقيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لَعنة وبغضاء، ولا ينال في الخلوة إلا جَزَعاً وغماً، ولا ينال في الآخرة إلا حُزْناً واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً. ورُوي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: **" ثلاثة لا يُستجاب دعاؤهم: آكل الحرام، ومُكثِر الغِيبة، ومن كان في قلبه غِلُّ أو حسد للمسلمين "** والله سبحانه وتعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) | مختلف فيها، وآيها خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ الفَلَقِ } ما يفلق عنه أي يفرق كالفرق فعل بمعنى مفعول، وهو يعم جميع الممكنات، فإنه تعالى فلق ظلمة العدم بنور الإِيجاد عنها، سيما ما يخرج من أصل كالعيون والأمطار والنبات والأولاد، ويختص عرفاً بالصبح ولذلك فسر به. وتخصيصه لما فيه من تغير الحال وتبدل وحشة الليل بسرور النور ومحاكاة فاتحة يوم القيامة، والإِشعار بأن من قدر أن يزيل به ظلمة الليل عن هذا العالم قدر أن يزيل عن العائذ به ما يخافه، ولفظ الرب هنا أوقع من سائر أسمائه تعالى لأن الإِعاذة من المضار قريبة.
{ مِن شَرّ مَا خَلَقَ } خص عالم الخلق بالإستعاذة عنه لانحصار الشرفية، فإن عالم الأمر خير كله، وشره اختياري لازم ومتعد كالكفر والظلم، وطبيعي كإحراق النار وإهلاك السموم.
{ وَمِن شَرّ غَاسِقٍ } ليل عظيم ظلامه من قوله:**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ }** [الإسراء: 78] وأصله الامتلاء يقال غسقت العين إذا امتلأت دمعاً. وقيل السيلان و { غَسَقِ ٱلَّيْلِ } انصباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه. { إِذَا وَقَبَ } دخل ظلامه في كل شيء، وتخصيصه لأن المضار فيه تكثر ويعسر الدفع، ولذلك قيل الليل أخفى للويل. وقيل المراد به القمر فإنه يكسف فيغسق ووقوبه دخوله في الكسوف.
{ وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها، والنفث النفخ مع ريق وتخصيصه. **" لما روي أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر دسه في بئر، فمرض النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت المعوذتان "** وأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بموضع السحر فأرسل علياً رضي الله تعالى عنه فجاء به فقرأهما عليه، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور، لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر. وقيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقد بنفث الريق ليسهل حلها وإفرادها بالتعريف لأن كل نفاثة شريرة بخلاف كل غاسق وحاسد.
{ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنه لا يعود ضرر منه قبل ذلك إلى المحسود بل يخص به لاغتمامه بسروره، وتخصيصه لأنه العمدة في إضرار الإِنسان بل الحيوان غيره، ويجوز أن يراد بالغاسق ما يخلو عن النور وما يضاهيه كالقوى وبـ { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } النباتات، فإن قواها النباتية من حيث أنها تزيد في طولها وعرضها وعمقها كانت تنفث في العقد الثلاثة، وبالحاسد الحيوان فإنه إنما يقصد غيره غالباً طمعاً فيما عنده، ولعل إفرادها من عالم الخلق لأنها الأسباب القريبة للمضرة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم **" لقد أنزلت عليَّ سورتان ما أنزل مثلهما وإنك لن تقرأ سورتين أحب ولا أرضى عند الله منهما يعني المعوذتين ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) | قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا حسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال الفلق الصبح. وقال العوفي عن ابن عباس { ٱلْفَلَقِ } الصبح. وروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعبد الله بن محمد بن عقيل والحسن وقتادة ومحمد بن كعب القرظي، وابن زيد ومالك عن زيد بن أسلم مثل هذا، قال القرظي وابن زيد وابن جرير وهي كقوله تعالى**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** الأنعام 96 وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { ٱلْفَلَقِ } الخلق، وكذا قال الضحاك أمر الله نبيه أن يتعوذ من الخلق كله. وقال كعب الأحبار { ٱلْفَلَقِ } بيت في جهنم، إذا فتح، صاح جميع أهل النار من شدة حره، ورواه ابن أبي حاتم، ثم قال حدثنا أبي، حدثنا سهيل بن عثمان عن رجل سماه، عن السدي، عن زيد بن علي، عن آبائه أنهم قالوا { ٱلْفَلَقِ } جب في قعر جهنم عليه غطاء، فإذا كشف عنه، خرجت منه نار تضج منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه، وكذا روي عن عمرو بن عبسة وابن عباس والسدي وغيرهم. وقد ورد في ذلك حديث مرفوع منكر، فقال ابن جرير حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، حدثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي، حدثنا نصر بن خزيمة الخراساني عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال **" الفلق جب في جهنم مغطى "** إسناده غريب، ولا يصح رفعه. وقال أبو عبد الرحمن الحبلي { ٱلْفَلَقِ } من أسماء جهنم، وقال ابن جرير والصواب القول الأول إنه فلق الصبح، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى. وقوله تعالى { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي من شر جميع المخلوقات، وقال ثابت البناني والحسن البصري جهنم وإبليس وذريته مما خلق، { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال مجاهد غاسق الليل إذا وقب غروب الشمس، حكاه البخاري عنه، وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه، وكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وخصيف والحسن وقتادة إذا وقب الليل إذا أقبل بظلامه. وقال الزهري { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الشمس إذا غربت، وعن عطية وقتادة إذا وقب الليل إذا ذهب، وقال أبو المهزم عن أبي هريرة { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الكوكب، وقال ابن زيد كانت العرب تقول الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها. قال ابن جرير ولهؤلاء من الآثار ما حدثني نصر بن علي، حدثني بكار بن عبد الله ابن أخي همام، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" ومن شر غاسق إذا وقب النجم الغاسق "** قلت وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير وقال آخرون هو القمر. قلت وعمدة أصحاب هذا القول ما رواه الإمام أحمد حدثناأبو داود الحفري عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن أبي سلمة قال قالت عائشة رضي الله عنها أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمرحين طلع، وقال **" تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به. وقال الترمذي حديث حسن صحيح، ولفظه **" تعوذي با لله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** ولفظ النسائي **" تعوذي با لله من شر هذا، هذا الغاسق إذا وقب "** قال أصحاب القول الأول وهو آية الليل إذا ولج، هذا لا ينافي قولنا لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلا فيه، وكذلك النجوم لا تضيء إلا بالليل، فهو يرجع إلى ما قلناه، والله أعلم. وقوله تعالى { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك يعني السواحر، قال مجاهد إذا رقين ونفثن في العقد. وقال ابن جرير حدثناابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال ما من شيء أقرب إلى الشرك من رقية الحية والمجانين، وفي الحديث الآخر أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتكيت يا محمد؟ فقال **" نعم "** فقال باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل حاسد وعين، الله يشفيك، ولعل هذا كان من شكواه صلى الله عليه وسلم حين سحر، ثم عافاه الله تعالى وشفاه، ورد كيد السحرة الحساد من اليهود في رؤوسهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، وفضحهم، ولكن مع هذا لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر، بل كفى الله، وشفى وعافى. وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم قال سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أياماً. قال فجاءه جبريل فقال إن رجلاً من اليهود سحرك، وعقد لك في بئر كذا وكذا، فأرسل إليها من يجيء بها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجها، فجاءه بها، فحللها، قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه حتى مات، ورواه النسائي عن هناد عن أبي معاوية محمد بن حازم الضرير.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال البخاري في كتاب الطب من صحيحه حدثنا عبد الله بن محمد قال سمعت سفيان بن عيينة يقول أول من حدثنا به ابن جريج يقول حدثني آل عروة عن عروة، فسألت هشاماً عنه، فحدثنا عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا، فقال **" يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر ما بال الرجل؟ قال مطبوب، قال ومن طبه، قال لبيد بن أعصم، رجل من بني زريق حليف اليهود كان منافقاً، قال وفيم؟ قال في مشط ومشاقة، قال وأين؟ قال في جف طلعة ذكر، تحت راعوفة في بئر ذروان "** قالت فأتى البئر حتى استخرجه، فقال **" هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين "** قال فاستخرج فقلت أفلا تنشرت؟ فقال **" أما الله، فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شراً "** وأسنده من حديث عيسى بن يونس وأبي ضمرة أنس بن عياض وأبي أسامة ويحيى القطان، وفيه قالت حتى كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله، وعنده فأمر بالبئر فدفنت، وذكر أنه رواه عن هشام أيضاً ابن أبي الزناد والليث بن سعد، وقد رواه مسلم من حديث أبي أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير، ورواه أحمد عن عفان عن وهيب عن هشام به. ورواه الإمام أحمد أيضاً عن إبراهيم بن خالد عن معمر عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت لبث النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، يرى أنه يأتي ولا يأتي، فأتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر ما باله؟ قال مطبوب، قال ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم، وذكر تمام الحديث. وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره، قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها. وكان الذي تولى ذلك رجل منهم يقال له ابن أعصم، ثم دسها في بئر لبني زريق يقال له ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتثر شعر رأسه، ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم، إذ أتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه ما بال الرجل؟ قال طب، قال وما طب؟ قال سحر؟ قال ومن سحره؟ قال لبيد بن الأعصم اليهودي.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال وبم طبه؟ قال بمشط ومشاطة، قال وأين هو؟ قال في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان. والجف قشر الطلع، والراعوفة حجر في أسفل البئر ناتىء يقوم عليه الماتح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعوراً، وقال **" يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي "** ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه، وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه اثنا عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية، انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين، الله يشفيك. فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" أما أنا، فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شراً "** هكذا أورده بلا إسناد، وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم، والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير تفسير الجلالين/ المحلي و السيوطي (ت المحلي 864 هـ) | { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ } السواحر تنفث { فِى ٱلْعُقَدِ } التي تعقدها في الخيط تنفخ فيها بشيء تقوله من غير ريق. وقال الزمخشري معه كبنات لبيد المذكور.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) | { ٱلْفَلَقِ } الصبح، يقال هو أبين من فلق الصبح. وسمي فلقاً، لأنه يفلق عنه الليل. وهو فعل بمعنى مفعول. قال الزجاج لأن الليل ينفلق عنه الصبح، ويكون بمعنى مفعول. يقال هو أبين من فلق الصبح، ومن فرق الصبح، وهذا قول جمهور المفسرين، ومنه قول ذي الرّمة
| **حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق هادئة في أخريات الليل منتصب** | | |
| --- | --- | --- |
وقول الآخر
| **يا ليلة لم أنمها بتّ مرتفقا أرعى النجوم لي أن نوّر الفلق** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل هو سجن في جهنم. وقيل هو اسم من أسماء جهنم. وقيل شجرة في النار. وقيل هو الجبال والصخور، لأنها تفلق بالمياه، أي تشقق. وقيل هو التفليق بين الجبال لأنها تنشق من خوف الله. قال النحاس يقال لكل ما اطمأنّ من الأرض فلق، ومنه قول زهير
| **ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا** | | |
| --- | --- | --- |
والراكس بطن الوادي، ومثله قول النابغة
| **أتاني ودوني راكس فالضواجع** | | |
| --- | --- | --- |
وقيل هو الرحم تنفلق بالحيوان. وقيل هو كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من الحيوان والصبح والحبّ والنوى، وكلّ شيء من نبات، وغيره قاله الحسن، والضحاك. قال القرطبي هذا القول يشهد له الانشقاق، فإن الفلق الشقّ، فلقت الشيء فلقاً شققته، والتفليق مثله، يقال فلقته، فانفلق وتفلق، فكلّ ما انفلق عن شيء من حيوان، وصبح، وحبّ، ونوى، وماء فهو فلق، قال الله سبحانه**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** الأنعام 96 وقال**{ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ }** الأنعام 95. انتهى. والقول الأوّل أولى لأن المعنى، وإن كان أعمّ منه وأوسع مما تضمنه لكنه المتبادر عند الإطلاق. وقد قيل في وجه تخصيص الفلق الإيماء إلى أن القادر على إزالة هذه الظلمات الشديدة عن كلّ هذا العالم يقدر أيضاً أن يدفع عن العائذ كل ما يخافه، ويخشاه. وقيل طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرح فكما أن الإنسان في الليل يكون منتظراً لطلوع الصباح. كذلك الخائف يكون مترقباً لطلوع صباح النجاح، وقيل غير هذا مما هو مجرّد بيان مناسبة ليس فيها كثير فائدة تتعلق بالتفسير. { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } متعلق بـ { أعوذ } أي من شرّ كلّ ما خلقه سبحانه من جميع مخلوقاته، فيعمّ جميع الشرور. وقيل هو إبليس وذرّيته. وقيل جهنم، ولا وجه لهذا التخصيص، كما أنه لا وجه لتخصيص من خصّص هذا العموم بالمضارّ البدنية. وقد حرّف بعض المتعصبين هذه الآية مدافعة عن مذهبه، وتقويماً لباطله، فقرءوا بتنوين " شرّ " على أن «ما» نافية. والمعنى من شرّ لم يخلقه. ومنهم عمرو بن عبيد، وعمرو بن عائذ. { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الغاسق الليل. والغسق الظلمة. يقال غسق الليل يغسق إذا أظلم. قال الفراء يقال غسق الليل، وأغسق إذا أظلم، ومنه قول قيس بن الرقيات
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهمّ والأرقا** | | |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار، والغاسق البارد، والغسق البرد، ولأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوامّ من أماكنها، وينبعث أهل الشرّ على العبث والفساد، كذا قال، وهو قول بارد، فإن أهل اللغة على خلافه، وكذا جمهور المفسرين ووقوبه دخول ظلامه، ومنه قول الشاعر
| **وقب العذاب عليهم فكأنهم لحقتهم نار السموم فأخمدوا** | | |
| --- | --- | --- |
أي دخل العذاب عليهم. ويقال وقبت الشمس إذا غابت. وقيل الغاسق الثريا. وذلك أنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك، وبه قال ابن زيد. وهذا محتاج إلى نقل عن العرب أنهم يصفون الثريا بالغسوق. وقال الزهري هو الشمس إذا غربت، وكأنه لاحظ معنى الوقوب، ولم يلاحظ معنى الغسوق. وقيل هو القمر إذا خسف. وقيل إذا غاب. وبهذا قال قتادة، وغيره. واستدلوا بحديث أخرجه أحمد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن عائشة قالت نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى القمر لما طلع فقال **" يا عائشة استعيذي بالله من شرّ هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب "** قال الترمذي بعد إخراجه حسن صحيح، وهذا لا ينافي قول الجمهور لأن القمر آية الليل، ولا يوجد له سلطان إلاّ فيه، وهكذا يقال في جواب من قال إنه الثريا. قال ابن الأعرابي في تأويل هذا الحديث وذلك أن أهل الريب يتحينون وجبة القمر. وقيل الغاسق الحية إذا لدغت. وقيل الغاسق كل هاجم يضرّ كائناً ما كان، من قولهم غسقت القرحة إذا جرى صديدها. وقيل الغاسق هو السائل، وقد عرّفناك أن الراجح في تفسير هذه الآية هو ما قاله أهل القول الأوّل، ووجه تخصيصه أن الشرّ فيه أكثر، والتحرز من الشرور فيه أصعب، ومنه قولهم الليل أخفى للويل. { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } النفاثات هنّ السواحر، أي ومن شر النفوس النفاثات، أو النساء النفاثات، والنفث النفخ، كما يفعل ذلك من يرقي ويسحر. وقيل مع ريق. وقيل بدون ريق، والعقد جمع عقدة، وذلك أنهنّ كن ينفثن في عقد الخيوط حين يسحرن بها، ومنه قول عنترة
| **فإن يبرأ فلم أنفث عليه وإن يعقد فحقّ له العقود** | | |
| --- | --- | --- |
وقول متمم بن نويرة
| **نفث في الخيط شبيه الرقى من خشية الجنة والحاسد** | | |
| --- | --- | --- |
قال أبو عبيدة النفاثات هيّ بنات لبيد الأعصم اليهودي، سحرن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قرأ الجمهور { النفاثات } جمع نفاثة على المبالغة. وقرأ يعقوب، وعبد الرحمٰن بن ساباط، وعيسى بن عمر النافثات جمع نافثة. وقرأ الحسن النفاثات بضم النون. وقرأ أبو الربيع النفثات بدون ألف.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
{ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الحسد تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود. ومعنى { إذا حسد } إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه، وحمله الحسد على إيقاع الشرّ بالمحسود. قال عمر بن عبد العزيز لم أر ظالماً أشبه بالمظلوم من حاسد، وقد نظم الشاعر هذا المعنى فقال
| **قل للحسود إذا تنفس طعنة يا ظالماً وكأنه مظلوم** | | |
| --- | --- | --- |
ذكر الله سبحانه في هذه السورة إرشاد رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة من شرّ كل مخلوقاته على العموم، ثم ذكر بعض الشرور على الخصوص مع اندراجه تحت العموم لزيادة شرّه، ومزيد ضرّه، وهو الغاسق، والنفاثات، والحاسد، فكأن هؤلاء لما فيهم من مزيد الشرّ حقيقون بإفراد كل واحد منهم بالذكر. وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن عبسة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } فقال **" يا ابن عبسة أتدري ما الفلق؟ "** قلت الله ورسوله أعلم، قال **" بئر في جهنم "** وأخرجه ابن أبي حاتم من قول عمرو بن عبسة غير مرفوع. وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم **" اقرأ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } هل تدري ما الفلق؟ باب في النار إذا فتحت سعرت جهنم "** وأخرج ابن مردويه، والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عزّ وجلّ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } فقال **" هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون، وإن جهنم لتتعوّذ بالله منه "** وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال **" الفلق جبّ في جهنم "** وهذه الأحاديث لو كانت صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان المصير إليها واجباً، والقول بها متعيناً. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الفلق سجن في جهنم. وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال الفلق الصبح. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه قال الفلق الخلق. وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } وقال النجم هو الغاسق، وهو الثريا. وأخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم من وجه آخر عنه غير مرفوع. وقد قدّمنا تأويل هذا، وتأويل ما ورد أن الغاسق القمر. وأخرج أبو الشيخ عنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إذا ارتفعت النجوم رفعت كل عاهة عن كل بلد "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وهذا لو صح لم يكن فيه دليل على أن الغاسق هو النجم أو النجوم. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال الليل إذا أقبل. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } قال الساحرات. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال هو ما خالط السحر من الرقي. وأخرج النسائي، وابن مردويه عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال **" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وكل إليه "** وأخرج ابن سعد، وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم يعودني فقال **" ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟ "** فقلت بلى بأبي أنت وأمي، قال **" بسم الله أرقيك، والله يشفيك من كل داء فيك مِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ، وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ "** فرقى بها ثلاث مرّات. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال نفس ابن آدم وعينه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير القرآن/ الفيروز آبادي (ت817 هـ) | وبإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } يقول قل يا محمد امتنع ويقال أستعيذ برب الفلق برب الخلق ويقال الفلق هو الصبح ويقال جب في النار ويقال هو واد في النار { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } من شر كل ذي شر خلق { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } من شر الليل إذا دخل وأدبر { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ } المهيجات الآخذات الساحرات النافخات { فِي ٱلْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } لبيد بن الأعصم اليهودي إذ حسد النبي صلى الله عليه وسلم فسحره وأخذه عن عائشة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } يعني قل يا محمد أعتصم وأستعيذ وأستعين بخالق الخلق والفلق الخلق وإنما سمي الخلق فلقاً لأنهم فُلِقُوا من آبائهم وأمهاتهم ويقال (أعوذ برب الفلق) يعني بخالق الصبح، ويقال فالق الحب والنوى قال الله تعالى**{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام: 95] وقال**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] ويقال الفلق واد في جهنم، ويقال جب في النار
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال **" الفلق شجرة في جهنم فإن أراد الله أن يعذب الكافر بأشد العذاب يأمره أن يأكل من ثمرها "** وروي عن كعب الأحبار أنه دخل في بعض الكنائس التي للروم فقال: أخسر عمل وأضلُّ قوم قد رضيت لكم بالفلق فقيل له ما الفلق يا كعب؟ قال: بئر في النار إذا فتح بابها صاح جميع أهل النار من شدة عذابها
ثم قال عز وجل { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } قال الجن والإنس وقال الكلبي من شر ما خلق يعني من شر ذي شر. ثم قال عز وجل { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } يعني ظلمة الليل إذا دخل سواد الليل في ضوء النهار ويقال (إذا وقب) يعني إذا جاء وأدبر وقال القتبي (الغاسق) الليل والغسق الظلمة ويقال الغاسق القمر إذا انكسف واسودّ (إذا وقب) يعني إذا دخل في الكسوف
ثم قال تعالى { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } يعني الساحرات الموخزات المهيجات اللواتي ينفثن في العقد ثم قال عز وجل { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يعني كل ذي حسد أراد به لبيد بن أعصم اليهودي ويقال لبيد بن عاصم وروى الأعمش عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال سحر النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ من اليهود عقد له عقداً فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال له: إن رجلاً من اليهود سحرك فبعث علياً رضي الله عنه واستخرجها فحلّها فجعل كلما حل عقدة وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك خفة حتى حلها كلها فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما نشط من عقال فما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لليهود
وروي في خبر آخر أن لبيد بن أعصم اتخذ لعبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ من عائشة رضي الله عنها فأفحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل في اللعبة أحد عشر عقدة ثم ألقاها في بئر، وألقى فوقها صخرة فاشتكى من ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكواً شديداً فصارت أعضاؤه مثل العقد فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين النائم واليقظان إذ أتاه ملكان أحدهما جلس عند رأسه والآخر عند قدميه فالذي عند قدميه يقول للذي عند رأسه ما شكواه قال السحر قال من فعل به؟ قال لبيد بن أعصم اليهودي قال فأين صنع السحر قال في بئر كذا قال ماذا رأوه يبعث إلى تلك البئر فنزح ماؤها فإنه انتهى إلى الصخرة فإذا رأها فليقلعها فإن تحتها كؤبة وهي كؤبة قد سقطت عنقها وفيه إحدى عشرة عقدة فيحرق في النار فيبرأ إن شاء الله تعالى فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد فهم ما قالا فبعث عمار بن ياسر وعلياً رضي الله عنهما إلى تلك البئر في رهط من أصحابه فوجدوها كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم فنزلت هاتان السورتان وهي إحدى عشرة آية فكلما قرأ آية حل منها عقدة حتى انحلت كلها ثم أحرقها بالنار فبرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروي في بعض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ما سأل منها سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلها قط وهذه الآية دليل أن الرقية جائزة إن كانت بذكر الله تعالى وبكتابه والله أعلم بالصواب.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) | وهذه والناس معوذتا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهود، وقيل إن المعوذتين كان يقال لهما " المقشقشتان " أي مبرئتان من النفاق، وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به وليستا من القرآن، وهذا قول خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت.
{ قُلْ أَعُوذُ بربِّ الفَلَقِ } فيه ستة تأويلات:
أحدها: أن الفلق سجن في جهنم، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه اسم من أسماء جهنم، قاله أبو عبد الرحمن.
الثالث: أنه الخلق كله، قاله الضحاك.
الرابع: أنه فلق الصبح، قاله جابر بن عبد الله ومنه قول الشاعر:
| **يا ليلةً لم أَنَمْها بِتُّ مُرْتفقا** | | **أرْعى النجومَ إلى أنْ نوَّرَ الفَلَقُ.** |
| --- | --- | --- |
الخامس: أنها الجبال والصخور تنفلق بالمياه.
السادس: أنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى وكل شيء من نبات وغيره، قاله الحسن.
ولأصحاب الغوامض أنه فلق القلوب للأفهام حتى وصلت إليها ووصلت فيها، وأصل الفلق الشق الواسع، وقيل للصبح فلق لفلق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه.
{ مِن شَرِّ ما خَلَق } فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن شر ما خلق جهنم، قاله ثابت البناني.
الثاني: إبليس وذريته، قاله الحسن.
الثالث: من شر ما خلق في الدنيا والآخرة، قاله ابن شجرة.
وفي هذا الشر وجهان:
أحدهما: أنه محمول على عمومه في كل شر.
الثاني: أنه خاص في الشر الذي يستحق المصاب به الثواب.
{ ومن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني الشمس إذا غربت، قاله ابن شهاب.
الثاني: القمر إذا ولج أي دخل في الظلام.
روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم نظر إلى القمر فقال: يا عائشة تعوذي بالله من شر غاسقٍ إذا وقب، وهذا الغاسق إذا وقب.
الثالث: أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عنذ وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد.
الرابع: أنه الليل، لأنه يخرج السباع من آجامها، والهوام من مكامنها ويبعث أهل الشر على العبث والفساد، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، قال الشاعر:
| **يا طيْفَ هِنْدٍ لقد أبقيْتَ لي أرَقا** | | **إذ جئْتَنا طارِقاً والليلُ قد غَسَقا** |
| --- | --- | --- |
وأصل الغسق الجريان بالضرر، مأخوذ من قولهم غسقت القرحة إذا جرى صديدها، والغسّاق: صديد أهل النار، لجريانه بالعذاب وغسقت عينه إذا جرى دمعها بالضرر في الحلق.
فعلى تأويله أنه الليل في قوله " إذا وقب " أربعة تأويلات:
أحدها: إذا أظلم، قاله ابن عباس.
الثاني: إذا دخل، قاله الضحاك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
الثالث: إذا ذهب، قاله قتادة.
الرابع: إذا سكن، قاله اليمان بن رئاب.
{ ومِن شَرِّ النّفّاثاتِ في العُقَدِ } قال أهل التأويل: من السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر، قال الشاعر:
| **أعوذ بربي من النافثا** | | **تِ في عِضَه العاضه المعْضِه** |
| --- | --- | --- |
وربما فعل قوم في الرقى مثل ذلك، طلباً للشفاء، كما قال متمم بن نويرة:
| **نَفَثْت في الخيط شبيه الرُّقَى** | | **من خشيةِ الجِنّة والحاسدِ.** |
| --- | --- | --- |
وقد روى الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: **" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه "** ، النفث: النفخ في العقد بلا ريق، والتفل: النفخ فيها بريق، وفي { شر النفاثات في العقد } ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه إيهام للأذى وتخيل للمرض من غير أن يكون له تأثير في الأذى والمرض، إلا استشعار ربما أحزن، أو طعام ضار ربما نفذ بحيلة خفية.
الثاني: أنه قد يؤذى بمرض لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين، وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله.
الثالث: أنه قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله بعض عباده.
فأما المروي من سحر النبي صلى الله عليه وسلم فقد أثبته أكثرهم، وأن قوماً من اليهود سحروه وألقوا عقدة سحره في بئر حتى أظهره الله عليها.
روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى شكوى شديدة، فبينا هو بين النائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: ما شكواه؟ فقال الآخر: مطبوب، (أي مسحور، والطب: السحر) قال: ومن طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي فطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر فاستخرج السحر منها، ويروى أن فيه إحدى عشرة عقدة، فأمر بحل العقد، فكان كلما حل عقدة وجد راحة، حتى حلت العقد كلها، فكأنما أنشط من عقال، فنزلت عليه المعوذتان، وهما إحدى عشرة آية بعدد العقد، وأمر أن يتعوذ بهما.
وأنكره آخرون، ومنعوا منه في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن صح في غيره، لما في استمراره عليه من خبل العقل، وأن الله تعالى قد أنكر على من قال في رسوله حيث يقول: { إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }.
{ ومن شر حاسد إذا حسد } أما الحسد فهو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها، والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل، فالحسد شر مذموم، والمنافسة رغبة مباحة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" المؤمن يغبط والمنافق يحسد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
وفي الاستعاذة من شر حاسد إذا حسد وجهان:
أحدهما: من شر نفسه وعينه، فإنه ربما أصاب بها فعان وضر، والمعيون المصاب بالعين، وقال الشاعر:
| **قد كان قومُك يَحْسبونك سيّدا** | | **وإخال أنك سيدٌ مَعْيونُ** |
| --- | --- | --- |
الثاني: أن يحمله فرط الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فإنه يتبع المساوىء ويطلب العثرات، وقد قيل إن الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء والأرض فحسد إبليس آدم حتى أخرجه من الجنة، وأما في الأرض فحسد قابيل بن آدم لأخيه هابيل حتى قتله، نعوذ بالله من شر ما استعاذنا منه.
وافتتح السورة بـ " قُلْ " لأن الله تعالى أمر نبيه أن يقولها، وهي من السورة لنزولها معها، وقد قال بعض فصحاء السلف: احفظ القلاقل، وفيه تأويلان:
أحدهما: قل " قل " في كل سورة ذكر في أوائلها لأنه منها.
والثاني: احفظ السورة التي في أولها " قل " لتأكيدها بالأمر بقراءتها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) | { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } ، يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها. قال أبو عبيدة: هن بنات لبيد بن الأعصم سحرن النبي صلى الله عليه وسلم. { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، يعني اليهود فإنهم كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) | الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد هو آحاد أمته، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن والقرظي وقتادة ومجاهد وابن زيد: { الفلق }: الصبح، كقوله تعالى:**{ فالق الإصباح }** [الأنعام: 96] وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم: { الفلق }: جب في جهنم ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: { من شر ما خلق } يعم كل موجود له شر، وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين: بأن الله لم يخلق الشر " من شرِّ ما خلق " على النفي وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، الله خالق كل شيء، واختلف الناس في: " الغاسق إذا وقب " فقال ابن عباس ومجاهد والحسن: " الغاسق ": الليل و { وقب } معناه: أظلم ودخل على الناس، وقال الشاعر [ابن قيس الرقيات]: [المديد]
| **إن هذا الليل قد غسقا** | | **واشتكيت الهم والأرقا** |
| --- | --- | --- |
وقال محمد بن كعب: " الغاسق إذا وقب " النهار دخل في الليل، وقال ابن زيد عن العرب، " الغاسق " سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وقال عليه السلام: **" النجم هو الغاسق "** فيحتمل أن يريد الثريا، و **" قال لعائشة وقد نظر إلى القمر: " تعوذي بالله { من شر غاسق إذا وقب } "** ، فهذا هو " ، وقال القتبي وغيره: هو البدر إذا دخل في ساهوره فخسف، قال الزهري في " الغاسق إذا وقب ": الشمس إذا غربت، و { وقب } في كلام العرب: دخل، وقد قال ابن عباس في كتاب النقاش: " الغاسق إذا وقب ": ذكر الرجل، فهذا التعوذ في هذا التأويل نحو قوله عليه السلام وهو يعلم السائل التعوذ: **" قل أعوذ بالله من شر سمعي وشر قلبي وشر بصري وشر لساني وشر منيي "** ، ذكر الحديث جماعة و { النفاثات في العقد } السواحر، ويقال إن الإشارة أولاً إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي كن ساحرات وهن اللواتي سحرن مع أبيهم النبي صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى إحدى عشرة آية بعد العقد، هي المعوذتان، فشفى الله النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث شبه النفخ دون تفل ريق، وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذى بذلك، وهذا الشأن في زمننا موجود شائع في صحراء المغرب، وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقد فيه عقد على فصلان فمنعت بذلك رضاع أمهاتها، فكان إذا حل جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع أعاذنا الله من شر السحر والسحرة بقدرته، وقرأ عبد الله بن القاسم والحسن وابن عمر: " النافثات في العقد " ، وقوله تعالى: { ومن شر حاسد إذا حسد } قال قتادة: من شر عينه ونفسه، يريد بالنفس السعي الخبيث والإذاية كيف قدر لأنه عدو مجد ممتحن، وقال الشاعر:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| **كل عداوة قد ترجى إفاقتها** | | **إلا عداوة من عاداك من حسد** |
| --- | --- | --- |
وعين الحاسد في الأغلب لاقعة نعوذ بالله من شرها ولا أعدمنا الله حسدة. [الكامل]
| **وإذا أراد الله نشر فضيلة** | | **طويت أتاح لها لسان حسود** |
| --- | --- | --- |
والحسد: في الأثنتين اللتين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" حسد مستحسن غير ضار "** ، وإنما هو باعث على خير، وهذه السورة خمس آيات فقال بعض الحذاق: وهي مراد الناس بقولهم للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك، وقد غلطت العامة في هذا فيشيرون في ذلك بالأصابع لكونها خمسة، وأمال أبو عمرو { حاسد } ، والباقون بفتح الحاء وقال الحسن بن الفضل: ذكر الله تعالى الشر في هذه السورة ثم ختمها بالحسد ليظهر أنه أخس طبع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) | وفيها قولان.
أحدهما: مدنية رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال قتادة في آخرين.
والثاني: مكية رواه كريب عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، وعكرمة، وجابر. والأول أصح، ويدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر وهو مع عائشة، فنزلت عليه المعوذتان.
فذكر أهل التفسير في نزولهما: **" أن غلاماً من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل به اليهود حتى أخذ مُشَاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعِدَّة أسنانٍ من مُشْطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها. وكان الذي تولَّى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي. ثم دسَّها في بئر لبني زريق، يقال لها: بئر ذروان. ويقال: ذي أروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر شعر رأسه، وكان يرى أنه يأتي النساء وما يأتيهن، ويخيَّل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله، فبينا هو ذات يوم نائم أتاه مَلَكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما للآخر: ما بال الرجل؟ قال: طُبَّ. قال: وما طُبَّ؟ قال: سُحِر. قال: ومن سَحَره؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: وبم طَبَّه؟ قال: بمُشْط ومُشَاطة. قال: وأين هو؟ قال في جُفِّ طلعةٍ تحت راعوفة في بئر ذروان ـ والجف: قشر الطلع. والراعوفة: صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت. فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقِّي عليها، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة أما شعرتِ أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث علياً، والزبير، وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء تلك البئر، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجُفَّ، وإذا فيه مُشَاطة رأسه، وأسنان مشطه، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة [مغروزة بالإبرة، فأنزل الله تعالى المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة]. ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خِفَّة حين انحلت العُقْدَةُ الأخيرة، وجعل جبريل عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن حاسد وعين، والله يشفيك. فقالوا يا رسول الله: أفلا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال: «أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أُثير على الناس شراً» ".** وقد أخرج البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث عائشة حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بينا معنى «أعوذ» في أول كتابنا.
وفي «الفلق» ستة أقوال.
أحدها: أنه الصبح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والقرظي، وابن زيد، واللغويون قالوا: ويقال: هذا أبين من فَلَق الصبح وَفَرَقَ الصبح.
والثاني: أنه الخَلْق، رواه الوالبي عن ابن عباس. وكذلك قال الضحاك: الفَلَق: الخَلْق كلُّه.
والثالث: سِجْن في جهنم، روي عن ابن عباس أيضاً.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقال وهب والسدي: جُبٌّ في جهنم. وقال ابن السائب: وادٍ في جهنم.
والرابع: شجرة في النار، قاله عبد الله بن عمرو.
والخامس: أنه كُلُّ ما انفلق عن شيء كالصبح، والحَبُّ، والنَّوى، وغير ذلك. قاله الحسن. قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بَانَ لك أن أكثره عن انفلاق، كالأرض بالنبات، والسحاب بالمطر.
والسادس: أنه اسم من أسماء جهنم، قاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي.
قوله تعالى: { من شر ما خلق } وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر: «خُلِق» بضم الخاء، وكسر اللام. وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه عام، وهو الأظهر.
والثاني: أن شر ما خُلِق: إبليسُ وذُريته، قاله الحسن.
والثالث: جهنم، حكاه الماوردي.
وفي «الغاسق» أربعة أقوال.
أحدها: أنه القمر، روت عائشة قالت: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فقال: استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب، رواه الترمذي، والنسائي في كتابيهما. قال ابن قتيبة: ويقال: الغاسق: القمر إذا كسف فاسودَّ. ومعنى «وقب» دخل في الكسوف.
والثاني: أنه النجم، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثالث: أنه الليل، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والقرظي، والفراء، وأبو عبيد، وابن قتيبة، والزجاج. قال اللغويون: ومعنى «وقب» دخل في كل شيء فأظلم. و «الغسق» الظلمة. وقال الزجاج: الغاسق: البارد، فقيل لِلَّيل: غاسق، لأنه أبرد من النهار.
والرابع: أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام، والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد.
فأما { النفاثات } فقال ابن قتيبة: هن السواحر ينفثن. أي: يَتْفُلن إذا سحرن، ورَقَيْن. قال الزجاج: يَتْفُلْنَ بلا ريق، كأنه نفح. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: تفسير نَفَثَ: نَفَخَ نفخاً ليس معه ريق، ومعنى تفل: نفخ نفخاً معه ريق. قال ذو الرُّمَّة:
| **ومن جَوْفِ ماءٍ عَرْمَضُ الحَوْلِ فَوْقَهُ** | | **متى يَحْسُ منه مائِحُ القومِ يَتْفُلِ** |
| --- | --- | --- |
وقد روى ابن أبي سُرَيج «النافثات» بألف قبل الفاء مع كسر الفاء وتخفيفها. وقال بعض المفسرين: المراد بالنَّفَّاثات هاهنا: بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ ومن شر حاسد } يعني: اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكرنا حدَّ الحسد في [البقرة:109] والحسد: أخس الطبائع. وأولُ معصية عُصِيَ الله بها في السماء حَسَدُ إبليس لآدم، وفي الأرض حَسَدُ قابيلَ هَابيلَ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير تفسير القرآن/ ابن عبد السلام (ت 660 هـ) | { النَّفَّاثَاتِ } السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر وربما فعل في الرقي مثل ذلك طلباً للشفاء والنفث النفخ في العقد بغير ريق والتفل النفخ فيها بريق وأثره تخييل للأذى والمرض أو يمرض ويؤذي لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله أو قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله تعالى به بعض عباده والأكثرون على أن الرسول صلى الله عليه وسلم سحر واستخرج وتراً فيه إحدى عشرة عقدة فأمر بحلها فكانت كلما حُلَّت عقدة وجد راحة حتى حلت العقد كلها فكأنما أنشط من عقال فنزلت المعوذتان إحدى عشرة آية بعدد العقد وأمر أن يتعوذ بهما ومنع آخرون من تأثير السحر في الرسول صلى الله عليه وسلم وإن جاز في غيره لما في استمراره من خبل العقل ولإنكار الله تعالى على من قال:**{ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً }** [الإسراء: 47].
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي (ت 710 هـ) | مختلف فيها وهي خمس آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ ٱلْفَلَقِ } أي الصبح أو الخلق أو هو واد في جهنم أوجبٌّ فيها { مِن شَرّ مَا خَلَقَ } أي النار أو الشيطان. و«ما» موصولة والعائد محذوف، أو مصدرية ويكون الخلق بمعنى المخلوق. وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه { مِن شَرّ } بالتنوين و«ما» على هذا مع الفعل بتأويل المصدر في موضع الجر بدل من { شَرُّ } أي شر خلقه أي من خلق شر، أو زائدة { وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } الغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه، ووقوبه دخول ظلامه في كل شيء، وعن عائشة رضي الله عنها: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأشار إلى القمر فقال: تعوذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب، ووقوبه دخوله في الكسوف واسوداده { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } النفاثات: النساء أو النفوس أو الجماعات السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين، والنفث: النفخ مع ريق وهو دليل على بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر وظهور أثره { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أي إذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه لأنه إذا لم يظهر فلا ضرر يعود منه على حسده بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره، وهو الأسف على الخير عند الغير. والاستعاذة من شر هذه الأشياء بعد الاستعاذة من شر ما خلق إشعار بأن شر هؤلاء أشد، وختم بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس، وفي الأرض من قابيل. وإنما عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه، لأن كل نفاثة شريرة فلذا عرفت { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ } ونكر { غَاسِقٍ } لأن كل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر، ورب حسد يكون محموداً كالحسد في الخيرات والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) | قوله عز وجل: { قل أعوذ برب الفلق } قال ابن عباس وعائشة: " كان غلام من اليهود يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان فيه ". ق عن عائشة **" أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أن يصنع الشيء ولم يصنعه "** وفي رواية **" أنه يخيل إليه فعل الشيء، وما فعله حتى إذا كان يوم، وهو عندي دعا الله، ودعاه ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت: وما ذاك يا رسول الله قد جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب، قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال: فيما ذا قال في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان، ومن الرواة من قال في بئر بني زريق فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله فأخرجه. قال أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخفت أن أثيرعلى الناس منه شراً "** وفي رواية للبخاري **" أنه كان يرى أنه يأتي النساء، ولا يأتيهن قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذلك "** عن زيد بن أرقم قال **" سحر رجل من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى ذلك أياماً فأتاه جبريل فقال إن رجلاً من اليهود سحرك، وعقد لك عقداً في بئر كذا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاستخرجها، فجاء بها فحلها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر ذلك لليهودي، ولا رآه في وجهه قط "** أخرجه النسائي وروي " أنه كان تحت صخرة في البئر فرفعوا الصخرة وأخرجوا جف الطلعة، فإذا فيه مشاطة من رأسه صلى الله عليه وسلم وأسنان من مشطه " ، وقيل كان في وتر عقد عليه إحدى عشرة عقدة وقيل كان مغروزاً بالإبر فأنزل الله هاتين السورتين، وهما إحدى عشرة آية سورة الفلق خمس آيات، وسورة الناس ست آيات، فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى انحلت العقد كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال وروي " أنه لبث ستة أشهر، واشتد عليه ذلك ثلاث ليال فنزلت المعوذتان " م عن أبي سعيد الخدري
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا محمد اشتكيت قال نعم قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ".** فصل وقبل الشروع في التفسير نذكر معنى الحديث، وما قيل فيه، وما قيل في السحر، وما قيل في الرقى قولها في الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه يصنع الشيء، ولم يصنعه. قال الإمام المازري: مذهب أهل السّنة، وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثّابتة خلافاً لمن أنكر ذلك، ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء، وزوجه وهذا كله لا يمكن أن يكون مما لا حقيقة له وهذا الحديث الصحيح مصرح بإثباته، ولا يستنكر في العقل أن الله تعالى يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي لا يعرفها إلا الساحر، وأنه لا فاعل إلا الله تعالى، وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى على يد من يشاء من عباده. فإن قلت المستعاذ منه هل هو بقضاء الله، وقدره فذلك قدح في القدرة. قلت كل ما وقع في الوجود هو بقضاء الله وقدره، والاستشفاء بالتّعوذ، والرّقى من قضاء الله، وقدره يدل على صحة ذلك. ما روى التّرمذي **" عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً، قال: هي من قدر الله تعالى " "** قال التّرمذي: هذا حديث حسن وعن عمر نفر من قدر الله إلى قدر الله تعالى. فصل وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه، وزعم أنه يحط منصب النّبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع. ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية، والنقلية قد قامت على صدقه صلى الله عليه وسلم، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل. وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له. وقد قيل إنه كان يخيل إليه أنه وطىء زوجاته، وليس واطىء، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد قال القاضي: وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبساً على الرسالة ولا طعناً لأهل الزّيغ والضّلالة، وقوله ما وجع الرجل قال مطبوب أي مسحور قوله، وجف طلعة ذكر يروى بالباء ويروى بالفاء، وهو وعاء طلع النخل. وأما الرّقى والتّعاويذ فقد اتفق الاجماع على جواز ذلك إذا كان بآيات من القرآن، أو إذ كانت وردت في الحديث، ويدل على صحته الأحاديث الواردة في ذلك منها حديث أبي سعيد المتقدم أن جبريل رقي النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما روي عن عبيد بن رفاعة الزرقي **" أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ولد جعفر تسرع إليهم العين. أفأسترقي لهم قال نعم فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين "** أخرجه التّرمذي وقال: حديث صحيح وعن أبي سعيد الخدري **" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول أعوذ بالله من الجان، وعين الإنسان فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما، وترك ما سواهما "** أخرجه التّرمذي وقال: حديث حسن غريب فهذه الأحاديث تدل على جواز الرّقية، وإنما المنهي عنه منها ما كان فيه كفر أو شرك أو ما لا يعرف معناه مما ليس بعربي لجواز أن يكون فيه كفر والله أعلم. وأما التفسير فقوله عز وجل { قل أعوذ برب الفلق } ، أراد بالفلق الصبح، وهو قول الأكثرين، ورواية عن ابن عباس لأن الليل ينفلق عن الصبح وسبب تخصيصه في التعوذ أن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم قادر على أن يدفع عن المستعيذ ما يخافه، ويخشاه، وقيل إن طلوع الصبح كالمثال لمجيء الفرج، كما أن الإنسان ينتظر طلوع الصّباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح، وقيل إن تخصيص الصبح بالذكر في هذا الموضع لأنه وقت دعاء المضطرين، وإجابة الملهوفين، فكأنه يقول قل أعوذ برب الوقت، الذي يفرج فيه هم المهمومين والمغمومين، وروي عن ابن عباس أن الفلق سجن في جهنم، وقيل هو واد في جهنم إذ فتح استعاذ أهل النار من حره، ووجهه أن المستعيذ قال: أعوذ برب هذا العذاب، القادر عليه من شر عذابه، وغيره وروي عن ابن عباس أيضاً أن الفلق الخلق، ووجه هذا التأويل، أن الله تعالى فلق ظلمات بحر العدم بإيجاد الأنوار، وخلق منه الخلق، فكأنه قال قل أعوذ برب جميع الممكنات، ومكون جميع المحدثات { من شر ما خلق } قيل يريد به إبليس خاصة لأنه لم يخلق الله خلقاً هو شر منه، ولأن السحر لا يتم إلا به وبأعوانه وجنوده، وقيل من شر كل ذي شر، وقيل من شر ما خلق من الجن، والإنس.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
{ ومن شر غاسق إذا وقب } عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت **" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب "** أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح، فعلى هذا الحديث المراد به القمر إذا خسف، واسود ومعنى وقب دخل في الخسوف، أو أخذ في الغيبوبة، وقيل سمي به لأنه إذا خسف اسود، وذهب ضوءه وقيل إذا وقب دخل في المحاق، وهو آخر الشهر وفي ذلك الوقت يتم السحر المورث للتمريض، وهذا مناسب لسبب نزول هذه الآية. وقال ابن عباس: الغاسق الليل إذا وقب أي أقبل لظلمته من المشرق، وقيل سمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار، والغسق البرد وإنما أمر بالتعوذ من الليل لأن فيه تنشر الآفات، ويقل الغوث وفيه يتم السحر، وقيل الغاسق الثريا إذا سقطت، وغابت، وقيل إن الأسقام تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها فلهذا أمر بالتعوذ من الثريا عند سقوطها { ومن شر النفاثات في العقد } يعني السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، وقيل المراد بالنفاثات بنات لبيد بن الأعصم اللاتي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم، والنفث النفخ مع ريق قليل، وقيل إنه النفخ فقط. واختلفوا في جواز النّفث في الرّقى، والتّعاويذ الشّرعية المستحبة فجوزه الجمهور من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، ويدل عليه حديث عائشة قالت: **" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات "** الحديث وأنكر جماعة التّفل، والنّفث في الرقى، وأجازوا النّفخ بلا ريق قال عكرمة: لا ينبغي للرّاقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد، وقيل النفث في العقد إنما يكون مذموماً إذا كان سحراً مضراً بالأرواح والأبدان، وإذا كان النفث لإصلاح الأرواح والأبدان وجب أن لا يكون مذموماً، ولا مكروهاً بل هو مندوب إليه. { ومن شر حاسد إذا حسد } الحاسد هو الذي يتمنى زوال نعمة الغير، وربما يكون مع ذلك سعي، فلذلك أمر الله تعالى بالتعوذ منه، وأراد بالحاسد هنا اليهود، فإنهم كانوا يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم أو لبيد بن الأعصم وحده والله سبحانه، وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) | والفلق: الصبح، قاله ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبي وابن زيد، وفي المثل: هو أبين من فلق الصبح ومن فرق الصبح، وقال الشاعر:
| **يا ليلة لم أنمها بت مرتقباً** | | **أرعى النجوم إلى أن قدّر الفلق** |
| --- | --- | --- |
وقال الشاعر يصف الثور الوحشي:
| **حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق** | | **هاديه في أخريات الليل منتصب** |
| --- | --- | --- |
وقيل: الفلق: كلما يفلقه الله تعالى، كالأرض والنبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والحب والنوى وغير ذلك. وقال ابن عباس أيضاً وجماعة من الصحابة والتابعين: الفلق: جب في جهنم، ورواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لما اطمأن من الأرض الفلق، وجمعه فلقان. وقيل: واد في جهنم. وقال بعض الصحابة: بيت في جهنم، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حره.
وقرأ الجمهور: { من شر ما خلق } ، بإضافة شر إلى ما، وما عام يدخل فيه جميع من يوجد منه الشر من حيوان مكلف وغير مكلف وجماد، كالإحراق بالنار، والإغراق بالبحر، والقتل بالسم. وقرأ عمرو بن فايد: من شر بالتنوين. وقال ابن عطية: وقرأ عمرو بن عبيد، وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر: من شر بالتنوين، ما خلق على النفي، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل،**{ الله خالق كل شيء }** [الزمر: 62]، ولهذه القراءة وجه غير النفي، فلا ينبغي أن ترد، وهو أن يكون { ما خلق } بدلاً من { شر } على تقدير محذوف، أي من شرّ شر ما خلق، فحذف لدلالة شر الأول عليه، أطلق أولاً ثم عمّ ثانياً. والغاسق: الليل، ووقب: أظلم ودخل على الناس، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد، وزمّكه الزمخشري على عادته فقال: والغاسق: الليل إذا اعتكر ظلامه. من قوله تعالى:**{ إلى غسق الليل }** [الإسراء: 78] ومنه: غسقت العين: امتلأت دمعاً، وغسقت الجراحة: امتلأت دماً، ووقوبه: دخول ظلامه في كل شيء، انتهى. وقال الزجاج: هو الليل لأنه أبرد من النهار، والغاسق: البارد، استعيذ من شره لأنه فيه تنبث الشياطين والهوام والحشرات وأهل الفتك. قال الشاعر:
| **يا طيف هند لقد أبقيت لي أرقاً** | | **إذ جئتنا طارقاً والليل قد غسقا** |
| --- | --- | --- |
وقال محمد بن كعب: النهار دخل في الليل. وقال ابن شهاب: المراد بالغاسق: الشمس إذا غربت. وقال القتبي وغيره: هو القمر إذا دخل في ساهوره فخسف. وفي الحديث: **" نظر صلى الله عليه وسلم إلى القمر فقال: يا عائشة، نعوذ بالله من هذا، فإنه الفاسق إذا وقب "** وعنه صلى الله عليه وسلم: **" الغاسق النجم "** وقال ابن زيد عن العرب: الغاسق: الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطاعون تهيج عند ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقيل: الحية إذا لدغت، والغاسق سم نابها لأنه يسيل منه. والنفاثات: النساء، أو النفوس، أو الجماعات السواحر، يعقدن عقداً في خيوط وينفثن عليها ويرقين. وقرأ الجمهور: { النفاثات }؛ والحسن: بضم النون، وابن عمر والحسن أيضاً وعبد الله بن القاسم ويعقوب في رواية النافثات؛ والحسن أيضاً وأبو الربيع: النفثات بغير ألف، نحو الخدرات. والاستعاذة من شرهن هو ما يصيب الله تعالى به من الشر عند فعلهن ذلك.
وسبب نزول هاتين المعوذتين ينفي ما تأوله الزمخشري من قوله: ويجوز أن يراد به النساء ذات الكيادات من قوله:**{ إن كيدكن عظيم }** [يوسف: 28] تشبيهاً لكيدهن بالسحر والنفث في العقد، أو اللاتي يفتن الرجال بتعرضهنّ لهم، وعرضهنّ محاسنهن، كأنهن يسحرنهم بذلك، انتهى.
وقال ابن عطية: وهذا النفث هو على عقد تعقد في خيوط ونحوها على اسم المسحور فيؤذي بذلك، وهذا الشأن في زماننا موجود شائع في صحراء المغرب. وحدثني ثقة أنه رأى عند بعضهم خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فصلان، فمنعت من رضاع أمهاتها بذلك، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه في الحين فرضع، انتهى.
وقيل: الغاسق والحاسد بالطرف، لأنه إذا لم يدخل الليل لا يكون منسوباً إليه، وكذا كل ما فسر به الغاسق. وكذلك الحاسد، لا يؤثر حسده إذا أظهره بأن يحتال للمحسود فيما يؤذيه. أما إذا لم يظهر الحسد، فإنما يتأذى به هو لا المحسود، لاغتمامه بنعمة غيره. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهار أثره، انتهى. وعم أولاً فقال: { من شر ما خلق } ، ثم خص هذه لخفاء شرها، إذ يجيء من حيث لا يعلم، وقالوا: شر العداة المراجي بكيدك من حيث لا تشعر، ونكر غاسق وحاسد وعرف النفاثات، لأن كل نفاثة شريرة، وكل غاسق لا يكون فيه الشر إنما يكون في بعض دون بعض، وكذلك كل حاسد لا يضر. ورب حسد محمود، وهو الحسد في الخيرات، ومنه: لا حسد إلا في اثنتين، ومنه قول أبي تمام:
| **ومـا حاسد في المكرمـات بحاسـد** | | |
| --- | --- | --- |
وقال آخر:
| **إن الغـلا حسن في مثلهـا الحسـد** | | |
| --- | --- | --- |
وقول المنظور إليه للحاسد، إذا نظر الخمس على عينيك يعني به هذه السورة، لأنها خمس آيات، وعين الحاسد في الغالب واقعة نعوذ بالله من شرها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان/القمي النيسابوري (ت 728 هـ) | الوقوف: { الفلق } ه لا { خلق } ه لا { وقب } ه لا { العقد } ه لا { حاسد } { إذا حسد } ه.
التفسير: لما أمره بقراءة سورة الإخلاص تنزيهاً له عما لا يليق به في ذاته وصفاته وكان ذلك من أشرف الطاعات، أمره أن يستعيذ به من شر من يصده عن ذلك كالمشركين وكسائر شياطين الإنس والجن. يروى أن جبرائيل أتاه وقال: إن عفريتاً من الجن يكيدك فقل إذا أتيت على فراشك: أعوذ برب الفلق أعوذ برب الناس. وعن سعيد بن المسيب أن قريشاً قالوا نتجوع فنعين محمداً ففعلوا ثم أتوه وقالوا: ما أشدّ عضدك وأقوى ظهرك وأنضر وجهك! فأنزل الله المعوّذتين. وقال جمهور المفسرين: إن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة عقدة في وتر ودسه في بئر ذي أروان، فمرض النبي صلى الله عليه وسلم واشتدّ ذلك عليه ثلاث ليال فنزلت المعوّذتان، وأخبره جبرائيل بموضع السحر فأرسل علياً بطلبه وجاء به وقال جبرائيل: اقرأ السورتين. فكان كلما يقرأ آية تنحل عقدة فيجد بعض الراحة والخفة، حتى إذا أتمهما فكأنما أنشط من عقال. طعنت المعتزلة في هذه الرواية بأنها توجب تسلط الكفار والأشرار على الأنبياء. وأيضاً لو صححت لصح قولهم**{ إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }** [الإسراء: 47] والجواب أن التسليط الكلي بحيث يمنعه عن تبليغ الرسالة لا يجوز، ولكن لا نسلم أن بعض الأضرار في بدنه لا يجوز لا سيما وقد تداركه الله تعالى بفضله وخصوصاً إذا كان فيه لطف لغيره من أمته حتى يفعلوا في مثل تلك الواقعة كما فعل، ولهذا استدل أكثر العلماء على أنه يجوز الاستعانة بالرقى والعوذ ويؤيده ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال **" بسم الله أرقيك من كل يؤذيك والله يشفيك "** وعن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بقوله **" أعيذكما بكلمات الله التامّه من كل شيطان وهامّه ومن كل عين لامّه "** ويقول هكذا كان أبي إبراهيم يقول لابنيه إسماعيل وإسحق. وعنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا من الحمى والأوجاع كلعا **" بسم الله الكريم أعوذ بالله العظيم ومن شر كل عرق نعار ومن شر حرّ النار "** وعن علي رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض قال **" أذهب البأس رب الناس أشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت "** وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فنزل منزلاً يقول **" يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرّك ومن شرّ ما فيك وشرّ ما يخرج منك ومن شرّ ما يدب عليك، وأعوذ بالله من شرّ أسد وأسود وحية وعقرب، ومن شرّ ساكن البلد ووالد ما ولد "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وعن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى شيئاً من جسده قرأ قل هو الله أحد والمعوّذتين في كفه اليمنى ومسح بها المكان الذي يشتكي. **" وروي أنه صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون فعوّذه بـ { قل هو الله أحد } وبهاتين السورتين. ثم قال: تعوّذ بهن فما تعوّذت بخير منها "** وأما قول الكفار إنه مسحور فإنما أرادوا به الجنون والسحر الذي أثر في عقله ودام مع فلذلك وقع الإنكار عليهم. ومن الناس من لم يرحض في الرقى لرواية جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الرقة وقال **" إن لله عباداً لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون "** وأجيب بأن النهي وارد على الرقى المجهولة التي يفهم معناها. واختلف في التعليق؛ فروى أنه صلى الله عليه وسلم قال **" من علق شيئاً وكل إليه "** وعن ابن مسعود أنه رأى على أم ولده تميمه مربوطة بعضدها فجذبها جذباً عنيفاً فقطعها. ومنهم من حوزه؛ سئل الباقر رضي الله عنه عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخص فيه. واختلفوا في النفث أيضاً فروي عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه إذا اشتكى بالمعوذات ويمسح بيده، فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه صلى الله عليه وسلم بالمعوّذات التي كان ينفث بها على نفسه. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ فيهما بالمعوّذات ثم مسح جسده. ومنهم من أنكر النفث؛ عن عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفث ولا يمسح ولا يعقد. وعن إبراهيم: كانوا يكرهون النفث في الرقى. وقال بعضهم: دخلت على الضحاك وهو وجع فقلت: ألا أعوّذك يا أبا محمد؟ قال: بلى ولكن لا تنفث فعوّذته بالمعوّذتين. قال بعض العلماء: لعلهم كرهوا النفث لأن الله تعالى جعل النفث مما يستعاذ منه فوجب أن يكون منهياً عنه. وقال بعضهم: النفث في العقد المنهي عنه هو الذي يكون سحراً مضراً بالأرواح والأبدان، وأما الذي يكون لإصلاح الأرواح والأبدان فيجب أن لا يكون حراماً.
سؤال: كيف قال في افتتاح القراءة**{ فاستعذ بالله }** [الأعراف: 200] وقال ههنا { أعوذ برب } دون أن يقول " بالله "؟ وأجيب بأن المهم الأوّل أعظم من حفظ النفس والبدن عن السحر والوسوسة فلا جرم ذكر هناك الاسم الأعظم، وأيضاً الشيطان يبالغ في منع الطاعة أكثر مما يبالغ في إيصال الضرر إلى النفس وأيضاً كأن العبد يجعل تربيته السابقة وسيلة في التربية اللاحقة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وفي الفلق وجوه؛ فالأكثرون على أنه الصبح من قوله**{ فالق الإصباح }** [الأنعام: 96] وخص ههنا بالذكر لأنه أنموذج من صبح يوم القيامة ولأنه وقت الصلاة والجماعة والاستغفار { إن قرآن الفجر كان مشهوداً } وفيه إشارة إلى أن القادر على إزالة الظلمة عن وجه الأرض قادر على دفع ظلمة الشرور والآفات عن العبد بصلاح النجاح. روي أن يوسف عليه السلام حين ألقي في الجبّ وجعت ركبته وجعاً شديداً فبات ليلته ساهراً، فلما قرب طلوع الصبح نزل جبرائيل عليه السلام يسليه ويأمره بأن يدعو ربه فقال: يا جبرائيل ادع أنت وأؤمن أنا. فدعا جبرائيل فأمن يوسف فكشف الله ما كان به من الضرّ، فلما حصل له الراحة قال: يا جبرائيل أنا أدعو وتؤمن أنت فسأل يوسف ربه أن يكشف الضرّ عن جميع أهل البلاء في ذلك الوقت، فلا جرم ما من مريض إلا ويجد نوع خفة في آخر الليل. وروي أن دعاءه في الجبّ: يا عدّتي عند شدتي، ويا مؤنسي في وحشتي، ويا راحم غربتي، ويا كاشف كربتي، ويا مجيب دعوتي، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب، راحم صغر سني، وضعف ركني، وقلة حيلتي، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام. وقل: هو كل ما يفلقه الله كالأرض عن النبات**{ إن الله فالق الحب والنوى }** [ألأنعام: 95] والجبال عن العيون**{ وإن منها لما يتفجر منه الأنهار }** [البقرة: 74] والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأولاد، والقبض عن البسط، والشدّة عن الفرج، والقلوب عن المعارف. وقيل: هو واد في جهنم إذا فتح صاح جميع من في جهنم من شدّة حره كأن العبد قال: يا صاحب العذاب الشديد أعوذ برحمتك التي هي أعظم وأكمل وأسبق وأقدم من عذابك. وصاحب هذا القول زعم أن المراد من شر ما خلق أي من شدائد ما خلق فيها. وعن ابن عباس: يريد إبليس خاصة لأن الله تعالى لم يخلق خلقاً هو شرّ منه. ويدخل فيه الاستعاذة من السحرة لأنهم أعوانه وجنوده. وقل: أراد أصناف الحيوانات المؤذية من الهوام والسباع. وقيل: الأسقام والآفات والمحن فإنها شرور إضافية وإن جاز أن تكون خيرات باعتبارات أخر والكل بقدر كما مر في مقدمة الكتاب في تفسير الاستعاذة. وذكر في الغاسق وجوه؛ فعن الفراء وأبي عبيدة: هو الليل إذا جنّ ظلامه ومنه غسقت العين أو الجراحة إذا امتلأت دمعاً أو دماً. وقال الزجاج: هو البارد وسمي الليل غاسقاً لأنه أبرد من النهار، فعلى هذا لعله أريد به الزمهرير. وقال قوم: هو السائل من قولهم غسقت العين تغسق غسقاً إذا سالت بالماء، وسمي الليل غاسقاً لانصباب ظلامه على الأرض. قلت: ولعل الاستعاذة على هذا التفسير إنما تكون من الغساق في قوله تعالى
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ إلا حميماً وغساقاً }** [النبأ: 25] والوقوب الدخول في الشيء بحيث يغيب عن العين. هذا من حيث اللغة. ثم أن الغاسق إذا فسر بالليل فوقوبه دخوله وهو ظاهر. ووجه التعوذ من شره أن السباع فيه تخرج من آجامها والهوام من مكامنها، وأهل الشر والفتنة من أماكنها، ويقل فيه الغوث ولهذا قالت الفهقاء: لو شهر أحد سلاحاً على إنسان ليلاً فقتله المشهور عليه لم يلزمه قصاص ولو كان نهاراً لزمه لوجود الغوث. وقد يقال: إنه تنشر في الليل الأرواح المؤذية المسماة بالجن والشياطين، وذلك لأن قوة الشمس وشعاعها كأنها تقهرهم، أما في الليل فيحصل لهم نوع استيلاء. وعن ابن عباس: هو ظلمة الشهوة البهيمية إذا غلبت داعية العقل. قال ابن قتيبة: الغاسق القمر لأنه يذهب ضوءه عند الخسوف، ووقوبه دخوله في ذلك الاسوداد. **" وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها وقال لها: استعيذي بالله من شر هذا فإنه الغاسق إذا وقب "** ، وعلى هذا التفسير يمكن تصحيح قول الحكيم إن القمر جرم كثيف مظلم في ذاته لكنه يقبل الضوء عن الشمس ويختلف حاله في ذلك بحسب قربه منها وبعده عنها. ووقوبه إما دخوله في دائرة الظلام في الخسوفات، وإما دخوله تحت شعاع الشمس في آخر كل شهر، وحينئذ يكون منحوساً قليل القوة ولذلك تختار السحرة ذلك الوقت للتمريض والإضرار والتفريق ونحوها. وقيل: الغاسق الثريا إذا سقط في المغرب. قال ابن زيد: وكانت الأسقام تكثر حينئذ. وقال في الكشاف: يجوز أن يراد به الأسود من الحيات ووقبه خربه ونقبه. وقيل: هو الشمس إذا غابت وسميت غاسقاً لسيلانها ودوام حركتها. وأما النفث فهو النفخ بريق. وقيل: النفخ فقط. والعقد جمع عقدة. والسبب فيه أن الساحر إذا أخذ في قراءة الرقية أخذ خيطاً ولا يزال يعقد عليه عقداً بعد عقد وينفث في تلك العقد. ووجه التأنيث إما الجماعة لأن اجتماع السحرة على عمل واحد أبلغ تأثيراً، وإما لأن هذه الصناعة إنما تعرف بالنساء لأنهن يعقدن وينفثن وذلك أن الأصل الكلي في ذلك الفن هو ربط القلب وتعليق الوهم بذلك الأمر وأنه في النساء أوفر لقلة علمهن وشدّة شهوتهن. وقال أبو عبيدة: إنهن بنات لبيد بن الأعصم اليهودي اللاتي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو مسلم: العقد عزائم الرجال والنفث حلها لأن من يريد حل عقدة الحبل ينفث عليه بريق يقذفه عليه ليصير حله سهلاً. والمعنى: إن النساء لكثرة حيلهن يتصرفن في عزائم الرجال يحوّلنهم من رأي إلى رأي ومن عزيمة إلى عزيمة، فأمر الله رسوله بالتعوّذ من شرهن، وهذا القول مناسب لما جاء في مواضع أخر من القرآن**{ إن من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم }** [التغابن: 14]**{ إن كيدكن عظيم }**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
[يوسف: 28] والاستعاذة منهن الاستعاذة من إثم عملهن، أو من فتنتهن الناس بسحرهن، أو من إطعامهن الأطعمة الردية المورثة للجنون، و الموت. والحاسد هو الذي تشتد محبته لإزالة نعمة الغير إليه حتى لو تمكن من ذلك بالحيل لفعل فلذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منه. وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوقى ويتحرّز منه ديناً ودنيا فلذلك لما نزلت فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لكونها مع أختها جامعة في التعوذ من كل شيء بل قوله { من شر ما خلق } عام والبواقي تخصيص بعد تعميم تنبيهاً على أنها أعظم الشرور، وأهم شيء يستعاذ منه. وعرفت النفاثات لأن كل نفاثة شريرة. ونكر { غاسق } و { حاسد } لأنه ليس كل غاسق بشره بل الليل للغاسقين شر وليس كل حسد مذموماً بل منه ما هو خير كما قال صلى الله عليه وسلم **" لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فقام به آناء الليل وآناء النهار ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار "** وفائدة الظرف هو قوله { إذا حسد } أنه لا يستعاذ من الحاسد من جهات أخرى ولكن من هذه الجهة، ولو جعل الحاسد بمعنى الغابط أو بمعنى أعم وقوله { حسد } بالمعنى المذموم كان له وجه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) | قوله عز وجل: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } الخِطَابُ للنبي صلى الله عليه وسلم والمُرَادُ هُوَ وآحادُ أمتِهِ، قَالَ ابن عباس وغيره: الفَلَقُ الصُّبْحُ، وقال ابن عباس أيضاً وجماعةٌ من الصحابة: الفلقُ جُبُّ في جَهَنَّم، ورَوَاه أبو هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } يَعُمُّ كلَّ مَوْجُودٍ له شر، واخْتُلِفَ في: «الغاسِقِ» فَقَال ابن عباس وغيره: الغَاسِقُ الليلُ وَوَقَبَ: أظْلَمَ، ودَخَل عَلى الناسِ، وفي الحديثِ الصحيح عن عائشة **" أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشَارَ إلى القَمَرِ وقال: يا عائشة؛ تَعَوَّذِي باللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الغَاسِقِ إذَا وَقَبَ "** ، قال السهيلي: وهذا أصحُّ ما قِيل لِهذَا الحديثِ الصحيحِ، انتهى، ولفظ صاحبِ «سلاحِ المؤمِنِ»: عن عائشةَ ـــ رضي اللَّه عنها ـــ **" أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلَى القَمَرِ، فَقَالَ: يا عائشةُ؛ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا فإنَّ هَذَا الغَاسِقُ إذَا وَقَبَ "** ، رَوَاه الترمذيُّ والنسائي، والحاكم في «المستدرك»، واللفظُ للترمذي، وقَالَ حسنٌ صحيحٌ، وقال الحاكم: صحيحُ الإسنادِ، وَوَقَبَ القَمَر وُقُوباً: دَخَلَ في الظِّلِّ الذي يَكْسِفُه؛ قَالَه ابن سِيدَة، انتهى من «السلاح».
و { ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } السَّوَاحِر، ويقال: إن الإشَارَة أوَّلاً إلى بَنَاتِ لَبِيدِ بن الأَعْصَمِ اليهودي؛ كُنَّ سَاحِرَاتٍ، وهُنَّ اللواتي سَحَرْنَ مَعَ أبيهِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والنَّفْثُ شِبْهُ النَّفخِ دُونَ تَفلِ رِيقٍ، وهذا النَّفْثُ هُوَ عَلى عُقَدٍ تَعْقَدُ في خيوطٍ، ونحوِها؛ على اسْمِ المَسْحُورِ فيؤذى بذلك.
قال \* ع \*: وهَذَا الشَّأْنُ في زمانِنَا موجودٌ شائعٌ في صحراء المغرب، وحدَّثني ثقةٌ؛ أنه رأَىٰ عنْدَ بعضهم خيطاً أحْمَرَ قَدْ عُقِدَتْ فِيهِ عُقَدٌ عَلىٰ فُصْلاَنٍ، فَمُنِعَتْ بذلك رَضَاعَ أمهاتِها فكان إذا حَلَّ عقدةً جرَىٰ ذلك الفصيلُ إلَىٰ أُمِّه في الحِينِ، فَرَضَعَ، أعاذنا اللَّه مِنْ شَرِّ السِّحْرِ والسَّحَرَةَ.
وقوله تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } قال قتادة: مِنْ شَرِّ عَيْنِهِ ونَفْسِهِ، يريد بـ«النَّفْس»: السعْيَ الخَبِيثَ، وقال الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: ذكَر اللَّه تعالى الشُّرُور في هذه السُّورة، ثم ختمها بالحَسَدِ؛ ليعلم أنَّه أخسُّ الطَبائع.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) | قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }. هذه السورة، وسورة " النَّاس " ، و " الإخلاص " نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهود، وزعم ابن مسعود أنهما دعاء، وليستا من القرآن، وخالف به الإجماع من الصحابة، وأهل البيت.
قال ابن قتيبة: لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوِّذتين؛ لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين بهما، فقدر أنهما بمنزلة: " أعوذُ بكَلمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ من كُلِّ شيطانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ ".
قال ابن الأنباري: وهذا مردود على ابن قتيبة؛ لأن المعوذتين من كلام ربِّ العالمين؛ المعجز لجميع المخلوقين، و " أعِيذُكما بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامةِ " من قول البشر، وكلام الخالق الذي هو آية، وحجة لمحمد صلى الله عليه وسلم على جميع الكافرين، لا يلتبس بكلام الأدميين على مثل عبد الله بن مسعود، الفصيح اللسان، العالم باللغة العارف بأجناس الكلام.
وقال بعضُ الناس: لم يكتب عبد الله المعوذتين؛ لأنه من أمن عليهما من النسيان، فأسقطهما وهو يحفظهما كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه، وما يشك في إتقانه، وحفظه لهما، ورد هذا القول على قائله، واحتج عليه بأنه قد كتب:**{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }** [النصر: 1] و**{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ }** [الكوثر: 1] و**{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }** [الاخلاص: 1] وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال، والحفظ إليهن أسرع، والنسيان مأمون، وكلهن يخالف فاتحة الكتاب؛ إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها، وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها، فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف على معنى الثقة ببقاء حفظها، والأمن من نسيانها، صحيح، وليس من السور في هذا المعنى مجراها، ولا يسلك به طريقها.
فصل في تفسير السورة
تقدم الكلام على الاستعاذة، و " الفلقُ ": هو الصبح، وهو فعل بمعنى مفعول، أي: مفلوق، وفي الحديث: **" الرُّؤيَا مثلُ فلقِ الصُّبْحِ ".** قال الشاعر: [البسيط]
| **5360- يَـا ليْلَـةً لَـمْ أنمْهَـا بِـتُّ مُرتفـقـاً** | | **أرْعَى النُّجُومَ إلـى أن نَـوَّرَ الفلـقُ** |
| --- | --- | --- |
وقال ذو الرمة يصف الثور الوحشي: [البسيط]
| **5361- حتَّى إذَا ما انْجَلَى عَنْ وجْههِ فلقٌ** | | **هَاديهِ فِي أخريَاتِ اللَّيْلِ مُنتَصِبُ** |
| --- | --- | --- |
يعني بالفلق هنا: الصبح بعينه.
وقيل: الفلق: الجبال، والصخور، تنفلق بالمياه، أي: تتشقق وقيل: هو التفليق بين الجبال، لأنها تنشق من خوف الله تعالى.
قال زهير: [البسيط]
| **5362- مَا زِلتُ أرْمُقهُـمْ حتَّى إذَا هَبطَـتْ** | | **أيْدِي الرِّكـابِ بِهِمْ من راكِسٍ فَلقَا** |
| --- | --- | --- |
والراكس: بطن الوادي.
وكذلك هو في قول النابغة: [الطويل]
| **5363-....................................** | | **أتَانِي ودُونِي رَاكِسٌ فالضَـواجِـعُ** |
| --- | --- | --- |
والراكس أيضاً: الهادي، وهو الثور وسط البيدرِ تدور عليه الثيران في الدِّياسة.
وقيل: الرحم تنفلق بالحيوان.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقيل: إنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان، والصبح، والحب، والنوى وكل شيء من نبات وغيره. قاله الحسن وغيره.
قال الضحاك: الفلق: الخلق كله، قال: [الرجز]
| **5364- وسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً ربِّ الفَلق** | | **سِـرَّا وقَدْ أوَّنَ تَأويـن العَـقَـقْ** |
| --- | --- | --- |
قال القرطبيُّ: " وهذا القول يشهد له الاشتقاقُ، فإن الفلق: الشَّق، يقال: فلقت الشيء فلقاً، أي: شققته، والتفليق مثله، يقال: فلقته فانفلق وتفلق، فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق: قال تعالى:**{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }** [الأنعام: 96] وقال - عز وجل -:**{ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ }** [الأنعام:95].
[والفلق مقطرة السمّان، فأما الفِلق بالكسر فهو الداهية، والأمر العجيب يقال منه: أفلق الرجل وافتلق، وشاعر مفلق، وقد جاء بالفلق؛ قال الشاعر: [الرجز]
| **5365- واعجَبَـاً لِهَـذِهِ الفَليقـهْ** | | **هَـلْ يُذْهِبَـنَّ القُوَبَـاءَ الريقَـهْ** |
| --- | --- | --- |
والفِلْقُ أيضاً: القضيب يشق باثنين، فيعمل منه قوسان، يقال لكل منهما: فِلْق، وقولهم: جاء بعُلق فلق وهي الداهيةِ، يقال منه أعلقت وأفلقت. أي جئت بعُلق فلق، ومر يفتلق في عدوه أي بالعجب من شدته].
قوله: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } ، متعلق بـ " أعوذ " ، والعامة: على إضافة " شرِّ " إلى " ما " ، وقرأ عمرو بن فايد: " مِنْ شرِّ " بالتنوين.
وقال ابن عطية: وقرأ عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة الذين يرون أن الله لم يخلق الشَّر: " مِنْ شرِّ " بالتنوين، " مَا خلقَ " على النفي وهي قراءةٌ مردودةٌ مبنيةٌ على مذهب باطل انتهى.
ولا يتعين أن تكون " ما " نافية، بل يجوز أن تكون موصولة بدلاً من " شرِّ " على حذف مضاف، أي: من شر شر ما خلق، عمم أولاً، ثم خصص ثانياً.
وقال أبو البقاء: و " ما " على هذا بدل من " شر " ، أو زائدة، ولا يجوز أن تكون نافية؛ لأن النافية، لا يتقدم عليها ما في حيزها، فلذلك لم يجز أن يكون التقدير: ما خلق من شر، ثم هو فاسد في المعنى. وهو رد حسن صناعي، ولا يقال: إن " مِنْ شرِّ " متعلق بـ " أعُوذُ " وقد أنحى مكي على هذا القائل، ورده بما يقدم.
و " ما " مصدرية، أو بمعنى " الذي ".
فصل في المقصود بشر ما خلق
روى عطاء عن ابن عباس: يريد إبليس خاصة؛ لأن الله تعالى لم يخلق أشرَّ منه، وأن السورة إنما نزلت في الاستعاذة من السِّحر، وذلك إنَّما يتم بإبليس وجنوده، لعنهم الله، وقيل: جهنم وما خلق فيها.
وقيل: عام؛ أي من شر كل ما خلقه الله وقيل: ما خلق الله من الأمراض، والأسقام [والقحط] وأنواع المِحَنْ.
وقال الجبائي والقاضي: هذا التقييد باطل؛ لأن فعل الله - تعالى - لا يجوز أن يوصف بأنه شر؛ لأن الذي أمر بالتعوذ منه هو الذي أمر به، وذلك متناقض؛ لأن أفعاله - تعالى - كلها حكمة وصواب، فلا يجوز أن يقال: شرّ.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأيضاً: فلأن فعل الله لو كان شرَّا؛ لوصف فاعله بأنه شر، وتعالى الله عن ذلك.
والجواب عن الأول: أنه لا امتناع في قوله: أعوذ بك منك، كما رد عن الثاني أن الإنسان لم تألم وصف بالألم كقوله تعالى:**{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا }** [الشورى: 40]، وقوله تعالى:**{ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ }** [البقرة: 194].
وعن الثالث: أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية، ومما يدل على جواز تسمية الأمراض والأسقام بأنها شرور قوله تعالى:**{ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً }** [المعارج: 20].
قوله: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } ، " إذا " منصوب بـ " أعوذ " أي: أعوذ بالله من هذا في وقت كذا، كذا.
والغسقُ: هو أول ظلمةِ الليل، يقال منه: غسق الليل يغسق، أي: يظلم.
قال ابن قيس الرقيَّات: [المديد]
| **5366- إنَّ هَـذا اللَّيْـلَ قـدْ غَسقَـا** | | **واشْتكَيْـتُ الهَـمَّ والأرَقَـا** |
| --- | --- | --- |
وهذا قول ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم، ووقب على هذا: أظلم.
وقيل: نزل، قال: وقب العذاب على الكافرين: نزل.
| **5367- وقَبَ العَذابُ عَليْهِـمُ فكَأنَّهُـمْ** | | **لحِقَتْهُمْ نَارُ السَّمُومِ فأحْصِدُوا** |
| --- | --- | --- |
وقال الزجاج: قيل لليل غاسق، لأنه أبرد من النَّهار، والغاسق: البارد، والغسق: البرد؛ ولأنَّ في الليل تخرج السِّباع من آجامها والهوام من أماكنها، وينبعث أهل الشرِّ على العبث، والفسادِ، فاستعير من الليل.
قال الشاعر: [البسيط]
| **5368- يَا طَيْفَ هِنْدٍ لقَدْ أبْقَيْتَ لِي أرقاً** | | **إذْ جِئْتنَا طَارِقاً والليلُ قَدْ غَسَقا** |
| --- | --- | --- |
أي: أظلم واعتكر، وقيل: الغاسق: الثُّريَّا، لأنها إذا سقطت كثرت الأسقام والطواعين، وإذا طلعت ارتفع ذلك. قاله عبد الرحمن بن زيد.
وقال القتبي: القمر إذا وقب إذا دخل في ساهورة كالغلاف إذا خسف وكل شيء أسود فهو غسق.
وقال قتادة: " إذَا وقَبَ " إذا غاب.
قال القرطبي: وهو أصح، لماروى الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - **" أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر، فقال: " يا عَائِشةُ، استَعِيذِي باللهِ من شرِّ هذا، فإنَّ هذا هُوَ الغاسقُ إذا وقبَ " "** ، قال: هذا حديث حسن صحيح.
[وقيل: الغاسق: الحيَّة إذا لدغت، وكأن الغاسق نابها لأن السم يغسق منه أي: يسيل، يقال: غسقت العين تغسق غسقاً، إذا سالت بالماء، وسمي الليل غاسقاً، لانصباب ظلامه على الأرض، ووقب نابها إذا قامت باللدغ].
وقيل: الغاسقُ: كل هاجم يضر، كائناً ما كان، من قولهم: غسقت القرحة، إذا جرى صديدها.
قال ابن الخطيب: وعندي فيه وجه آخر، لو أنه صح، أن [القمر في جرمه غير مستنير، بل هو مظلم، فهذا هو المراد من كوته غاسقاً، وأما وقوبه فهو انمحاء نوره في آخر] الشهر والمنجمون يقولون: إنه في آخر الشهر منحوس، قليل القوة؛ لأنه لا يزال نوره بسبب ذلك تزداد نحوسته، فإن السحرة إنما يشتغلون في السحر الموروث، للتمريض في هذا الوقت، وهذا مناسب لسبب نزول السورة, فإنها نزلت؛ لأجل أنهم سحروا النبي صلى الله عيه وسلم لأجل التمريض.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } ، النَّفَّاثات: جمع نفاثة، مثال مبالغة من نفث، أي: نفخ، واختلف فيه.
فقال أبو الفضل: شبه النفخ من الفم بالرقية، ولا شيء معه.
قال عنترة: [الوافر]
| **5369- فإنْ يَبْرَأ فلمْ أنفُثْ عليْهِ** | | **وإنْ يُفْقَدْ فحُقَّ لهُ الفُقُودُ** |
| --- | --- | --- |
وقال الزمخشري: " النفخُ مع ريق ".
وقرأ الحسن: " النُّفَّاثات " بضم النون، وهو اسم كالنفاثة. ويعقوب وعبد الرحمن بن سابط وعيسى بن عمر وعبد الله بن القاسم: " النافثات " ، وهي محتملة لقراءة العامة.
والحسن وأبو الربيع: " النفثات " دون ألف محاذر وحذر، ونكّر عاسقاً وحاسداً؛ لأنه قد يتخلف الضرر فيهما؛ فإن التنكير للتبعيض، وعرف النفاثات إما للعهد كما يروى في التفسير، وإما للمبالغة في الشَّر.
فصل في معنى النَّفَّاثات
قال المفسرون: يعني السَّاحرات اللائي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها.
قال أبو عبيدة: النفاثات هي بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشاعر: [المتقارب]
| **5370- أعُـوذُ بربِّـي مِـنَ النَّـافِـثَـا** | | **تِ في عِضَـهِ العَاضـهِ المُعْضِـهِ** |
| --- | --- | --- |
وقال متمم بن نويرة: [السريع]
| **5371- نَفَثْتُ فِي الخيْطِ شَبيهَ الرُّقَى** | | **مِـنْ خَشْيـةِ الجِنَّـة والحَـاسـدِ** |
| --- | --- | --- |
فصل
روى النسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ عَقَدَ عُقدةً ثُمَّ نفث فيها، فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلَّق شيئاً وكُلَ إليْهِ ".** واختلف في النَّفث عند الرقى: فمنعه قوم، وأجازه آخرون.
قال عكرمة: لا ينبغي للراقي أن ينفث، ولا يمسح، ولا يعقد.
قال إبراهيم: كانوا يكرهون النفث من الراقي، والصحيح الجواز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية.
وروي محمد بن حاطب أن يده احترقت، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفث عليها، ويتكلم بكلام، وزعم أنه لم يحفظه.
وروي أن قوماً لدغ فيهم رجل، فأتوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل فيكم من راقٍ؟ فقالوا: لا حتى تجعلوا لنا شيئاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الغنم، فجعل رجل منهم يقرأ فاتحة الكتاب ويرقى ويتفل حتى برئ، فأخذوها، فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال: وما يدريكم أنها رقية؟ خذوا واضربوا لي معكم سهماً.
وأما ما روي عن عكرمة فكأنه ذهب فيه إلى أن النفث في العقد مما يستعاذ به بخلاف النفث بلا عقد.
قال ابن الخطيب: هذه الصناعة إنما تعرف بالنِّساء، لأنهن يعقدن في الخيط، وينفثن، وذلك لأن الأصل الأعظم فيه ربط القلب بذلك الأمر، وإحكام الهمَّة والوهم فيه، وذلك إنما يتأتَّى من النساء لقلة عملهن، وشدة شهوتهن، فلا جرم كان هذا العمل منهن أقوى.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قوله: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } ، الحسدُ: هو تمني زوال نعمة المحسود، وإن لم يصر للحاسد مثلها، والمنافسة: هي تمنّي مثلها وإن لم تزل من المحسود، وهي الغبطة، فالحسد: شر مذموم، والمنافسة مباحة.
قال صلى الله عليه وسلم: **" المؤمن يغبط والمنافق يحسد "** وقال: **" لا حَسَدَ إلاَّ في اثنتينِ "** يريد الغبطة.
قال ابن عباس وعائشة - رضي الله عنهما -: لما كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قربت إليه اليهود، فلم يزالوا حتى أخذوا مشاطة من أثر النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه، فأعطاه اليهود؛ ليسحروه بها صلى الله عليه وسلم وتولى ذلك ابن الأعصم، رجل من اليهود.
فصل في أن الله خلق الخير والشر
هذه السورة دالة على أن الله خلق كل شر، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور، فقال - عز وجل -: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } وذلك خاتمة ذلك الحسد تنبيهاً على عظمته، وكثرة ضرره، والحاسد عدو نعمة الله تعالى.
قال بعض الحكماء: الحاسد بارز ربَّه من خمسة أوجه:
أحدها: أنه أبغض كل نعمة ظهرت على غيره.
وثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول: لم قسمت إلي هذه القسمة.
وثالثها: أنه ضاد الله، أي: أن فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله.
ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم، وزوال النعمة عنهم.
وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس.
وقيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء، ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً، وغمًّا، ولا ينال في الآخرة إلا حزناً، واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" ثلاثةٌ لا يُسْتَجَابُ دعاؤهُم: آكلُ الحرامِ، ومُكثرُ الغِيبةِ، ومنْ كانَ في قلبِهِ غلٌّ أو حسدٌ للمسلمين ".** روى [الثعلبي عن أبيّ] - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من قرأ المعوذتين فكأنما قرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى كلها "** وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" ألا أخْبرُكَ بأفضل ما تعوَّذ بهِ المتعوِّذُونَ "؟ قلت: بلى يا رسُول اللهِ، قال: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } "** والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور/ البقاعي (ت 885 هـ) | أمر بالتعوذ برب هذا الدين، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين، من شر ما يقدح فيه بضرر في الظاهر أو في الباطن وهم الخلائق حتى على الفنا في الغنا، وبدأ بما يعم شياطين الإنس والجن في الظاهر والباطن، ثم اتبع بما يعم القبيلين ويخص الباطن الذي يستلزم صلاحه صلاح الظاهر، إعلاماً بشرف الباطن على وجه لا يخل بالظاهر، وفي ذلك إشارة إلى الحث على معاودة القراءة من أول القرآن كما يشير إليه قوله تعالى:**{ فإذا قرأت القرآن }** [النحل:98] - أي أردت قراءته -**{ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم }** [النحل: 98] فقال تعالى: { قل } أي لكل من يبلغه القول من جميع الخلائق تعليماً لهم وأمراً، فإنهم كلهم مربوبون مقهورون لا نجاة لهم في شيء من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى، فعلى كل منهم أن يفزع أول ما تصيبه المصيبة إلى مولاه القادر على كشفها تصحيحاً لتوكله فإنه يرتقي بذلك إلى حال الرضا بمر القضاء، ولا يأخذ في الاعتماد على جلادته وتدبيره بحوله وقوته فإنه يشتد أسفه ولا يرد ذلك عنه شيئاً: { أعوذ } أي أستجير وألتجىء وأعتصم وأحترز.
ولما كان هذا المعنى أليق شيء بصفة الربوبية لأن الإعاذة من المضار أعظم تربية قال: { برب الفلق \* } أي الذي يربيه وينشىء منه ما يريد، وهو الشيء المفلوق بإيجاده ظلمة العدم كالعيون التي فلقت بها ظلمة الأرض والجبال، وكالأمطار التي فلقت بها ظلمة الجو والسحاب، وكالنبات الذي فلقت به ظلمة الصعيد، وكالأولاد التي فلقت بها ظلمة الأحشاء، وكالصبح الذي فلقت به ظلمة الليل، وما كان من الوحشة إلى ما حصل من ذلك من الطمأنينة والسكون والأنس والسرور إلى غير ذلك من سائر المخلوقات، قال الملوي: والفلق - بالسكون والحركة كل شيء انشق عنه ظلمة العدم وأوجد من الكائنات جميعها - انتهى. وخص في العرف بالصبح فقيل: فلق الصبح، ومنه قوله تعالى:**{ فالق الإصباح }** [الأنعام: 96] لأنه ظاهر في تغير الحال ومحاكاة يوم القيامة الذي هو أعظم فلق يشق ظلمة الفنا والهلاك بالبعث والإحياء، فإن القادر على ما قبله بما نشاهده قادر عليه، لأنه لا فرق، بل البعث أهون في عوائد الناس لأنه إعادة، كذا سائر الممكنات، ومن قدر على ذلك قدر على إعاذة المستعيذ من كل ما يخافه ويخشاه.
ولما كانت الأشياء قسمين: عالم الخلق، وعالم الأمر، وكان عالم الأمر خيراً كله، فكان الشر منحصراً في عالم الخلق خاصة بالاستعاذة فقال تعالى معمماً فيها: { من شر ما خلق \* } أي من كل شيء سوى الله تعالى عز وجل وصفاته، والشر تارة يكون اختيارياً من العاقل الداخل تحت مدلول " لا " وغيره من سائر الحيوان كالكفر والظلم ونهش السباع ولدغ ذوات السموم، وتارة طبيعياً كإحراق النار وإهلاك السموم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: قد أشير، أي في الكلام على ارتباط الإخلاص - إلى وجه ارتباطها آنفاً، وذلك واضح إن شاء الله تعالى - انتهى.
ولما كان عطف الخاص على العام يعرف بأن ذلك الخاص أولى أفراد العام بما ذكر له من الحكم، وكان شر الأشياء الظلام، فإنه أصل كل فساد، وكانت شرارته مع ذلك وشرارة السحر والحسد خفية، خصها بالذكر من بين ما عمه الخلق لأن الخفي يأتي من حيث لا يحتسب الإنسان فيكون أضر. ولذا قيل: شر العداة المداجي، وكانت مادة " غسق " تدور على الظلام والانصباب، فالغسق - محركة: ظلمة أول الليل، وغسقت العين: أظلمت أو دمعت، واللبن: انصب من الضرع، والليل: اشتدت ظلمته، والغسقان - محركة: الانصباب، والغاسق: القمر، وكأنه سمي به لسرعة سيره وانصبابه في البروج ولأنه ليس له من نفسه إلا الإظلام، والثريا - إذا سقطت - والله أعلم، قال في القاموس: لكثرة الطواعين والأسقام عند سقوطها، والذكر - إذا قام، كما قاله جماعة وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو سبب للجهل الذي هو ظلام كله، فقال تعالى: { ومن شر غاسق } أي مظلم بارد منصب ظلامه وبرده سواء كان أصلاً في الظلام حسياً أو معنوياً أو كان حاملاً عليه مثل الذكر إذا قام لما يجر إليه من الوساوس الرديئة لغلبة الشهوة واستحكام سلطان الهوى، ومثل القمر لما يحدث منه من الرطوبات المفسدة للأبدان وغير ذلك انصباباً له غاية القوة كانصباب ما يفيض عن امتلاء في انحدار، ونكّره إشارة إلى أنه ليس كل غاسق مذموماً - والله أعلم.
ولما كان الشيء الذي اتصف بالظلام يكثف فيشتد انصبابه وأخذه في السفول إلى أن يستقر ويستحكم فيما صوب إليه مجتمعاً جداً كاجتماع الشيء في الوقبة وهي النقرة في الصخرة، وكان الظلام لا يشتد أذاه إلا إذا استقر وثبت، قال معبراً بأداة التحقق: { إذا وقب \* } أي اعتكر ظلامه ودخل في الأشياء بغاية القوة كمدخول الثقيل الكثيف المنصب في النقرة التي تكون كالبئر في الصخرة الصماء الملساء، وهذا إشارة إلى أنه يسهل علاجه وزواله قبل تمكنه، وفي الحديث **" لما رأى الشمس قد وقبت قال: هذا حين حلها "** يعني صلاة المغرب، وفيه عند أبي يعلى أنه قال لعائشة رضي الله تعالى عنها عن القمر: **" تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** وأكثر الأقوال أنه الليل، خص بالاستعاذة لأن المضار فيه تكثر ويعسر دفعها، وأصل الغسق الظلام، ويلزم منه الامتلاء، وقيل: إن الامتلاء هو الأصل، وأصل الوقوب الدخول في وقبة أو ما هو كالوقبة وهي النقرة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
ولما كان السحر أعظم ما يكون من ظلام الشر المستحكم في العروق الداخل في وقوبها. لما فيه من تفريق المرء من زوجه وأبيه وابنه، ونحو ذلك، وما فيه من ضنى الأجسام وقتل النفوس، عقب ذلك بقوله تعالى: { ومن شر }.
ولما كان كل ساحر شريراً بخلاف الغاسق والحاسد، وكان السحر أضر من الغسق والحسد من جهة أنه شر كله، ومن جهة أنه أخفى من غيره، وكان ما هو منه من النساء أعظم لأن مبنى صحته وقوة تأثيره قلة العقل والدين ورداءة الطبع وضعف اليقين وسرعة الاستحالة، وهن أعرق في كل من هذه الصفات وأرسخ، وكان ما وجد منه من جمع وعلى وجه المبالغة أعظم من غيره عرف وبالغ وجمع وأنث ليدخل فيه ما دونه من باب الأولى فقال تعالى: { النفّاثات } أي النفوس الساحرة سواء كانت نفوس الرجال أو نفوس النساء أي التي تبالغ في النفث وهو التفل وهو النفخ مع بعض الريق - هكذا في الكشاف، وقال صاحب القاموس: وهو كانفخ وأقل من التفل، وقال: تفل: بزق، وفي التفسير عن الزجاج أنه التفل بلا ريق، { في العقد \* } أي تعقدها للسحر في الخيوط وما أشبهها، وسبب نزول ذلك أن يهودياً سحر النبي صلى الله عليه وسلم فمرض كما ياتي تخريجه، فإن السحر يؤثر بإذن الله تعالى المرض ويصل إلى أن يقتل، فإذا أقر الساحر أنه قتل بسحره وهو مما يقتل غالباً قتل بذلك عند الشافعي، ولا ينافي قوله تعالى:**{ والله يعصمك من الناس }** [المائدة: 67] كما مضى بيانه في المائدة، ولا يوجب ذلك صدق الكفرة في وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور، فإنهم ما أرادوا إلا الجنون أو ما يشبهه من فساد العقل واختلاله، والمبالغة في أن كل ما يقوله لا حقيقه له كما أن ما ينشأ عن المسحور يكون مختلطاً لا تعرف حقيقته.
ولما كان أعظم حامل على السحر وغيره من أذى الناس الحسد، وهو تمني زوال نعمة المحسود:
| **وداريت كل الناس إلا لحاسد** | | **مداراته عزت وشق نوالها** |
| --- | --- | --- |
| **وكيف يداري المرء حاسد نعمة** | | **إذا كان لا يرضيه إلا زوالها** |
قال تعالى: { ومن شر حاسد } أي ثابت الاتصاف بالحسد معرق فيه، ونكّره لأنه ليس كل حاسد مذموماً، وأعظم الحسدة الشيطان الذي ليس له دأب إلا السعي في إزالة نعم العبادات عن الإنسان بالغفلات.
ولما كان الضار من الحسد إنما هو ما أظهر وعمل بمقتضاه بالإصابة بالعين أو غيرها قال مقيداً له: { إذا حسد \* } أي حسد بالفعل بعينه الحاسدة، وأما - إذا لم يظهر الحسد فإنه لا يتأذى به إلا الحاسد لاغتمامه بنعمة غيره، وفي إشعار الآية الدعاء بما يحسد عليه من نعم الدارين لأن خير الناس من عاش محسوداً ومات محسوداً، ولمن لم يلق بالاً للدعاء بذلك ويهتم بتحصيل ما يحسد عليه ضحك منه إبليس إذا تلا هذه الآية لكونه ليس له فضيلة يحسد عليها، ولعله عبر بأداة التحقيق إشعاراً بأن من كان ثابت الحسد متمكناً من الاتصاف به بما أشعر به التعبير بالوصف تحقق منه إظهاره، ولم يقدر على مدافعته في الأغلب إلا من عصم الله تعالى، وقد علم بكون الحسد علة السحر - الموقع في القتل الذي هو أعظم المعاصي بعد الشرك وفي الشرك، لأنه لا يصح غاية الصحة إلا مع الشرك - أن الحسد شر ما انفلق عنه ظلام العدم، والشاهد لذلك غلبته على الأمم السالفة وتحذير الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس منه بشهادة هاديها صلى الله عليه وسلم، أخرج الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، ألا والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين "** وفي الباب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن مسعود رضي الله عنه، وأعظم أسباب الحالقة أو كلها الحسد، فعلم بهذا رجوع آخر السورة على أولها، وانعطاف مفصلها على موصلها، ومن أعيذ من هذه المذكورات انفلق سماء قلبه عن شمس المعرفة بعد ظلام ليل الجهل، فأشرقت أرجاؤه بأنوار الحكم، إلى أن يضيق الوصف له عن بدائع الكشف:
| **هناك ترى ما يملأ العين قرة** | | **ويسلي عن الأوطان كل غريب** |
| --- | --- | --- |
فينقطع التعلق عما سوى الله بمحض الاتباع والبعد عن الابتداع بمقتضى**{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }** [آل عمران: 31] وقد بطل بالأمر بالاستعاذة قول الجبرية: إنا كالآلة لا فعل لنا أصلاً، وإنما نحن كالحجر لا يتحرك إلا بمحرك، لأنه لو كان هو المحرك لنا بغير اختيار لم يكن للأمر فائدة، وقول القدرية: إنا نخلق أفعالنا، وقول الفلاسفة: إنه - إذا وجد السبب والمسبب حصل التأثير من غير احتياج إلى ربط إلهي كالنار والحطب، لأنه لو كان ذلك لكانت هذه الأفعال المسببات إذا وجدت من فاعليها الذين هم الأسباب، أو الأفعال التي هي الأسباب، والمسببات التي هي الأبدان المراد تأثيرها أثرت ولم تنفع الاستعاذة، والشاهد خلافه، وثبت قول الأشاعرة أهل السنة والجماعة أنه إذا وجد السبب والمسبب توقف وجود الأثر على إيجاد الله تعالى، فإن أنفذ السبب وجد الأثر، وإن لم ينفذه لم يوجد، والسورتان معلمتان بأن البلايا كثيرة وهو قادر على دفعها، فهما حاملتان على الخوف والرجاء، وذلك هو لباب العبودية، وسبب نزول المعوذتين على ما نقل الواحدي عن المفسرين رحمة الله عليهم أجمعين والبغوي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم **" أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذه مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وتولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر شعر رأسه، ويرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، يذوب ولا يدري ما عراه، فبينا هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طب، قال: وما طب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبما طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راغوفة في بئر ذروان - بئر في بني زريق، والجف: قشر الطلع، والراغوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال لعائشة رضي الله عنها: " يا عائشة! أما شعرت أن الله أخبرني بدائي! ثم بعث علياً والزبير وعمار بن ياسر رضي الله عنهم فنزحوا البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم نزعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر " فأنزل الله سبحانه وتعالى سورتي المعوذتين، وهما إحدى عشرة آية: الفلق خمس والناس ست، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبرائيل عليه الصلاة والسلام يقول: " بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين والله يشفيك " فقالوا: يا رسول الله! أفلا نأخذه فنقتله؟ فقال: " أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن أثير على الناس شراً " وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أتى البئر بنفسه ثم رجع إلى عائشة رضي الله عنها فقال: " والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، لكأن نخلها رؤوس الشياطين، فقلت له: يا رسول الله! " أهلا أخرجته؟ فقال: " أما أنا فقد شفاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شراً " ويجمع بأنه أتاها صلى الله عليه وسلم بنفسه الشريفة فلم يخرجه ثم إنه وجد بعض الألم فأرسل إليه، فأخرجه فزال الألم كله، وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعاه، ثم قال: " أشعرت يا عائشة أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته فيه " ، قلت: وما ذاك يا رسول الله، قال: " أتاني ملكان "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
فذكره، وروى النسائي في المحاربة من سننه وأبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن منيع وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم والبغوي في تفسيره كلهم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كان رجل يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ له فسحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياماً فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**" إن رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا، أو قال: فطرحه في بئر رجل من الأنصار، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجوها فجيء بها فحلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال "** فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط، وفي رواية: فأتاه ملكان يعوذانه فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجله فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: كأن الذي يدخل عليه عقد له وألقاه في بئر، فأرسل إليه رجلاً، وفي رواية: علياً رضي الله عنه، فأخذ العقد فوجد الماء قد اصفر، قال: فأخذ العقد فحلها فبرأ، فكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر له شيئاً ولم يعاتبه فيه، وهذا الفضل لمنفعة المعوذتين كما منح الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فكذا تفضل به على سائر أمته، وروى أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح - والنسائي مسنداً أو مرسلاً - قال النووي: بالأسانيد الصحيحة - عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثة مرات - يكفيك كل شيء "** والأحاديث في فضل هذه السور الثلاث كثيرة جداً، وجعل التعويذ في سورتين إشارة إلى استحباب تكريره، وجعلتا إحدى عشرة آية ندباً إلى تكثيره في تكريره، وقدمت الفلق التي خمس آيات مع ما مضى المناسبات لأن اقترانها بسورة التوحيد أنسب، وشفعها بسورة الناس التي هي ست آيات أنسب، ليكون الشفع بالشفع، والابتداء بالوتر بعد سورة الوتر، وحاصل هذه السورة العظمى في معناها الأبدع الأسمى الاستعاذة بالله بذكر اسمه { الرب } المقتضي للإحسان والتربية بجلب النعم ودفع النقم من شر ما خلق ومن السحر والحسد، كما كان أكثر البقرة المناظرة لها في رد المقطع على المطلع لكونها ثانية من الأول كما أن هذه ثانية من الآخر في ذكر أعداء النبي صلى الله عليه وسلم الحاسدين له على ما أوتي من النعم، وفي تذكيرهم بما منحهم من النعم التي كفروها، وأكثر ذلك في بني إسرائيل الذين كانوا أشد الناس حسداً له صلى الله عليه وسلم، وكان من أعظم ما ضلوا به السحر المشار إليه بقوله تعالى:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
**{ واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان }** [البقرة: 102] حتى قال: { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } إلى أن قال:**{ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم }** [البقرة: 109] وكان السحر من أعظم ما أثر في النبي صلى الله عليه وسلم من كيدهم حتى أنزل فيه المعوذتان، وكان الساحر له منهم، وقد انقضى ما يسر الله من الكلام على انتظام معانيها بحسب تركيب كلماتها، وبقي الكلام على كلماتها من حيث العدد، فيما تشير إليه من البركات والمدد، هي ثلاث وعشرون كلمة إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة والعشرين من النبوة يأمن من أذى حاسديه، وذلك بالوفاة عند تمام الدين ويأس الحاسدين من كل شيء من الأذى في الدين والدنيا، وخلاص النبي صلى الله عليه وسلم من كل كدر، فإذا ضممت إليها الضمائر وهي خمسة كانت ثماني وعشرين، وهي توازي سنة خمس عشرة من الهجرة، وذلك عند استحكام أمر عمر رضي الله عنه في السنة الثانية من خلافته ببث العساكر وإنفاذه إلى ملك الفرس والروم وتغلغل هيبته في قلوبهم وتضعضع الفرس بغلب العرب على رستم أكبر أمرائهم، والروم بغلبهم على ماهان أعظم رؤسائهم، فاضمحل أمر المنافقين والحاسدين، وأيسوا من تأثير أدنى كيد من أحد من الكائدين، فإذا ضم إليها أربع كلمات البسملة كانت اثنتين وثلاثين، إذا حسبت من أول النبوة وازتها السنة التاسعة عشرة من الهجرة، وفيها كان فتح قيسارية الروم من بلاد الشام، وبفتحها كان فتح جميع بلاد الشام، لم يبق بها بلد إلا وهي في أيدي المسلمين، فزالت عنها دولة الروم، وفيها أيضاً كان فتح جلولاء من بلاد فارس وكان فتحاً عظيماً جداً هدّ أجنادهم وملوكهم، ولذلك سمي فتح الفتوح، وحصل حينئذ أعظم الخزي للفرس والروم الذين هم أحسد الحسدة، لما كان لهم من العزة والقوة بالأموال والرجال، وإن حسبت من الهجرة وازتها سنة انقراض ملك أعظم الحسدة الأكاسرة الذين شقق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسل إلى عامله باذان - الذي كان استخلفه على بلاد اليمن - يأمره أن يغزو النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأنه يقتله سبحانه في ليلة سماها، فلما أتت تلك الليلة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم رسل باذان بذلك، فرجعوا إلى باذان فأخبروه فقال: إن كان صادقاً فسيأتي الخبر في يوم كذا، فأتى الخبر في ذلك اليوم بصدقه صلى الله عليه وسلم فأسلم باذان ومن معه من الأبناء الذين كانوا في بلاد اليمن لم يتخلف منهم أحد، وأوفد منهم وفداً على النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم والله أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي (ت 911 هـ) | أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوّذتين من المصحف ويقول: لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، إنهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوّذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. قال البزار: لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود: **" أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هاتين السورتين فقال: قيل لي فقلت فقولوا كما قلت ".** وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن حبان وابن مردويه عن زر بن حبيش قال: أتيت المدينة فلقيت أبيّ بن كعب فقلت: يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمداً بالحق قد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألته غيرك. قال: قيل لي قل فقلت فقولوا، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج مسدد وابن مردويه عن حنظلة السدوسي قال: قلت لعكرمة: إني أصلي بقوم فأقرأ بـ { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فقال: اقرأ بهما فإنهما من القرآن.
وأخرج أحمد وابن الضريس بسند صحيح عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: **" قال رجل: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، والناس يعتقبون، وفي الظهر قلة، فجاءت نزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلتي فلحقني فضرب منكبي فقال: { قل أعوذ برب الفلق } فقلت { أعوذ برب الفلق } فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه، ثم قال: { قل أعوذ برب الناس } فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأتها معه. قال: إذا أنت صليت فاقرأ بهما ".** وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" لقد أنزل عليَّ آيات لم ينزل علي مثلهن المعوّذتين ".** وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" أنزلت علي الليلة آيات لم أر مثلهن قط { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ".** وأخرج ابن الضريس وابن الأنباري والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال: **" بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بـ { أعوذ برب الفلق } و { أعوذ برب الناس } ويقول: " يا عقبة تعوّذ بهما فما تعوذ متعوّذ بمثلهما "**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة.
وأخرج ابن سعد والنسائي والبغوي والبيهقي عن أبي حابس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: **" يا أبا حابس ألا أخبرك بأفضل ما تعوّذ به المتعوّذون؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } هما المعوّذتان ".** وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ومن عين الإِنس فلما نزلت سورة المعوّذتين أخذ بهما وترك ما سوى ذلك.
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يكره عشر خصال: الصفرة يعني الخلوق، وتغيير الشيب، وجر الإِزار، والتختم بالذهب، وعقد التمائم والرقى إلا بالمعوذات والضرب بالكعاب، والتبرج بالزينة لغير بعلها، وعزل الماء لغير حله، وفساد الصبي غير محرمه.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الرقى إلا بالمعوذات.
وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" إقرؤوا بالمعوذات في دبر كل صلاة ".** وأخرج ابن أ بي شيبة وابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما يعني المعوذتين ".** وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" يا عقبة اقرأ بـ { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فإنك لن تقرأ أبلغ منهما ".** وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" من أحب السور إلى الله { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ".** وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل قال: **" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى الغداة فقرأ فيها بالمعوذتين، ثم قال: يا معاذ هل سمعت؟ قلت: نعم. قال: ما قرأ الناس بمثلهن ".** وأخرج النسائي وابن الضريس وابن الأنباري وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: **" أخذ منكبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اقرأ قلت: ما أقرأ؟ بأبي أنت وأمي قال: { قل أعوذ برب الفلق } ثم قال: اقرأ قلت: بأبي أنت وأمي ما أقرأ: قال: { قل أعوذ برب الناس } ولن تقرأ بمثلهما ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن سعد عن يوسف بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس **" أن ثابت بن قيس اشتكى فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض فرقاه بالمعوّذات ونفث عليه، وقال: " اللهم رب الناس اكشف الباس عن ثابت بن قيس بن شماس " ثم أخذ تراباً من واديهم ذلك يعني بطحان فألقاه في ماء فسقاه ".** وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس عن عقبة بن عامر الجهني قال: **" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما طلع الفجر أذن وأقام ثم أقامني عن يمينه ثم قرأ بالمعوذتين، فلما انصرف قال: كيف رأيت؟ قلت: قد رأيت يا رسول الله. قال: " فاقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت " ".** وأخرج ابن الأنباري عن قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر: **" اقرأ بـ { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فإنهما من أحب القرآن إلى الله ".** وأخرج الحاكم عن عقبة بن عامر قال: **" كنت أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته في السفر فقال: يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ قلت: بلى. قال: { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } فلما نزل صلى بهما صلاة الغداة، ثم قال له: كيف ترى يا عقبة ".** وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب بغلة فحادت به فحبسها وأمر رجلاً أن يقرأ عليها { قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق } فسكنت ومضت.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: **" أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء فكان فيها صعوبة فقال للزبير: اركبها وذللها فكأن الزبير اتقى فقال له: أركبها واقرأ القرآن. قال: ما أقرأ؟ قال: اقرأ { قل أعوذ برب الفلق } فوالذي نفسي بيده ما قمت تصلي بمثلها ".** وأخرج ابن الأنباري عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه المعوذتين وتفل أو نفث.
وأخرج ابن الأنباري عن ابن عمر قال: إذا قرأت { قل أعوذ برب الفلق } فقل أعوذ برب الفلق، وإذا قرأت بـ { قل أعوذ برب الناس } فقل: أعوذ برب الناس.
وأخرج محمد بن نصر عن أبي ضمرة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الثانية التي يوتر بها بـ { قل هو الله أحد } والمعوذتين.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه رأى في عنق امرأة من أهله سيراً فيه تمائم فقطعه، وقال: إن آل عبد الله أغنياء عن الشرك، ثم قال: التولة والتمائم والرقى من الشرك، فقالت امرأة: إن إحدانا لتشتكي رأسها فتسترقى، فإذا استرقت ظنت أن ذلك قد نفعها، فقال عبد الله إن الشيطان يأتي أحداكن فينخس في رأسها فإذا استرقت حبس، فإذا لم تسترق نحر فلو أن إحداكن تدعو بماء فتنضحه على رأسها ووجهها ثم تقول: بسم الله الرحمن الرحيم ثم تقرأ { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } نفعها ذلك إن شاء الله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن زيد بن أسلم قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وقال: إن رجلاً من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، فأرسل علياً فجاء به فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: **" كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذا أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: بم طبه؟ قال: بمشط وماشطة وجف طلعة ذكر بذي أروان وهي تحت راعوفة البئر. فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا ومعه أصحابه إلى البئر فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مشاطة رأسه، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فيها أبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأتاه جبريل بالمعوّذتين فقال: يا محمد { قل أعوذ برب الفلق } وحل عقدة { من شر ما خلق } وحل عقده حتى فرغ منها وحل العقد كلها وجعل لا ينزع إبرة إلا يجد لها ألماً ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي فقال: قد عافاني الله وما وراءه من عذاب الله أشد فأخرجه ".** وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن لبيد بن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل فيه تمثالاً فيه إحدى عشرة عقدة، فأصابه من ذلك وجع شديد، فأتاه جبريل وميكائيل يعوذانه فقال ميكائيل يا جبريل إن صاحبك شاك. قال أجل. قال: أصابه لبيد بن الأعصم اليهودي وهو في بئر ميمون في كدية تحت صخرة الماء.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
قال: فما وراء ذلك؟ قال: تنزح البئر ثم تقلب الصخرة فتأخذ الكدية فيها تمثال فيه إحدى عشرة عقدة فتحرق فإنه يبرأ بإذن الله، فأرسل إلى رهط فيهم عمار بن ياسر فنزح الماء فوجدوه قد صار كأنه ماء الحناء، ثم قلبت الصخرة إذا كدية فيها صخرة فيها تمثال فيها إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله يا محمد { قل أعوذ برب الفلق } الصبح فانحلت عقدة { من شر ما خلق } من الجن والإِنس فانحلت عقدة { ومن شر غاسق إذا وقب } الليل وما يجيء به الليل { ومن شر النفاثات في العقد } السحارات المؤذيات فانحلت { ومن شر حاسد إذا حسد }.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صنعت اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فأصابه منه وجع شديد، فدخل عليه أصحابه فخرجوا من عنده وهم يرون أنه ألم به فأتاه جبريل بالمعوّذتين فعوّذه بهما ثم قال: بسم الله أرقيك من كل شر يؤذيك ومن كل عين ونفس حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك ".
أخرج ابن مردويه عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: **" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { قل أعوذ برب الفلق } فقال: " يا ابن عبسه أتدري ما الفلق؟ قلت الله ورسوله أعلم. قال: بئر في جهنم إذا سعرت جهنم فمنه تسعر، وإنها لتتأذى به كما يتأذى بنو آدم من جهنم " ".** وأخرج ابن مردويه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" أقرأ { قل أعوذ بر الفلق } هل تدري ما الفلق؟ باب في النار إذا فتح سعرت جهنم ".** وأخرج ابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه قال: **" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: { قل أعوذ برب الفلق } قال: هو سجن في جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون، وإن جهنم لتعوذ بالله منه ".** وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" الفلق جب في جهنم مغطى ".** وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن علي وعن آبائه قال: الفلق جب في قعر جهنم عليه غطاء، فإذا كشف عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حر ما يخرج منه.
وأخرج ابن جريرعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفلق الصبح.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى { قل أعوذ برب الفلق } قال: أعوذ برب الصبح إذا انفلق عن ظلمة الليل. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت زهير بن أبي سلمى يقول:
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| **الفارج الهمّ مسدولاً عساكره** | | **كما يفرج غم الظلمة الفلق** |
| --- | --- | --- |
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفلق الخلق.
أخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة قالت: **" نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى القمر لما طلع فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا الغاسق إذا وقب ".** وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة **" عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: النجم هو الغاسق، وهو الثريا ".** وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: كانت العرب تقول الغاسق سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إذا ارتفعت النجوم رفعت العاهة عن كل بلد ".** وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: الليل إذا ذهب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب رضي الله عنه قال: الغاسق سقوط الثريا، والغاسق إذا وقب الشمس إذا غربت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: الليل إذا أقبل.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: عز وجل { ومن شر غاسق إذا وقب } قال: الغاسق الظلمة والوقب شدة سواده إذا دخل في كل شيء قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت زهيراً يقول:
| **ظلت تجوب يداها وهي لاهية** | | **حتى إذا جنح الإِظلام والغسق** |
| --- | --- | --- |
وقال في الوقب:
| **وقب العذاب عليهم فكأنهم** | | **لحقتهم نار السماء فأخمدوا** |
| --- | --- | --- |
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه { غاسق إذا وقب } قال: الليل إذا دخل.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن شر النفاثات } قال: الساحرات.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { النفاثات في العقد } قال: ما خالط السحر من الرقى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه { النفاثات } قال: السواحر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه { النفاثات في العقد } قال: الرقى في عقد الخيط.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: **" من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك ".** وأخرج الحاكم وابن مردويه **" عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يعوده فقال: ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟ قلت بلى، بأبي أنت وأمي. قال: بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك { من شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد } فرقى بها ثلاث مرات " ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنه: **" أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد وجعاً في رأسه فأبطأ على أصحابه ثم خرج إليهم فقال له عمر: ما الذي بطأ بك عنا؟ فقال: وجع وجدته في رأس فهبط عليّ جبريل، فوضع يده على رأسي ثم قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك أو يصيبك ومن شر كل ذي شر معلن أو مسر، ومن شر الجن والإِنس { ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد } قال: فبرأت ".** أخرج ابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن في قوله: { ومن شر حاسد إذا حسد } قال: هو أول ذنب كان في السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه { ومن شر حاسد إذا حسد } يعني اليهود هم حسدة الإِسلام.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { ومن شر حاسد إذا حسد } قال: نفس ابن آدم وعينه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه { ومن شر حاسد } قال: من شر عينه ونفسه.
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه وهو يوعك فقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من حسد حاسد، وكل عين، اسم الله يشفيك.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أو عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى فأتاه جبريل فقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل كاهن وحاسد، والله يشفيك.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ".** وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" لا يحل الدرجات العلى اللعان ولا منان ولا بخيل ولا باغ ولا حسود ".** وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس رضي الله عنه قال: **" كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال فسلم، فلما كان من الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع الرجل مثل مرته الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال: إني لاحيت أبي فاقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تأويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه ثلاث ليال فلم يره يقوم إلا لصلاة الفجر، وإذا تقلب على فراشه ذكر الله وكبره، ولا يقول إلا خيراً. فلما مضى الثلاث ليال وكدت احتقر عمله قلت يا عبد الله: لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فلم أرك تعمل كثير عمل، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غشاً على أحد من المسلمين ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله: فهذه التي بلغت بك وهي التي لا تطاق ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" الصلاة نور، والصيام جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ".** وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم **" كاد الفقر أن يكون كفراً، وكاد الحسد أن يغلب القدر ".** وأخرج البيهقي في الشعب عن الأصمعي رضي الله عنه قال: بلغني أن الله عز وجل يقول: الحاسد عدو نعمتي، متسخط لقضائي، غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | |
| --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) | { وَمِن شَرّ ٱلنَّفَّـٰثَـٰتِ فِى ٱلْعُقَدِ } أيْ وَمِنْ شَرِّ النفوسِ أو النساءِ السواحرِ اللاتِي يعقدنَ عُقَداً في خيوطٍ ويَنْفُثنَ عليهَا والنفثُ النفخُ معَ ريقٍ وقيلَ بدونِ ريقٍ وقُرِىءَ النافثاتُ كما قُرِىءَ النفثاتُ بغيرِ ألفٍ وتعريفُهَا إمَّا للعهدِ أوْ للإيذانِ بشمولِ الشرِّ لجميعِ أفرادِهِنَّ وتمحضهنَّ فيهِ وتخصيصُهُ بالذكرِ لما رَوَى ابْنُ عبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ الله عنهُم **" أنَّهُ كانَ غلامٌ من اليهودِ يخدمُ النبـيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وكانَ عندَهُ أسنانٌ منْ مشطِهِ عليهِ السلامُ فأعطَاهَا اليهودَ فسحرُوهُ عليهِ السلامُ فيهَا وتولاَّهُ لبَـيْدُ بنُ الأَعصمِ اليهوديُّ وبناتُهُ وهُنَّ النافثاتُ في العقدِ فدفَنَها في بئرِ أريسٍ فمرضَ النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فنزلَ جبريلُ عليهِ السلامُ بالمعوذتينِ وأخبرَهُ بموضعِ السحرِ وبمَنْ سحرَهُ وبمَ سحرَهُ فأرسلَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ علياً كرمَ الله وجْهَهُ والزبـيرَ وعمَّاراً رضيَ الله عنْهُم فنزحُوا ماءَ البئرِ فكأنَّهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ ثمَّ رفعُوا راعوثةَ البئرِ وهيَ الصخرةُ التي توضعُ في أسفلِ البئرِ فأخرجُوا منْ تحتِهَا الأسنانَ ومعَها وترٌ قدْ عُقِدَ فيهِ إحدَى عشرةَ عقدةً مغرزةً بالأبرِ فجاءُوا بهَا النبـيَّ صلى الله عليه وسلم فجعلَ يقرأُ المعوذتينِ عليهَا فكانَ كلَّما قرأَ آيةً انحلتْ عقدةٌ ووجدَ عليهِ السلامُ خفةً حتَّى انحلتْ العقدةُ الأخيرةُ عندَ تمامِ السورتينِ فقامَ عليهِ السلامُ كأنَّما أنشطَ مِنْ عقالٍ فقالُوا يا رسولَ الله أفلا نقتلُ الخبـيثَ فقالَ عليهِ السلامُ: " أمَّا أنَا فقَد عافانِي الله عزَّ وجلَّ وأكرَهُ أنْ أثيرَ عَلى الناسِ شَراً " قالتْ عائشةُ رضيَ الله عنهَا ما غضبَ النبـيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ غضباً ينتقمُ لنفسِهِ قطُّ إلاَّ أنْ يكونَ شيئاً هُو لله تَعَالَى فيغضبُ لله وينتقمُ وقيلَ المرادُ بالنفثِ في العُقَدِ إبطالُ عزائمِ الرجالِ بالحيلِ مستعارٌ مِنْ تليـينِ العقدةِ بنفثِ الربقِ ليسهلَ حلُّ "** ها { وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } أيْ إذَا أظهَرَ مَا في نفسِهِ من الحسدِ وعملَ بمقتضاهُ بترتيبِ مقدماتِ الشرِّ ومبادىءِ الأضرارِ بالمحسودِ قولاً أو فعلاً والتقيـيدُ بذلكَ لما أنَّ ضررَ الحسدِ قبلَهُ إنما يحيقُ بالحاسدِ لا غيرَ.
عَنِ النبـيِّ صلى الله عليه وسلم: **" مَنْ قرأَ المعوذتينِ فكأنَّما قرأَ الكتبَ التي أنزلَهَا الله تعالَى ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير تفسير القرآن/ التستري (ت 283 هـ) | { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } [4] أي السواحر تنفث في العقد.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) | قوله جل ذكره: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ }.
أي امتنع واعتصم بربِّ الفَلَقَ. والفلقُ الصُّبْحُ.
ويقال: هو الخَلْقُ كلُّهم وقيل الفَلَقُ وادٍ في جهنم.
{ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ }.
أي من الشرور كلِّها.
{ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ }.
قيل: الليلُ إذا دخَلَ. وفي خبرٍ، أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عائشة ونَظَرَ إلى القمر فقال: **" يا عائشة، تَعَوَّذِي بالله من شرِّ هذا فإنه الغاسقُ إذا وقب ".** { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ }.
وهن السواحر اللواتي ينفخن في عُقَد الخيط (عند الرُّقية) ويوهمنَّ إدخال الضرْرِ بذلك.
{ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }.
والحَسَدُ شرُّ الأخلاق.
وفي السورة تعليمُ استدفاع الشرور من الله. ومَنْ صَحَّ توكُّلُه على الله فهو الذي صحَّ تحقُّقُه بالله، فإذا توكَّلَ لم يُوَفِّقْه اللَّهُ للتوكُّلِ إلاَّ والمعلومُ من حاله أنه يكفيه ما توكَّلَ به عليه؛ وإنَّ العبدَ به حاجةٌ إلى دَفْعِ البلاء عنه - فإن أخَذَ في التحرُّز من تدبيره وحَوْله وقُوَّته، وفَهْمِه وبصيرته في كلِّ وقتٍ استراح من تعب تردُّدِ القلبِ في التدبير، وعن قريبٍ يُرَقَّى إلى حالة الرضا.. كُفِيَ مُرَادَه أم لا. وعند ذلك الملك الأعظم، فهو بظاهره لا يفتر عن الاستعاذه، وبقلبه لا يخلو من التسليم والرضا.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير القرآن / ابن عربي (ت 638 هـ) | { قل أعوذ بربّ الفلق } أي: ألتجىء إلى الاسم الهادي وألوذ به بالاتصاف به والاتصال بروح القدس في الحضرة الأسمائية لأن الفلق هو نور الصبح المقدّم على طلوع الشمس، أي: بربّ نور صبح تجلي الصفات الذي هو مقدمة طلوع نور الذات، وربّ نور صبح الصفات هو الاسم الهادي وكذا معنى كل مستعيذ بربّه من شرّ شيء فإنه يستعيذ بالاسم المخصوص بذلك الشيء كاستعاذة المريض مثلاً بربّه فإنه يستعيذ بالشافي، وكاستعاذة الجاهل من جهله بالعليم. { من شرّ ما خلق } أي: من شرّ الاحتجاب بالخلق وتأثيرهم فيه فإن من اتصل بعالم القدس في حضرة الأسماء واتّصف بصفاته تعالى أثر في كل مخلوق ولم يتأثر من أحد لأنهم في عالم الآثار ومقام الأفعال وقد ارتقى هو عن مقام الأفعال إلى مباديها من الصفات. { ومن شرّ غاسق إذا وقب } أي: من شرّ الاحتجاب بالبدن المظلم إذا دخل ظلامه كل شيء واستولى وأثر بتغيرات أحواله وانحراف مزاجه في القلب لمحبة القلب له وميله إليه وانجذابه نحوه. { ومن شرّ النفاثات } أي: القوى النفسانية من الوهم والتخيّل والغضب والشهوة ونحوها التي تنفث في عقد عزائم السالكين بإيهانها بالدواعي الشيطانية وحلها ونكثها بالوساوس والهواجس. { ومن شرّ حاسد إذا حسد } أي: النفس إذا حسدت تنوّر القلب فانتحلت صفاته ومعارفه باستراق السمع، فطغت وظهرت عليه وحجبته وذلك هو التلوين في مقام القلب. ويجوز أن يكون الغاسق هو النفس المستولية الحاجبة بظلمة صفاتها للقلب والحاسد هو القلب إذا ظهر في مقام الشهود، فإن تلوين مقام الشهود بوجود القلب كما أن تلوين مقام القلب بوجود النفس وتخصيص هذه الثلاثة بالاستعاذة منها بعد الاستعاذة من المخلوقات عموماً إنما كان لأن أكثر الاحتجاب منها دون ما عداها من المخلوقات عموماً لاتصالها به وتعلقه بها، والله تعالى أعلم.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) | { ومن شر النفاثات } واز شردمند كان. من النفث وهو شبه النفخ يكون فى الرقية ولا ريق معه فان كان معه ريق فهو التفل يقال منه نفث الراقى ينفث وينفث بالضم والكسر والنفاثات بالتشديد يراد منها تكرار الفعل والاحتراف به والنفاثات تكون للدفعة الواحدة من الفعل ولتكراره ايضا { فى العقد } جمع عقدة وهى ما يعقده الساحر على وتر أو حبل او شعر وهو ينفث ويرقى واصله من العزيمة ولذلك يقال لها عزيمة كما يقال لها عقدة ومنه قيل للساحر معقد والمعنى ومن شر النفوس او النساء السواحر اللاتى يعقدن عقدا فى خيوط وينفثن عليها وتعريفها اما للعهد او للايذان بشمول الشر لجميع افرادهن وتمحضهن فيه وتخصيصه بالذكر لما روى ابن عباس رضى الله عنهما وعائشة رضى الله عنها انه كان غلام من اليهود يخدم النبى عليه السلام وكان عنده اسنان من مشطه عليه السلام فاعطاها اليهود فسحروه عليه السلام فيها ولذا ينبغى ان يقطع الظفر بعد التقليم وكذا الشعر اذا اسقط من اللحية والرأس نصفين او اكثر لئلا يسحر به احد وتولاه لبيد بن اعصم اليهودى وبناته وهن النفاثات فى العقد فدفنها فى بئراريس وفى عين المعانى فى بئرلبنى زريق تسمى ذروان فمرض النبى عليه السلام روى انه لبث فيه ستة اشهر فنزل جبرائيل بالمعوذتين بكسر الواو فى القاموس واخبره بموضع السحر وبمن سحره وبم سحره فارسل عليه السلام عليا والزبير وعمارا رضى الله عنهم فنزحوا ماء البئر فكأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا راعونة البئر وهى الصخرة التى توضع فى أسفل البئر فأخرجوا من تحتها الاسنان ومعها وترقد عقد فيه احدى عشرة عقدة مغرزة بالابر فجاؤا بها النبى عليه السلام فجعل يقرأ المعوذتين عليها فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد عليه السلام خفة حتى انحلت العقدة الاخيرة عند تمام السورتين فقام عليه السلام كأنما انشط من عقال وجعل جبرائيل يقول بسم الله ارقيك والله يشفيك من كل شئ يؤذيك من عين وحاسد فلذا جوز الاسترقاء بما كان من كلام الله وكلام رسوله لا بما كان بالعبرية والسريانية والهندية فانه لا يحل اعتقاده فقالوا يا رسول الله أفلا نقتل الخبيث فقال عليه السلام **" اما انا فقد عافانى الله واكره ان اثير على الناس شرا "** قالت عائشة رضى الله عنها ما غضب النبى عليه السلام غضبا ينتقم لنفسه قط الا ان يكون شيئا هو لله فيغضب لله وينتقم وقيل المراد بالنفث فى العقد ابطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها فعلى هذا فالنفاثات هى جنس النساء اللاتى شأنهن ان يغلبن على الرجال ويحولنهم عن آرآئهم بانواع المكر والحيلة فمعنى الآية ان النساء لاجل استقرار حبهن فى قلوب الرجال يتصرفن فيهم يحولنهم من رأى الى رأى فامر الله تعالى له رسوله بالتعوذ من شرهن.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
اعلم ان السحر تخييل لا اصل له عند المعتزلة وعند الشافعى تمريض بما يتصل به كما يخرج من فم المتثائب ويؤثر فى المقابل وعندنا سرعة الحركة ولطافة الفعل فيما خفى فهمه وقيل طلسم يبنى على تأثير خصائص الكواكب كتأثير الشمس فى زئبق عصى سحرة فرعون والمعتزلة انكروا صحة الرواية المذكورة وتأثير السحر فيه عليه السلام وقالوا كيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول والله يعصمك من الناس وقال ولا يفلح الساحر حيث اتى ولان تجويزه يفضى الى القدح فى النبوة ولان الكفار كانوا يعيرونه بانه مسحور فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين فى تلك الدعوى ولحصل فيه عليه السلام ذكر العيب ومعلوم ان ذلك غير جائز وقال اهل السنة صحة القصة لا تستلزم صدق الكفرة فى قولهم انه مسحور وذلك لانهم كانوا يريدون بكونه مسحورا انه مجنون ازيل عقله بسبب السحر فلذلك ترك دين آبائه فاما ان يكون مسحورا بالم يجده فى بدنه فذلك مما لا ينكره احد وبالجملة فالله تعالى ما كان يسلط عليه لا شيطانا ولا انسيا وجنيا يؤذيه فيما يتعلق بنبوته وعقله واما الاضرار به من حيث بشريته وبدنه فلا بعد فيه وتأثير السحر فيه عليه السلام لم يكن من حيث انه نبى وانما كان فى بدنه من حيث انه انسان وبشر فانه عليه السلام يعرض له من حيث بشريته ما يعرض لسائر البشر من الصحة والمرض والموت والاكل والشرب ودفع الفضلات وتأثير السحر فيه من حيث بشريته لا يقدح فى نبوته وانما يكون قادحا فيها لو وجد للسحر تأثير فى امر يرجع الى النبوة ولم يوجد ذلك كيف والله تعالى يعصمه من ان يضره احد فيما يرجع اليها كما لم يقدح كسر رباعتيه يوم احد فيما ضمن الله له من عصمته فى قوله والله يعصمك من الناس وفى كشف الاسرار فان قيل ما الحكمة فى نفوذ السحر وغلبته فى النبى عليه السلام ولماذا لم يرد الله كيد الكائد الى نحره بابطال مكره وسحره قلنا الحكمة فيه الدلالة على صدق رسول الله عليه السلام وصحة معجزاته وكذب من نسبه الى السحر والكهانة لان سحر الساحر عمل فيه حتى التبس عليه بعض الامر واعتراه نوع من الوجع ولم يعلم النبى عليه السلام بذلك حتى دعا ربه ثم دعا فاجابه الله وبين له امره ولو كان ما يظهر من المعجزات الخارقة للعادات من باب السحر على ما زعم اعدآوؤه لم يشتبه عليه ما عمل من السحر فيه ولتوصل الى دفعه من عنده وهذا بحمد الله من اقوىالبراهين على نبوته وانما اخبر النبى عليه السلام عائشة رضى الله عنها من بين نسائه بما كشف الله تعالى له من امر السحر لانه عليه السلام كان مأخوذا عن عائشة رضى الله عنها فى هذا السحر على ما روى يحيى بن يعمر قال حبس رسول الله عليه السلام عن عائشة فبينما هو نائم او بين النوم واليقظة اذ اتاه ملكان جلس احدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فهذا يقول للذى عند رأسه ما شكواه قال اسحر قال من فعل به قال لبيد بن اعصم اليهودى قال فاين صنع السحر قال فى بئر كذا قال فماد وآؤه قال ينبعث الى تلك البئر فينزح ماءها فانه ينتهى الى صخرة فاذا رآها فليقلعها فان تحتها كوبة وهر كوز سقط عنقها وفى الكوبة وترفيه احدى عشرة عقدة مغروزة بالابر فيحرقها بالنار فيبرأ ان شاء الله تعالى فاستيقظ عليه السلام وقد فهم ما قالا فبعث عليا رضى الله عنه الى آخر ما سبق وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله عليه السلام اذا اشتكى شيأ من جسده قرأ قل هو الله احد والمعوذتين فى كفه اليمنى ومسح بها المكان الذى يشتكى وفيه اشارة الى الهواجس النفسانية والخواطر الشيطانية النفاثات الساحرات فى عقد عقائد القلوب الصافية الظاهرة اخباث السيئات العقلية وألواث الشكوك الوهمية والعياذ بالله منها.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) | يقول الحق جلّ جلاله: { قلْ } يا محمد { أعوذُ بربِّ الفلقِ } أي: أتحصّن وأستجيرُ برب الفلق. والفلق: الصُبح، كالفرق، لأنه يفلق عنه الليل فعل بمعنى مفعول. وقيل: هو كل ما يفلقه الله تعالى، كالأرض عن النبات والجبال عن العيون، والسحاب عن الأمطار، والحب والنوى عما يخرج منهما، والبطون والفروج عما يخرج منهما، وغير ذلك مما يفلق ويخرج منه شيء. وقيل: هو جب في جهنم. وفي تعليق العياذ بالرب، المضاف إلى الفلق، المنبىء عن النور بعد الظلمة وعن السعة بعد الضيق، والفتق بعد الرتَق، عِدَة كريمة بإعاذة العامة مما يتعوّذ منه، وإنجائه منه وفَلْق ما عقد له من السحر وانحلاله عنه، وتقوية رجائه بتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب في الاعتناء بقرع باب الالتجاء إلى الله تعالى. ثم ذكر المتعوَّذ منه فقال: { من شرِّ ما خَلَقَ } من الثقلين وغيرهم، كائناً ما كان، وهذا كما ترى شامل لجميع الشرور الجمادية، والحيوانية، والسماوية، كالصواعق وغيرها. وإضافة الشر إليه ـ أي: إلى كل ما خلق ـ لاختصاصه بعالَم الخلق، المؤسس على امتزاج المراد المتباينة، وتفاصيل كيفياتها المتضادة المستتبعة للكون والفساد في عالَم الحكمة، وأمّا عالَم الأمر فهو منزّه عن العلل والأسباب، والمراد به: كن فيكون. وقوله تعالى: { ومن شر غَاسِقٍ إِذا وَقَبَ } تخصيص لبعض الشرور بالذكر، بعد اندراجه فيما قبله، لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه، لكثرة وقوعه، أي: ومن شر الليل إذا أظلم واشتد ظلامه، كقوله تعالى:**{ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ }** [الإسراء:78]. وأصل الغسق: الامتلاء. يقال: غسقت عينيه إذا امتلأت دمعاً وغَسَقُ الليل: انضباب ظلامه. وقوله: { إذا وقب } أي: دخل ظلامه، وإنما تعوَّذ من الليل لأنه صاحب العجائب، وقيل: الغاسق: القمر، ووقوبه: دخوله في الكسوف واسوداده، لِما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي، وقال: **" تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب "** وقيل: وقوب القمر: محاقه في آخر الشهر، والمنجِّمون يعدونه نحساً، ولذلك لا تستعمل السحرةُ السحرَ المُورث للمرض إلاَّ في ذلك الوقت، قيل: وهو المناسب لسبب النزول. وقيل: الغاسق: الثريا ووقوبها: سقوطها، لأنها إذا سقطت كثرت الأمراض والطواعين. وقيل: هو كل شر يعتري الإنسان، ووقوبه هجومه، فيدخل فيه الذكَر عند الشهوة المحرمة وغيره. { ومن شر النفاثاتِ في العُقَد } أي: ومن شر النفوس أو: النساء النفاثات، أي: السواحر اللاتي يعقدن عقداً في خيوط، وينفثن عليها، والنفث: النفخ مع ريق، وقيل: بدون ريق، وتعريفها إمّا للعهد الذهني، وهن بنات لَبِيد، أو: للجنس، لشمول جميع أفراد السواحر وتدخل بنات لَبيد دخولاً أولياً. { ومن شر حاسدٍ إِذا حَسَدَ } إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه، بترتيب مقدمات الشر، ومبادىء الإضرار بالمحسود، قولاً وفعلاً، والتقييد بذلك لأنَّ ضرر الحسد قبله إنما يحيق بالحاسد، وقد تكلم ابن جزي هنا على الحسد بكلام نقلناه في سورة النساء، فانظره فيه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
الإشارة: الفلق هو النور الذي انفلق عنه بحر الجبروت، وهي القبضة المحمدية، التي هي بذرة الكائنات، فأمر الله بالتعوُّذ بربها الذي أبرزها منه، من شر كل ما يشغل عن الله، من سائر المخلوقات، ومن شر ما يهجم على الإنسان، ويقوم عليه من نفسه وهواه وغضبه وسخطه، ومن شر ما يكيده من السحرة أو الحُساد. والحسد مذموم عند الخاص والعام، فالحسود لا يسود. وحقيقة الحسد: الأسف على الخير عند الغير، وتمني زواله عنه، وأمّا تمني مثله مع بقائه لصاحبه فهي الغِبطة، وهي ممدوحة في الكمالات، كالعلم والعمل، والذوق والحال. وبالله التوفيق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) | روى قتيبة إمالة { حاسد }.
هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ومتوجه إلى جميع الخلق المكلفين بان يستعيذوا من شر ما خلق، فالفلق الصبح - في قول ابن عباس والحسن وسعيد ابن جبير وجابر ومجاهد وقتادة وابن زيد - وفي رواية عن ابن عباس: إن الفلق الخلق. وقال قوم من أهل اللغة: الفلق الخلق، لأنه مفلوق. ومنه**{ فالق الإصباح }** و**{ فالق الحب والنوى }** وقيل للداهية فلقة، لانها تفلق الظهر وأصل الفلق الفرق الواسع من قولهم: فلق رأسه بالسيف يفلقه فلقاً إذا فرقه فرقاً واسعاً. ويقال: أبين من فلق الصبح، لأن عموده ينفلق بالضياء عن وفرق الصبح الظلام. وقيل له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه.
وقوله { من شر ما خلق } عام في جميع ما خلقه الله فأنه ينبغى أن يستعاذ من شره ممن يجوز أن يحصل منه الشر، وقيل: المراد من شر الاشياء التي خلقها مثل السباع والهوام والشياطين وغير ذلك.
وقوله { ومن شر غاسق إذا وقب } قال ابن عباس والحسن ومجاهد: من شر الليل إذا دخل بظلامه، وقيل: الغاسق كل هاجم بضرر كائناً ما كان، فالغاسق في اللغة هو الهاجم بضرره، وهو هنا الليل، لانه يخرج السباع من آجامها والهوام من مكامنها، وأصله الجريان بالضرر من قولهم: غسقت القرحة إذا جرى صديدها. والغساق صديد أهل النار لسيلانه بالعذاب، وغسقت عينه غسقاناً إذا جرى دمعها بالضرر في الخلق. والليل غاسق لجريانه بالضرر في اخراج السباع وقال كعب: الغسق بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حرّه، ومعنى { وقب } دخل، وقب يقب وقوباً إذا دخل. ومنه الوقبة النقرة، لأنه يدخل فيها.
وقوله { ومن شر النفاثات في العقد } قال الحسن وقتادة: يعني السحرة الذين كل ما عقدوا عقداً نفثوا فيه، وهو شبيه بالنفخ، فأما الثفل فنفخ بريق، فهذا الفرق بين النفث والتفل، قال الفرزدق:
| **هما نفثا في فيّ من فمويهما** | | **على النابح العاوي أشد رجام** |
| --- | --- | --- |
وقيل في شر النفاثات قولان: أحدهما - إيهامهم أنهم يمرضون ويعافون، ويجوز ذلك مما يخيل رأي الانسان من غير حقيقة لما يدعون من الحيلة بالاطعمة الضارة والامور المفسدة. الثاني - أنه بضرب من خدمة الجن يمتحن الله تعالى بتخليتهم بعض الناس دون بعض. ولا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سحر على ما رواه القصاص الجهال، لأن من يوصف بأنه مسحور، فقد خبل عقله. وقد أنكر الله تعالى ذلك فى قوله**{ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً }** ولكن قد يجوز أن يكون بعض اليهود اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه، فأطلع الله نبيه على ما فعله حتى استخرج ما فعلوه من التمويه، وكان دلالة على صدقه ومعجزة له.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
وقوله { ومن شر حاسد إذا حسد } فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها، وإن لم يردها لنفسه. والغبطة أن يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه وأن لم يرد زوالها عنه، فالغبطة محمودة والحسد مذموم. وفي السورة ما يستدفع به الشرور باذن الله على تلاوة ذلك بالاخلاص فيه، والاتباع لأمر الله. وكان النبي صلى الله عليه وآله كثيراً ما يعوّذ به الحسن والحسين وبهاتين السورتين. وقيل إن اللواتي سحرن النبي صلى الله عليه وآله بنات لبيد بن أعصم اليهودي، سحرنه في أحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى السورتين، وهما أحدى عشرة آية فحل بكل آية عقدة.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) | { (1) قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ما يفلق عنه اي يفرق عنه وخصّ عرفاً بالصّبح ولذلك فسّر به.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام انّه سئل عن الفلق قال صدع في النّار فيه سبعون الف دار في كلّ دار سبعون الف بيت في كلّ بيت سبعون الف اسود في كلّ أسود سبعون الف جرّة سمّ لا بدّ لأهل النار ان يمرّوا عليها والقمّي قال الفلق جبّ في جهنّم يتعوّذ اهل النار من شدّة حرّه سأل الله أن يأذن له ان يتنفّس فأذن له فتنفّس فأحرق جهنّم الحديث.
{ (2) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ } قيل خصّ عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشرّ فيه فانّ عالم الامر خير كلّه.
{ (3) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ } ليل عظم ظلامه كقوله الى غسق اللّيل { إِذَا وَقَبَ } دخل ظلامه في كلّ شيء قيل خصّ اللّيل لأنّ المضارّ فيه تكثر ويعسر الدّفع ولذلك قيل اللّيل اخفى للويل.
{ (4) وَمِنْ شَرِّ النَّفاثاتِ فِي الْعُقَدِ } ومن شرّ النفوس او النساء السواحر اللاّتي يعقدون عقداً في خيوط وينفثن عليها والنّفث النّفخ مع ريق.
{ (5) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } اذا ظهر حسده وعمل بمقتضاه فانّه لا يعود ضرره منه قبل ذلك الى المحسود بل يخصّ به لاغتمامه بسروره وفي المعاني مرفوعاً انّه قال في هذه الآية اما رأيته اذا فتح عينيه وهو ينظر اليك هو ذاك قيل خصّ الحسد بالاستعاذة منه لأنّه العمدة في الاضرار.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه صلّى الله عليه وآله **" كاد الحسد ان يغلب القدر ".** في طبّ الأئمّة عنه عليه السلام انّ جبرئيل اتى النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال يا محمد قال لبّيك يا جبرئيل قال انّ فلاناً سحرك وجعل السحر في بئر بني فلان فابعث اليه يعني البئر اوثق النّاس عندك واعظمهم في عينيك وهو عديل نفسك حتّى يأتيك بالسحر قال فبعث النبيّ صلّى الله عليه وآله عليّ بن ابي طالب عليه السلام وقال انطلق الى بئر ازران فانّ فيها سحر اسحرني به لبيد بن اعصم اليهوديّ فأتني به قال فانطلقت في حاجة رسول الله صلّى الله عليه وآله فهبطت فاذا ماء البئر صار كأنّه الجنا من السّحر فطلبته مستعجلاً حتّى انتهيت الى اسفل القليب فلم اظفر به قال الذين معي ما فيه شيء فاصعد قلت لا والله ما كذبت ولا كذب وما نفسي بيده مثل انفسكم يعني رسول الله صلّى الله عليه وآله ثم طلبت طلباً بلطف فاستخرجت حقّاً فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال افتحه ففتحته واذا في الحق قطعة كرب النّخل في جوفه وتر عليها احدى عشرة عقدة وكان جبرئيل انزل يومئذ المعوذتين على النبيّ صلّى الله عليه وآله فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله يا عليّ اقرأها على الوتر فجعل امير المؤمنين عليه السلام كلّما قرأ آية انحلّت عقدة حتّى فرغ منها وكشف الله عزّ وجلّ عن نبيّه ما سحر وعافاه وفي رواية انّ جبرئيل وميكائيل أتيا النبيّ صلّى الله عليه وآله فجلس احدهما عن يمينه والآخر عن شماله فقال جبرئيل لميكائيل ما وجع الرّجل فقال ميكائيل هو مطبوب فقال جبرئيل ومن طبّه قال لبيد بن اعصم اليهوديّ ثم ذكر الحديث وعن الصادق عليه السلام انّه سئل عن المعوّذتين اهما من القرآن فقال نعم هما من القرآن فقال الرجل ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه فقال عليه السلام اخطأ ابن مسعود وقال كذب ابن مسعود هما من القرآن قال الرجل فاقرأ بهما في المكتوبة قال نعم وهل تدري ما معنى المعوذتين وفي ايّ شيء انزلتا انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله سحره لبيد بن عاصم اليهودي فقال ابو بصير وما كاد أو عسى ان يبلغ من سحره.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
قال الصادق عليه السلام بلى كان يرى النبيّ صلّى الله عليه وآله انه يجامع وليس يجامع وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده والسحر حقّ وما سلّط السّحر الاّ على العين والفرج فأتاه جبرئيل فأخبره بذلك فدعا عليّاً عليه السلام وبعثه ليستخرج ذلك من بئر ازوان وذكر الحديث وروت العامّة ما يقرب من ذلك.
والقمّي عن الصادق كان سبب نزول المعوذّتين انّه وعك رسول الله صلّى الله عليه وآله فنزل عليه جبرئيل بهاتين السورتين فعوّذه بهما وفي المجمع ما يقرب منه.
والقمّي عن الباقر عليه السلام قيل له انّ ابن مسعود كان يمحو المعوّذتين من المصحف فقال كان ابي يقول انّما فعل ذلك ابن مسعود برأيه وهما من القرآن.
وفي الكافي عن جابر قال امّنا ابو عبد الله عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ المعوّذتين ثم قال هما من القرآن.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام قال من اوتر بالمعوّتين وقل هو الله احد قيل له يا عبد الله ابشر فقد قبل الله وترك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
| | 1 | 2 | |
| --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ | * تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) | { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } اى من شرّ النّفوس اللاّتى يعقدن على الشّعور والخيوط وينفثن فيها ويسحرن النّاس بها، او النّساء اللاّتى يفعلن ذلك.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير فرات الكوفي/ فرات الكوفي (ت القرن 3 هـ) | قال أبو الخير [مقداد بن علي] حدثنا أبو القاسم عبد الرحمان بن محمد بن عبد الرحمان العلوي الحسني قال: حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمرو [ب: عمر] الخراز (الخزاز) قال: حدثنا إبراهيم - يعني ابن محمد بن ميمون - عن عيسى يعنى ابن محمد عن [أبيه عن] جده:
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: **" سحر لبيد بن أعصم اليهودي وأم عبد الله اليهودية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عقد من قز أحمر وأخضر وأصفر فعقدوه له في إحدى عشر عقدة ثم جعلوه في جف من طلع - قال: يعني قشور اللوز [ر: الكف!]- ثم أدخلوه في بئر بوادٍ [أ: وادى] في المدينة [أ: بالمدينة] في مراقي البئر تحت راعوفة - يعني الحجر الخارج - فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً لا يأكل ولا يشرب ولا يسمع ولا يبصر ولا يأتي النساء!!! فنزل عليه جبرئيل عليه السلام ونزل معه بالمعوذتين [ن: بالمعوذات] فقال له: يا محمد ما شأنك؟ قال: ما أدري أنا بالحال الذي ترى! فقال: إن [ر: قال: فإن] أم عبد الله ولبيد بن أعصم سحراك، وأخبره بالسحر [و] حيث هو. ثم قرأ جبرئيل عليه السلام: { بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق } فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك فانحلت عقدة ثم لم يزل يقرأ آية ويقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنحل عقدة حتى أقرأها عليه إحدى عشر آية وانحلت إحدى عشر عقدة وجلس النبي ودخل أمير المؤمنين عليه السلام فأخبره بما جاء به [ر: أخبره] جبرئيل [به. ر] وقال [له. ب]: انطلق فاتني بالسحر فخرج علي فجاء به فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنقض ثم تفل [أ: ثقل] عليه وأرسل إلى لبيد بن أعصم وأم عبدالله اليهودية فقال: ما دعاكم إلى ما صنعتم؟! ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على لبيد وقال: لا أخرجك الله من الدنيا سالماً قال: وكان موسراً كثير المال فمر به غلام يسعى في أذنه قرط قيمته دينار فجاذبه فخرم أذن الصبي فأخذ وقطعت يده فمات من وقته [ب، ر: وقتها] ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير الأعقم/ الأعقم (ت القرن 9 هـ) | { قل أعوذ برب الفلق } قيل: كل موضع من القرآن فيه قل فإنه يقدمه سؤال كقوله: يسألونك عن الأنفال ونظائرها والخطاب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي قل يا محمد، والمراد جميع أمته { أعوذ } أمتنع وأعتصم { برب الفلق } الصبح، ومنه فالق الاصباح، وقيل: الفجر، وقيل: شجر في جهنم، وقيل: الفلق بيت في النار إذا فتح صاح جميع من في النار من شدة حرته، وقيل: الفلق جميع الخلق، وقيل: جب في جهنم، وقيل: وادي في جهنم، وقيل: الحب والنوى يتعلق بالنبات { من شر ما خلق } أي من شر جميع الخلق، وقيل: ما بمعنى المصدر أي من شر خلقه، وقيل: من شر ذي شر مما خلق والجن والانس والسباع والطيور والهوام، وقيل: هو استعاذة من كل مكروه فانه ينزل كل شر في الدين والدنيا من علماء السوء وأهل البدع، فأمر بالاستعاذة من الجميع { ومن شر غاسق إذا وقب } أي من شر الليل إذا دخل بظلامه، سمي بذلك لظلمته، والمراد ما يحدث في الليل من الشر والمكروه، وخصّ الليل بالذكر لأنَّ الغالب من الشرّ يقع فيه، والغساق يقدمون على الجنايات فيه ليلاً وكذلك السباع والهوام، أما الناس والسباع وكثير من الانس والجن فشرهم في الليل والظلمة، وقيل: الغاسق القمر، وقيل: الثريا إذا سقطت وكانت الاشعاع تكثر في ذلك الوقت وترتفع إذا طلعت { ومن شر النفاثات في العقد } قيل: السحر، وذكر ابو مسلم أن النفاثات في العقد هي النساء { ومن شر حاسد إذا حسد } قيل: لأنه عند الحسد يبتغ الغوائل ويتمنى زوال النعمة فأمر بالتعويذ منه.
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|
سُورَةُ الفَلَقِ | Meccan | قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ | * تفسير تفسير كتاب الله العزيز/ الهواري (ت القرن 3 هـ) | تفسير سورة الفلق، وهي مكية كلها
{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: **" الفلق سجن في جهنم "** وقال جابر بن عبد الله: الفلق فلق الصبح. وقال الحسن مثله، وكل شيء تفلق من الحب والنوى للنبات. { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } أي: ومن شر الليل إذا أطبق. قال بعضهم: عن ابن عباس في قوله تعالى:**{ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ }** [الإِسراء:78] أي اجتماع الليل وظلمته. ذكر ذلك داود بن حصين عن ابن عباس. وقال بعضهم: بدو الليل.
قال تعالى: { وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } وهن السواحر ينفثن في العقد للسحر.
قال تعالى: { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } يحيى عن الحسن بن دينار عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **" غُمّوا هذا الحسد بينكم فإنه من الشيطان، وإنه ما من أحد إلا وهو يعرض له منه شيء، وإنه ليس بضائر عبداً لم يَعْدُ بلسان أو يد ".**
| | | | | |
| --- | --- | --- | --- | --- |
|